التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1781 حديث ثامن لإسحاق ، عن أنس مسند

مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه - قال : الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .


[ ص: 280 ] قال أبو عمر : هذا حديث لا يختلف في صحته ، وروي أيضا من وجوه كثيرة عن جماعة من الصحابة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بألفاظ مختلفة ، فمن ذلك حديث أنس ، عن النبي عليه السلام كما رواه شعبة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما رواه مالك ، وقد روي عن أنس ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبي - صلى الله عليه - رواه شعبة ، عن قتادة ، عن أنس ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه - قال : رؤيا المومن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وكذلك رواه أبو هريرة ، عن النبي عليه السلام من حديث سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، وأبي صالح السمان ، وعبد الرحمن الأعرج ، ومحمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، وكذلك رواه عبد الله بن عمرو بن العاصي ، عن النبي عليه السلام من حديث ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن دراج أبي السمح ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي ، وأخطأ فيه رشدين بن سعد ، فرواه عن عمرو بن الحارث ، عن دراج بإسناده فقال فيه : جزء من تسعة وأربعين جزءا من النبوة ، ورواه أبو سعيد الخدري ، عن النبي عليه السلام ، فقال فيه : جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة ، من حديث الليث بن سعد ، عن يزيد بن الهادي ، عن عبد الله بن خباب [ ص: 281 ] عن أبي سعيد الخدري ، وكذلك رواه ابن جريج ، عن ابن أبي حسين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي عليه السلام ، قال : الرؤيا الصالحة جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة وقد روي من حديث عبادة ، عن النبي عليه السلام ، قال : الرؤيا الصالحة جزء من أربعة وأربعين جزءا من النبوة بإسناد فيه لين .

وقد حدثنا خلف بن قاسم قال : حدثنا ابن أبي العقب قال : حدثنا أبو زرعة الدمشقي قال : حدثنا أحمد بن خالد الذهبي قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن سلمان بن عريب قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رؤيا الرجل الصالح بشرى من الله جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال سلمان : فحدثت به ابن عباس ، فقال : من خمسين جزءا من النبوة ، فقلت : إني سمعت أبا هريرة يقول : إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، فقال ابن عباس : سمعت العباس بن عبد المطلب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصالحة من المومن جزء من خمسين جزءا من النبوة وقد حدث هذا الحديث أبو سلمة عمر بن عبد العزيز ، فقال عمر : لو كانت جزءا من عدد الحصا لرأيتها صدقا ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة من حديث عبد الله بن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه عبيد الله بن عمرو بن جريج ، وعبد العزيز بن أبي رواد [ ص: 282 ] عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه - ، حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه - الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة وهذا حديث صحيح الإسناد لا يختلف في صحته ، وقد روي عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا أسود بن عامر قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : رؤيا المسلم جزء من سبعين جزءا من النبوة ، وروى عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

قال أبو عمر : حديث أنس بن مالك أخبرناه عبد الله بن محمد بن أسد ، حدثنا بكر بن محمد بن العلاء ، حدثنا الحسن بن المثنى بن دجانة ، حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا عبد العزيز بن المختار قال : حدثنا ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل بي ، ورؤيا المومن جزء من ستة وعشرين جزءا من النبوة هكذا في حديث أنس هذا ، وهو حسن الإسناد [ ص: 283 ] " جزء من ستة وعشرين جزءا " ورواه أبو رزين العقيلي ، فقال فيه : جزء من أربعين جزءا ، حدثناه عبد الله ، حدثنا بكر ، حدثنا الحسن بن المثنى ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد قال : أخبرنا يعلى بن عطاء ، عن وكيع بن عدس ، عن عمه أبي رزين العقيلي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الرؤيا جزء من أربعين جزءا من النبوة ، والرؤيا معلقة برجل طائر ما لم يحدث بها صاحبها ، فإذا حدث بها وقعت ، فلا تحدثوا بها إلا عاقلا أو محبا أو ناصحا .

قال أبو عمر : اختلاف آثار هذا الباب في عد أجزاء الرؤيا من النبوة ليس ذلك عندي باختلاف تضاد وتدافع ، والله أعلم ; لأنه يحتمل أن تكون الرؤيا الصالحة من بعض من يراها على ستة وأربعين جزءا ، أو خمسة وأربعين جزءا ، أو أربعة وأربعين جزءا ، أو خمسين جزءا ، أو سبعين جزءا ، على حسب ما يكون الذي يراها من صدق الحديث وأداء الأمانة ، والدين المتين وحسن اليقين ، فعلى قدر اختلاف الناس فيما وصفنا تكون الرؤيا منهم على الأجزاء المختلفة العدد ، والله أعلم .

فمن خلصت له نيته في عبادة ربه ويقينه وصدق حديثه ، كانت رؤياه أصدق وإلى النبوة أقرب [ ص: 284 ] كما أن الأنبياء يتفاضلون ، والنبوة كذلك ، والله أعلم ، قال الله عز وجل ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض .

حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا خالد بن عبد الرحمن قال : حدثنا إبراهيم بن عثمان ، عن الحكم بن عتيبة ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كان من الأنبياء من يسمع الصوت فيكون به نبيا ، وكان منهم من يرى في المنام فيكون بذلك نبيا ، وكان منهم من ينفث في أذنه وقلبه فيكون بذلك نبيا ، وإن جبريل يأتيني فيكلمني كما يكلم أحدكم صاحبه .

قال أبو عمر : هذا على أنه يكلمه جبريل كثيرا بالوحي في الأغلب من أمره ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، خذوا ما حل ودعوا ما حرم وفي حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه - قيل له : كيف يأتيك الوحي ؟ قال : يأتيني الوحي أحيانا في مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده علي ، فيفصم عني وقد وعيت ما قال وقد كان يتراءى له جبريل من السحاب ، وكان أول ما ابتدئ من النبوة أنه كان يرى الرؤيا ، فتأتي كأنها فلق الصبح ، وربما جاء جبريل في صفة إنسان حسن الصورة فيكلمه ، وربما اشتد عليه حتى يغط غطيط البكر ، ويئين ويحمر وجهه ، إلى ضروب كثيرة يطول ذكرها .

[ ص: 285 ] وقد يحتمل أن تكون الرؤيا جزءا من النبوة ; لأن فيها ما يعجز ويمتنع كالطيران وقلب الأعيان ، ولها التأويل الحسن ، وربما أغنى بعضها عن التأويل .

وجملة القول في هذا الباب أن الرؤيا الصادقة من الله وأنها من النبوة ، وأن التصديق بها حق ، وفيها من بديع حكمة الله ولطفه ما يزيد المومن في إيمانه .

ولا أعلم بين أهل الدين والحق من أهل الرأي والأثر خلافا فيما وصفت لك ، ولا ينكر الرؤيا إلا أهل الإلحاد ، وشرذمة من المعتزلة .

وأما قوله - صلى الله عليه - في الحديث الرؤيا الصالحة من الرجل الصالح وربما جاء في الحديث " الرؤيا الصالحة " فقط ، وربما جاء في الحديث أيضا " رؤيا المومن " فقط ، وربما جاء " يراها الرجل الصالح أو ترى له " يعني من صالح وغير صالح ، وهي ألفاظ المحدثين ، والله أعلم بها .

والمعنى عندي في ذلك على نحو ما ظهر إلي في الأجزاء المختلفة من النبوة ، والرؤيا إذا لم تكن من الأضغاث والأهاويل ، فهي الرؤيا الصادقة ، وقد تكون الرؤيا الصادقة من الكافر ومن الفاسق ، كرؤيا الملك التي فسرها يوسف صلى الله عليه وسلم ، ورؤيا الفتيين في السجن ، ورؤيا بختنصر التي فسرها دانيال في ذهاب ملكه ، ورؤيا كسرى في ظهور النبي صلى الله عليه وسلم ، ورؤيا عاتكة عمة رسول الله - صلى الله عليه - في أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ومثل هذا كثير ، وقد قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا أقساما تغني عن قول كل قائل .

حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد الحلي القاضي قال : حدثنا محمد بن جعفر بن يحيى بن رزين بحمص قال : [ ص: 286 ] حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا يحيى بن حمزة قال : حدثنا يزيد بن عبيدة قال : حدثنا مسلم بن مشكم ، عن عوف بن مالك ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الرؤيا ثلاثة ، منها أهاويل الشيطان ليحزن ابن آدم ، ومنها ما يهم به في يقظته فيراه في منامه ، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال : قلت : سمعت من رسول الله - صلى الله عليه - ؟ قال : نعم ، سمعته من رسول الله صلى الله عليه . وذكره ابن أبي شيبة ، عن المعلى بن منصور ، عن يحيى بن حمزة ، عن يزيد بن عبيدة ، عن أبي عبد الله ، عن عوف بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه - مثله ، وهذا يفسر قوله في حديث إسحاق " الرؤيا الحسنة إنها ما لم تكن من أهاويل الشيطان ، ولا مما يهم به الإنسان في يقظته ويشغل بها نفسه " ذكر عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المومن تكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا ، والرؤيا ثلاثة : الرؤيا الحسنة بشرى من الله ، والرؤيا يحدث بها الرجل نفسه ، والرؤيا تحزين من الشيطان ، فإذا رأى [ ص: 287 ] أحدكم رؤيا يكرهها فلا يحدث بها أحدا ، وليقم فليصل قال أبو هريرة : يعجبني القيد ، وأكره الغل ، القيد ثبات في الدين .

وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا مضر بن محمد الكوفي قال : حدثنا إبراهيم بن عثمان بن زياد المصيصي قال : حدثنا مخلد بن حسين ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المومن تكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا ، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، والرؤيا ثلاثة : فالرؤيا الحسنة من الله ، والرؤيا من تحزين الشيطان ، والرؤيا يحدث بها الإنسان نفسه ، فإذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدث به وليقم فليصل قال أبو هريرة : أحب القيد في النوم ، وأكره الغل ، والقيد ثبات في الدين .

وروى قتادة ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض هذا الحديث ، وذكر ابن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية ، ووكيع ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن علقمة قال : قال عبد الله : الرؤيا ثلاثة : حضور الشيطان ، والرجل يحدث نفسه بالنهار فيراه بالليل ، والرؤيا التي هي الرؤيا وأولى ما اعتمد عليه في عبارة الرؤيا ، والأدب فيها لمن رآها أو قصت عليه - ما حدثنا خلف بن قاسم قال : حدثنا ابن [ ص: 288 ] المفسر قال : حدثنا أحمد بن علي قال : حدثنا يحيى بن معين قال : حدثنا يحيى بن صالح ، عن سليمان بن بلال ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى أحدكم الرؤيا تعجبه فليذكرها وليفسرها ، وإذا رأى أحدكم الرؤيا تسوءه ، فلا يذكرها ولا يفسرها وقيل لمالك رحمه الله : أيعبر الرؤيا كل أحد ؟ فقال : أبالنبوة يلعب ؟ وقال مالك : لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها ، فإن رأى خيرا أخبر به ، وإن رأى مكروها فليقل خيرا أو ليصمت ، قيل : فهل يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه لقول من قال إنها على ما أولت عليه ؟ فقال : لا ، ثم قال : الرؤيا جزء من النبوة ، فلا يتلاعب بالنبوة .

التالي السابق


الخدمات العلمية