التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1462 [ ص: 215 ] حديث ثالث لابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج .

مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره ، ثم يقول أبو هريرة : ما لي أراكم عنها معرضين ؟ والله لأرمين بها بين أكتافكم


هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطأ ( عن مالك ( بهذا الإسناد كما رواه يحيى ، ورواه خالد بن مخلد عن مالك عن [ ص: 216 ] أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، وقد يحتمل أن يكون عند مالك بالإسنادين جميعا ، ولكنه في الموطأ كما ذكرت لك ، ورواه أكثر أصحاب ابن شهاب عنه عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة كما رواه مالك ، إلا معمرا فإن عنده فيه : عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة :

حدثني سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا هشام الدستوائي قال : حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبة على حائطه .

وبهذا الإسناد كان هذا الحديث عن عقيل ، ورواه محمد بن أبي حفصة ( عن الزهري ( عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ، ولم يتابع على ذلك عن ابن شهاب ، والله أعلم .

[ ص: 217 ] وقد ذكر عبد الرزاق عن معمر حديث الأعرج وهو المحفوظ ( ورواه هشام بن يوسف الصنهاجي عن معمر ومالك عن الزهري عن أبي سلمة ( عن أبي هريرة ، فوهم فيه ، والله أعلم .

وليس يصح فيه عن مالك ولا عن معمر ذكر أبي سلمة فيما ذكره الدارقطني ، قال : ( وقد ( روي عن بشر بن عمر ( عن مالك ( عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ( والصواب فيه : عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة ( وقال يعقوب : سمعت علي بن المديني يقول : قال لي معن بن عيسى : أتنكر الزهري - وهو يتمرغ في أصحاب أبي هريرة - أن يروي الحديث عن عدة ؟ حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال : حدثنا الميموني بن حمزة الحسيني قال : حدثنا أبو جعفر [ ص: 218 ] الطحاوي قال : حدثني المزني قال : حدثنا الشافعي قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا استأذن أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه . فلما حدثهم أبو هريرة نكسوا رءوسهم فقال : ما لي أراكم عنها معرضين ؟ أما والله لأرمين بها بين أكتافكم هكذا يقول ابن عيينة في هذا الحديث " إذا استأذن " وكذلك رواية ابن أبي حفصة وعقيل وسليمان بن كثير : إذا سأل أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره فلا يمنعه .

هكذا روى هؤلاء ( هذا ( الحديث على سؤال الجار ( جاره ( واستئذانه إياه أن يجعل خشبة على جداره ، ولم يذكر معمر [ ص: 219 ] ومالك بن أنس ويونس في هذا الحديث السؤال ، والمعنى عندي فيه واحد ، والله أعلم . وسنذكر اختلاف العلماء في ذلك وفي سائر معنى الحديث إن شاء الله .

وروى الليث بن سعد هذا الحديث عن مالك فقال فيه : من سأله جاره . حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أحمد بن الحسن الرازي ، حدثنا هارون بن كامل ( ح ( وحدثنا خلف ، حدثنا محمد بن أحمد بن المسور ، حدثنا مطلب بن شعيب قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث بن سعد ، حدثني مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سأله جاره أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه .

[ ص: 220 ] ( قال الليث : هذا إن شاء الله ما لنا عن مالك وآخره : حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق ، حدثنا أحمد بن محمد بن حجاج قال : حدثني محمد بن رمح ومحمد بن سفيان بن زياد العامري قالا : حدثنا الليث بن سعد عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : من سأله جاره أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه ( .

وحدثنا خلف ، حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ، حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي ، حدثنا سعيد بن كثير بن عفير ، حدثنا مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من سأله جاره أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه .

قال سعيد بن عفير : سمعته من الليث عن مالك ومالك حي ، ثم سمعته من مالك .

[ ص: 221 ] قال أبو عمر : لذلك جاء به على لفظ الليث لا على لفظ الموطأ . قال أبو جعفر الطحاوي : سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول : سألت ابن وهب عن خشبة أو خشبه في هذا الحديث فقال : سمعت من جماعة خشبة ( يعني ( على لفظ الواحدة .

قال أبو عمر : قد روي اللفظان جميعا في الموطأ عن مالك وقد اختلف علينا فيهما الشيوخ في موطأ يحيى على الوجهين جميعا ، والمعنى واحد لأن الواحد يقوم مقام الجمع في هذا المعنى إذا أتى بلفظ النكرة عند أهل اللغة والعربية . وكذلك اختلفوا علينا في أكتافكم وأكنافكم . والصواب فيه إن شاء الله وهو الأكثر التاء .

[ ص: 222 ] واختلف الفقهاء في معنى هذا الحديث فقال منهم قوم : معناه الندب إلى بر الجار والتجاوز له والإحسان إليه ، وليس ذلك على الوجوب . وممن قال ذلك مالك وأبو حنيفة . ومن حجتهم قوله صلى الله عليه وسلم : لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه .

أخبرني عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جامع قال : حدثنا المقدام بن داود قال : حدثنا عبد الله بن عبد الحكم عن مالك قال : ليس يقضى على رجل أن يغرز خشبه في جداره لجاره ، وإنما نرى أن ذلك ( كان ( من رسول الله صلى الله عليه وسلم على الوصاة بالجار . قال : ومن أعار صاحبه خشبة يغرزها في جداره ثم أغضبه فأراد أن ينزعها فليس ذلك له ، وأما إن احتاج إلى ذلك لأمر [ ص: 223 ] نزل به فذلك له . قال : وإن أراد بيع داره فقال : انزع خشبك فليس ذلك له .

وقال أبو حنيفة وأصحابه : معنى الحديث المذكور عندنا : الاختيار والندب في إسعاف الجار وبره إذا سأله ذلك على نحو قول الله عز وجل والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم .

ولم يختلف علماء السلف أن ذلك على الندب لا على الإيجاب ، فكذلك معنى هذا الحديث عندهم ، وحملوه على معنى قوله صلى الله عليه وسلم : إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها وهذا معناه عند الجميع : الحض والندب على حسبما يراه الزوج من الصلاح والخير في ذلك .

[ ص: 224 ] وقال أصبغ بن القاسم : لا يؤخذ بما قضى به عمر على محمد بن مسلمة في الخليج ، ولا ينبغي أن يكون أحق بمال أخيه منه إلا برضاه . قال : وأما ما حكم به لعبد الرحمن بن عوف بتحويل الربيع من موضعه إلى ناحية أخرى من الحائط ، فإنه يؤخذ به ويعمل بمثله ; لأن مجرى ذلك الربيع كان لعبد الرحمن في الحائط ، وإنما أراد تحويله إلى ناحية هي أقرب عليه وأرفق بصاحب الحائط ، فلذلك حكم له عمر بتحويله .

قال ابن القاسم : سئل مالك عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره فقال مالك : ما أرى أن يقضى به وما أراه إلا من وجه المعروف من النبي عليه السلام .

قال ابن القاسم : سئل مالك عن رجل كان له حائط فأراد جاره أن يبني عليه سترة يستتر بها منه ، قال : لا أرى ذلك له إلا أن يأذن صاحبه .

[ ص: 225 ] وقال آخرون : ذلك على الوجوب إذا لم تكن في ذلك مضرة على صاحب الجدار ، وممن قال بهذا الشافعي وأحمد بن حنبل وداود بن علي وأبو ثور ، وجماعة من أهل الحديث ، وحجتهم قول أبي هريرة : والله لأرمين بها بين أكتافكم . وأبو هريرة أعلم بمعنى ما سمع ، وما كان ليوجب عليهم غير واجب .

وهو مذهب عمر بن الخطاب . وحكى مالك عن المطلب - قاض كان بالمدينة - كان يقضي به .

ومن حجتهم أيضا أن قالوا : هذا قضاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمرفق . وقوله صلى الله عليه وسلم : لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه إنما هو على التمليك والاستهلاك ، وليس المرفق من ذلك ، وكيف يكون صلى الله عليه وسلم فرق بين ذلك فأوجب أحدهما ومنع ( من ( الآخر [ ص: 226 ] واحتجوا أيضا بأن عمر بن الخطاب قضى بذلك على محمد بن مسلمة للضحاك بن خليفة في ساقية يسوقها الضحاك في أرض محمد بن مسلمة وقال له : والله ليمرن بها ولو على بطنك . لامتناعه من ذلك ، ولو لم يكن ذلك واجبا عند عمر ما أجبره على ذلك ، ولو كان من باب " لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " ما قضى به عمر على رغم محمد بن مسلمة ، وكذلك قضى عمر لعبد الرحمن بن عوف على عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري جد عمرو بن يحيى المازني مثل ما قضى به للضحاك بن خليفة على محمد بن مسلمة .

وهذا يدلك على أن ذلك من قضاء عمر مستفيض متردد .

روى مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض فأراد أن يمر [ ص: 227 ] به في أرض محمد بن مسلمة فأبى محمد فقال له الضحاك : لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب منه أولا وآخرا ولا يضرك ؟ فأبى محمد فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب ، فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة ( فأمره ( أن يخلي سبيله ، فقال محمد : لا . فقال عمر : لم تمنع أخاك ما ينفع وهو لك نافع تسقي به أولا وآخرا وهو لا يضرك ؟ فقال محمد : لا والله . فقال عمر : والله ليمرن به ولو على بطنك . فأمره عمر أن يمر به ففعل الضحاك .

وروى مالك أيضا عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه كان في حائط جده ربيع لعبد الرحمن بن عوف ، فأراد عبد الرحمن ( بن عوف ( أن يحوله إلى ناحية من الحائط هي أقرب إلى أرضه ، فمنعه صاحب الحائط ، فكلم عبد الرحمن [ ص: 228 ] عمر بن الخطاب ، فقضى لعبد الرحمن بن عوف بتحويله . قال مالك : والربيع : الساقية .

ومما احتج به أيضا من ذهب مذهب الشافعي في هذا الباب : حديث يروى عن الأعمش عن أنس قال : استشهد منا غلام يوم أحد فجعلت أمه تمسح التراب عن وجهه وتقول : أبشر هنيئا لك الجنة . فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره .

وهذا الحديث ليس بالقوي ; لأن الأعمش لا يصح له سماع من أنس ، وكان مدلسا عن الضعفاء .

ومما احتج به أيضا من ذهب مذهب الشافعي ما وجدته في أصل سماع أبي - رحمه الله - أن محمد بن أحمد بن قاسم حدثهم قال : حدثنا سعيد بن عثمان قال : حدثنا نصر بن مرزوق [ ص: 229 ] قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا قيس بن الربيع عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ابتنى فليدعم جذوعه على حائط جاره .

قال أسد : وحدثنا قيس بن الربيع عن منصور بن دينار عن أبي عكرمة المخزومي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل لامرئ ( مسلم ( أن يمنع جاره خشبات يضعها على جداره . ثم يقول أبو هريرة : لأضربن بها بين أعينكم وإن كرهتم .

قال أسد : وحدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يمنع الرجل جاره أن يضع خشبة على جداره وزعم الشافعي أنه لم يرو عن أحد من الصحابة خلاف عمر في هذا الباب ، وأنكر على مالك تركه لكل ما أدخل [ ص: 230 ] في موطئه من الآثار في باب القضاء بالمرفق وقال : جعل في أول باب القضاء بالمرفق من موطئه حديث عمرو بن يحيى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا ضرر ولا ضرار ثم أردفه بحديث ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم المذكور في هذا الباب ، وهو حديث ثابت ، ثم أردف ذلك بحديثي عمر المذكورين في قصة ابن مسلمة وقصة المازني مع الضحاك وعبد الرحمن بن عوف ، وكأنه جعل هذه الأحاديث مفسرة لقوله صلى الله عليه وسلم : لا ضرر ولا ضرار قال : ثم ترك ذلك كله .

قال أبو عمر : أما قول الشافعي ( إنه ( لم يرو عن ( أحد من ( الصحابة خلاف ما روي عن عمر بن الخطاب في هذا الباب فليس كما ظن ; لأن محمد بن مسلمة من كبار الصحابة وجلة الأنصار وممن شهد بدرا قد خالف عمر بن الخطاب في ذلك وأبى مما [ ص: 231 ] رآه وقال : والله لا يكون ذلك . ومعلوم أن محمد بن مسلمة لو كان رأيه ومذهبه في ذلك كمذهب عمر ما امتنع من ذلك ، ولو علم أن ذلك من قضاء الله أو من قضاء رسوله صلى الله عليه وسلم على الإيجاب للجار ، لما خالفه ، ولكن رآه على الندب خلافا لمذهب عمر . وإذا وجد الخلاف بين الصحابة في ذلك وجب النظر . ( والنظر ( في هذه المسألة يدل على صحة ما ذهب إليه مالك ومن قال بقوله ، والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام يعني أموال بعضكم على بعض ودماء بعضكم على بعض وأعراض بعضكم على بعض ( حرام ( وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله حرم من المؤمن دمه وماله وعرضه ، وأن لا يظن به إلا الخير وقال صلى الله عليه وسلم : لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه .

[ ص: 232 ] والأصول في هذا كثيرة جدا ، ولهذه الأصول الجسام ولمثلها من الكتاب والسنة حمل أهل العلم هذا الحديث على الندب والفضل والإحسان ، لا على الوجوب ; لتستعمل أخباره وسنته صلى الله عليه وسلم كلها ، وهكذا يجب على العالم ما وجد إلى ذلك سبيلا .

وأما قول من قال في حديث أبي هريرة : لا يحل لامرئ أن يمنع جاره ، ونهى أن يمنع الرجل جاره أن يضع خشبة في جداره - فليس ممن يحتج بنقله على مثل مالك ومن تابعه .

ويحتمل أن يكون لا يحل في حقوق الجار منعه من ذلك ; لأن منع ما لا يضر ليس من أخلاق ( الكرام من ( المؤمنين ومن الدليل ( أيضا ( على صحة ما ذهب إليه مالك وعلى أن الخلاف في هذه المسألة لم يزل من زمن عمر : قول أبي هريرة : ما لي أراكم عنها معرضين ؟ وذلك في زمن الأعرج [ ص: 233 ] والتابعين ، وهذا يدل على أن الناس لم يتلقوا حديثه على الوجه الذي ذهب إليه أبو هريرة من إيجاب ذلك ، ومذهب أبي هريرة في هذا كمذهب عمر ، وفي المسألة كلام لمن خالفنا وعليهم ، لم أذكره مخافة التطويل .

وأما قول عبد الملك بن حبيب فاضطرب في هذا الباب ولم يثبت فيه على مذهب مالك ولا مذهب العراقيين ولا مذهب الشافعي ، وتناقض في ذلك ولم يحسن الاختيار . قال في قوله صلى الله عليه وسلم : لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره : لازم للحاكم أن يحكم به على من أباه وأن يجبره عليه بالقضاء لأنه حق قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه أيضا من الضرار أن يدفعه أن يغرز خشب بيته في جداره ، فيمنعه بذلك المنفعة ، وصاحب الجدار لا ضرر عليه في ذلك . قال : ويدخله أيضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ضرر ولا ضرار .

[ ص: 234 ] وقول عمر لم تمنع أخاك ما لا يضرك ؟ قال : وقد قضى مالك للجار إذا تغورت بئره أن يسقي نخله وزرعه ببئر جاره حتى يصلح بئره ، وهذا أبعد من غرز الخشبة في جدار الجار إذا لم يكن ضرر بالجدار ، إلا أن يخاف عليه أن يوهن الجدار ويضر به لم يجبر صاحب الجدار . وقيل لصاحب الخشب : احتل لخشبك .

ومثله حديث ربيع عبد الرحمن بن عوف في حائط المازني . قال : والربيع : الساقية . فأراد عبد الرحمن بن عوف أن يحوله إلى موضع من الحائط هو أقرب إلى أرضه ، فمنعه صاحب الحائط ، فقضى عمر لعبد الرحمن بتحويله .

قال : وهذا أيضا يجبر عليه بالقضاء من أجل أن مجرى ذلك الربيع كان في الحائط لعبد الرحمن وقد استحقه ، فأراد تحويله إلى ناحية أخرى هي أقرب عليه وأرفق بصاحب الحائط . قال : وأما الحديث الثالث في قصة الضحاك بن خليفة مع محمد بن [ ص: 235 ] مسلمة فلم أجد أحدا من أصحاب مالك وغيره يرى أن يكون ذلك لازما في الحكم لأحد على أحد . قال : وإنما كان ذلك تشديدا على محمد بن مسلمة ولا ينبغي أن يكون أحد أحق بمال أخيه منه إلا برضاه ( قال ( وليس مثل هذا حكم عمر في ربيع عبد الرحمن بن عوف ; لأن هذا لم يكن له في حائط محمد بن مسلمة طريق ولا ربيع ( قال : ( وهذا أحسن ما سمعت فيه .

قال أبو عمر : هذا كله كلام ( ابن ( حبيب والخطأ فيه والتناقض أوضح من أن يحتاج إلى الكلام عليه ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية