التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1512 [ ص: 113 ] حديث حادي عشر لابن شهاب عن عبيد الله

مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجارية له سوداء فقال : يا رسول الله ، إن علي رقبة مؤمنة ، فإن كنت تراها مؤمنة أعتقها ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتشهدين أن لا إله إلا الله ؟ قالت : نعم ، قال : فتشهدين أن محمدا رسول الله ؟ قالت : نعم ، قال : أتوقنين بالبعث ؟ قالت : نعم ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعتقها .


هكذا روى يحيى هذا الحديث فجود لفظه ، ورواه ابن بكير ، وابن القاسم بإسناده مثله ، إلا أنهما لم يذكرا " فإن كنت تراها مؤمنة " قالا : يا رسول الله ، علي رقبة مؤمنة أفأعتق هذه .

ورواه القعنبي بإسناده مثله وحذف منه أن علي رقبة مؤمنة وقال : إن رجلا الأنصار أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجارية له سوداء فقال : يا رسول الله ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتشهدين . وذكر الحديث .

[ ص: 114 ] وفائدة الحديث : قوله إن علي رقبة مؤمنة ولم يذكره القعنبي ، ورواه ابن وهب عن يونس بن يزيد ، بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، أن رجلا من الأنصار أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجارية له سوداء ، فقال : يا رسول الله ، إن علي رقبة مؤمنة أفأعتق هذه ؟ وساق الحديث إلى آخره مثل رواية ابن القاسم وابن بكير سواء ، لم يقل : فإن كنت تراها مؤمنة أعتقها . ولم يختلف رواة الموطأ في إرسال هذا الحديث ، ورواه الحسين بن الوليد ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ حديث الموطأ سواء وجعله متصلا عن أبي هريرة مسندا ، ورواه الحسين هذا أيضا ، عن المسعودي ، عن عون بن عبد الله بن عتبة ، عن عبيد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، إلا أنه زاد في حديث المسعودي : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعتقها فإنها مؤمنة . وليس في الموطأ - فإنها مؤمنة - وهذا الحديث ، وإن كان ظاهره في رواية مالك ، فإنه محمول على الاتصال للقاء عبيد الله جماعة من الصحابة .

[ ص: 115 ] وقد رواه معمر عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن رجل من الأنصار ، أنه جاء بأمة له سوداء ، فقال : يا رسول الله ، إن علي رقبة مؤمنة ، فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها . وساق الحديث بمثل رواية يحيى إلى آخرها ، ورواية معمر ظاهرها الاتصال .

وروى هذا الحديث عن عبيد الله ، عون بن عبد الله أخوه ، فجعله عن أبي هريرة ، وخالف في لفظه وفي معناه ، حدثني أحمد بن قاسم ، عن عبد الرحمن ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا عاصم بن علي وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن العوام ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا المسعودي ، عن عون بن عبد الله ، عن عبيد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة ، قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجارية أعجمية ، فقال : يا رسول الله ، إن علي رقبة مؤمنة أفأعتق هذه ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أين الله ؟ فأشارت إلى السماء ، فقال لها : فمن أنا ؟ فأشارت إليه وإلى السماء ، أي أنت رسول الله ، قال : أعتقها فإنها مؤمنة .

[ ص: 116 ] وهذا المعنى رواه مالك عن هلال بن أسامة ، وسيأتي القول فيه في باب هلال إن شاء الله .

وفي حديث مالك هذا من الفقه ، أن من شرط الشهادة التي بها يخرج من الكفر إلى الإيمان ، مع الإقرار بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله الإقرار بالبعث بعد الموت . وقد أجمع المسلمون على أن من أنكر البعث فلا إيمان له ولا شهادة ، وفي ذلك ما يغني ويكفي ، مع ما في القرآن من تأكيد الإقرار بالبعث بعد الموت ، فلا وجه للإنكار في ذلك . وفيه أن من جعل على نفسه رقبة مؤمنة نذر أن يعتقها ، أو وجبت عليه من كفارة قتل ، لم يجزه غير مؤمنة ، وإنما قلنا : من نذر أو كفارة قتل ; لأن كفارة الظهار والأيمان قد اختلف في ذلك ، فقيل : إنه يجزي فيها غير مؤمنة ، وللكلام في ذلك موضع غير هذا .

وروى يزيد بن هارون عن هشام ، عن الحسن ، قال : كل شيء في كتاب الله : فتحرير رقبة مؤمنة ، فمن قد صام وصلى وعقل ، وإذا قال : فتحرير رقبة ، فما شاء .

وفي هذا الحديث دليل على أن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فهو مؤمن إذا كان قلبه مصدقا لما ينطق به لسانه .

[ ص: 117 ] وفيه دليل على أن من شهد بهذه الشهادة ، جاز عتقه عمن عليه رقبة مؤمنة ، وإن لم يكن صام وصلى ، وكذلك العربي بين أبوين مسلمين لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسأل الجارية عن غير الشهادة كما في الحديث .

وقد احتج بهذا الحديث من قال : إن الإيمان قول وإقرار دون عمل ، وظاهره فيه دليل على ذلك ، لكن هاهنا دلائل غير هذا الحديث تدل على أن الإيمان قول وعمل ، يأتي ذكرها في باب ابن شهاب عن سالم إن شاء الله . وأما قول من قال من أهل العلم : إن من كانت عليه رقبة مؤمنة من كفارة قتل أو غير ذلك ، فإنه لا يجزئ فيه إلا من صام وصلى وعقل الإيمان ، فمحمل ذلك عند أهل العلم مدافعة جواز عتق الطفل في كفارة القتل ، وممن روي عنه أنه لا يجزئ في كفارة القتل ، إلا من صام وصلى وعقل الإيمان ، وأنه لا يجزئ الطفل وإن كان أبواه مؤمنين : ابن عباس والشعبي ، والحسن ، والنخعي ، وقتادة . وروي عن عطاء قال : كل رقبة ولدت في الإسلام فهي تجزئ ، وهو قول الزهري فيمن أحد أبويه مسلم .

قال : الأوزاعي سألت الزهري أيجزئ عتق الصبي المرضع في كفارة الدم ؟ قال : نعم لأنه ولد على الفطرة . وهو قول الأوزاعي ، وقال أبو حنيفة : إذا كان أحد أبويه مؤمنا ، جاز عتقه في كفارة القتل . وهو قول الشافعي ، إلا أن الشافعي يستحب أن لا يعتق إلا من يتكلم بالإيمان واختلف قول [ ص: 118 ] مالك وأصحابه على هذين القولين ، إلا أن مالكا يراعي إسلام الأب ولا يلتفت إلى الأم ، وأما الصبي من السبي ، فسنذكر حكمه في الصلاة عليه إذا مات في باب أبي الزناد إن شاء الله . وقال سفيان الثوري فيما روى عنه الأشجعي ، قال : لا يجزي في كفارة القتل الصبي ، ولا يجزي إلا رقبة مسلمة من صام وصلى .

قال أبو عمر :

وأجمع علماء المسلمين أن من ولد بين أبوين مسلمين وإن لم يبلغ حد الاختيار والتمييز ، فحكمه حكم الإيمان في الموارثة والصلاة عليه إن مات ، وما يجب له وعليه في الجنايات والمناكحات . وحدثني خلف بن القاسم ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ، وعمر بن محمد بن القاسم ، قالا : حدثنا بكر بن سهل ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : فتحرير رقبة مؤمنة قال : من قد عقل الإيمان وصام وصلى .

حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا محمد بن سليمان ، وموسى بن معاوية ، قالا : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : ما كان في القرآن من رقبة مؤمنة ، فلا يجزئ إلا من صام وصلى ، وما كان في القرآن رقبة ليست مؤمنة فالصبي يجزئ ، وعبد الرزاق ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم مثله ، إلا أنه قال : قد صلى ، وما لم تكن مؤمنة ، فيجزئ ما لم يصل - لم يذكر الصيام - والذي عليه الفقهاء أن عتق الصبي الذي أبواه مؤمنان يجزئ في الكفارة ، وإن استحبوا البالغ

التالي السابق


الخدمات العلمية