التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
10 حديث عاشر لإسحاق ، عن أنس

مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك أنه قال : كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف ، فيجدهم يصلون العصر .


هذا يدخل في المسند ، وهو الأغلب من أمره ، وكذلك رواه جماعة الرواة للموطأ ، عن مالك ، وقد رواه عبد الله بن المبارك ، عن مالك ، عن إسحاق ، عن أنس قال : كنا نصلي العصر مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . فذكره مسندا .

وكذلك رواه عتيق بن يعقوب الزبيري ، عن مالك كرواية ابن المبارك .

ومعنى هذا الحديث السعة في وقت العصر ، وأن الناس في ذلك الوقت ، وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تكن صلاتهم في فور واحد لعلمهم بما أبيح لهم من سعة الوقت .

[ ص: 296 ] والآثار كلها ، أو أكثرها على أن وقت العصر ممدود منذ يزيد الظل على قامة من الحد الذي زالت عليه الشمس ما كانت الشمس بيضاء نقية ، ويروى ما دامت الشمس حية ، وحياتها حرارتها ، وما لم تدخلها صفرة ، فإذا اصفرت الشمس ، ودنت للغروب ، خرج الوقت المحمود المستحب المختار ، ولحق مؤخرها من غير عذر إلى ذلك الوقت الذم ، لحديث العلاء بن عبد الرحمن ، عن أنس ، عن النبي عليه السلام تلك صلاة المنافقين يمهل أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس قام فنقرها أربعا ، لا يذكر الله فيها إلا قليلا يعيبهم بذلك صلى الله عليه وسلم .

ومع هذا فإنا لا نبعد أن يكون من أدرك منها ركعة قبل غروب الشمس أن يكون مدركا لوقتها لحديث أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، وحديث أبي هريرة أصح إسنادا وأقوى عند أهل العلم بالحديث من حديث العلاء ، وحديث العلاء لا بأس به .

وقد ذكرنا أقاويل الفقهاء في آخر وقت العصر ، في باب زيد بن أسلم عند قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ، فقد أدرك العصر وذكرنا مذاهب العلماء في تأويل هذا الحديث هناك ، والحمد لله ، وذكرنا كثيرا من آثار هذا الباب في باب ابن شهاب ، عن أنس ، وكلها تدل على السعة في الوقت ما دامت الشمس لم تصفر .

[ ص: 297 ] وأخبرنا أبو محمد قاسم بن محمد قال : أخبرنا خالد بن سعد قال : حدثنا محمد بن فطيس قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عبد الرحمن بن وردان قال : دخلنا على أنس بن مالك في رهط من أهل المدينة ، فقال : صليتم العصر ؟ قلنا : نعم ، قالوا : يا أبا حمزة متى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي هذه الصلاة ؟ قال : والشمس بيضاء نقية .

أخبرنا أبو عثمان سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن أبي الأبيض ، عن أنس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر ، والشمس بيضاء نقية محلقة ، ثم آتي عشيرتي في جانب المدينة لم يصلوا ، فأقول لهم : ما يجلسكم ؟ صلوا فقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 298 ] وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن يزيد المعلم قال : حدثنا يزيد بن محمد قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن أبي الأبيض ، عن أنس بن مالك قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر ، والشمس مرتفعة بيضاء محلقة ، فآتي عشيرتي فأجدهم جلوسا ، فأقول : قوموا فصلوا ، فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع ، عن يزيد بن مردانبه ، عن ثابت بن عبيد قال : سألت أنسا عن وقت العصر ، فقال : وقتها أن تسير ستة أميال إلى أن تغرب الشمس ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يصلي العصر والشمس بيضاء نقية ، يعجلها مرة ويؤخرها أخرى ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المومن قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري قال : حدثنا إبراهيم بن [ ص: 299 ] أبي الوزير قال : حدثنا محمد بن يزيد اليماني قال : حدثني يزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان ، عن أبيه ، عن جده علي بن شيبان قال : قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية .

قال أبو عمر : أهل العراق أشد تأخيرا للعصر من أهل الحجاز ، والآثار الواردة عنهم بذلك تبين ما قلنا ، وعلى ذلك فقهاؤهم ، حتى قال أبو قلابة : إنما سميت العصر لتعتصر .

أخبرنا يوسف بن محمد بن يوسف ، ومحمد بن إبراهيم بن سعيد قالا : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان المروزي قال : حدثنا خلف بن هشام البزار قال : حدثنا أبو شهاب ، عن الأعمش ، عن إبراهيم أنه كان يؤخر العصر .

قال أبو عمر : هذا فقيه أهل الكوفة ، ويزعمون أنه أعلم تابعيهم بالصلاة قد ثبت عنه ما ترى ، والله أعلم ، وما أعلم أحدا من سلفهم جاء عنه [ ص: 300 ] في تعجيل العصر أكثر مما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة ، عن جرير ، عن منصور ، عن خيثمة قال : تصلى العصر والشمس بيضاء حية ، وحياتها أن تجد حرها .

قال أبو عمر : هذا كمذهب أهل المدينة ، والأصل في هذا الباب ما قدمنا من سعة الوقت على حسب ما ذكرنا ، وسنذكر المواقيت ونستوعب القول فيها بالآثار واختلاف العلماء عند ذكر حديث ابن شهاب ، عن عروة إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية