التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
495 [ ص: 296 ] حديث ثان لابن شهاب عن أبي عبيد .

مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد مولى ابن أزهر ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول : قد دعوت فلم يستجب لي .


في هذا الحديث دليل على خصوص قول الله عز وجل ادعوني أستجب لكم وأن الآية ليست على عمومها . ألا ترى أن هذه السنة الثابتة خصت منها الداعي إذا عجل فقال قد دعوت فلم يستجب لي ؟ والدليل على صحة هذا التأويل قول الله عز وجل فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ولكن قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإجابة [ ص: 297 ] ومعناها ما فيه غنى عن قول كل قائل ، وهو حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : فإما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يؤخرها له في الآخرة ، وإما أن يكفر عنه أو يكف عنه من السوء مثلها وقد ذكرنا هذا الحديث بإسناده في آخر باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا .

وفيه دليل على أنه لا بد من الإجابة على أحد هذه الأوجه الثلاثة . فعلى هذا يكون تأويل قول الله عز وجل ، والله أعلم فيكشف ما تدعون إليه إن شاء أنه يشاء ، وأنه لا مكره له ويكون قوله عز وجل دعوة الداع إذا دعان على ظاهره وعمومه بتأويل حديث أبي سعيد [ ص: 298 ] المذكور ، والله أعلم بما أراد بقوله وبما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء خير كله وعبادة وحسن عمل ، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا .

وقد روي عن أبي هريرة أنه كان يقول : ما أخاف أن أحرم الإجابة ولكني أخاف أن أحرم الدعاء . وهذا عندي على أنه حمل آية الإجابة على العموم والوعد ، والله لا يخلف الميعاد . وروي عن بعض التابعين أنه كان يقول : الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يقبل الله دعاء من قلب لاه فادعوه وأنتم موقنون بالإجابة وقد علمنا أن ليس كل الناس تجاب دعوته ولا في كل وقت [ ص: 299 ] تجاب دعوة الفاضل وأن دعوة المظلوم لا تكاد ترد ، وحديث أبي سعيد المذكور الذي هو في الموطأ من قول زيد بن أسلم أولى ما قيل به واحتمل عليه من هذا الباب في الدعاء ، وبالله التوفيق .

أخبرنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعيد قال : حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح أن ربيعة بن يزيد حدثهم عن أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل . قالوا : وما الاستعجال يا رسول الله ؟ قال : يقول : ( قد دعوتك يا رب ( فلا أراك تستجيب لي .

[ ص: 300 ] وهذا أكمل من حديث ابن شهاب عن أبي عبيد عن أبي هريرة المذكور في هذا الباب وأوضح معنى وهو يفسره ويعضده .

وقد روى النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الدعاء هو العبادة ثم تلا : وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي الآية .

وقال يحيى بن أبي كثير : أفضل العبادة كلها الدعاء . وروى أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يواظب على حزبه من الدعاء كما يواظب على حزبه من القرآن . وقال ابن مسعود : لكل شيء ثمرة وثمرة الصلاة الدعاء . وقال أيضا : لا يسمع الله دعاء مسمع ولا مراء ولا لاعب .

[ ص: 301 ] وقال يزيد الرقاشي : الدعاء المستجاب الذي تخرجه الأحزان ، ومفتاح الرحمة : التفرغ . وقد قالوا : إن الله يحب أن يسأل ولذلك أمر عباده أن يسألوه من فضله . وقالوا : لا يصلح الإلحاح على أحد إلا على الله ( عز وجل ( وقال مورق العجلي : دعوت ربي في حاجة عشرين سنة فلم يقضها لي ولم أيأس منها .

وروي عن أبي جعفر محمد بن علي وعن الضحاك أنهما قالا في قوله تعالى قد أجيبت دعوتكما كان بينهما أربعون سنة . وقال ابن جريج : يقال : إن فرعون ملك بعد هذه الآية أربعين سنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية