التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
165 [ ص: 210 ] حديث أول لابن شهاب ، عن سالم - مسند

مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ( ، عن أبيه ) ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه ، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ، وقال : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد وكان لا يفعل ذلك في السجود .


هكذا رواه يحيى عن مالك لم يذكر فيه الرفع عند الانحطاط إلى الركوع ، وتابعه على ذلك ، جماعة من الرواة للموطأ عن مالك ، منهم : القعنبي وأبو مصعب ، وابن بكير ، وسعيد بن الحكم بن أبي مريم ، ومعن بن عيسى ، والشافعي ، ويحيى بن يحيى النيسابوري ، وإسحاق بن الطباع ، وروح بن عبادة ، وعبد الله بن نافع الزبيري ، وكامل بن طلحة ، وإسحاق بن إبراهيم الحنيني ، وأبو حذافة ، أحمد بن إسماعيل ، وابن وهب في رواية ابن أخيه عنه ، ورواه ابن وهب ، وابن القاسم ، ويحيى بن سعيد القطان ، وابن أبي أويس ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وجويرية بن أسماء ، وإبراهيم بن طهمان ، وعبد الله بن المبارك ، وبشر بن عمر ، وعثمان بن عمر ، وعبد الله بن يوسف ، التنيسي ، وخالد بن مخلد ، [ ص: 211 ] ومكي بن إبراهيم ، ومحمد بن الحسن الشيباني ، وخارجة بن مصعب ، وعبد الملك بن زياد النصيبي ، وعبد الله بن نافع الصائغ ، وأبو قرة موسى بن طارق ، ومطرف بن عبد الله ، وقتيبة بن سعيد ، كل هؤلاء رووه عن مالك ، فذكروا فيه الرفع عند الانحطاط إلى الركوع ، قالوا فيه : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة حذو منكبيه ، وإذا ركع ، وإذا رفع رأسه من الركوع .

ذكر الدارقطني الطرق عن أكثرهم ، عن مالك - كما ذكرنا - وهو الصواب . وكذلك رواه سائر من رواه عن ابن شهاب وممن روينا ذلك عنه من أصحاب ابن شهاب : الزبيدي ، ومعمر ، والأوزاعي ، ومحمد بن إسحاق ، وسفيان بن حسين ، وعقيل بن خالد ، وشعيب بن أبي حمزة ، وابن عيينة ، ويونس بن يزيد ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وعبد الله بن عمر ، كلهم رووا هذا الحديث ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رواه ابن وهب ومن ذكرنا معه من أصحاب مالك ، وقد ذكرنا طرق هذا الخبر في غير هذا الكتاب ، وتركنا الأسانيد عن هؤلاء في ذلك ههنا خشية الإطالة ، وقال جماعة من أهل العلم إن إسقاط ذكر الرفع عند الانحطاط في هذا الحديث ، إما أتى من مالك ، [ ص: 212 ] وهو الذي كان ربما وهم فيه ، لأن جماعة حفاظا ، رووا عنه الوجهين جميعا .

قال أبو عمر :

هذا الحديث أحد الأحاديث الأربعة التي رفعها سالم ، عن أبيه ، عن النبي - عليه السلام - وأوقفها نافع على ابن عمر ، فمنها ما جعله من قول ابن عمر وفعله ، ومنها ما جعله عن ابن عمر عن عمر ، والقول فيها قول سالم ، ولم يلتفت الناس فيها إلى نافع ، فهذا أحدها ، والثاني : من باع عبدا وله مال ، جعله نافع عن ابن عمر عن عمر قوله ، والحديث الثالث : الناس كإبل مائة ، لا تكاد تجد فيها راحلة ، والرابع : فيما سقت السماء والعيون أو كان بعلا العشر ، وما سقي بالنضح نصف العشر .

وفي هذا الحديث من الفقه ، رفع اليدين في المواضع المذكورة فيه ، وذلك عند أهل العلم تعظيم لله وابتهال إليه ، واستسلام له ، وخضوع للوقوف بين يديه ، واتباع لسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .

واختلف العلماء في رفع اليدين في الصلاة ، فروى ابن القاسم وغيره عن مالك أنه كان يرى رفع اليدين في الصلاة ضعيفا ، إلا في تكبيرة الإحرام وحدها ، وتعلق بهذه الرواية عن مالك أكثر المالكيين ، وهو قول [ ص: 213 ] الكوفيين : سفيان الثوري ، وأبي حنيفة وأصحابه ، والحسن بن حي ، وسائر فقهاء الكوفة قديما وحديثا .

قال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي - رحمه الله - في كتابه في رفع اليدين من الكتاب الكبير : لا نعلم مصرا من الأمصار ينسب إلى أهله العلم قديما ، تركوا بإجماعهم رفع اليدين عند الخفض والرفع في الصلاة ، إلا أهل الكوفة .

وروى ابن وهب ، والوليد بن مسلم ، وسعيد بن أبي مريم ، وأشهب ، وأبو المصعب ، عن مالك ، أنه كان يرفع يديه على حديث ابن عمر - هذا إلى أن مات - فالله أعلم ، وبهذا قال الأوزاعي ، وسفيان بن عيينة ، والشافعي ، وجماعة أهل الحديث ، وهو قول أحمد بن حنبل ، وأبي عبيد ، وأبي إسحاق بن راهويه ، وأبي ثور ، وابن المبارك ، وأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ، وقال دواد بن علي : الرفع عند تكبيرة الإحرام واجب ، ركن من أركان الصلاة . واختلف أصحابه ، فقال بعضهم : الرفع عند الإحرام والركوع والرفع من الركوع واجب ، وقال بعضهم : لا يجب الرفع إلا عند الإحرام ، وقال بعضهم : لا يجب لا عند الإحرام ، ولا غيره ، لأنه فعله ولم يأمر به ، وقال بعضهم : هو كله واجب لقول رسول الله : صلوا كما رأيتموني أصلي .

[ ص: 214 ] وذكر ابن خواز منداد قال : اختلفت الرواية عن مالك في رفع اليدين عند الخفض والرفع في الصلاة ، فقال : يرفع في كل خفض ورفع على حديث ابن عمر ، عن النبي عليه السلام وقد قال : لا يرفع إلا في تكبيرة الإحرام . وهذا قال : لا يرفع أصلا ، قال : والذي عليه أصحابنا الرفع عند الإحرام لا غير . وحجة من ذهب مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك ، ومذهب الكوفيين الموافقين له في ذلك ، حديث البراء بن عازب ، وحديث عبد الله بن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يرفع بعد .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا موسى بن محمد الأنصاري ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء بن عازب ، قال : صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فرفع يديه حتى حاذى أذنيه في أول مرة لم يزد عليها ، قال أحمد بن زهير : سئل يحيى بن معين ، عن يزيد بن أبي زياد فقال : ليس بذاك .

[ ص: 215 ] وأخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد ، قال : حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس ، قال : حدثنا محمد بن جرير ، قال : حدثنا إسماعيل بن موسى الرازي ، قال : حدثنا شريك ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء بن عازب ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة ، رفع يديه حتى تحاذي أذنيه ، ثم لا يعود .

قال أبو عمر :

قال محمد بن عبد الله بن نمير : لم يكن يزيد بن أبي زياد بالحافظ .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا وكيع ، عن عاصم بن كليب ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن علقمة ، قال : قال ابن مسعود : ألا أصلي بكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : فصلى ، فلم يرفع يديه إلا مرة . وهذان حديثان معلولان عند أهل العلم بالحديث ، مرفوعان عند أهل الصحة عندهم ، وسنذكر العلة فيهما عنهم فيما بعد من هذا الباب ، إن شاء الله .

وحجتهم أيضا ، ما رواه نعيم المجمر ، وأبو جعفر القاري ، عن أبي هريرة ، أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ، ويكبر كلما خفض ورفع ، ويقول : أنا أشبهكم صلاة برسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 216 ] قال أبو عمر :

وحجة من رأى الرفع عند كل خفض ورفع ، حديث ابن عمر المذكور في هذا الباب ، وهو حديث ثابت لا مطعن فيه عند أحد من أهل العلم بالحديث ، ورواه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما رواه ابن عمر ثلاثة عشر رجلا من الصحابة رحمهم الله . ذكر ذلك جماعة من المصنفين وأهل الحديث ، منهم أبو داود ، وأحمد بن شعيب ، والبخاري ومسلم ، وغيرهم ، وأفرد لذلك بابا أبو بكر أحمد بن عمر البزار ، وصنف فيه كتابا أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي ، وروي ذلك عن جماعة من الصحابة . سنذكر منهم ما حضرنا ذكره عندهم ، ولم يرو عن أحد من الصحابة ترك الرفع عند كل خفض ورفع ممن لم يختلف عنه فيه إلا عبد الله بن مسعود وحده ، وروى الكوفيون ، عن علي - رضي الله عنه - مثل ذلك . وروى المدنيون عنه الرفع من حديث عبيد الله بن أبي رافع عنه ، وكذلك اختلف عن أبي هريرة ، فروى عنه نعيم المجمر ، وأبو جعفر القاري ، أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ، وروى عنه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، أنه كان يرفع يديه إذا ركع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ; ورواية الأعرج مفسرة ، ورواية نعيم مجملة محتملة للتأويل ، لأنه ليس فيها أنه لم يرفع في غير الإحرام . وقوله : أنا أشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما حكاه عنه أبو سلمة وغيره في التكبير في كل خفض ورفع ، ولا يقاس نعيم وأبو جعفر ، بأبي سلمة [ ص: 217 ] وقد مضى ذكر حديث أبي سلمة فيما مر من هذا الكتاب ، وروي الرفع عند الخفض والرفع أيضا عن جماعة من التابعين بالحجاز والعراق والشام يطول الكتاب بذكرهم ، فذكر أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي أكثرهم ، وذكر بعضهم ابن المنذر .

وذكر أبو بكر الأثرم ، عن أحمد بن حنبل ، وغيره ، من ذلك ما أخبرناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا عبد الحميد بن أحمد بن عيسى الوراق ، قال : حدثنا الخضر بن داود ، قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم ، قال : حدثنا أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا إسماعيل ابن علية ، عن محمد بن إسحاق ، عن الأعرج ، قال : رأيت أبا هريرة يرفع يديه إذا ركع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن أبي الزبير ، قال : كان جابر بن عبد الله إذا كبر رفع يديه ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، رفع يديه ، وزعم أن النبي - عليه السلام - كان يفعل ذلك .

قال : وحدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا روح بن عبادة ، عن زكريا بن إسحاق ، عن أبي الزبير ، قال : رأيت ابن عمر وابن الزبير يرفعان أيديهما إذا ركعا وإذا رفعا ، قال : وحدثنا أحمد بن حنبل ، قال : حدثنا معاذ بن معاذ ، وابن أبي عدي ، وغندر ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعون أيديهم في الصلاة إذا ركعوا وإذا رفعوا كأنها المراوح .

[ ص: 218 ] قال : وحدثنا أحمد ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن ابن المبارك ، عن عكرمة بن عمار ، قال : رأيت القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله يرفعان أيديهما إذا ركعا وإذا رفعا رءوسهما .

قال : وحدثنا سليمان بن حارث ، حدثنا حماد بن زيد ، عن هشام بن الحسن ، ومحمد بن سيرين ، أنهما كانا يرفعان أيديهما إذا كبرا أو إذا ركعا وإذا رفعا .

قال محمد بن سيرين : هو من تمام الصلاة .

قال : أبو بكر وسمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول : حدثنا أبو النصر ، عن الربيع بن صبيح ، قال : رأيت عطاء ، وطاوسا ، ومجاهدا ، والحسن ، وابن سيرين ، ونافعا ، وابن أبي نجيح ، والحسن بن مسلم ، وقتادة ، يرفعون أيديهم عند الركوع وعند الرفع منه . قال : وسمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - يقول : رأيت معمر بن سليمان ، ويحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وإسماعيل ابن علية ، يرفعون أيديهم عند الركوع وإذا رفعوا رءوسهم .

قال أبو عمر :

هذا يدلك من نقل الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - أن أهل الحجاز والشام والبصرة يرفعون ، ويشهد لما قاله أبو عبد الله المروزي أنه لا يعلم مصرا من أمصار المسلمين لا يرفعون أيديهم في الصلاة غير الافتتاح ، إلا أهل الكوفة .

[ ص: 219 ] وروي عن أبي سعيد الخدري ، وأبي موسى الأشعري ، وأنس ، وأبي الدرداء ، أنهم كانوا يرفعون ، وحسبك بما تقدم أنه لم يرو عن أحد من الصحابة ترك الرفع ممن لم يختلف عنه فيه إلا ابن مسعود .

وحدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا أبو الميمون البجلي بدمشق ، قال : حدثنا أبو زرعة الدمشقي ، حدثنا أبو مسهر ، حدثنا عبد الله بن العلاء بن زيد ، عن عمرو بن مهاجر ، عن عمر بن عبد العزيز ، قال : إن كنا لنؤدب عليها بالمدينة ، يعني إذا لم يرفعوا أيديهم في الصلاة ، وقال عمر بن عبد العزيز في ذلك : سالم قد حفظ عن أبيه .

قال أبو عمر :

أما حديث ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان لا يرفع يديه في الصلاة إلا مرة في أول شيء ، فهو حديث انفرد به عاصم بن كليب ، واختلف عليه في ألفاظه ، وقد ضعف الحديث أحمد بن حنبل وعلله ورمى به . وقال وكيع : يقول فيه عن سفيان ، عن عاصم بن كليب ، ثم لا يعود . ومرة يقول : لم يرفع يديه إلا مرة ، وإنما يقوله من قبل نفسه ، لأن ابن إدريس ، رواه عن عاصم بن كليب ، فلم يزد على أن قال : كبر ورفع يديه ثم ركع . ولفظه غير لفظ وكيع . وضعف أحمد الحديث .

ذكره عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه ، حدثناه عبد الوارث ، عن قاسم في مصنفه ، عن عبد الله ، وذكره الأثرم وغيره ، عن أحمد ، وأما حديث البراء بن عازب في ذلك ، فإنه انفرد يزيد بن أبي زياد ، عن [ ص: 220 ] عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن البراء ، فرواه عنه الثقات الحفاظ ، منهم : شعبة ، والثوري ، وابن عيينة ، وهشيم ، وخالد بن عبد الله الواسطي لم يذكر واحد منهم عنه فيه قوله : ثم لا يعود وإنما قاله فيه عنه من لا يحتج به على هؤلاء

وحكى ابن عيينة عنه أنه حدثهم به قديما ، وليس فيه ثم لا يعود ، ثم حدثهم به بعد ذلك ، فذكر فيه ثم لا يعود ، قال : فنظرته فإذا ملحق بين سطرين ذكره أحمد بن حنبل والحميدي ، عن ابن عيينة وذكره أبو داود .

قال أبو عمر :

المحفوظ في حديث يزيد بن أبي زياد ، عن ابن أبي ليلى ، عن البراء كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه في أول مرة .

وقال بعضهم فيه : مرة واحدة . وأما قول من قال فيه : ثم لا يعود ، فخطأ عند أهل الحديث .

وقال أبو داود : في حديث عاصم بن كليب ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، قال : ألا أصلي بكم صلاة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة واحدة .

هذا حديث يختصر من حديث طويل ، وليس بصحيح على هذا المعنى .

وقال أبو بكر أحمد بن عمر البزار : وهو حديث لا يثبت ولا يحتج به .

[ ص: 221 ] قال أبو بكر : سمعت البزار يقوله .

وحدثنا أحمد بن محمد بن أحمد ، حدثنا أحمد بن سعيد ، حدثنا سعيد بن عثمان ، قال : سمعت محمد بن وضاح يقول : الأحاديث التي تروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في رفع اليدين ثم لا يعود كمال كلها .

وقد احتج بعض المتأخرين للكوفيين ومن ذهب مذهبهم في رفع اليدين ، بما حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن الفضل ، حدثنا أبو بكر محمد بن بكار بن يزيد الدمشقي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ابن علية القاضي بدمشق في شوال سنة اثنتين وستين ومائتين ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، قال : حدثنا الأعمش ، عن تميم بن طرفة ، عن جابر بن سمرة ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس ، اسكنوا في الصلاة .

وهذا لا حجة فيه ، لأن الذي نهاهم عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير الذي كان يفعله ، لأنه محال أن ينهاهم عما سن لهم ، وإنما رأى أقواما يعبثون بأيديهم ويرفعونها في غير مواضع الرفع فنهاهم ، عن ذلك .

وكان في العرب القادمين والأعراب من لا يعرف حدود دينه في الصلاة وغيرها ، وبعث - صلى الله عليه وسلم - معلما فلما ، رآهم يعبثون [ ص: 222 ] بأيديهم في الصلاة ، نهاهم وأمرهم بالسكون فيها ، وليس هذا من هذا الباب في شيء - والله أعلم .

وأما الرواية عن مالك كما ذكرنا عنه مما يخالف رواية ابن القاسم ، فحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أبو عبيدة بن أحمد ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا أشهب بن عبد العزيز ، قال : صحبت مالك بن أنس قبل موته بسنة ، فما مات إلا وهو يرفع يديه ، فقيل ليونس : وصف أشهب رفع اليدين عن مالك ، قال : سئل أشهب عنه غير مرة ، فكان يقول : يرفع يديه إذا أحرم ، وإذا أراد أن يركع ، وإذا ، قال : سمع الله .

قال : يونس وحدثني ابن وهب ، قال : صحبت مالكا في طريق الحج ، فلما كان بموضع ذكره يونس ، دنت ناقتي من ناقته فقلت : يا أبا عبد الله : كيف يرفع المصلي يديه في الصلاة ؟ فقال : وعن هذا تسألني ، ما أحب أن أسمعه منك ، ثم قال : إذا أحرم ، وإذا أراد أن يركع وإذا قال : سمع الله لمن حمده .

قال أبو عبيدة : سمعت هذا من يونس غير مرة .

وفي المستخرجة من سماع أشهب وابن نافع من مالك ، قال : يرفع المصلي يديه إذا رفع رأسه من الركوع ، وقال سمع الله لمن حمده ، قال : وليس الرفع بلازم ، وفي ذلك سعة .

وذكر الطبري ، قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، عن أشهب ، عن مالك مثل ذلك ، ويرفع من وراء الإمام لرفعه إذا ، قال : سمع الله لمن حمده ، قال : وليس رفع اليدين باللازم ، وفي ذلك سعة .

[ ص: 223 ] حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا وهب بن مسرة ، حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : رأيت مالك بن أنس يرفع يديه في كل خفض ورفع ، أو قال : كلما خفض ، ولم تزل تلك صلاته .

وحدثنا أحمد ، حدثنا أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، وسعيد بن عثمان ، أنهما سمعا يحيى بن عمر يقول : سمعت أبا المصعب الزهري يقول : رأيت مالك بن أنس يرفع يديه إذا قال : سمع الله لمن حمده على حديث ابن عمر ، قال أحمد بن خالد : وكان عندنا جماعة من علمائنا يرفعون أيديهم في الصلاة على حديث ابن عمر .

ورواية من روى ذلك عن مالك وجماعة لا يرفعون إلا في الإحرام على رواية ابن القاسم ، فما عاب هؤلاء على هؤلاء ، ولا هؤلاء على هؤلاء . وسمعت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هاشم - رحمه الله - يقول : كان أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم شيخنا يرفع يديه كلما خفض ورفع على حديث ابن عمر في الموطأ ، وكان أفضل من رأيت وأفقههم وأصحهم علما ودينا ، فقلت له : فلم لا ترفع أنت فنقتدي بك ؟ قال لي : لا أخالف رواية ابن القاسم ، لأن الجماعة لدينا اليوم عليها ، ومخالفة الجماعة فيما قد أبيح لنا ليس من شيم الأئمة .

وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم الذي آخذ به في رفع اليدين ، أن أرفع على حديث ابن عمر ، قال : ولم يرو أحد عن مالك مثل رواية ابن القاسم في رفع اليدين .

[ ص: 224 ] أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الحميد ، حدثنا الخضر ، حدثنا الأثرم ، قال : حضرت أحمد بن حنبل ، وقال له رجل غريب : رأيتك ترفع يديك إذا أردت الركوع ، ونحن عندنا لا نفعل ذلك ، أفتراه ينقص من الصلاة إذا لم نفعل ؟ فقال : ما أدري ، أما نحن فنفعله ، وهو الأكثر عندنا وأثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، وقال بعض أصحابه : له بكل إشارة عشر حسنات ، بكل أصبع حسنة .

قيل لأبي عبد الله نذهب لرفع اليدين في القيام من اثنتين أيضا ؟ قال : لا ، أنا أذهب إلى حديث سالم ، عن أبيه ، ولا أذهب إلى حديث وائل بن حجر ، لأنه مختلف في ألفاظه ، حديث عاصم بن كليب خلاف حديث عمرو بن مرة ، .

قال الأثرم : وسمعته غير مرة يسأل عن رفع اليدين عند الركوع وإذا رفع رأسه ، قال : ومن شك في ذلك كان ، ابن عمر إذا رأى من لا يرفع حصبه .

قال : وحدثنا أبو عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : سمعت زيد بن واقد قال : سمعت نافعا ، قال : كان ابن عمر إذا رأى رجلا لا يرفع يديه حصبه وأمره أن يرفع .

[ ص: 225 ] قال أبو عبد الله : وقد روى غير واحد عن ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر ، قال له : بكل إشارة عشر حسنات ، قال : إلا أن ابن المبارك ، قال : عن ابن لهيعة ، عن مشرح ، عن عقبة ليس بين ابن لهيعة ومشرح أحد ، ثم قال أبو عبد الله : هؤلاء يكرهون ذلك - كالمغتاظ - يعني أصحاب أبي حنيفة .

قال أبو بكر الأثرم : حدثنا علي بن أحمد بن القاسم الباهلي ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني عياض بن عبد الله الفهري ، أن عبد الله بن عمر كان يقول : لكل شيء زينة ، وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي فيها .

قال : وحدثنا سعيد بن عبيد ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن ابن عجلان ، عن النعمان بن أبي عياش ، قال : كان يقال لكل شيء زينة ، وزينة الصلاة رفع الأيدي عند الافتتاح ، وحين يريد أن يركع ، وحين يريد أن يرفع .

قال أبو عمر :

هذا يدلك على أن رفع اليدين ليس من أركان الصلاة ، ولا من الواجب فيها ، وأنه على ما قدمنا في أول الباب خضوع واستكانة واستسلام ، وزينة الصلاة ، كما وصفنا ، وهو قول الجمهور ، وقد روي ، عن الأوزاعي ، وذهب إلى ذلك الحميدي فيمن لم يرفع يديه على حديث ابن عمر : أن الصلاة فاسدة أو ناقصة .

[ ص: 226 ] ورأى بعضهم عليه الإعادة ، وليس هذا بصحيح عندنا لما ذكرنا ، لأن إيجاب الإعادة إيجاب فرض ، والفرائض لا تثبت إلا بحجة أو سنة لا معارض لها ، أو إجماع من الأمة .

وقد ذكرنا فرائض الصلاة وسننها فيما تقدم من كتابنا هذا ، ودللنا على ذلك من حديث أبي هريرة ، وحديث رفاعة بن رافع بما أغنى عن ذكره ههنا .

وذكر الطبري قال : حدثنا العباس بن الوليد بن يزيد ، عن أبيه ، عن الأوزاعي ، قال : بلغنا أن من السنة فيما أجمع عليه علماء الحجاز والبصرة والشام ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر لاستفتاح الصلاة ، وحين يكبر للركوع ويهوي ساجدا ، وحين يرفع رأسه من الركوع ، إلا أهل الكوفة ، فإنهم خالفوا في ذلك أمتهم . قيل للأوزاعي : فإن نقص من ذلك شيئا ؟ قال : ذلك نقص من صلاته . وفيما أجاز لنا قاسم بن أحمد وعباس بن أصبغ ، عن محمد بن عبد الملك بن أيمن ، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : سمعت أبي يقول : من رفع يديه فهو أفضل ، قال : وكان يحيى بن سعيد ، وابن علية ، ويزيد بن هارون يرفعون ، قال : وكان ابن عيينة ربما فعله ، وربما لم يفعله ، قال : وينبغي لكل مصل أن يفعله ، فإنه من السنة ، ومما يدل على أن رفع اليدين ليس بواجب ، ما أخبر به الحسن ، عن الصحابة ، أن من رفع منهم لم يعب على من تركه .

[ ص: 227 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن محمد البرتي القاضي ببغداد ، حدثنا أبو منعم ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، حدثنا محمد بن جحادة ، حدثني عبد الجبار بن وائل بن حجر ، قال : كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي ، فحدثني وائل بن علقمة ، عن أبي وائل بن حجر ، قال : صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان إذا دخل في الصلاة ، كبر ورفع يديه ، ثم التحف وأدخل يديه في ثوبه ، فأخذ شماله بيمينه ، وإذا أراد أن يركع ، أخرج يديه من ثوبه ، ثم رفعهما وكبر وسجد ، ووضع وجهه بين كفيه ، وإذا رفع رأسه من السجود ، رفع يديه فلم يزل يفعله كذلك حتى فرغ من صلاته ، قال محمد بن مجادة : فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن ، فقال : هي صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعله من فعله ، وتركه من تركه ، ففي هذا الحديث دليل على أن منهم من تركه ، ولم يعب عليه من فعله - والله أعلم - .

قال أبو عمر :

زيادة وائل بن حجر في حديثه رفع اليدين بين السجدتين ، قد عارضه في ذلك ابن عمر بقوله : وكان لا يرفع بين السجدتين ، والسنن لا تثبت إذا تعارضت وتدافعت ، ووائل بن حجر إنما رآه أياما قليلة في قدومه عليه ، وابن عمر صحبه إلى أن توفي - صلى الله عليه وسلم - فحديث ابن عمر أصح عندهم ، وأولى أن يعمل به من حديث وائل بن حجر ، وعليه العمل ثم جماعة فقهاء الأمصار ، القائلين بالرفع .

[ ص: 228 ] قال أبو بكر الأثرم : قيل لأحمد بن حنبل : رفع اليدين من السجدتين ، فذكر حديث سالم ، عن ابن عمر ، ولا يرفع بين السجدتين ، ثم قال : نحن نذهب إلى حديث ابن عمر . وقال الربيع عن الشافعي : كل تكبير كان في افتتاح أو في قيام ففيه رفع اليدين .

حدثنا خلف بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم وأخبرنا إسحاق بن الحسن بن علي البلخي ، قال : حدثنا الحسن بن محمد بن عبد الأعلى بن محمد بن الحسن بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا جدي عبد الأعلى بن محمد قال : حدثني جدي الحسن بن عبد الأعلى قالوا جميعا ، أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا داود بن إبراهيم ، قال : رأيت وهب بن منبه يرفع يديه في الصلاة إذا كبر ، وإذا ركع رفع يديه ، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه ، ولا يفعل ذلك في السجود . وكان طاوس مولى ابن عمر وأيوب السختياني يرفعون أيديهم بين السجدتين ، وروي عن ابن عمر أنه كان يرفع في كل تكبيرة وما فعله مالك أصح عنه ، إن شاء الله .

وقد أكثر أهل العلم بالكلام في هذا الباب ، وأفرط بعضهم في عيب من لم يرفع ، ولا وجه للإكثار فيه .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا محمد بن زيد الرفاعي قال : حدثني داود بن [ ص: 229 ] يحيى بن يمان الثقة المأمون ، عن ابن المبارك ، قال : صليت إلى جنب سفيان ، وأنا أريد أن أرفع يدي إذا ركعت وإذا رفعت ، فهممت بتركه وقلت : ينهاني سفيان ثم قلت : شيء أدين الله به لا أدعه ، ففعلت فلم ينهني . وروي عن ابن المبارك ، قال : صليت إلى جنب أبي حنيفة ، فرفعت يدي عند الركوع وعند الرفع منه ، فلما انقضت صلاتي ، قال لي : أردت أن تطير ، فقلت له : وهل من رفع في الأولى يريد أن يطير ؟ فسكت .

حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا محمد بن يزيد ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، قال : سمعت سفيان الثوري يقول : إذا رأيت الرجل يعمل بعمل قد اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه .

قال أبو عمر :

اختلفت الآثار ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن الصحابة ومن بعدهم ، في كيفية رفع اليدين في الصلاة ، فروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرفع يديه مدا فوق أذنيه مع رأسه .

وروي عنه أنه كان يرفع يديه حذو أذنيه . وروي عنه أنه كان يرفعهما إلى صدره ، وكلها آثار محفوظة مشهورة ، وأثبت شيء في ذلك عند أهل العلم بالحديث ، حديث ابن عمر هذا ، وفيه الرفع حذو المنكبين ، وعليه جمهور الفقهاء بالأمصار وأهل الحديث ، وقد روي عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه في الإحرام حذو منكبيه ، وفي غير الإحرام دون ذلك قليلا ، وكل ذلك واسع حسن ، وابن عمر روى هذا الحديث ، وهو أعلم بتأويله ومخرجه .

[ ص: 230 ] وذكر الأثرم قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا عكرمة بن عمار ، قال : رأيت سالما ، والقاسم ، وطاوسا ، وعطاء ، ونافعا ، وعبد الله بن الزبير ، ومكحولا ، يرفعون أيديهم في استفتاح الصلاة وعند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع حذو المنكبين ، وكان أحمد بن حنبل يختار ذلك .

قال أبو عمر :

وهو اختيار مالك ، والشافعي ، وأصحابهما ، وعليه العمل عند الجمهور ، وأما قوله في هذا الحديث : إذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك وقال : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، فإن أهل العلم اختلفوا في الإمام ، هل يقول : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، أم يقتصر على سمع الله لمن حمده فقط ؟ فذهب مالك . وأبو حنيفة ، ومن قال بقولهما ، إلى أن الإمام لا يقول : ربنا ولك الحمد ، وإنما يقول : سمع الله لمن حمده لا غير ، وحجتهم في ذلك حديث الزهري ، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله في الإمام : إذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع فارفعوا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد وقد تقدم هذا الحديث في باب ابن شهاب ، عن أنس من كتابنا هذا .

وروى أبو صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، وفيه دليل على أن الإمام يقتصر على قول : سمع الله لمن حمده ، والمأموم يقتصر على : ربنا ولك الحمد .

وقال الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وجماعة من أهل الحديث : يقول الإمام : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، وقال مالك : يقولها المنفرد .

[ ص: 231 ] وحجتهم في ذلك ، حديث ابن عمر هذا وما كان مثله ، وممن روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد كما رواه ابن عمر وأبو هريرة من حديث ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، وأبي سلمة ، وعبد الرحمن بن عوف ، عن أبي هريرة ، ومن حديث أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، ورواه أبو سعيد الخدري ، وعبد الله بن أبي أوفى ، كلهم رووا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد .

وأما المأموم فقال مالك وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والثوري : لا يقول المأموم : سمع الله لمن حمده ، وإنما يقول : ربنا ولك الحمد فقط ، وقال الشافعي : يقول المأموم : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ، كما يقولها الإمام والمنفرد تأسيا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتباعا لفعل إمامه . وفي حديث ابن شهاب : الزهري ، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة في ذلك على الشافعي ، وقد مضى ذكره في بابه من هذا الكتاب ، فأغنى عن إعادته ههنا والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية