التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
415 [ ص: 149 ] حديث رابع لابن شهاب ، عن عطاء بن يزيد مرسل .

مالك ، عن ابن شهاب ، عن عطاء بن يزيد ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني الناس إذ جاءه رجل فساره ، فلم يدر ما ساره حتى جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو يستأذن في قتل رجل من المنافقين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جهر : أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟ فقال الرجل : بلى ولا شهادة له ، قال : أليس يصلي ، قال : بلى ولا صلاة له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولئك الذين نهاني الله عنهم .


[ ص: 150 ] هكذا رواه سائر رواة الموطأ ، عن مالك إلا روح بن عبادة فإنه رواه ، عن مالك متصلا مسندا :

حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن الجهم السمري قال : حدثنا روح بن عبادة ، عن مالك ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ، عن رجل من الأنصار أنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكره .

ورواه الليث بن سعد وابن أخي الزهري ، عن الزهري مثل رواية ( روح ) بن عبادة ، عن مالك سواء ، ورواه صالح بن كيسان وأبو أويس ، عن ابن شهاب ، عن عطاء بن يزيد ، عن عبيد الله بن الخيار أن نفرا من الأنصار ( حدثوه ) وساق الحديث .

ورواه الليث بن سعد ، عن عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب كما رواه يحيى والجماعة ، عن مالك ، ورواه معمر فسمى الرجل الذي لم يسمه روح بن عبادة .

وسنذكره إن شاء الله وسنذكر ما انتهى إلينا من روايات أصحاب ابن شهاب لهذا الحديث في هذا الباب إن شاء الله .

[ ص: 151 ] ( وأما الرجل الذي سار رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عتبان بن مالك ( وأما الرجل المتهم بالنفاق والذي جرى فيه هذا الكلام هو مالك بن الدخشم .

حدثنا سعيد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن دحيم ، حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن زيد ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن داود البرلسي ، حدثنا عبيد الله بن عمر الغداني قال : حدثنا عامر بن يساف عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس بن مالك قال : لما أصيب عثمان بن مالك في بصره وهو رجل من الأنصار ، وكان عقبيا بدريا ، بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله لو جئت فصليت في بيتي أو بقعة من داري ودعوت الله عز وجل لنا بالبركة ؟ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه حتى أتى منزله فصلى في بيته وخرج فصلى في بقعة من داره ثم قعد القوم يتحدثون فذكر بعضهم ابن الدخشم ، فقالوا : يا رسول الله ذلك كهف المنافقين ومأواهم [ ص: 152 ] وأكثروا فيه حتى رخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله ، ثم قال لهم : هل يصلي ؟ قالوا : نعم يا رسول الله صلاة لا خير فيها أحيانا ويلبي أحيانا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نهيت عن قتل المصلين ، إنه من يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا بها يموت على ذلك حرمه الله على النار قال سعيد : قال قتادة : قال النضر بن أنس : أمرنا أبونا أن نكتب هذا الحديث وما أمرنا أن نكتب حديثا غيره ، وقال : احفظوه يا بني .

وفي هذا الحديث من الفقه : إباحة المناجاة والتسار مع الواحد دون الجماعة ، وإنما المكروه أن يتناجى الاثنان فما فوقهما دون الواحد ، فإن ذلك يحزنه ، وأن مناجاة الاثنين دون الجماعة لا بأس بذلك ، بدليل هذا الحديث وغيره ، ويحتمل أن يستدل بهذا الحديث على أن الرجل الرئيس المحتاج إلى رأيه ونفعه جائز أن يناجيه كل من جاءه في حاجته لقوله صلى الله عليه وسلم : استعينوا على حوائجكم بالكتمان .

وفيه أنه جائز للرجل أن يظهر الحديث الذي يناجيه به صاحبه إذا لم يكن في ذلك ضرر على المناجي أو كان مما يحتاج أهل المجلس إلى علمه .

[ ص: 153 ] وفيه أن من أظهر الشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حقن دمه إلا أن يأتي ما يوجب إراقته مما فرض عليه من الحق المبيح لقتل النفس المحرمة .

وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس يصلي ، بعد قوله : أليس يشهد أن لا إله إلا الله - دليل على أن الصلاة من الإيمان ، وأنه لا إيمان لمن لا صلاة له .

وفي قوله صلى الله عليه وسلم : أولئك الذين نهاني الله عنهم دليل على أن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لم ينهه الله عن قتله ، وكذلك قوله : أليس يصلي ؟ دليل على أنه لا يجوز قتل من صلى وإذا لم يجز قتل من صلى جاز قتل من لم يصل ، وقد تقدم القول في تارك الصلاة في باب زيد بن أسلم عن بسر بن محجن فأغنى عن إعادته .

وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولئك الذين نهاني الله عنهم رد لقول صاحبه القائل له : بلى ولا صلاة له ، بلى ولا شهادة له ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثبت له الشهادة والصلاة ، ثم أخبر أن الله نهاه عن قتلهم يعني عن قتل من أقر ظاهرا وصلى ظاهرا .

[ ص: 154 ] وأما قولنا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثبت له الشهادة والصلاة ، فمأخوذ من حديث مالك عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع ، ونحن نذكره هو وغيره في هذا الباب إن شاء الله تعالى .

وسئل مالك رحمه الله عن الزندقة فقال : ما كان عليه المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إظهار الإيمان وكتمان الكفر ، هو الزندقة عندنا اليوم . قيل : فلم يقتل الزنديق ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين وقد عرفهم ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قتله بعلمه فيهم وهم يظهرون الإيمان لكان ذريعة إلى أن يقول الناس : يقتلهم للضغائن أو لما شاء الله غير ذلك ، فيتمنع الناس من الدخول في الإسلام . هذا معنى قوله .

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عوتب في المنافقين فقال : يتحدث الناس أني أقتل أصحابي ! وقد احتج عبد الملك بن الماجشون في قتل الزنديق بقول الله عز وجل لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا .

[ ص: 155 ] يقول : إن الشأن فيهم أن يقتلوا تقتيلا حيث وجدوا ولم يذكر استتابة ، فمن لم ينته عما كان عليه المنافقون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قتل ، حيث وجد والله أعلم .

قال أبو عمر : مالك وأصحابه كلهم إلا ابن نافع يجعلون مال الزنديق إذا قتلوه لورثته المسلمين ، وهم لا يقتلونه لفساد في الأرض كالمحارب وأهل البدع ، ولا يقتلونه حدا ، وإنما يقتلونه على الكفر ، فكيف يرثه المسلمون وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يرث المسلم الكافر .

وأما ابن نافع فرواه عن مالك فقال : ميراثه فيء لجماعة المسلمين ، فهذا أبين لأن الدم أعظم حرمة من المال ، والمال تبع له .

واختلف الفقهاء في استتابة الزنديق المشهود عليه بالكفر والتعطيل وهو مقر بالإيمان مظهر له جاحد لما شهد به عليه منكر له ، فقال مالك وأصحابه : يقتل الزنادقة ولا يستتابون . قال مالك : ويستتاب القدرية كما يستتاب المرتد .

قال ابن القاسم : فقيل لمالك في القدرية : كيف يستتابون ؟ قال : يقال لهم : اتركوا ما أنتم عليه ، فإن فعلوا وإلا قتلوا .

[ ص: 156 ] واختلف قول أبي حنيفة وأبي يوسف في الزنديق فقالا مرة : فلا يستتاب ويقتل دون استتابة . وقال الطحاوي : أخبرنا سليمان بن شعيب ( عن أبيه عن أبي يوسف ( عن أبي حنيفة قال : اقتل الزنديق فإن توبته لا تعرف . قال : ولم يحك عن أبي يوسف خلافا ( وقال الشافعي : ( يستتاب الزنديق كما يستتاب المرتد ظاهرا فإن لم يتب قتل . قال : ولو شهد شاهدان على رجل بالردة فأنكر ، قتل . فإن أقر أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتبرأ من كل دين خالف الإسلام ، لم يكشف عن غيره .

ومن حجة الشافعي في الزنديق أنه يستتاب فإن أقر وأظهر الإسلام لم يقتل - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين لإظهارهم الإسلام ، ولو شاء لقتلهم بالشهادة عليهم دون العلم ، والقضاء بالعلم للحاكم ( عند الشافعي ( جائز ، وهذه المسألة ليس هذا موضعها ، وإنما أتينا بما يطابق بعض معاني الحديث ويجانسه على شرط الاختصار وترك الإكثار .

[ ص: 157 ] وقال أبو بكر الأثرم : قلت لأحمد بن حنبل : يستتاب الزنديق ؟ قال : ما أدري . قلت : إن أهل المدينة يقولون : يقتل ولا يستتاب . فقال : نعم يقولون ذلك . ثم قال : من أي شيء يستتاب وهو لا يظهر الكفر ؟ هو يظهر الإيمان ، فمن أي شيء يستتاب ؟ قلت : فيستتاب عندك ؟ قال : ما أدري .

ومن الحجة أيضا لمن أبى من قتل الزنديق مع هذا الحديث المذكور في هذا الباب : قوله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله وقد قال صلى الله عليه وسلم : من قالها مخلصا من قلبه دخل الجنة فدل على أن هناك من يقولها غير مخلص بها ، وحسابه على الله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد أجمعوا أن أحكام الدنيا على الظاهر وأن السرائر إلى الله عز وجل ، وأما الآثار المتصلة الثابتة في معنى حديث مالك هذا ، فمنها ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أبو عبيدة بن أحمد قال : حدثنا محمد بن علي بن داود [ ص: 158 ] قال : حدثنا سعيد بن داود قال : حدثنا مالك بن أنس أن ابن شهاب حدثه أن محمود بن الربيع حدثه وزعم أنه ( كان ( قد عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عتبان بن مالك وهو أحد بني سالم قال : كنت أصلي لقومي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلما ساء بصري وبيني وبين قومي واد طفقت يشق علي إجازة الوادي إذا كانت الأمطار ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : يا رسول الله وددت أنك تأتيني فتصلي في مكان أتخذه مصلى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سأفعل . قال عتبان : فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين تعالى النهار ، فاستأذن فأذن له ، فلم يجلس حتى قال : أين تحب أن أصلي من بيتك ؟ فأشرت له إلى المكان الذي نريد ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر وصلى ثم سلم فجلس في مصلاه ، وحبسناه لخزير يصنع له ، فسمع رجال أهل الدار - وهم يدعون والدور قربهم - فلم أشعر حتى كثر الرجال ، فقال رجل منهم : فأين مالك بن الدخشم ، لا أراه أتى ، فقال رجل آخر منهم : ذلك منافق لا يحب الله ولا رسوله ، فقال رسول [ ص: 159 ] الله صلى الله عليه وسلم : لا تقل ذلك ، ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ؟ فقال الرجل : الله ورسوله أعلم ، أما نحن يا رسول الله فما نرى مودته ونصيحته ووجهه إلا إلى المنافقين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله والدار الآخرة .

وحدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا حجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس أن عتبان بن مالك الأنصاري كان ضريرا فقال : يا رسول الله تعال فصل في داري حتى أتخذ مصلاك مسجدا . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع إليه قومه ، فتخلف مالك بن الدخشم فوقعوا فيه ، وقالوا : إنه وإنه هو منافق . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ قالوا : بلى يا رسول الله [ ص: 160 ] يقولها تعوذا . فقال : فوالذي نفسي بيده لا يقولها عبد صادقا بها إلا حرمت عليه النار .

وعند حماد بن سلمة في هذا الحديث أيضا حديث آخر : حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد وأبو أحمد الحسين بن جعفر الزيات قالا : حدثنا يوسف بن يزيد قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا من الأنصار أرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خط لي في داري مسجدا . فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم واجتمع قومه ، وتغيب رجل منهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أين فلان ؟ فغمزه رجل منهم : إنه وإنه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أليس قد شهد بدرا ؟ قالوا : بلى ، قال : فلعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم .

وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش عن أبي ظبيان عن أسامة بن زيد قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا [ ص: 161 ] الحرقات من جهينة فأدركت رجلا فقال : لا إله إلا الله ، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ( رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال لا إله إلا الله وقتلته ؟ قال : قلت : يا رسول الله إنما قالها فرقا من السلاح . قال : أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا . فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ .

قال : فقال سعيد : وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطنين . يعني أسامة . وذكر باقي الحديث .

وأما طرق حديث ابن شهاب عن عبيد الله بن عدي بن الخيار فقد ذكرها إسماعيل بن إسحاق القاضي مستقصاة مجودة ، ونحن نذكرها عنه :

حدثنا أبو عثمان سعيد بن نصر وأبو القاسم عبد الوارث بن سفيان بن جبرون قال : حدثنا أبو محمد قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن بكر قال : أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني ابن شهاب الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد [ ص: 162 ] الله بن عدي بن الخيار أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس فساره يستأذنه في قتل رجل من المنافقين ، فجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أليس يشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : بلى يا رسول الله ، ولكن لا شهادة له . قال : أليس يشهد أن محمدا رسول الله ، قال : بلى يا رسول الله ولا شهادة له . قال : أليس يصلي ؟ قال : بلى يا رسول الله ولكن لا صلاة له . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولئك الذين نهاني الله عنهم .

قال القاضي : هكذا رواه ابن جريج مرسلا ووافقه في إرساله سفيان بن عيينة ، حدثناه علي بن المديني قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل فلما وجه ليقتل قال : أيشهد أن لا إله إلا الله ؟ قالوا : نعم ولا شهادة له . قال : أيشهد أني رسول الله ؟ قالوا : نعم ولا شهادة له . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولئك الذين نهاني الله عنهم قال علي بن المديني : سمعته من سفيان مرارا ، لم أسمعه يذكر فيه سماعا وهو من قديم حديث سفيان .

[ ص: 163 ] قال القاضي : قد روى هذا الحديث عن الزهري جماعة منهم ابن جريج ومالك بن أنس وليث بن سعد ومعمر وأبو أويس وابن أخي الزهري وابن عيينة ( فلم يقل أحد منهم في حديثه أن الرجل وجه ليقتل إلا ابن عيينة ( وقد بلغني أن ابن عيينة كان ربما لم يذكر هذا الكلام فيه وإنما الحديث أن رجلا سار النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في قتل رجل من المنافقين ، وليس فيه : فوجه الرجل ليقتل .

قال أبو عمر : قد أسقط ابن عيينة أيضا من هذا الحديث قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس يصلي ؟ قالوا : بلى ولا صلاة له . وهو كلام محفوظ في هذا الحديث من وجوهه كلها وله معنى صحيح جسيم عند أهل العلم . وقد تقدم فيما أوردنا من الأحاديث ( ما يدل على غلط ابن عيينة وخطئه في قوله في هذا الحديث : ( فلما وجه الرجل ليقتل ، وبالله التوفيق .

قال إسماعيل القاضي : حدثنا أبو مصعب ( الزهري ( قال : حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أنه حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بينما هو جالس بين ظهراني الناس ( إذ ( جاء رجل [ ص: 164 ] فساره فلم يدر ما ساره به ، فذكر الحديث بمثل رواية يحيى حرفا بحرف . قال القاضي : هكذا حدثنا به أبو مصعب عن ( الزهري ( عن مالك مرسلا ، قال : ورواه روح بن عبادة عن مالك مسندا ، زاد في إسناده رجلا . وقال : في رواية أبي مصعب ما يدل على أن روح بن عبادة قد أصاب في زيادته ، وهو قوله : فلم يدر ما سار به . وهذا لا يقوله إلا رجل شهد النبي صلى الله عليه وسلم . وعبيد الله بن عدي بن الخيار لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم .

حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ابن أبي أخي الزهري عن عمه عن عروة بن الزبير عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن عثمان بن عفان قال له : هل أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : قلت : لا ولكن قد خلص إلي منه ما خلص إلى العذراء في خدرها من اليقين .

حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلا أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس بين ظهراني الناس جاءه رجل فساره فلم يدر ما ساره به حتى جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين . [ ص: 165 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ( فقال : ( بلى يا رسول الله ولا شهادة له . قال : أليس يصلي ؟ قال : بلى ولا صلاة له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولئك الذين نهاني الله عنهم .

قال القاضي : حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال : حدثنا الليث بن سعد قال : حدثنا ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلا من الأنصار حدثه أن رجلا من الأنصار أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في قتل رجل من المنافقين . فقال : أليس يشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : بلى ولا شهادة له . أليس يشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : بلى ولا شهادة له . قال : أليس يصلي ؟ قال : بلى ولا صلاة له . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولئك الذين نهيت عنهم .

( قال القاضي : زاد فيه محمد بن المثنى عن أبي الوليد الطيالسي بهذا الإسناد : أن الرجل سار النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في قتل رجل من المنافقين . قال : فجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أليس يشهد أن لا إله إلا الله ( .

قال القاضي : وحدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثني [ ص: 166 ] أبي قال : حدثنا ابن شهاب أن عطاء بن يزيد الجندعي حدثه أن عبيد الله بن عدي بن الخيار حدثه أن نفرا من الأنصار حدثوه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس بين ظهراني الناس جاءه رجل فساره فلم يدر ما الذي ساره به حتى جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : حين جهر : أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟ قال الرجل ، وهو أنصاري : بلى يا رسول الله ولا شهادة له . قال : أليس يصلي ؟ قال : بلى ولا صلاة له . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولئك الذين نهاني الله عنهم .

قال القاضي : قد أسند هذا الحديث عدد اتفقوا فيه أنه عن رجل ، وجعله أبو أويس عن نفر ، والذين اتفقوا فيه : مالك بن أنس وليث بن سعد وابن أخي الزهري ومعمر بن راشد ، وسمى معمر الرجل عبد الله بن عدي الأنصاري ، إن كان ذلك مضبوطا عنه ، حدثنا به علي بن عبد الله قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي [ ص: 167 ] عن عبد الله بن عدي أن عبد الله بن عدي الأنصاري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس بين ظهراني الناس جاءه رجل يستأذنه أن يساره ، فأذن له فساره في قتل رجل من المنافقين يستأذنه فيه ، فجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( أليس ( يشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : بلى ولا شهادة له . قال ( أليس ( يشهد أني رسول الله ؟ قال : بلى ولا شهادة له . قال : أليس يصلي ؟ قال : بلى ولا صلاة له . قال : أولئك الذين نهيت عنهم .

قال : وحدثنا إبراهيم بن حمزة قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن أخي الزهري عن عمه عن عطاء بن يزيد أن عبد الله بن عدي قال : أخبرني رجل من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من الأنصار فساره يستأذنه في قتل رجل من المنافقين ، فلم يدر ما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يجهر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوليس يشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : بلى يا رسول الله ولا شهادة له قال : أوليس يشهد أن محمدا رسول الله [ ص: 168 ] صلى الله عليه وسلم ؟ قال : بلى يا رسول الله ولا شهادة له . قال : أوليس يصلي ؟ قال : بلى يا رسول الله ولا صلاة له . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولئك الذين نهاني الله عنهم .

قال القاضي : هكذا في كتابنا : عطاء بن يزيد أن عبد الله بن عدي قال : أخبرني رجل من الأنصار ، وإنما هو عبيد الله بن عدي بن الخيار ، فقد اتفق على ذلك مالك بن أنس وليث بن سعد وسفيان بن عيينة ومعمر بن راشد وابن جريج وأبو أويس ، وهم سبعة بابن أخي ( الزهري ( هؤلاء النفر السبعة وليس فيهم أجود رواية من معمر إن كان عبد الرزاق ضبط عن معمر ; لأنه جعله عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن عبد الله بن عدي الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم .

قال القاضي : وعبد الله بن عدي هذا رجل من الأنصار ، وليس هو عبد الله بن عدي بن الحمراء ( الذي روى حديثه الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء ( أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو بالحزورة في سوق مكة : والله إنك خير أرض الله وأحب الأرض إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت .

[ ص: 169 ] قال القاضي : عبد الله بن عدي بن الحمراء رجل من قريش من بني زهرة ، وليس هو عبد الله بن عدي الذي روى حديثه عبد الرزاق ، أن النبي صلى الله عليه وسلم استؤذن في قتل رجل من المنافقين :

حدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أن المقداد بن الأسود قال : يا نبي الله أرأيت إن اختلفت أنا ورجل من المشركين ضربتين ( يضربني ( فقطع يدي فذهبت لأضربه فقال : لا إله إلا الله ، أفأقتله أم أدعه ؟ قال : دعه . قلت : إنه قطع يدي ! قال : وإن فعل . فأعدت عليه مرارا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن قتلته بعد أن يقول لا إله إلا الله فهو مثلك قبل أن تقتله وأنت مثله قبل أن يقولها .

قال القاضي : هكذا رواه عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد . اتفق على ذلك سبعة نفر : ابن جريج ومعمر وشعيب بن أبي حمزة وصالح بن كيسان وعبد الحميد بن جعفر وعبد الرحمن بن إسحاق . قال : وسمعت علي بن المديني يقول : سمعت عبد الأعلى عن معمر بالبصرة وكان معمر يحدثهم [ ص: 170 ] بالبصرة من حفظه ، فوهم في أسانيد ، وسماع عبد الرزاق عن معمر أصح لأنه كان يحدث أهل اليمن ومعه كتبه .

قال القاضي : وقد روى هذا الحديث عبد الرزاق عن معمر كما رواه أصحاب الزهري ، لم يخالفهم في شيء من إسناده . وحدثنا به عبد الملك عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي اليمان عن شعيب بن أبي حمزة وحدثنا به ( أبو ( الوليد الطيالسي عن الليث بن سعد ، وحدثنا به يحيى بن عبد الحميد عن إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان ، وحدثنا به محمد بن أبي بكر عن يزيد بن زريع عن عبد الرحمن بن إسحاق ، وحدثنا به محمد بن بشار عن محمد بن بكر عن ابن جريج ، وحدثنا به محمد بن المثنى عن أبي بكر الحنفي عن عبد الحميد بن جعفر ، كلهم عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وقد ذكرناه في مسند المقداد .

[ ص: 171 ]

قال أبو عمر : حديث المقداد هذا حدثناه عبد الله بن محمد بن أسد حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن حدثنا محمد بن يوسف حدثنا البخاري حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي عن المقداد بن الأسود .

قال البخاري : وحدثني إسحاق ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه ، أخبرني عطاء بن يزيد الليثي ثم الجندعي أن عبيد الله بن عدي بن الخيار أخبره أن المقداد بن عمرو الكندي وكان حليفا لبني زهرة وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال : أسلمت لله ، أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقتله . فقال : يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد ما قطعها ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول [ ص: 172 ] كلمته التي قال .

البخاري وقال حبيب بن أبي حمزة : عن سعيد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد : إذا كان رجل مؤمن يخفي إيمانه سمع قول كافر فأظهر إيمانه فقتله ، ولذلك كنت لا تخفي أنت إيمانك بمكة قبل .

قال أبو عمر : هذا تفسير للأول ، حدثنا محمد بن عبد الملك قال : حدثنا ابن الأعرابي قال : حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا سفيان عن الزهري سمع عروة يحدث عن كرز بن علقمة الخزاعي قال : سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم : هل للإسلام منتهى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما أهل بيت من العرب والعجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام . قال : ثم ماذا يا رسول الله ؟ قال : ثم تقع الفتن كأنها الظلل . قال الرجل : كلا والله إن شاء الله قال : [ ص: 173 ] بلى والذي نفسي بيده لتعودن فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض .

قال الزهري : أساود صبا ، يعني الحية إذا أراد أن ينهش ارتفع ثم انصب .

التالي السابق


الخدمات العلمية