التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1801 إسحاق ، عن رافع بن إسحاق حديثان

حديث حادي عشر لإسحاق

مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن رافع بن إسحاق مولى الشفاء أخبره ، قال : دخلت أنا وعبد الله بن أبي طلحة على أبي سعيد الخدري نعوده ، فقال لنا أبو سعيد : أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تماثيل ، أو تصاوير ، يشك إسحاق لا يدري أيتهما قال أبو سعيد الخدري .


قال أبو عمر : هذا أصح حديث في هذا الباب وأحسنه إسنادا ، وقال فيه زيد بن الحباب ، عن مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن رافع بن إسحاق بن طلحة ، ذكره أبو بكر بن أبي شيبة ، عن زيد [ ص: 301 ] وقد روي من حديث علي ، وابن عباس ، وأسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة وقيل في الملائكة هاهنا ملائكة الوحي ، وقيل بل كل ملك على ظاهر اللفظ ، كما أن لفظ " بيت " على لفظ النكرة يقتضي كل بيت ، والله أعلم .

وظاهر هذا الحديث يقتضي الحظر عن استعمال الصور على كل حال ، في حائط كانت أو في غيره ، ومثله حديث نافع ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، في النمرقة التي فيها تصاوير .

وقد استثنى في حديث سهل بن حنيف إلا ما كان رقما في ثوب ، واختلف الناس في الصور المكروهة ، فقال قوم : إنما كره من ذلك ما له ظل ، وما لا ظل له فليس به بأس ، وقال آخرون : ما قطع رأسه فليس بصورة ، وقال آخرون : تكره الصورة في الحائط وعلى كل حال ، كان لها ظل أو لم يكن إلا ما كان في ثوب يوطأ ويمتهن ، وقال آخرون : هي مكروهة في الثياب وعلى كل حال ، ولم يستثنوا شيئا ، وروت كل طائفة منهم بما قالته أثرا اعتمدت عليه ، وعملت به ، وأما اختلاف فقهاء الأمصار أهل الفتوى في هذا الباب ، فذكر ابن القاسم قال : قال مالك يكره التماثيل في الأسرة والقباب ، وأما البسط والوسائد والثياب ، فلا بأس به ، وكره أن يصلى إلى قبلة فيها تماثيل ، وقال الثوري : لا بأس بالصور في الوسائد لأنها توطأ ويجلس عليها ، وكره الحسن [ ص: 302 ] بن حي أن يدخل بيتا فيه تمثال ، في كنيسة أو غير ذلك ، وكان لا يرى بأسا بالصلاة في الكنيسة والبيعة ، وكان أبو حنيفة وأصحابه يكرهون التصاوير في البيوت بتمثال ، ولا يكرهون ذلك فيما يبسط ، ولم يختلفوا أن التصاوير في الستور المعلقة مكروهة ، وكذلك عندهم ما كان خرطا أو نقشا في البناء .

وكره الليث التماثيل التي تكون في البيوت والأسرة والقباب والطساس والمنارات ، إلا ما كان رقما في ثوب ، وقال المزني عن الشافعي ، وإن دعي رجل إلى عرس فرأى صورة ذات روح ، أو صورا ذات أرواح لم يدخل إن كانت منصوبة ، وإن كان يوطأ فلا بأس ، وإن كانت صور الشجر فلا بأس ، وقال الأثرم : قلت لأحمد بن حنبل إذا دعيت لأدخل فرأيت سترا معلقا فيه تصاوير أأرجع ؟ قال : نعم ، قد رجع أبو أيوب ، قلت : رجع أبو أيوب من ستر الجدر ، قال : هذا أشد ، وقد رجع عنه غير واحد من أصحاب رسول الله ، قلت له : فالستر يجوز أن يكون فيه صورة ؟ قال : لا ، قيل : فصورة الطائر وما أشبهه ، فقال : ما لم يكن له رأس فهو أهون ، فهذا ما للفقهاء في هذا الباب ، وسيأتي ما للسلف فيه مما بلغنا عنهم في باب سالم أبي النضر من هذا الكتاب إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية