التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1823 ( حديث أول لابن شهاب ، عن ابن محيصة )

مالك ، عن ابن شهاب ، عن ابن محيصة الأنصاري أحد بني حارثة : أنه استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إجارة الحجام ، فنهاه عنها ، فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال له : اعلفه نضاحك يعني رقيقك .


هكذا قال يحيى في هذا الحديث : يعني عن ابن محيصة : أنه استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتابعه ابن القاسم ، وذلك من الغلط الذي لا إشكال فيه على أحد من أهل العلم ، وليس لسعد بن محيصة صحبة ، فكيف لابنه حرام ، ولا يختلفون أن الذي روى عنه الزهري هذا الحديث ، وحديث ناقة البراء هو حرام بن سعد بن محيصة ، وقال ابن وهب ، ومطرف ، وابن بكير [ ص: 78 ] وابن نافع ، والقعنبي ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن ابن محيصة ، عن أبيه ، والحديث مع هذا كله مرسل قال يحيى : نضاحك : يعني رقيقك ، وقال القعنبي : ناضحك رقيقك ، وهو معنى حديث يحيى سواء ، وقال ابن بكير : نضاحك ورقيقك ، وقال ابن القاسم : النضاح الرقيق ، ويكون في الإبل .

قال أبو عمر :

أما الخليل فقال : الناضح الجمل يسقى عليه ، وأما أصحاب ابن شهاب فاتفق معمر ومالك في رواية أكثر أصحابه عنه ، وابن أبي ذئب ، وابن عيينة ، ويونس بن يزيد على أن قالوا فيه عن أبيه لم يزيدوا ، وقال الليث ، عن ابن شهاب ، عن ابن محيصة : أن أباه استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في خراج الحجام فأبى أن يأذن له ، فلم يزل به حتى قال له : أطعمه رقيقك ، واعلفه ناضحك .

( هكذا رواه الليث ، عن ابن شهاب ، وقد رواه الليث ، عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، عن ابن شهاب ، عن حرام بن سعد بن محيصة ، عن محيصة رجل من بني حارثة ، كان له غلام حجام : فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كسبه فنهاه أن يأكل كسبه ثم عاد فنهاه ثم عاد فنهاه فلم يزل [ ص: 79 ] يراجعه حتى قال له : اعلف كسبه ناضحك ، وأطعمه رقيقك ) .

وقال ابن عيينة فيه ، عن ابن شهاب ، عن حرام بن سعد بن محيصة ، عن أبيه أن محيصة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث ، وجود إسناده .

وقال فيه ابن إسحاق ، عن ابن شهاب ، عن حرام بن سعد بن محيصة ، عن أبيه ، عن جده محيصة أنه كان له غلام حجام يقال له : أبو ظبية لم يسمه من أصحاب الزهري غيره .

ولا يتصل هذا الحديث ، عن ابن شهاب إلا من رواية ابن إسحاق هذه ، ورواية ابن عيينة مثلها ، وسائرها مرسلات .

وقد روي من غير حديث ابن شهاب متصلا مسندا ، حدثني عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي عمير الأنصاري ، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة ، عن محيصة بن مسعود الأنصاري : أنه كان له غلام حجام يقال له : نافع أبو ظبية ، فانطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن خراجه فقال : لا تقربه فردد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : اعلف به الناضح ، اجعله في كرشه .

[ ص: 80 ] عند الليث في هذا الحديث ثلاثة أسانيد ) قد مضى القول في أجرة الحجام مستوعبا في باب حميد الطويل من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته هاهنا .

ومعنى حديث محيصة هذا التنزه لا التحريم ، وذلك - والله أعلم - لأنه عمل على ثواب غير معلوم قبل العمل ، فأشبه الإجارة المجهولة من ناحية لما عسى أن لا تطيب به نفس أحدهما من العوض ، ومن هاهنا كان جماعة من العلماء الصالحين يرضون الحجامين بأكثر من المتعارف عندهم - والله أعلم - .

وقد بينا ذلك في باب حميد بما فيه كفاية ، حدثني عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا محمد بن شاذان قال : حدثنا هوذة بن خليفة قال : حدثنا عوف ، عن محمد : أن ابن عباس سئل عن الحجام فقال : لقد احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعطاه أجره ، ولو كان حراما لم يعطه .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن محمد ، عن ابن عباس أنه سئل عن الحجام فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم ، وأعطى الحجام أجره ، ولو كان حراما لم يعطه ، وذكر ابن وهب ، عن موسى بن علي بن رباح ، عن أبيه قال : كنت عند ابن عباس فأتته امرأة فقالت : إن لي غلاما حجاما ، وإن أهل العراق يزعمون أني آكل ثمن الدم فقال ابن عباس : كذبوا إنما تأكلين خراج غلامك

[ ص: 81 ] وقال الليث بن سعد ، عن ربيعة قال : كان للحجامين سوق على عهد عمر بن الخطاب قال الليث : قال لي يحيى بن سعيد : لم يزل المسلمون يقرون بأجرة الحجام ، ولا ينكرونها ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية