التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
431 [ ص: 239 ] حديث أول لابن شهاب عن أبي عبيد .

مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال : شهدت العيد مع عمر بن الخطاب ، فصلى ثم انصرف فخطب الناس فقال : إن هذين يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما : يوم فطركم من صيامكم والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم .

قال أبو عبيد : ثم شهدت العيد مع عثمان بن عفان فجاء فصلى ثم انصرف فخطب وقال : إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له .

قال أبو عبيد : ثم شهدت العيد مع علي ( بن أبي طالب ( وعثمان محصور ، فجاء فصلى ثم انصرف فخطب .


[ ص: 240 ] لا خلاف أعلمه في الموطأ في إسناد هذا الحديث ولا في متنه ، ورواه جويرية عن مالك فجعل لفظه مختصرا مرفوعا عن علي بن أبي طالب في النهي عن الأكل من النسك فوق ثلاث . قال : شهدت العيد مع علي بن أبي طالب فسمعته يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاكم أن تأكلوا من نسككم فوق ثلاث .

وقال فيه سعيد الزبيري ومكي ، جميعا عن مالك بإسناده عن أبي عبيد أنه شهد العيد مع علي بن أبي طالب وعثمان محصور فصلى قبل أن يخطب ثم خطب فقال : أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاكم أن تمسكوا لحم نسككم فوق ثلاث ، فلا يصبحن في بيت أحد منكم لحم بعد ثلاث وزاد في حديث هذا الباب معمر عن ابن شهاب عن أبي عبيد : بلا أذان ولا إقامة .

[ ص: 241 ] ذكر عبد الرزاق عن معمر ( عن الزهري ( عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف أنه شهد العيد مع عمر بن الخطاب فصلى قبل أن يخطب بلا أذان ولا إقامة ثم خطب الناس فقال : يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام هذين اليومين : أما أحدهما فيوم فطركم من صيامكم وعيدكم ، وأما الآخر فيوم تأكلون فيه من نسككم قال : ثم شهدت مع عثمان بن عفان وكان ذلك يوم الجمعة فصلى قبل أن يخطب بلا أذان ولا إقامة ثم خطب الناس فقال : يا أيها الناس هذا يوم اجتمع لكم فيه عيدان ، فمن كان منكم من أهل العوالي فقد أذنا له فليرجع ، ومن شاء فليشهد الصلاة . قال : ثم شهدت مع علي فصلى قبل أن يخطب بلا أذان ولا إقامة ، ثم خطب فقال : يا أيها الناس إن رسول الله [ ص: 242 ] صلى الله عليه وسلم نهى عن أن تأكلوا من نسككم بعد ثلاث فلا تأكلوها بعد .

قال أبو عمر : أظن مالكا رحمه الله إنما قصر في موطئه عن ذكر النهي عن الأكل من النسك بعد ثلاث في حديث علي هذا من رواية معمر هذه - والله أعلم - لأن ذلك عنده منسوخ ، وحديث علي ( به ( في ذلك الوقت حين سمعه أبو عبيد عمل والعمل بالمنسوخ لا يجوز ، فلذلك أنكره وترك ذكره من هذا الوجه ، وقد ذكرنا هذا المعنى وذكرنا النسخ بإسناد واحد وأسانيد مختلفة ومضى القول في ذلك في باب ربيعة بن أبي عبد الرحمن من كتابنا هذا .

وأما تقصير مالك في ذكر الأذان والإقامة من حديث ابن شهاب هذا ، فلا أدري ما وجهه . ولم يختلف قوله قط في أن لا أذان في العيدين ولا إقامة ، وذكر في موطئه أنه سمع غير [ ص: 243 ] واحد من علمائهم يقولون : لم يكن في الفطر ولا الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم . قال مالك : وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا .

قال أبو عمر : روي من وجوه شتى صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يؤذن ( له ( ولا يقام في العيدين ، من حديث جابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وعبد الله بن عباس وابن عمر وسعد ، وهي كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه صلى العيد بغير أذان ولا إقامة وهو أمر لا خلاف فيه بين علماء المسلمين وفقهاء الأمصار ، وجماعة أهل الفقه والحديث ; لأنها نافلة وسنة غير فريضة ، وإنما أحدث فيهما الأذان بنو أمية . واختلف في أول من فعل ذلك منهم ، فذكر ابن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال : أول من أحدث الأذان في [ ص: 244 ] العيدين معاوية . قال : وحدثنا وكيع قال : حدثنا أبي عن عاصم بن سليمان عن أبي قلابة قال : أول من أحدث للعيد الأذان في العيدين : ابن الزبير . قال : وحدثنا عبد الله بن إدريس عن حصين قال : أول من أخرج المنبر في العيدين بشر بن مروان ، وأول من أذن في العيدين زياد قال : وحدثنا حسين عن زائدة عن عبد الملك بن عمير قال : أول من اتخذ العودين وخطب جالسا وأذن في العيدين قدامه : زياد .

قال : وحدثنا إسحاق بن منصور قال : حدثنا أبو كدينة عن أبي إسحاق عن يحيى بن وثاب قال : أول من جلس على المنبر في العيدين وأذن فيهما زياد الذي يقال له ابن أبي سفيان .

[ ص: 245 ] وذكر عبد الرزاق قال : حدثنا ابن جريج قال : أخبرني عطاء عن ابن عباس قال : أرسل إلي ابن الزبير أول ما بويع له فقلت : إنه لم يكن يؤذن للصلاة يوم الفطر فلا تؤذن لها . قال : فلم يؤذن لها ابن الزبير . وأرسل إليه مع ذلك إنما الخطبة بعد الصلاة ، وأن ذلك قد كان يفعل . قال : فصلى ابن الزبير يومئذ قبل الخطبة فسأله ابن صفوان وأصحابه فقالوا : هلا أذنتنا ؟ وفاتتهم الصلاة يومئذ ، فلما ساء الذي بينه وبين ابن عباس لم يعد ابن الزبير لأمر ابن عباس .

قال أبو عمر : القول في تقديم الخطبة قبل الصلاة في العيدين يأتي في هذا الباب بعد تمام ( القول في ( الأذان والإقامة فيهما بعون الله ، إن شاء الله .

[ ص: 246 ] وقد جاء عن ابن سيرين في أول من أحدث الأذان في العيدين خلاف ما تقدم :

ذكر ابن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء عن ابن عون عن محمد قال : أول من أحدث الأذان في الفطر والأضحى بنو مروان . فهذا ما روي في أول من أذن في العيدين وأقام وذلك أربعة أقوال ، أحدها معاوية والثاني ابن الزبير والثالث زياد والرابع بنو مروان .

قال أبو عمر : القول قول من قال : إن معاوية أول من أذن له في العيدين على ما قال سعيد بن المسيب ، وقول من قال : زياد أول من فعل ذلك مثله أيضا ; لأن زيادا عامله ، وأما من قال : ابن الزبير وبنو مروان ، فقد قصروا عما علمه غيرهم ، ومن لم يعلم فليس بحجة على من علم ، وبالله التوفيق .

[ ص: 247 ] وأما الأذان الأول يوم الجمعة فلا أعلم خلافا أن عثمان أول من فعل ذلك وأمر به . ذكر ابن أبي شيبة قال : حدثنا هشيم عن الزهري قال : أول من أحدث الأذان يوم الجمعة عثمان ليؤذن أهل الأسواق . قال : وحدثنا إسماعيل بن علية عن برد عن الزهري قال : كان الأذان عند خروج الإمام فأحدث أمير المؤمنين عثمان التأذينة الثانية على الزوراء ليجتمع الناس . قال : وحدثنا ابن المبارك عن معمر عن الزهري قال : أرى أن يترك البيع عند الأذان الأول الذي أحدثه عثمان .

حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا أبو داود ، حدثنا محمد بن سلمة المرادي ، حدثنا يونس عن ابن [ ص: 248 ] شهاب قال : أخبرني السائب بن يزيد أن الأذان ( كان أوله ( حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة ( في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ، فلما كان خلافة عثمان ( وكثر الناس يوم الجمعة ( أمر عثمان بالأذان الثالث فأذن به على الزوراء ، فثبت الأمر على ذلك .

قال أبو عمر : في رواية يونس عن الزهري ( إن ( الذي أحدثه عثمان هو الأذان الثالث ، وكذلك رواه مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد وقد تقدم من رواية برد عن الزهري أنها التأذينة الثانية ، وقال معمر عن الزهري : الأذان الأول الذي أحدثه عثمان ، وهذا اضطراب شديد إلا أن يحمل على وجه من التأويل .

[ ص: 249 ] وذكر إسماعيل بن إسحاق عن أبي ثابت عن ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عثمان زاد النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء ليسمع الناس . وقال ابن إسحاق في هذا الحديث : عن الزهري عن السائب بن يزيد قال : كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة وعلى باب المسجد ، وأبي بكر وعمر . ذكره أبو داود عن النفيلي عن محمد بن سلمة عن ابن إسحاق ثم ساق ( نحو ( حديث يونس الذي تقدم .

وفي حديث ابن إسحاق هذا مع حديث مالك ويونس ما يدل على أن الأذان كان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم : الأذان الأول والثاني عند باب المسجد ، والثالث أحدثه عثمان على الزوراء - والله أعلم - لأن الاضطراب في ذلك [ ص: 250 ] كثير عن ابن شهاب ، وقد روى صالح بن كيسان ومحمد بن إسحاق عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه قال : لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد . وهذا يصحح رواية برد عن الزهري أن عثمان أحدث التأذينة الثانية . وفي كيفية أول الأذان في الجمعة عندي نظر والله أعلم .

وأما الأحاديث المرفوعة في أذان العيد فأخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعد قال : حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ( ح ( وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : أخبرنا أبو عوانة عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة .

وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال : حدثنا قاسم بن أصبغ [ ص: 251 ] قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر بن عبد الله أنه شهد الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة .

وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين العيد بغير أذان ولا إقامة .

وحدثنا عبد الله بن محمد قال : ( حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود ( قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العيد بلا أذان ولا إقامة وأبو بكر وعمر وعثمان . شك يحيى في عثمان .

[ ص: 252 ] وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن عبد السلام قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد ثم خطب وصلى أبو بكر ثم خطب وصلى عمر ثم خطب وصلى عثمان ثم خطب بغير أذان ولا إقامة .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا حصين بن نمير قال : حدثنا الفضل بن عطية قال : حدثنا سالم بن عبد الله عن أبيه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد فبدأ فصلى بغير أذان ولا إقامة ثم خطب قال : وحدثني عطاء عن جابر بن عبد الله بمثل ذلك .

وحدثنا سعيد قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن ابن عباس ( ح ( [ ص: 253 ] وحدثنا عبد الله بن محمد واللفظ لحديثه ، قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سفيان ، عن عبد الرحمن بن عابس ، قال : سأل رجل ابن عباس : أشهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، ولولا منزلتي منه ما شهدته من الصغر ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم الذي كان عند دار كثير بن الصلت فصلى ثم خطب ولم يذكر أذانا ولا إقامة ، ثم أمر بالصدقة . وذكر الحديث .

وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء عن ابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، قالا : لم يكن يؤذن يوم الفطر ويوم الأضحى .

[ ص: 254 ] قال أبو عمر : وأما تقديم الصلاة قبل الخطبة في العيدين ، فعلى ذلك جماعة أهل العلم ، ولا خلاف في ذلك بين فقهاء الأمصار من أهل الرأي والحديث ، وهو الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ، وعلى ذلك علماء المسلمين إلا ما كان من بني أمية في ذلك أيضا .

وقد اختلف في أول من جعل الخطبة قبل الصلاة منهم ، فقيل : عثمان ، وقيل : معاوية ، وقيل : مروان . فالله أعلم . ومن قال : مروان ، فإنما أراد بالمدينة وهو أمير عليها لمعاوية ، ولم يكن مروان ليحدث ذلك إلا عن أمر من معاوية ومن قال : عثمان ، احتج بما حدثناه عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا الخشني ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال : كانت الصلاة يوم العيد قبل الخطبة [ ص: 255 ] فلما كان عثمان بن عفان كثر الناس قدم الخطبة قبل الصلاة . أراد بذلك أن لا يفترق الناس وأن يجتمعوا .

وفي حديث مالك المذكور في هذا الباب ، عن ابن شهاب ، عن أبي عبيد مولى ابن أزهر ، أنه شهد العيد مع عثمان ، فصلى ثم انصرف فخطب ، وما أظن مالكا ذكر ذلك - والله أعلم - إلا إنكارا لقول من قال : إن عثمان أول من جعل الخطبة في العيدين قبل الصلاة . وما ذكره مالك فليس فيه نفي لرواية يحيى بن سعيد ، عن يوسف بن عبد الله بن سلام ; لأن عثمان قصر الصلاة في سفر سنين ، ثم أتمها بعد ، وكذلك قدم الصلاة في العيدين سنين ثم قدم الخطبة ، فحكى كل ما علم ورأى .

والحديثان صحيحان ، وهو من حديث أهل المدينة ذكره عبد الرزاق وغيره عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد ، عن يوسف بن عبد الله بن سلام ، قال : أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة يوم الفطر عثمان بن عفان .

[ ص: 256 ] قال أبو عمر : وهم ابن جريج في هذا الحديث فرواه عن يحيى بن سعيد قال : أخبرني يوسف بن عبد الله ( بن سلام ( قال : أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة يوم الفطر عمر بن الخطاب . وهذا خطأ بين ، لم تختلف الآثار عن أبي بكر وعمر أنهما صليا في العيدين قبل الخطبة على ما كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الصحيح أيضا عن عثمان لأن ابن شهاب حكى ذلك عن أبي عبيد مولى ابن أزهر أنه صلى مع عمر وعثمان وعلي العيدين فكلهم صلى قبل الخطبة ، وليس في هذا الباب عنهم أصح من هذا الإسناد .

وأما حديث يوسف بن عبد الله بن سلام : " فخطب " لا يثبت .

ذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : قلت لعطاء : أتدري أول من خطب يوم الفطر ثم صلى ؟ قال : لا أدري ، أدركت الناس على ذلك . قال : وأخبرنا ابن جريج قال : قال ابن شهاب : أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة معاوية .

[ ص: 257 ] ( قال : ( وأخبرنا معمر قال : بلغني أن أول من خطب ثم صلى معاوية . قال : وقد بلغني أيضا أن عثمان فعل ذلك . كان لا يدرك عامتهم الصلاة فبدأ بالخطبة حتى يجتمع الناس .

قال أبو عمر : لا يصح عن عثمان ، والله أعلم . وهذه أحاديث مقطوعة لا يحتج بمثلها ، وليس فيها حديث يحتج به إلا حديث ابن شهاب عن أبي عبيد أنه صلى مع عمر وعثمان وعلي ، فكلهم صلى ثم خطب في العيدين ، هذا هو الصحيح عنهم ، وأما الاختلاف الذي يمكن ففي معاوية وابن الزبير ومروان فهو عندي مثل قول من قال معاوية ; لأنه كان عاملا لمعاوية بالمدينة فكأنه قال : أول من فعلها بالمدينة مروان وفي الخبر الذي قدمنا من رواية ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس إذ أرسل إليه ابن الزبير ما يدل على أن ابن الزبير كان يصلي ( في ( العيدين بعد الخطبة وفي ذلك رد لقول طارق بن [ ص: 258 ] شهاب ( وقول طارق بن شهاب ( ذكره عبد الرزاق عن الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال : أول من قدم الخطبة قبل الصلاة يوم العيد مروان ، فقام إليه رجل فقال : يا مروان ، خالفت السنة . فقال مروان : يا فلان ترك ما هنالك . فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى الذي عليه . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من رأى منكرا فاستطاع تغييره بيده فليفعل ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان .

قال أبو عمر : قول مروان : ترك ما هنالك . يدل على أنه قد تقدمه من تركه ، والله أعلم .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن العلاء ، قال : حدثنا [ ص: 259 ] أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء ( عن أبيه ( عن أبي سعيد الخدري ( وعن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري ( قال : أخرج مروان المنبر في يوم عيد فبدأ بالخطبة قبل الصلاة ، فقام رجل فقال : يا مروان ، خالفت السنة أخرجت المنبر في يوم عيد ، ولم يكن يخرج فيه وبدأت الخطبة قبل الصلاة . فقال أبو سعيد : من هذا ؟ فقالوا : فلان بن فلان . فقال : أما هذا فقد قضى ما عليه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من رأى منكم منكرا فاستطاع أن يغيره فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان .

وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : [ ص: 260 ] حدثنا ابن نمير عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، قال : أخرج مروان المنبر وبدأ بالخطبة قبل الصلاة فقام رجل فقال : يا مروان ، خالفت السنة ، أخرجت المنبر ولم يكن يخرج وبدأت بالخطبة قبل الصلاة . فقال أبو سعيد : من هذا ؟ فذكر الحديث مثله حرفا بحرف إلى آخره .

وحدثنا سعيد قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، قال : إن أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان ، فقام إليه رجل ، فقال : الصلاة قبل الخطبة ؟ فقال : ترك ما هنالك . فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان .

[ ص: 261 ] وذكر عبد الرزاق : أخبرنا داود بن قيس قال : حدثني عياض بن عبد الله بن أبي سرح ، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : خرجت مع مروان في يوم عيد فطر أو أضحى وهو بيني وبين ابن مسعود حتى أفضينا إلى المصلى فإذا كثير بن الصلت الكندي قد بنى لمروان منبرا من لبن وطين ، فعدل مروان إلى المنبر حتى حاذاه فجذبته ليبدأ بالصلاة ، فقال : يا أبا سعيد ، ترك ما تعلم . فقلت : كلا ورب المشارق والمغارب - ثلاث مرات - لا تؤتون بخير مما أعلم . قال : ثم بدأ بالخطبة .

قال أبو عمر : قول مروان " ترك ما هنالك " و : " ترك ما تعلم " يدل على أن تركه قد كان تقدم .

وأولى ما قيل به في هذا الباب أن أول من قدم الخطبة قبل الصلاة في العيدين معاوية ، وهو قول ابن شهاب وغيره .

[ ص: 262 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا مطلب بن شعيب ، قال : أخبرنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث ، قال : حدثني هشام بن سعيد ، عن عياض بن عبد الله بن سعيد ، أنه حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري ، يقول : خرجت مع مروان يوما إلى المصلى ، ويد مروان في يدي فأراد أن يرقى المنبر قبل أن يصلي ، فجذبت بيده فقلت : صلاة العيد قبل الخطبة . فقال مروان : هذا أمر قد ترك يا أبا سعيد ، أما لو فعلنا ما تقول ذهب الناس وتركونا ، وقد ترك ما تعلم . فقلت : إذا لا تجدون خيرا مما أعلم ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالصلاة في هذا اليوم ، فإذا فرغوا من الصلاة قام فوعظ الناس وأمرهم ببعث إن كان أو أمر ثم انصرف .

[ ص: 263 ] قال أبو عمر : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في العيدين قبل الخطبة من حديث جابر وابن عباس وابن عمر والبراء وهاتان المسألتان ليس عند مالك فيهما حديث مسند : مسألة الأذان في ( صلاة ( العيدين ، ومسألة تقديم الصلاة قبل الخطبة في ذلك ، وقد عد ذلك عليه أبو بكر البزار فيما ذكر له من السنن التي ليست عنده رحمه الله .

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أحمد بن حنبل قال : حدثنا عبد الرزاق ، ومحمد بن بكر ، قالا : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء ، عن جابر بن عبد الله ، قال : سمعته يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم قام يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، ثم خطب الناس وذكر الحديث .

[ ص: 264 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا عبد الرزاق عن أيوب عن عطاء عن ابن عباس قال : أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى قبل أن يخطب ثم خطب . وهكذا رواه شعبة وحماد بن زيد عن أيوب عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في العيدين قبل الخطبة . ورواه معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم العيد ثم خطب ، فجعل موضع عطاء عكرمة .

حدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثنا عبدة بن سليمان قال : حدثنا عبيد الله بن عمر [ ص: 265 ] عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون في العيدين قبل الخطبة .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا عبد الله بن روح قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم العيد بعد الصلاة .

وحدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن الشعبي عن البراء قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة .

وذكر عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن هشام عن عروة عن وهب بن كيسان عن رجل قال : شهدت مع أبي بكر يوم [ ص: 266 ] عيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة ( ثم شهدته مع عمر بن الخطاب فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة ( .

فهذا ما صح عندنا في الأذان للعيدين وفي موضع الخطبة فيهما . وأما التكبير فيهما فسيأتي ذكره في آخر باب نافع ، وأما القراءة ( فيهما ( فسيأتي ذكرها أيضا في باب ضمرة بن سعيد ، وأما الاغتسال لهما فليس فيه شيء ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة النقل وهو مستحب عند جماعة من أهل العلم قياسا على غسل الجمعة ، وأما قول عمر في حديثنا في هذا الباب في خطبته : إن هذين يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما : يوم فطركم من صيامكم ، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم - فلا خلاف بين العلماء في صحة هذا الحديث [ ص: 267 ] واستعماله ، وكلهم مجمع على أن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى لا يجوز بوجه من الوجوه لا للمتطوع ولا لناذر ( صومه ( ولا أن يقضي فيهما رمضان ; لأن ذلك معصية ، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا نذر في معصية وإنما اختلف الفقهاء في صيام أيام التشريق للمتمتع والناذر صومها ، وقضاء رمضان فيها ، والتطوع بآخر يوم منها . وسنذكر ذلك كله في كتابنا هذا إن شاء الله ، وفيه دليل على الأكل من الضحايا وسائر النسك ، وإن كان في قول الله عز وجل فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ما يغني عن قول كل قائل ، إلا أني أقول : الأكل من الهدي بالقرآن ، ومن الضحية بالسنة .

وأما إذن عثمان لأهل العوالي وقوله : قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان - يعني الجمعة والعيد - [ ص: 268 ] قال : فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له - فقد اختلف العلماء في تأويل قول عثمان هذا ، واختلفت الآثار في ذلك أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، واختلف العلماء في تأويلها والأخذ بها ، فذهب عطاء بن أبي رباح إلى أن شهود العيد يوم الجمعة يجزئ عن الجمعة إذا صلى بعدها ركعتين على طريق الجمع وروي عنه أيضا أنه يجزيه وإن لم يصل غير صلاة العيد ولا صلاة بعد صلاة العيد حتى العصر . وحكي ذلك عن ابن الزبير ، وهذا القول مهجور لأن الله عز وجل افترض صلاة الجمعة في يوم الجمعة على كل من في الأمصار من البالغين الذكور الأحرار ، فمن لم يكن ففرضه الظهر في وقتها فرضا مطلقا لم يختص به يوم عيد من غيره ، وقولعطاء هذا ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قال عطاء [ ص: 269 ] بن أبي رباح : إن اجتمع يوم الجمعة ويوم الفطر في يوم واحد فليجمعهما وليصلهما ركعتين فقط حين يصلي صلاة الفطر ثم هي هي حتى العصر . ثم أخبرنا عند ذلك قال : اجتمعا يوم فطر ويوم جمعة في يوم واحد في زمن ابن الزبير فقال ابن الزبير : عيدان اجتمعا في يوم واحد ، فجمعهما جميعا جعلهما واحدا ، فصلى يوم الجمعة ركعتين بكرة صلاة الفطر ، لم يزد عليهما حتى صلى العصر . قال : فأما الفقهاء فلم يقولوا في ذلك ، وأما من لم يفقه فأنكر ذلك عليه ، قال : ولقد أنكرت أنا ذلك عليه وصليت الظهر يومئذ . قال : حتى بلغنا بعد أن العيدين كانا إذا اجتمعا صليا كذلك واحدا .

وذكر عن محمد بن علي بن الحسين أنه أخبرهم أنهما كانا يجمعان إذا اجتمعا ورأى أنه وجده في كتاب لعلي زعم ، قال : وأخبرني ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير في جمع ابن [ ص: 270 ] الزبير بينهما يوم جمع بينهما قال : سمعنا في ذلك أن ابن عباس قال : أصاب ، عيدان اجتمعا في يوم واحد .

قال أبو عمر : ليس في حديث ابن الزبير بيان أنه صلى مع صلاة العيد ركعتين للجمعة ، وأي الأمرين كان فإن ذلك أمر متروك مهجور ، وإن كان لم يصل مع صلاة العيد غيرها حتى العصر فإن الأصول كلها تشهد بفساد هذا القول ; لأن الفرضين إذا اجتمعا في فرض واحد لم يسقط أحدهما بالآخر فكيف أن يسقط فرض لسنة حضرت في يومه ؟ هذا ما لا يشك في فساده ذو فهم ، وإن كان صلى مع صلاة الفطر ركعتين للجمعة فقد صلى الجمعة وقتها عند أكثر الناس إلا أن هذا موضع قد اختلف فيه السلف فذهب قوم إلى أن وقت الجمعة صدر النهار وأنها صلاة عيد وقد مضى القول في ذلك في باب ابن شهاب عن عروة ، وذهب الجمهور إلى أن وقت الجمعة وقت الظهر ، وعلى هذا فقهاء الأمصار ، وأما القول الأول : إن الجمعة تسقط بالعيد ولا [ ص: 271 ] تصلى ظهرا ولا جمعة فقول بين الفساد وظاهر الخطأ متروك مهجور لا يعرج عليه ; لأن الله عز وجل يقول : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ولم يخص يوم عيد من غيره .

وأما الآثار المرفوعة في ذلك فليس فيها بيان سقوط الجمعة والظهر ولكن فيها الرخصة في التخلف عن شهود الجمعة ، وهذا محمول عند أهل العلم على وجهين ، أحدهما : أن تسقط الجمعة عن أهل المصر وغيرهم ، ويصلون ظهرا والآخر : أن الرخصة إنما وردت في ذلك لأهل البادية ومن لا تجب عليه الجمعة ، وسنذكر اختلاف الناس في ذلك وفي من تجب عليه الجمعة في هذا الباب إن شاء الله تعالى .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن المصفى وعمر بن حفص الرصافي قالا : حدثنا بقية قال : حدثنا شعبة ( ح ( [ ص: 272 ] وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا ابن المصفى قال : حدثنا بقية قال : حدثنا شعبة قال : حدثني المغيرة البصري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ( قال : قد اجتمع في يومكم هذا عيدان ، فمن شاء أجزأته الجمعة ، وإنا مجمعون إن شاء الله .

قال أبو عمر : احتج من ذهب مذهب عطاء في هذه المسألة بهذا الحديث لما فيه من قوله صلى الله عليه وسلم : إن شئتم أجزأكم ، فمن شاء أجزأته . وهذا الحديث لم يروه فيما علمت عن شعبة أحد من ثقات أصحابه الحفاظ ، وإنما رواه عنه بقية بن الوليد وليس بشيء في شعبة أصلا وروايته عن أهل بلده أهل الشام فيها كلام وأكثر أهل العلم يضعفون بقية عن الشاميين وغيرهم وله مناكير وهو ضعيف ليس ممن يحتج به .

[ ص: 273 ] وقد رواه الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح مرسلا قال : اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنا مجمعون فمن شاء منكم أن يجمع فليجمع ومن شاء أن يرجع فليرجع فاقتصر في هذا الحديث على ذكر إباحة الرجوع ولم يذكر الإجزاء ورواه زياد البكائي عن عبد العزيز بن رفيع بمعنى حديث الثوري إلا أنه أسنده : حدثني عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال : حدثنا إبراهيم بن دينار قال : حدثنا زياد بن عبد الله بن الطفيل البكائي قال : حدثنا عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : اجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد ويوم جمعة فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في العيد : هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان : عيدكم هذا والجمعة ، وإني مجمع إذا رجعت فمن أحب منكم أن يشهد الجمعة فليشهدها قال : فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بالناس .

[ ص: 274 ] فقد بان في هذه الرواية ورواية الثوري لهذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع ذلك اليوم بالناس ، وفي ذلك دليل على أن فرض الجمعة والظهر لازم وأنها ساقطة وأن الرخصة إنما أريد بها من لم تجب عليه الجمعة ممن شهد العيد من أهل البوادي ، والله أعلم . وهذا تأويل تعضده الأصول وتقوم عليه الدلائل ، ومن خالفه فلا دليل معه ولا حجة له .

فإن احتج محتج بما حدثناه عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أبو قلابة قال : حدثنا عبد الله بن حمران قال : حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال : أخبرني أبي عن وهب بن كيسان قال : اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فصلى العيد ولم يخرج إلى الجمعة . قال : فذكرت ذلك لابن عباس فقال : ما أماط عن سنة نبيه . فذكرت ذلك لابن الزبير فقال : هكذا صنع بنا عمر - قيل له : هذا حديث اضطرب في إسناده ، فرواه يحيى القطان قال : حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال : أخبرني [ ص: 275 ] وهب بن كيسان قال : اجتمع على عهد ابن الزبير عيدان فأخر الخروج حتى تعالى النهار ثم خرج فخطب فأطال الخطبة ثم نزل فصلى ركعتين ولم يصل للناس يومئذ الجمعة . فذكر ذلك لابن عباس فقال : أصاب السنة .

ذكره أحمد بن شعيب النسوي عن سوار عن القطان عن عبد الحميد بن جعفر ، لم يقل عن أبيه عن وهب بن كيسان ، وذكر أن ذلك حين تعالى النهار وأنه أطال الخطبة ، وقد يحتمل أن يكون صلى تلك الصلاة في أول الزوال ، وسقطت صلاة العيد واستجزى بما صلى في ذلك الوقت . وفي رواية الأعمش عن عطاء عن ابن الزبير أن الناس جمعوا في ذلك اليوم ، ولم يخرج إليهم ابن الزبير ، وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا له ذلك فقال :

[ ص: 276 ] أصاب السنة
- وهذا يحتمل أن يكون صلى الظهر ابن الزبير في بيته وأن الرخصة وردت في ترك الاجتماعين لما في ذلك من المشقة لا أن الظهر تسقط .

وأما حديث إسرائيل عن عثمان بن المغيرة الثقفي عن إياس بن أبي رملة الشامي قال : شهدت معاوية بن أبي سفيان يسأل زيد بن أرقم : هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم ؟ قال : نعم . قال : فكيف صنع ؟ قال : صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال : من شاء أن يصلي فليصل . وهذا الحديث لم يذكره البخاري وذكره أبو داود عن محمد بن كثير عن إسرائيل وذكره النسائي عن عمرو بن علي [ ص: 277 ] عن ابن مهدي عن إسرائيل ، وليس فيه دليل على سقوط الجمعة ، وإنما فيه دليل أنه رخص في شهودها ، وأحسن ما يتأول في ذلك أن الأذان رخص به من لم تجب الجمعة عليه ممن شهد ذلك العيد ، والله أعلم .

وإذا احتملت هذه الآثار من التأويل ما ذكرنا لم يجز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه ; لأن الله عز وجل يقول ياأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ولم يخص الله ورسوله يوم عيد من غيره من وجه تجب حجته ، فكيف بمن ذهب إلى سقوط الجمعة والظهر المجتمع عليهما في الكتاب والسنة والإجماع بأحاديث ليس منها حديث إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث ، [ ص: 278 ] ولم يخرج البخاري ولا مسلم بن الحجاج منها حديثا واحدا ، وحسبك بذلك ضعفا لها وسنذكر الآثار في فرض الجمعة في باب صفوان بن سليم من هذا الكتاب ، إن شاء الله تعالى . وإن كان الإجماع في فرضها يغني عما سواه والحمد لله .

وأما اختلاف العلماء فيمن تجب عليه الجمعة من الأحرار البالغين المسافرين فقال ابن عمر وأبو هريرة وأنس والحسن البصري ونافع مولى ابن عمر : تجب الجمعة على كل من كان بالمصر وخارجا عنه ممن إذا شهد الجمعة أمكنه الانصراف إلى أهله فآواه الليل إلى أهله . وبهذا قال الحكم بن عتيبة وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي وأبو ثور . وقال ربيعة ومحمد بن المنكدر : إنما تجب على من كان على أربعة أميال .

[ ص: 279 ] وذكر عبد الرزاق عن محمد بن راشد قال : أخبرني عبدة بن أبي لبابة أن معاذ بن جبل كان يقول على منبره : يا أهل فردا ويا أهل دامرة - قريتين من قرى دمشق إحداهما على أربعة فراسخ والأخرى على خمسة - إن الجمعة لزمتكم وإنه لا جمعة إلا معنا .

وقد روي عن معاوية أنه كان يأمر من بينه وبين دمشق أربعة وعشرون ميلا بشهود الجمعة .

وذكر معمر عن هشام بن عروة عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت : كان أبي من المدينة على ستة أميال أو ثمانية ، فكان ربما شهد الجمعة بالمدينة وربما لم يشهدها .

[ ص: 280 ] وقال الزهري : ينزل إليها من ستة أميال ، وروي عن ربيعة أيضا أنه قال : إنما تجب الجمعة على من إذا سمع النداء وخرج من بيته أدرك الصلاة . /0 وقال مالك : تجب الجمعة على كل من كان على ثلاثة أميال .

وقال الشافعي : تجب الجمعة على كل من كان بالمصر ، وكذلك كل من سمع النداء ممن يسكن خارج المصر . وهو قول داود .

وقال أبو حنيفة : الجمعة على كل من كان بالمصر ، وليس على من كان خارج المصر جمعة ، سمع النداء أو لم يسمع .

[ ص: 281 ] وقال أحمد بن حنبل وإسحاق : لا تجب الجمعة إلا على من سمع النداء ، كان بالمصر أو خارجا عنه . يريد أن الموضع الذي يسمع منه ومن مثله النداء .

وروي مثل ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص وسعيد بن المسيب ، وقد كان الشافعي يقول : لا يتبين عندي أن يخرج بترك الجمعة إلا من يسمع النداء ، قال : ويشبه أن يحرج أهل المصر وإن عظم بترك الجمعة .

قال أبو عمر : يشبه أن يكون مذهب مالك وأصحابه في مراعاة الثلاثة أميال ; لأن الصوت الندي في الليل عند هدوء الأصوات يمكن أن يسمع من ثلاثة أميال - والله [ ص: 282 ] أعلم - فلا يكون مذهب مالك في هذا التأويل مخالفا لمن قال : لا تجب الجمعة إلا على من سمع النداء ، وهو قول أكثر فقهاء الأمصار . وقد ذكر في المجموعة عن علي بن زياد عن مالك قال : عزيمة الجمعة على من كان بموضع يسمع منه النداء ، وذلك من ثلاثة أميال ومن كان أبعد فهو في سعة إلا أن يرغب في شهودها فهو أحسن . فهذه رواية مفسرة . وعلى هذا قال مالك فيما روى عنه ابن القاسم وغيره أن ليس العمل على ما صنع عثمان في إذنه لأهل العوالي ; لأن الجمعة كانت عنده واجبة على أهل العوالي ; لأن العوالي من المدينة على ثلاثة أميال ونحوها وذهب غير مالك إلى أن إذن عثمان لأهل [ ص: 283 ] العوالي إنما كان أن الجمعة لم تكن واجبة على أهل العوالي عنده ; لأن الجمعة إنما تجب على أهل المصر عنده . هذا قول الكوفيين : سفيان وأبي حنيفة . وقد ذكرنا أقوالهم فأغنى عن إعادتها .

وأما اختلاف العلماء في وجوب الجمعة على أهل العمود والقرى الكبار والصغار وفي عدد رجال الموضع الذي تجب فيه الجمعة فسنذكره في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى . ومن حجة مالك في مراعاة الثلاثة أميال ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن عبد السلام قال : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا معدي بن سليمان قال : حدثنا ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة [ ص: 284 ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعل أحدكم أن يتخذ الصبة من الغنم فينزل بها على رأس ميلين أو ثلاثة من المدينة فتأتي الجمعة فلا يجمع فيطبع على قلبه .

ومن حجة من شرط سماع النداء ما حدثناه عبد الوارث أيضا قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا الخشني قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن محمد بن معبد عن عبد الله بن هارون أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول : الجمعة على من سمع النداء .

وذكر عبد الرزاق عن داود بن قيس قال : سئل عمرو بن شعيب وأنا أسمع : من أين تؤتى الجمعة ؟ فقال : من مدى الصوت .

[ ص: 285 ]

قال أبو عمر : ما يحضرني من الاحتجاج على من ذهب مذهب عطاء وابن الزبير على ما تقدم ذكرنا له - إجماع المسلمين قديما وحديثا أن من لا تجب عليه الجمعة ولا النزول إليها لبعد موضعه عن موضع إقامتها على حسب ما ذكرنا من اختلافهم في ذلك كله ، مجمع أن الظهر واجبة لازمة على من كان هذه حاله . وعطاء وابن الزبير موافقان للجماعة في غير يوم عيد ، فكذلك يوم العيد في القياس والنظر الصحيح ، هذا لو كان قولهما اختلافا يوجب النظر ، فكيف وهو قول شاذ وتأويله بعيد ؟ والله المستعان وبه التوفيق .

وأما قول أبي عبيد مولى ابن أزهر في حديثنا المذكور في هذا الباب : ثم شهدت مع علي بن أبي طالب وعثمان محصور ، فجاء فصلى ثم انصرف فخطب - ففيه دليل على أن [ ص: 286 ] الجمعة واجبة على أهل المصر بغير سلطان وأن أهله إذا أقاموها ولا سلطان عليهم أجزأتهم . وهذا موضع اختلف العلماء فيه قديما وحديثا ، وصلاة العيدين مثل صلاة الجمعة والاختلاف في ذلك سواء ; لأن صلاة علي بالناس العيد وعثمان محصور أصل في كل سبب تخلف الإمام عن حضوره أو خليفته أن على المسلمين إقامة رجل يقوم به ، وهذا مذهب مالك والشافعي والأوزاعي على اختلاف عنه ، والطبري ، كلهم يقول : تجوز الجمعة بغير سلطان كسائر الصلوات .

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد : لا تجزئ الجمعة إذا لم يكن سلطان ، وروي عن محمد بن الحسن أن أهل مصر لو مات واليهم جاز لهم أن يقدموا رجلا يصلي بهم الجمعة حتى يقدم عليهم وال .

[ ص: 287 ] قال أحمد بن حنبل : يصلون بإذن السلطان . وقال داود : الجمعة لا تفتقر إلى وال ولا إمام ولا إلى خطبة ولا إلى مكان ، ويجوز للمنفرد عنده أن يصلي ركعتين وتكون جمعة . قال : ولا يصلي أحد إلا ركعتين في وقت الظهر يوم الجمعة . وقول داود هذا خلاف قول جميع فقهاء الأمصار ; لأنهم أجمعوا أنها لا تكون إلا بإمام وجماعة .

واختلفوا في عدد الجماعة في المكان والوالي والخطبة ، والله المستعان .

ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه كان يقول : حيثما كان أمير فإنه يعظ أصحابه يوم الجمعة ويصلي بهم ركعتين .

ذكرنا قول الزهري هذا ; لأنه الذي روى حديث علي حين صلى بالناس العيد وعثمان محصور [ ص: 288 ] وقد ذكرنا في باب حديث ابن شهاب عن عبيد الله عن جماعة من التابعين أن الحدود والجمعة إلى السلطان ، ولا يختلف العلماء أن الذي يقيم الجمعة السلطان ، وأن ذلك سنة مسنونة ، وإنما اختلفوا عند نزول ما ذكرنا من موت الإمام أو قتله أو عزله . والجمعة قد جاءت : فذهب أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي إلى أنهم يصلون ظهرا أربعا ، وقال مالك والشافعي ( وأحمد وإسحاق وأبو ثور : ( يصلي بهم بعضهم بخطبة ويجزيهم .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال : حدثنا الخضر بن داود قال : حدثنا أبو بكر الأثرم قال : حدثنا العباس بن عبد العظيم أنه سأل أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - عن الصلاة خلف الخوارج والفساق من الأمراء والسلاطين ، فقال : أما الجمعة فينبغي [ ص: 289 ] شهودها ، فإن كان الذي يصلي منهم أو مثلهم - يعني في الفسق والمذهب - أعاد الصلاة بعد شهودها معهم ، فإن كان لا يدري أنه يقول بقولهم ولا هو مثلهم فلا يعيد . قال : قلت : فإن كان يقال إنه قال بقولهم ؟ فقال ( حتى ( تعلم ذلك وتستيقن . قال : فقلت : فإن لم يكن إمام أترى أن نصلي وراء من جمع بالناس وصلى ركعتين ؟ فقال : أليس قد صلى علي بن أبي طالب بالناس وعثمان محصور ؟ .

قال أبو عمر : قد ذكرنا أن حديث أبي عبيد مولى ابن أزهر أصل في هذه المسألة وإن كان ذلك في صلاة العيد . والأصل في ذلك أيضا ما فعله المسلمون يوم مؤتة لما قتل الأمراء وأجمعوا على خالد بن الوليد فأمروه وأيضا فإن المتغلب [ ص: 290 ] والخارج على الإمام تجوز الجمعة خلفه ، فمن كان في طاعة الإمام أحرى بجوازها خلفه .

وذكر أبو بكر الأثرم قال : سألت أبا عبد الله : ما تقول في الخوارج إذا قدموا رجلا لا يقول بقولهم يصلي بالناس الجمعة ؟ قال : صل خلفه . فذكرت له قول من يقول : إذا كان الذي قدمه لا تحل الصلاة خلفه فسدت الصلاة خلف هذا المقدم وإن لم يقل بقولهم . فقال : أما أنا ، فلست أقول بهذا .

وقال الأثرم : حدثنا عفان قال : حدثنا عبد العزيز بن مسلم ، قال : حدثنا أبو سنان ضرار بن مرة ، عن عبد الله بن أبي [ ص: 291 ] الهذيل قال : تذاكرنا الجمعة ليالي المختار الكذاب فاجتمع رأيهم على أن يأتوه ، فإنما كذبه عليه .

وروى ابن المبارك ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف بن عبيد الله بن عدي بن الخيار أنه دخل على عثمان ، فقال : إنه يصلي بالناس إمام فتنة ، وأنا أتحرج من الصلاة معه ؟ فقال : إن الصلاة أحسن ما صنع الناس فإذا أحسنوا فأحسن معهم ، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم .

وروى هذا الحديث معمر مرة عن الزهري ، عن عروة ، عن عبيد الله بن عدي ، ومرة عن الزهري عن رجل عن عبيد الله بن عدي ، وروى ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري [ ص: 292 ] عن أبي سلمة قال : دخل أبو قتادة الأنصاري ورجل آخر معه على عثمان وهو محصور فقالا : يا أمير المؤمنين ، أنت إمام العامة ، ويصلي بنا إمام فتنة ؟ فقال : صليا خلفه .

قال أبو عمر : هذه القصة - والله أعلم - في غير الجمعة والعيد ; لأن الذي كان يصلي بهم الجمعة أبو أيوب الأنصاري وسهل بن حنيف أو ابنه أبو أمامة بن سهل وصلى بهم العيد علي بن أبي طالب .

ذكر أهل السير ، منهم الواقدي والزبيري ، أن أبا أيوب الأنصاري كان يصلي بالناس في حصر عثمان ، ثم صلى بهم سهل بن حنيف بعد .

[ ص: 293 ] وذكر المدائني عن محمد بن الفضل ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : حضرت الصلاة فجاء المؤذن يؤذن عثمان ، وهو محصور فقال : اذهب إلى أبي أمامة بن سهل ، أو إلى سهل بن حنيف ، فقل له : يصلي بالناس .

وذكر المدائني أيضا عن محمد بن ذكوان ، عن محمد بن المنكدر ، قال : صلى أبو أمامة أو سهل بن حنيف ، وعثمان محصور . وعن عبد الله بن مصعب ، عن مسلم بن عروة ، عن أبيه قال : صلى بالناس يوم الجمعة سهل بن حنيف .

قال المدائني : وأخبرنا ابن جعدة قال : صلى سهل بن حنيف وعثمان محصور وصلى يوم العيد علي بن أبي طالب . قال : وقال جويرية بن أسماء ، عن نافع ، قال : لما كان يوم النحر جاء علي فصلى بالناس وعثمان محصور .

[ ص: 294 ] وذكر عمر بن شبة قال : حدثنا حيان بن بشر ، عن يحيى بن آدم ، قال : سمعت بعض أصحابنا يحدث ، عن أبي معشر المدني ، أن أبا أمامة بن سهل بن حنيف كان يصلي بالناس وعثمان محصور ، قال يحيى : ولعله قد صلى بهم رجل بعد رجل . فهذه الأخبار توضح لك أن قول عبيد الله بن عدي بن الخيار لعثمان " يصلي بالناس إمام فتنة " لم يرد به علي بن أبي طالب ولا سهل بن حنيف وإنما أراد به أحد الخارجين عليه ، والله أعلم .

وذكر الحسن بن علي الحلواني قال : حدثنا المسيب بن واضح قال : سمعت ابن المبارك يقول : ما صلى علي ( بالناس حين حصر عثمان إلا صلاة العيد وحدها ، وكان ابن وضاح وغيره يقولون : إن الذي عنى عثمان بقوله " إمام فتنة " عبد الرحمن بن عديس البلوي وهو الذي أجلب على عثمان بأهل مصر .

[ ص: 295 ] والوجه عندي - والله أعلم - في قوله " إمام فتنة " أي إمامة في فتنة لأن الجمعات والأعياد والجماعات نظامها وتمامها الإمامة ، فبها تكون الجماعة المحمودة ، وببقاء الناس بلا إمام تكون الفرقة المنهي عنها . وقد بينا معنى الجماعة والاعتصام بالإمامة والتحذير من الفرقة ، من أقاويل السلف وصحيح الأثر في باب سهيل عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى يحب لكم ثلاثا . الحديث ، منها : أن تعتصموا بحبل الله جميعا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم وأوضحنا هذا المعنى هناك والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية