التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1679 [ ص: 232 ] حديث ثان لابن شهاب ، عن سالم - مسند

مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دعه فإن الحياء من الإيمان


هكذا روى هذا الحديث كل من رواه عن مالك فيما علمت في الموطأ وغيره بهذا الإسناد ، إلا رواية جاءت عن أبي مصعب الزهري ، وعبد الله بن يوسف التنيسي مرسلة ، والصحيح عندنا ما في إسناده الإيصال ، وكذلك رواه أصحاب ابن شهاب عنه بهذا الإسناد ، وأخطأ فيه جويرية ، عن مالك فرواه ، عن مالك ، عن الزهري ، عن علي بن حسين ، وقال محمد بن يحيى النيسابوري : وهم جويرية ، وأظنه أراد : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه . [ ص: 233 ] قال أبو عمر : لا يصح فيه إلا إسناد الموطأ ، وكذلك رواه يحيى القطان وغيره ، عن مالك . حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أبو علي الحسين بن الفتح بن محمد بن عبد الله بن عبد السلام الأزدي إملاء ، قال : حدثنا معاذ بن المثنى بن معاذ العنبري ، حدثنا مسدد بن مسرهد ، حدثنا يحيى وهو القطان ، حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه عبد الله بن عمر ، أن رجلا جعل يعظ أخاه في الحياء ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دعه فإن الحياء من الإيمان . وحدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ، حدثنا يحيى بن أيوب ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أخبرنا مالك ، وسفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دعه فإن الحياء من الإيمان . وهكذا هذا الحديث بهذه الألفاظ المختصة عند مالك في رواية كل من رأينا روايته في الموطأ وغيره عن مالك . [ ص: 234 ] وكذلك رواه أصحاب ابن شهاب ، إلا أن عبد العزيز بن أبي سلمة ، زاد فيه عن ابن شهاب ألفاظا . حدثنا أحمد بن فتح بن عبد الله ، قال : حدثنا علي بن فارس بن شجاع البغدادي أبو العباس بمصر ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح ، قال : حدثنا بشر بن الوليد الكندي ، قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، عن الزهري ، عن سالم ، عن عبد الله بن عمر ، قال : سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يعاتب أخاه في الحياء يقول : إنك لتستحي حتى إنه قد أضر بك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دعه فإن الحياء من الإيمان . ومعنى هذا الحديث - والله أعلم - أن الحياء يمنع من كثير من الفحش والفواحش ، ويشتمل على كثير من أعمال البر ، وبهذا صار جزءا وشعبة من الإيمان ، لأنه وإن كان غريزة مركبة في المرء ، فإن المستحي يندفع بالحياء عن كثير من المعاصي ، كما يندفع بالإيمان عنها ، إذا عصمه الله ، فكأنه شعبة منه ، لأنه يعمل عمله ، فلما صار الحياء والإيمان يعملان عملا واحدا ، جعلا كالشيء الواحد ، وإن كان الإيمان اكتسابا ، والحياء غريزة . والإيمان شعب كثيرة . حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الملك - رحمه الله - قال : حدثنا عبد الله بن مسرور ، قال : حدثنا عيسى بن مسكين ، قال : حدثنا محمد [ ص: 235 ] بن عبد الله بن سنجر الجرجاني ، حدثنا أبو نعيم الفضل بن ( دكين ) ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أعظمها : لا إله إلا الله ، وأدناها : إماطة الأذى ، عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان . وحدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا جعفر بن محمد ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن سهيل بن أبي صالح ( ، عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح ) ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أفضلها : لا إله إلا الله ، وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان . حدثنا عبد الوارث بن سفيان : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح ، حدثني الليث قال : حدثني محمد بن العجلان ، وأخبرنا أحمد بن محمد ، حدثنا وهب بن مسرة ، قال : حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن ابن العجلان قالا جميعا : عن عبد [ ص: 236 ] الله بن دينار ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الإيمان ستون أو بضعة ، - أو أحد العددين - بابا ، أعلاها : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء من الإيمان . ولما كان من لا يستحي راكبا الفواحش ، مرتكبا للقبيح ، لا يحجزه عن ذلك حياء ولا دين ، كما قال : في النبوة الأولى مكتوب : إذا لم تستحي فاصنع ما شئت . وقد روينا عن سعيد بن المسيب أنه قال : قلة الحياء كفر ، وبعضهم يرفعه عنه ، وهذا صحيح المعنى على الضد ، لأن من لا يستحي ، لا يبالي من العار والمعاصي ما يأتي ، كان المستحي من أجل حيائه مرتدعا عن الفواحش والعار والكبائر ، فصار الحياء من الإيمان ، لأن الإيمان عندنا مع التصديق الطاعات وأعمال البر ، ولذلك صار الخلق الحسن من كمال الإيمان وتمامه على هذا المعنى ، لأن صاحبه يصبر ، فلا يشفي غيظه بما يسخط ربه ، ويحلم ، فلا يفحش ، ولا ينتصر بلسان ولا يد ، ونحو هذا مما لا يخرج عن معنى ما وصفنا . [ ص: 237 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن زياد ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن أكملكم إيمانا أحاسنكم أخلاقا إذا فقهوا وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا محمد بن الجهم ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أكمل المؤمنين إيمانا ، أحسنهم أخلاقا . حدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن يعلى بن مملك ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن أثقل شيء في الميزان ، خلق حسن ، والله عز وجل يبغض الفاحش البذيء . وحدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا محمد بن عبد السلام ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، قال : [ ص: 238 ] سمعت القاسم بن أبي بزة يحدث ، عن عطاء الكيخاراني ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، أو عن أم الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما شيء أثقل في الميزان من الخلق الحسن . ورواه ميمون بن مهران ، عن أم الدرداء ، قال : لها سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : نعم . قال أبو عمر : القول في الإيمان عند أهل السنة ، وهم أهل الأثر من المتفقهة والنقلة ، وعند من خالفهم من أهل القبلة ، في العبارة عنه اختلاف ، وسنذكر منه في هذا الباب ، ما فيه مقنع وهداية لأولي الألباب . أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل ، ولا عمل إلا بنية ، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، والطاعات كلها عندهم إيمان ، إلا ما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه ، فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعات لا تسمى إيمانا ، قالوا : إنما الإيمان التصديق والإقرار ، ومنهم من زاد : والمعرفة قالوا : وهو المعروف من لسان العرب ومن ألسنة المجتمع عليه ، ألا ترى إلى قول الله - عز وجل - حاكيا عن بني يعقوب عليه السلام وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين أي : [ ص: 239 ] بمصدق لنا ، قالوا : وإنما أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - حين بعثه إلى الخلق أن يدعوهم إلى الإيمان به ، ولهم الجنة على ذلك ، فدعاهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، يقولون ذلك ويقرون به ويصدقونه فيما جاء به ، فكان كل من قال ذلك وصدق به مؤمنا مستكمل الإيمان ، ثم نزلت الفرائض بعد ذلك ، وكل من مات من الصحابة قبل نزول الفرائض وقبل عملها ، كان مؤمنا - لا محالة - كامل الإيمان ; قالوا : فالطاعات لا تسمى إيمانا ، كما أن المعاصي لا تسمى كفرا ، وذكر بعضهم حديث النبي - عليه السلام - إذ سئل عن الإيمان فقال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، والبعث بعد الموت . واحتجوا من الآثار المرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك بما ، حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر ، وأحمد بن زهير بن حرب قالا : حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، قال : أخبرنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني محمود بن الربيع ، أنه سمع عتبان بن مالك يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث في قصة مالك بن الدخشم بطوله ، وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 240 ] قال : ألا تراه قال : لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله ، فقالوا : الله ورسوله أعلم ، أما نحن فوالله ما نرى ( وجهه وحديثه ) إلا إلى المنافقين ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فإن الله قد حرم على النار أن تأكل من قال : لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله قال ابن شهاب : ولكنا أدركنا الفقهاء وهم يرون أن ذلك كان قبل أن تنزل موجبات الفرائض ، فإن الله قد أوجب على أهل هذه الكلمة التي ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر النجاة بها ، فرائض في كتابه ، فنحن نخشى أن يكون الأمر قد صار إليها ، فمن استطاع أن لا يغير ، فلا يغير . وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال : حدثني محمود بن الربيع ، عن عتبان بن مالك ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لن يوافي عبد يوم القيامة وهو يقول : لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله ، إلا حرمه الله على النار . قال الزهري : ثم نزلت بعد ذلك فرائض وأمور ، نرى الآخر انتهى إليها ، فمن استطاع أن لا يغير فلا يغيره ، وهذا الحديث قد رواه أنس بن مالك ، عن محمود بن الربيع ، عن عتبان بن مالك بمعناه ، وهو في رواية الصحابة عن التابعين ، والكبار عن الصغار ، وهذا المعنى أيضا رواه أنس بن مالك ، عن معاذ بن جبل ، حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا بكر بن حماد ، حدثنا مسدد ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن [ ص: 141 ] مالك ، عن معاذ بن جبل ، قال : لبيك يا رسول الله وسعديك ، قالها ثلاثا ، قال : بشر الناس أنه من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة . وحدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا عبد الله بن روح ، حدثنا عثمان بن عمر ، أخبرنا شعبة ، عن قتادة ، قال : سمعت أنس بن مالك يحدث ، عن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، دخل الجنة . ورواه عن معاذ أيضا جابر بن عبد الله ، وعبد الرحمن بن سمرة ، وعمرو بن ميمون ، وغيرهم ، ورواه أبو ذر ، وأبو الدرداء ، فقالا : جميعا فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : وإن زنى وإن سرق . حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن محمد القاضي البرتي وإسحاق بن الحسن الحدبي قالا : أخبرنا أبو معمر عبد الله بن عمرو ، قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن الحسن المعلم ، عن ابن بريدة ، أن يحيى بن يعمر حدثه أن أبا الأسود الدؤلي ، حدثه أن أبا ذر حدثه ، قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما من عبد قال : لا إله إلا الله ثم مات على ذلك ، إلا دخل الجنة ، قلت وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر . ولم يقل الحدبي وإن زنى وإن سرق إلا مرة واحدة . وحدثنا إبراهيم بن شاكر ، حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى ، حدثنا محمد بن أيوب ، حدثنا أحمد بن عمر البزار ، أخبرنا محمد بن [ ص: 242 ] نعيم ، حدثنا أبو هاشم المغيرة بن سلمة ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا الحسن بن عبيد الله ، حدثنا زيد بن وهب ، قال : سمعت أبا الدرداء يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق ، قال : وإن رغم أنف أبي الدرداء . وقرأت على عبد الوارث بن سفيان ، أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا نعيم بن حكيم ، حدثنا أبو مريم ، قال : سمعت أبا الدرداء يحدث عن النبي عليه السلام ، قال : ما من رجل يشهد أن لا إله إلا الله ، ومات لا يشرك بالله ، إلا دخل الجنة ، أو لم يدخل النار ، قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق ، وإن رغم أنف أبي الدرداء . واحتجوا أيضا بقول الله عز وجل : ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن ، قال : ومعلوم أن امتحانهم إياهن ، إنما هو مطالبة لهن بالإقرار بالشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للذي جاءه بالأمة السوداء ، فقال له : يا رسول الله ، إن علي رقبة مؤمنة ، فإن كنت ترى هذه - يا رسول الله - مؤمنة أعتقها ، فقال لها رسول الله : أتشهدين أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، قالت : نعم ، قال : أعتقها فإنها [ ص: 243 ] مؤمنة وقد ذكرنا هذا الخبر فيما تقدم من كتابنا هذا ، قالوا : فهذا هو الإيمان المعروف في اللغة وصريح السنة ، الإقرار والتصديق ، وأما فرائض الأعمال ، فلا تسمى إيمانا ، كما لا تسمى الذنوب كفرا ، قالوا : ولما لم تكن المعصية كفرا لم تكن الطاعة إيمانا ، هذا يحمله ما عولوا عليه فيما ذهبوا من ذلك إليه . وأما سائر الفقهاء من أهل الرأي والآثار بالحجاز والعراق والشام ومصر ، منهم مالك بن أنس ، والليث بن سعد ، وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، وداود بن علي ، وأبو جعفر الطبري ، ومن سلك سبيلهم ، فقالوا : الإيمان قول وعمل ، قول باللسان وهو الإقرار اعتقاد بالقلب ، وعمل بالجوارح مع الإخلاص بالنية الصادقة ، قالوا : وكل ما يطاع الله عز وجل به من فريضة ونافلة ، فهو من الإيمان ، والإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي ; وأهل الذنوب عندهم مؤمنون غير مستكملي الإيمان من أجل ذنوبهم ، وإنما صاروا ناقصي الإيمان بارتكابهم الكبائر ، ألا ترى إلى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، يريد مستكمل الإيمان ، ولم يرد به نفي جميع الإيمان عن فاعل ذلك ، بدليل الإجماع على توريث الزاني والسارق وشارب الخمر ، إذا صلوا للقبلة ، وانتحلوا دعوة الإسلام ، من قرابتهم المؤمنين الذين آمنوا بتلك الأحوال ، وفي إجماعهم على ذلك مع [ ص: 244 ] إجماعهم على أن الكافر لا يرث المسلم ، أوضح الدلائل على صحة قولنا إن مرتكب الذنوب ناقص الإيمان بفعله ذلك ، وليس بكافر كما زعمت الخوارج في تكفيرهم المذنبين ، وقد جعل الله في ارتكاب الكبائر حدودا ، جعلها كفارة وتطهيرا ، كما جاء في حديث عبادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : فمن واقع منها شيئا ، يعني من الكبائر ، وأقيم عليه الحد ، فهو له كفارة ، ومن لا ، فأمره إلى الله ، إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه ، وليس هذا حكم الكافر ، لأن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .

والإيمان مراتب بعضها فوق بعض ، فليس الناقص فيها كالكامل ، قال الله عز وجل : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا . أي إنما المؤمن حق الإيمان ، من كانت هذه صفته ولذلك ، قال : أولئك هم المؤمنون حقا . ومثل هذه الآية ، في القرآن كثير ، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم إن هو المؤمن المسلم حقا . ومن هذا قوله ، صلى الله عليه وسلم : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ومعلوم [ ص: 245 ] معمول أنه لا يكون هذا أكمل ، حتى يكون غيره أنقص ، وكذلك قوله ، صلى الله عليه وسلم : أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله . وقوله : لا إيمان لمن لا صلاة له ولا من لا أمانة له ، كل ذلك يدل على أنه ليس بإيمان كامل وأن بعض الإيمان أوثق عروة وأكمل من بعض ، كما قال : ليس المسكين بالطواف عليكم الحديث ، يريد : ليس الطواف بالمسكين حقا ، لأن ثم من هو أشد مسكنة منه ، وهو الذي لا يسأل الناس ويتعفف . ويدلك على ذلك قول عائشة : إن المسكين ليقف على بابي . الحديث ، وروى مجاهد بن جبر ، وأبو صالح السمان ، جميعا عن عبد الله بن جمرة ، عن كعب ، قال : من أحب في الله ، وأبغض في الله ، وأعطى في الله ، ومنح لله ، فقد استكمل الإيمان . ومن الدلائل على أن الإيمان قول وعمل كما قالت الجماعة والجمهور ، قول الله عز وجل : وما كان الله ليضيع إيمانكم لم يختلف المفسرون أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس فسمى الصلاة إيمانا ، ومثل هذا قوله [ ص: 246 ] ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر الآية إلى قوله أولئك هم المتقون .

وأما من السنة ، فكثير جدا من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصوم رمضان وقد كان معاذ بن جبل يقول لأصحابه : تعالوا بنا ساعة نؤمن : أن نذكر الله ، فجعل ذكر الله من الإيمان ، ومثل هذا ، حديث طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام فقال : خمس صلوات ، الحديث ، ويأتي في باب مالك ، عن عمه أبي سهيل ، إن شاء الله . حدثنا محمد بن عبد الملك ، حدثنا عبد الله بن مسرور ، حدثنا عيسى بن مسكين ، حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر ، حدثنا الحجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن رجل ، عن أبيه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : أسلم ، قال : وما الإسلام ؟ قال : أن تسلم قلبك لله ، وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك ، قال : فأي الإسلام أفضل ؟ ، قال : الإيمان ، قال : وما الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله ، والبعث بعد الموت ، قال : فأي [ ص: 247 ] الأعمال أفضل ؟ قال : الهجرة ، قال : وما الهجرة ؟ قال : أن تهجر السوء ، قال : فأي الهجرة أفضل ؟ قال : أن تجاهد المشركين إذا لقيتهم ثم لا تغل ولا تجبن . وكذلك رواه حماد بن زيد ، عن أيوب ، كما رواه حماد بن سلمة سواء بالشهادة ، ورواه عن حماد بن زيد جماعة من أصحابه ، منهم : أبو عمر الضرير ، ومؤمل بن إسماعيل ، وسليمان بن حرب ، وغيرهم ، وهذا لفظ حديث مؤمل ، عن حماد بن زيد ، قال : كلمت أبا حنيفة في الإرجاء ، فجعل يقول وأقول ، فقلت له : حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة قال : حدثني رجل من أهل الشام ، عن أبيه ، ثم ذكر الحديث سواء إلى آخره ، قال حماد : فقلت لأبي حنيفة : ألا تراه يقول : أي الإسلام أفضل ؟ قال : والإيمان ؟ ثم جعل الهجرة والجهاد من الإيمان ، قال : فسكت أبو حنيفة ، فقال بعض أصحابه : ألا تجيبه يا أبا حنيفة ؟ قال : لا أجيبه ، وهو يحدثني بهذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وفي رواية مؤمل وغيره في هذا الحديث عن حماد بن زيد ، قال : كنت بمكة مع أبي حنيفة فجاءه رجل فسأله عن الإيمان ، وعن الإسلام ، فقال : الإسلام والإيمان واحد ، فقلت له : يا أبا حنيفة ، حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة وذكره . قال أبو عمر : أكثر أصحاب مالك على أن الإسلام والإيمان شيء واحد ، ذكر ذلك ابن بكير في الأحكام واحتج بقول الله عز وجل : فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من . أي غير بيت منهم .

[ ص: 248 ] قالوا : وأما قوله جل وعز قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا فأسلمنا هنا بمعنى : استسلمنا مخافة السنان والقتل ، كذلك قال مجاهد وغيره ، قال إسماعيل : والدليل على ذلك في الآية قوله ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ، قال قتادة : ليس كل الأعراب كذلك ، لأن الله قال : ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله الآية . وأما الأحاديث في معنى حديث أبي قلابة المذكور في أن الإسلام وصف بغير ما وصف به الإيمان ، فكثيرة جدا ، منها ما حدثنا أبو عبد الله محمد بن خليفة - رحمه الله - قال : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، قال : حدثنا إسحاق بن راهويه ، قال : حدثنا النضر بن شميل ، قال : حدثنا كهمس بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر أنه سمع عبد الله بن عمر يقول : حدثني عمر بن الخطاب ، قال بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ طلع علينا رجل ، شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي - عليه السلام - فأسند ركبته إلى ركبته ، ووضع كفيه على فخذيه ، ثم قال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ قال : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، إن استطعت إليه سبيلا ، قال : صدقت ، فعجبنا أنه يسأله ويصدقه ، قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : أن تؤمن [ ص: 249 ] بالله وملائكته وكتبه ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، قال : صدقت فعجبنا أنه يسأله ويصدقه ، وذكر تمام الحديث ، وأنا اختصرت منه صدرا ليس في معنى هذا الباب . وروي هذا الحديث ، عن عبد الله بن بريدة ، كما رواه كهمس ، عن يحيى بن يعمر ، عن ابن عمر ، عن عمر جماعة ، منهم : عبد الله بن عطاء ، ومطر الوراق ، وعثمان بن غياث والجريري ، وعطاء بن السائب . ورواه سليمان بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر ، عن ابن عمر ، عن النبي - عليه السلام - معنى حديث عبد الله بن بريدة سواء ، إلا أنه جعله من مسند ابن عمر ، لم يذكر عمر ، رواه عن سليمان بن بريدة علقمة بن مربد وغيره ، ورواه إسحاق بن سويد ، وعلي بن زيد ، عن يحيى بن يعمر ، عن ابن عمر ، مثله معناه ، لم يذكرا عمر . وقد روى المطلب بن زياد ، عن منصور ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عمر مثله سواء - مسندا بتمامه - لم يذكر عمر ، ورواه عبد الملك بن قدامة الجمحي ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، مثله .

وروي من حديث المغيرة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله . وقد ذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أن الإيمان والإسلام ، معنيان بهذا الحديث وما كان مثله ، وبحديث ابن شهاب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم قسما ، فأعطى قوما ، ومنع بعضهم ، قال : فقلت : يا رسول الله ، أعطيت فلانا وفلانا ، ومنعت فلانا ، والله إني لا أراه مؤمنا ، فقال : لا تقل مؤمنا ولكن قل مسلما . [ ص: 250 ] روى هذا الحديث ، عن ابن شهاب جماعة ، منهم : معمر ، وابن أبي ذئب ، وصالح بن كيسان ، وابن أخي ابن شهاب ، بألفاظ مختلفة ومعنى واحد . قال : وقال معمر : قال ابن شهاب : قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا . قال ابن شهاب : فيرى أن الإسلام الكلمة ، والإيمان العمل ، وهذا الذي قاله ابن شهاب أن الإسلام الكلمة ، والإيمان العمل ، خلاف ما تقدم من الآثار المرفوعة في الإسلام ، وما بني عليه ، على ما مضى في هذا الباب ، لأن هذا يدل على أن الإسلام العمل ، والإيمان الكلمة ، إلا أن في تلك الأحاديث كلها في الإسلام : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله فعلى هذا خرج الكلام ابن شهاب - والله أعلم - على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، والحج ، والمعنى في ذلك كله متقارب ، إلا أن الذي عليه جماعة أهل الفقه والنظر ، أن الإيمان والإسلام سواء ، بدليل ما ذكرنا من كتاب الله عز وجل قوله : فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا غير بيت من المسلمين . وعلى القول بأن الإيمان هو الإسلام ، جمهور أصحابنا وغيرهم من الشافعيين والمالكيين ، وهو قول داود وأصحابه ، وأكثر أهل السنة والنظر ، المتبعين للسلف والأثر . وقد روي ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين - رضي الله عنهم - أنه قال : هذا الإيمان ، ودور دارة ، وهذا الإسلام ، ودور دارة خلف الدارة الأولى ، قال : فإذا أذنبنا ، خرجنا من الدارة إلى الإسلام ، وإذا أحسنا رجعنا إلى الإيمان ، فلا نخرج من الإسلام إلى الشرك . وقال بهذا : طوائف من عوام أهل الحديث ، وهو قول الشيعة ، والصحيح عندنا ما [ ص: 251 ] ذكرت لك . وهو كله متقارب المعنى ، متفق الأصل ، وربما يختلفون في التسمية والألقاب ، ولا يكفرون أحدا بذنب ، إلا أنهم اختلفوا في تارك الصلاة وهو مقر بها ، فكفره منهم من ذكرنا قوله في باب زيد بن أسلم ، عن بسر بن محجن ، وأبى الجمهور أن يكفروه إلا بالجحد والإنكار ، الذي هو ضد التصديق والإقرار ، على ما ذكرنا هناك ، والحمد لله . فهذا ما بين أهل السنة والجماعة في الإيمان ، وأما المعتزلة ، فالإيمان عندهم جماع الطاعات ، ومن قصر منها عن شيء ، فهو فاسق لا مؤمن ولا كافر ، وسماهم المتحققون بالاعتزال أصحاب المنزلة بين المنزلتين ، ومنهم من ، قال في ذلك بقول الخوارج : المذنب كافر غير مؤمن ، إلا أن الصفرية تجعله كالمشرك ، وتجعل دار المذنب المخالف لهم دار حرب ; وأما الإباضية فتجعله كافر نعمة ، ولكنهم يخلدونه في النار إن لم يتب من الكبيرة ، ولا يستحلون ماله كما يستحلهالصفرية ، ولهم ظواهر آيات يبرهنون بها قد فسرتها السنة ، وقد مضى على ما فسرت السنة في ذلك علماء الأمة . روينا عن جابر بن عبد الله صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قيل له : أكنتم تعدون شيئا من الذنوب كفرا أو شركا أو نفاقا ؟ قال : معاذ الله ، ولكنا نقول مؤمنين مذنبين ، ولولا أن كتابنا هذا كتاب شرح معاني السنن الثابتة في الموطأ ، لحددنا الرد عليهم هنا ، وقد أكثر العلماء من الرد عليهم وكسر أقوالهم ، وكذلك أكثر أهل الحديث من رواية الآثار في الإيمان ، ومدار الباب كله عند جميعهم - على ما ذكرت لك ، وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلنا وإليه أنبنا . [ ص: 252 ] وأما الآيات التي نزع بها العلماء في أن الإيمان يزيد وينقص ، فمنها : قول الله عز وجل : فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وقوله فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل وقوله زادهم هدى وآتاهم تقواهم وزدناهم هدى ‎ 48 ) ومثل هذا كثير ، وعلى أن الإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، جماعة أهل الآثار والفقهاء أهل الفتوى بالأمصار . وقد روى ابن القاسم ، عن مالك أن الإيمان يزيد ، ووقف في نقصانه وروى عنه عبد الرزاق ، ومعمر بن عيسى ، وابن نافع ، وابن وهب أنه : يزيد وينقص ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، وعلى هذا مذهب الجماعة من أهل الحديث ، والحمد لله . حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا عبيد بن محمد الكشوري بصنعاء ، حدثنا سلمة بن شبيب ، قال : سمعت عبد الرزاق يقول : سمعت سفيان الثوري ، ومعمرا ، وابن جريج ، ومالك بن أنس ، وسفيان بن عيينة يقولون : الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، فقلنا لعبد الرزاق : فما تقول أنت ؟ قال : أقول : الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، فإن لم أقل هذا ، فقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين . قال أحمد بن خالد : وحدثنا عيسى بن محمد الكشوري ، [ ص: 253 ] قال : حدثنا محمد بن يزيد ، قال : سمعت عبد الرزاق ، وسئل عن الإيمان فقال : أدركت أصحابنا : سفيان الثوري ، وابن جريج ، وعبد الله بن عمر ، ومالك بن أنس ، ومعمر ( بن راشد ) ، والأوزاعي ، وسفيان بن عيينة ، يقولون : الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، فقال له بعض القوم : فما تقول أنت يا أبا بكر ؟ قال : إن خالفتهم ، فقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين . قال أحمد : وحدثنا عبيد بن محمد ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : كان معمر ، وابن جريج ، وسفيان الثوري ، ومالك بن أنس يكرهون أن يقولوا : أنا مستكمل الإيمان على إيمان جبريل وميكائل . حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ، حدثنا عبدوس بن ذي رقيبة ، حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا معن بن عيسى ، قال : سمعت مالك بن أنس ، وسأله رجل ، عن الإيمان فقال : الإيمان قول وعمل . حدثنا محمد بن عبد الملك ، حدثنا عبد الله بن مسرور ، حدثنا عيسى بن مسكين ، حدثنا ابن سنجر ، حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا يحيى بن سليم ، قال : سألت عشرة من الفقهاء عن الإيمان فقالوا : قول وعمل ، سألت سفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، وابن جريج ، وهشام بن حسان ، ومحمد بن عمرو بن عثمان ، وفضيل بن عياض ، وسفيان بن عيينة ، ومحمد بن سالم الطائفي ، والمثنى بن الصباح ، ونافع بن عمر الجمحي ، فكلهم قال لي : الإيمان قول وعمل . [ ص: 254 ] قال الحميدي : وسمعت سفيان بن عيينة يقول : الإيمان يزيد وينقص ، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة : لا تقل ينقص ، فغضب ، وقال : اسكت يا صبي ، بل ينقص حتى لا يبقى منه شيء ، وقال سفيان بن عيينة : نحن نقول الإيمان قول وعمل ، والمرجئة تقول : الإيمان قول ، وجعلوا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم ، وليس كذلك إن ترك الفرائض من غير جهل ولا عذر كفر ، وركوب المحارم عمدا استحلال معصية ، وبيان ذلك ، أمر آدم وإبليس ، وذلك أن الله حرم على آدم الشجرة ونهاه عن الأكل منها ، فأكل منها ، فسماه عاصيا ، وأمر إبليس بالسجود ، فأبى واستكبر ، فسمي كافرا . حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن عطاء بن السائب ، قال : سأل هشام بن عبد الملك الزهري فقال : حدثنا بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، وإن زنى وإن سرق . فقال الزهري : أين يذهب بك يا أمير المؤمنين ؟ كان هذا قبل الأمر والنهي وفيما أجازنا عبد بن أحمد بن محمد الهروي وأذن لي في روايته عنه ، وكتبه إلي بخطه ، قال : أخبرنا أحمد بن عبدان ، قال : أخبرنا ( أبو ) يوسف يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، قال : حدثنا عبد الله بن موسى ، قال : أخبرنا مبارك بن حسان ، قال : قلت لعطاء بن أبي رباح [ ص: 255 ] إن في المسجد عمر بن ذر ، ومسلما التحات ، وسالما الأفطس ، قال : وما يقولون ؟ قلت : يقولون من زنا وسرق وشرب الخمر وقذف المحصنات ، وأكل الربا ، وعمل بكل معصية ، إنه مؤمن كإيمان البر التقي الذي لم يعص الله ، فقال : أبلغهم ما حدثني أبو هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يقتل القاتل حين يقتل وهو مؤمن ، ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا يختلس خلسة يشتهر بها وهو مؤمن ، قال عطاء : يخلع منه الإيمان كما يخلع المرء سرباله ، فإن رجع إلى الإيمان تائبا ، رجع إليه الإيمان إن شاء الله . قال : فذكرت ذلك لسالم الأفطس وأصحابه ، فقالوا : وأين حديث أبي الدرداء : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : فرجعت إلى عطاء فذكرت ذلك له ، فقال : قل لهم : أوليس قد قال الله : ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما فدخل فيه السارق وغيره ، ثم نزلت الأحكام والحدود - بعد - فلزمته ولم يعذر في تركها ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له . [ ص: 256 ] وقال : الإيمان قيد الفتك ، لا يفتك مؤمن . قال أبو عمر : في الحياء أحاديث مرفوعة حسان نذكر منها ههنا ما حضرنا ذكره ، حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا أبو نعامة العدوي ، عن حميد بن هلال ، عن بشير بن كعب ، عن عمران بن حصين ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الحياء كله خير . قال بشير : فقلت إن منه ضعفا ، وإن منه عجزا ; فقال : أخبرتك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتجيبني بالمعاريض ، لا أحدثك بحديث ما عرفتك ، فقالوا : يا أبا بجيد ، إنه طيب القراءة ، وإنه وإنه ، فلم يزالوا به ، حتى سكن وحدث . وحدثناه سعيد بن نصر ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا خالد بن رباح ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الحياء خير كله ، فقال له رجل : إنه يقال في الحكمة إن منه ضعفا ، فقال عمر : أخبرك عن رسول الله وتحدثني عن الصحف . [ ص: 257 ] وحدثنا محمد بن عبد الملك ، قال : حدثنا عبد الله بن مسرور ، قال : حدثنا عيسى بن مسكين ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر ، قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، قال : حدثنا هشيم ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن ، عن أبي بكرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الحياء من الإيمان . وحدثنا محمد ، حدثنا عبد الله ، حدثنا عيسى ، حدثنا ابن سنجر ، حدثنا الحجاج ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الحياء من الإيمان . أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، حدثنا أحمد بن زكرياء بن يحيى بن يعقوب المقدسي ، حدثنا محمد بن حماد الطهراني ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما كان الحياء في شيء قط إلا زانه ، وما كان الفحش في شيء قط إلا شانه . وروى وكيع ، عن مالك ، عن سلمة بن صفوان ، عن يزيد بن ركانة ، عن أبيه ، قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن لكل دين خلقا ، وخلق هذا الدين الحياء . لم يروه عن مالك بهذا الإسناد إلا وكيع ، وسنذكره في بابه من هذا الكتاب ، إن شاء الله . [ ص: 258 ] حدثناه عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا علي بن الحسن الصفار ، حدثنا وكيع . وقال أبو سعيد الخدري كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد حياء من عذراء في خدرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية