التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1564 [ ص: 94 ] حديث تاسع لابن شهاب عن عبيد الله

مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ، فقال : إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم بيعوها ولو بضفير . قال ابن شهاب : لا أدري أبعد الثالثة أم الرابعة .


هكذا روى مالك هذا الحديث عن ابن شهاب بهذا الإسناد وتابعه على إسناده عن ابن شهاب يونس بن يزيد ، ويحيى بن سعيد ، ورواه عقيل ، والزبيدي وابن أخي الزهري ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله أن شبلا أو شبل بن خالد المزني ، أخبره أن عبد الله بن مالك الأوسي أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة ، وذكروا الحديث ، إلا أن عقيلا وحده قال : مالك بن عبد الله الأوسي ، وقال الزبيدي وابن أخي الزهري : عبد الله بن مالك ، وكذلك قال يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن شبل ، عن حامد المزني ، عن عبد الله بن مالك الأوسي ، فجمع يونس بن يزيد [ ص: 95 ] الإسنادين جميعا في هذا الحديث وانفرد مالك فيه بإسناد واحد ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، عن أبي هريرة وزيد . وعند عقيل ، والزبيدي ، وابن أخي الزهري فيه أيضا إسناد واحد ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، عن شبل ، عن عبد الله بن مالك ، وجمع يونس الحديثين جميعا ، ورواه ابن عيينة ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، عن أبي هريرة ، وزيد بن خالد ، وشبل ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال : إذا زنت فاجلدوها وذكر الحديث . هكذا قال ابن عيينة في هذا الحديث . فجعل شبلا مع أبي هريرة وزيد بن خالد فأخطأ ، وأدخل إسناد حديث في آخر ولم يقم حديث شبل . قال أحمد بن زهير : سمعت يحيى بن معين يقول : شبل هذا لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، وقال عباس : سمعت يحيى بن معين يقول : ليس لشبل صحبة ، يقال : إنه شبل بن معبد ، ويقال : شبل بن حامد ، قال : وأهل مصر يقولون : شبل بن حامد ، عن عبد الله بن مالك الأوسي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال يحيى بن معين : وهذا عندي أشبه ، لأن شبلا ليس له صحبة ، وقال محمد بن يحيى النيسابوري : جمع ابن عيينة في حديثه هذا أبا هريرة ، وزيد بن خالد ، وشبلا ، وأخطأ في ضمه شبلا إلى أبي هريرة وزيد بن خالد في هذا الحديث . قال : وإن كان عبيد الله بن عبد الله قد جمعهم في حديث الأمة ، فإنه رواه عن أبي [ ص: 96 ] هريرة وزيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن شبل ، عن عبد الله بن مالك الأوسي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فترك ابن عيينة عبد الله بن مالك وضم شبلا إلى أبي هريرة وزيد ، فجعله حديثا واحدا ، وإنما هذا حديث وذاك حديث ، قد ميزهما يونس بن يزيد ، قال : وتفرد معمر ومالك بحديث أبي هريرة ، وزيد بن خالد ، قال : وروى الزبيدي وعقيل وابن أخي الزهري حديث شبل ، فاجتمعوا على خلاف ابن عيينة .

قال أبو عمر :

هكذا قال محمد بن يحيى أن معمرا ومالكا انفردا بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد ، وأقول : أن قد تابعهما يحيى بن سعيد الأنصاري من رواية الأوسي : حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال ، قال : حدثني أبو بكر بن أبي أويس ، عن سليمان بن بلال ، قال : قال يحيى : وأخبرني ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حدثه أن أبا هريرة ، وزيد بن خالد حدثاه أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسأل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن . فذكر الحديث .

قال أبو عمر :

وزعم الطحاوي أنه لم يقل أحد في هذا الحديث : ولم تحصن ، إلا مالك ، وليس كما ذكر ، لأنا قد وجدنا أن ابن عيينة قد تابعه على ذلك .

[ ص: 97 ] وكذلك في رواية يحيى بن سعيد عن ابن شهاب لهذا الحديث " إذا زنت ولم تحصن " على ما قدمنا بالإسناد المذكور ، وسائر من روى هذا الحديث عن ابن شهاب بالإسنادين جميعا ، لم يقل أحد منهم فيه : ولم تحصن ، غير مالك ، وابن عيينة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري .

وقد روى هذا الحديث سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - لم يذكر فيه : ولم تحصن ، رواه جماعة عن سعيد بن أبي سعيد لم يذكروا ذلك فيه .

وممن رواه عن سعيد بن أبي سعيد ، الليث بن سعد ، وأسامة بن زيد ، وعبد الرحمن بن إسحاق ، وأيوب بن موسى ، وعبيد الله بن عمر ، وإسماعيل بن أمية : حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى القطان ، عن عبيد الله ، يعني ابن عمر ، قال : حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - قال : إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يعيرها - ثلاث مرات - فإن عادت في الرابعة فليجلدها وليبعها بضفير أو بحبل من شعر وفي رواية إسماعيل بن أمية : إذا زنت وليدة أحدكم فتبين زناها وفي رواية أيوب بن موسى ، [ ص: 98 ] فليجلدها الحد ولا نعلم أحدا ذكر فيه الحد غيره ، وكلهم قال فيه : ولا يعيرها ولا يثرب عليها وروى هذا الحديث عن ابن شهاب ، عمارة بن أبي فروة ، وإسحاق بن راشد ، فأخطأ فيه ، قال فيه : عمارة بن أبي فروة ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، وعمرة ، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا زنت الأمة ، فاجلدوها وقال فيه إسحاق بن راشد عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، والطريقان جميعا خطأ ، وروى حديث عمارة ، عن الليث ، عن زيد بن أبي حبيب ، عن عمارة ، ومن أصحاب الليث بن سعد من يقول فيه : عن عروة ، عن عمرة ، عن عائشة .

وأجمع العلماء على أن الأمة إذا تزوجت فزنت ، أن عليها نصف ما على الحرة البكر من الجلد ; لقول الله عز وجل : فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب والإحصان في كلام العرب على وجوه ، منها : الإسلام ، ومنها العفة ، ومنها التزويج ، ومنها الحرية ، إلا أنه في الإماء هاهنا على وجهين ، منهم من يقول : فإذا أحصن : زوجن أو تزوجن ، ومنهم من يقول : إحصانها : إسلامها ، فمن قرأ أحصن - بفتح الألف - فمعناه : تزوجن أو أسلمن على مذهب من قال ذلك ، وأما من قرأ - بضم الألف - فمعناه زوجن أي أحصن بالأزواج [ ص: 99 ] - يريد أحصنهن غيرهن - يعني الأزواج بالنكاح ، وقد قيل : أحصن بالإسلام ، فالزوج يحصنها والإسلام يحصنها ، والمعنيان متداخلان في القولين ، فممن قرأ بضم الألف وكسر الصاد في أحصن : ابن عباس وأبو الدرداء ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وطاوس ، وعكرمة ، وابن كثير ، والأعرج ، وأبو جعفر ، ونافع ، وسلام ، والقاسم ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو رجاء ، ومحمد بن سيرين ، على اختلاف عنه ، وأبو عمرو ، وقتادة ، وعيسى ، وسلام ، ويعقوب ، وأيوب بن المتوكل ، وابن عامر ، وأبو عبد الرحمن المقرئ .

واختلف في ذلك عن الحسن ، وعاصم ، فروي عنهما الوجهان جميعا . وكان ابن عباس يقول : إذا أحصن بالأزواج ، وكان يقول : ليس على الأمة حد حتى تحصن بزوج ، وروى عطية بن قيس ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء مثله . وهو مذهب كل من قرأ بهذه القراءة . وروى أهل مكة عن عمر بن الخطاب ما يضارع هذا المذهب ، روى عمرو بن دينار ، وعطاء بن أبي رباح ، عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، عن أبيه ، أنه سأل عمر بن الخطاب ، عن الأمة كم حدها ؟ فقال : ألقت فروتها وراء الدار ، قال أبو عبيد : لم يرد عمر - رحمه الله - بقوله هذا الفروة [ ص: 100 ] بعينها لأن الفروة جلدة الرأس . كذا قال الأصمعي ، وكيف تلقي جلدة رأسها من وراء الدار ، ولكن إنما أراد بالفروة القناع ، يقول : ليس عليها قناع ولا حجاب ; لأنها تخرج إلى كل موضع يرسلها أهلها إليه ، لا تقدر على الامتناع من ذلك ; ولذلك لا تكاد تقدر على الامتناع من الفجور . فكأنه رأى أن لا حد عليها إذا فجرت بهذا المعنى . قال : وقد روي تصديق هذا في حديث مفسر حدثناه يزيد عن جرير بن حازم ، عن عيسى بن عاصم ، قال : تذاكرنا يوما قول عمر هذا ، فقال سعيد بن حرملة : إنما ذلك من قول عمر في الرعايا فأما اللواتي قد أحصنهن مواليهن ، فإنهن إذا أحدثن جردن ، قال أبو عبيد : أما الحديث : فرعايا ، وأما العربية : فرواعي .

قال أبو عمر :

ظاهر حديث عمر أن لا حد على الأمة ، إلا أن تحصن بالتزويج ، وقد قيل إن معناه أن لا حد على الأمة - كانت ذات زوج أو لم تكن - لأنها لا حجاب عليها ولا قناع وإن كانت ذات زوج .

[ ص: 101 ] وقد روي عن ابن عباس : أن لا حد على عبد ولا ذمي ، وهو محتمل يحتمل التأويل ، وروي عنه أيضا : أن ليس على الأمة حد حتى تحصن بحر ، رواه ابن عيينة عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عنه . وهو قول طاوس وعطاء . روى ابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه أنه كان لا يرى على العبد حدا ، إلا أن ينكح الأمة حر فيحصنها فيجب عليها شطر الجلد ، قال ابن جريج : قلت لعطاء : فزنى عبد ولم يحصن ، قال : جلد غير حد .

قال أبو عمر :

هذا مذهب كل من لا يرى على الأمة حدا حتى تنكح ، أنها تؤدب وتجلد دون الحد إذا زنت . وتأولوا حديث أبي هريرة وزيد بن خالد على هذا المعنى . وممن قرأ بفتح الألف والصاد - أحصن - علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وشيبة بن نصاح ، ومسلم بن جندب ، والزهري ، وعطاء ، والشعبي ، وزر بن حبيش ، والأسود بن يزيد ، وإبراهيم النخعي ، ويحيى بن وثاب ، والأعمش ، وطلحة بن مصرف ، وعيسى الكوفي ، وطلحة بن سليمان ، وخلف بن هشام ، وابن أبي ليلى ، وأبان بن ثعلب ، وعاصم الحجدري ، وعمرو بن ميمون ، والحكم بن عتيبة ، ويونس بن عبيد ، وحمزة ، والكسائي ، وابن إدريس .

[ ص: 102 ] واختلف في ذلك عن عاصم ، والحسن ، وابن سيرين ، وكل هؤلاء يرون الحد على الأمة إذا زنت . وهي مسلمة ذات زوج كانت أو غير ذات زوج خمسين جلدة ، وتأويل " أحصن " عند هؤلاء من أهل العلم على وجهين : أحدهما أسلمن ، والثاني : عففن ، وليس " عففن " بشيء ; لأنه يستحيل أن يكون : " عففن " فإن أتين بفاحشة يعني الزنا والله أعلم .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا حجاج ، قال هارون : أخبرني معمر ، عن الزهري ، قال : سألته عنها فقال تقرأ " أحصن " مفتوحة الألف ، وتفسيره على وجهين : على : أسلمن وعففن .

ورواه وهيب عن هارون فجعل التفسير من قول هارون ، قال وهيب : أخبرنا هارون عن معمر ، عن الزهري : فإذا أحصن - منصوبة - قال هارون : وتفسير هذا على وجهين : بعضهم يقول : إذا أسلمن ، وبعضهم يقول : إذا عففن .

وروى الثوري عن حماد ، عن إبراهيم : أن معقل بن مقرن المزني ، جاء إلى عبد الله بن مسعود فقال : إن جارية لي زنت ، قال : اجلدها خمسين ، قال : ليس لها زوج ، قال : إسلامها إحصانها . وروى أبو إسحاق ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه أنه كان يقرأ فإذا أحصن يقول : فإذا أسلمن .

[ ص: 103 ] وروى أهل المدينة عن عمر بن الخطاب ما وافق هذا المعنى وهو أصح إن شاء الله .

رواه يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن سليمان بن يسار ، قال : أخبرني عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، قال : أحدث ولائد من رقيق الإمارة ، فأمر بهن عمر بن الخطاب ، وأمر شبابا من شباب قريش فجلدوهن الحد ، قال : فكنت فيمن جلدوهن . رواه عن يحيى بن سعيد . مالك ، وابن جريج ، وابن عيينة ، وغيرهم ، وروى معمر عن الزهري : أن عمر بن الخطاب جلد ولائد من الخمس أبكارا في الزنا .

قال أبو عمر :

فهذا خلاف حديث ألقت فروتها من وراء الدار عن عمر وهو أثبت . واختلف عن أنس في هذه المسألة ، فروى سلام بن مسكين ، عن حبيب بن أبي فضالة ، عن صالح بن كريز ، عن أنس أنه قال في أمة له : لا تجلدوها ، وما كان عليك من ذنب فعلي .

وروى هشيم ، عن داود ، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس قال : شهدت أنس بن مالك يضرب إماءه الحد إذا زنين - تزوجن أو لم يتزوجن - وروى معمر عن الزهري ، عن سالم ، ابن عمر في الأمة إذا زنت ، قال : إذا [ ص: 104 ] كانت ليست ذات زوج جلدها سيدها نصف ما على المحصنات من العذاب ، وإن كانت ذات زوج رفع أمرها إلى السلطان .

قال أبو عمر :

ظاهر قول الله عز وجل يقضي أن لا حد على الأمة وإن كانت مسلمة إلا بعد التزويج ، ثم جاءت السنة بجلدها وإن لم تحصن ، فكان ذلك زيادة بيان .

قال الله عز وجل : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات فوصفهن بالإيمان ثم قال : فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة .

والإحصان : التزويج هاهنا ، لأن ذكر الإيمان قد تقدم ، ثم جاءت السنة في الأمة إذا زنت ولم تحصن ، فقيل : جلد دون الحد ، وقيل : بل الحد ويكون زيادة بيان كنكاح المرأة على عمتها وخالتها ، ونحو ذلك مما يطول ذكره . وقد مضى مكررا هذا المعنى في غير موضع من كتابنا هذا والحمد لله . قال الزهري : مضت السنة أن يحد العبد والأمة أهلوهم في الزنا ، إلا أن يرفع أمرهم إلى السلطان ، فليس لأحد أن يفتات عليه .

[ ص: 105 ] قال أبو عمر :

روى الثوري عن عبد الأعلى ، عن ميسرة ، عن علي ، أن النبي - عليه السلام - قال : أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم .

واختلف الفقهاء في القول بهذا الحديث ، فقال مالك : يحد المولى عبده وأمته في الزنا وشرب الخمر والقذف ، إذا شهد عنده الشهود ، ولا يقطعه في السرقة ، وإنما يقطعه الإمام . وهو قول الليث ، وقال أبو حنيفة : يقيم الحدود على العبيد والإماء السلطان دون المولى في الزنا وفي سائر الحدود . وهو قول الحسن بن حي ، وقال الثوري في رواية الأشجعي عنه : يحده المولى في الزنا ، وهو قول الأوزاعي ، وقال الشافعي : : يحده المولى في كل حد ، ويقطعه وحجته قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها . وقوله - صلى الله عليه وسلم - أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم .

وروي عن جماعة من الصحابة أنهم أقاموا الحدود على عبيدهم ، منهم ابن عمر ، وابن مسعود ، وأنس ، ولا مخالف لهم من الصحابة ، وروي عن ابن أبي ليلى قال : أدركت بقايا الأنصار يضربون الوليدة من ولائدهم إذا زنت في مجالسهم .

وحجة أبي حنيفة ومن قال بقوله ، ما روي عن الحسن ، وعبد الله بن محيريز ، ومسلم بن يسار ، أنهم قالوا : الجمعة والزكاة والحدود والفيء والحكم ، إلى السلطان ، وروي عن الأعمش أنه ذكر له إقامة عبد الله بن مسعود حدا بالشام ، فقال الأعمش : هم أمراء حيثما كانوا .

[ ص: 105 ] وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديثنا المذكور في هذا الباب : ثم ليبعها ولو بضفير . فهذا على وجه الاختيار والحض على مباعدة الزانية ، لما في ذلك من الاطلاع ربما على المنكر والمكروه ، ومن العون على الخبث . قالت أم سلمة : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث . وتفسيره عند أهل العلم أولاد الزنا .

وقد احتج بهذا الحديث من لم ير نفي الإماء بعد إقامة الحد عليهن ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها . ولم يقل : فانفوها ، وقد تقدم اختلاف العلماء في نفي الزناة في الباب قبل هذا والحمد لله .

وأجمع الفقهاء أن الأمة الزانية ليس بيعها بواجب لازم على ربها ، وإن اختاروا له ذلك ، وقال أهل الظاهر بوجوب بيعها إذا زنت في الرابعة ، منهم داود وغيره .

وفي هذا الحديث دليل على أن التغابن في البيع ، وأن المالك الصحيح الملك جائز له أن يبيع ما له القدر الكبير بالتافه اليسير ، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء إذا عرف قدر ذلك . واختلفوا فيه إذا لم يعرف قدر ذلك ، فقال قوم : إذا عرف قدر ذلك جاز ، كما تجوز الهبة لو وهب . وقال آخرون : عرف قدر ذلك أو لم يعرف ، فهو جائز إذا كان رشيدا حرا بالغا .

[ ص: 107 ] والحجة لمن ذهب هذا المذهب قوله - صلى الله عليه وسلم - : دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ، ولا يبع حاضر لباد . وسنوضح هذا المعنى في أولى المواضع به من كتابنا هذا إن شاء الله . والضفير : الحبل ، قيل : من سعف النخيل ، وقيل : حبل الشعر ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية