التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1098 مالك ، عن ابن شهاب ، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة ، عن قبيصة بن ذؤيب قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها ، فقال : ما لك في كتاب الله من شيء ، وما علمت لك في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، فارجعي حتى أسأل الناس ، فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس فقال أبو بكر : هل معك غيرك ؟ فقام محمد بن مسلمة فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة فأنفذه لها أبو بكر ، ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر تسأله ميراثها فقال لها : ما لك في كتاب الله شيء ، وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك ، وما أنا بزائد في الفرائض من شيء ، ولكن هو السدس ، فإن اجتمعتما فهو بينكما ، وأيكما خلت به فهو لها .


قد مضى القول في عثمان بن إسحاق بن خرشة ، وأما قبيصة بن ذؤيب فقيل : إنه توفي سنة ست وثمانين ، وله ست وثمانون سنة ، كان مولده في أول سنة من الهجرة ، وهو أحد العلماء .

ذكر وكيع ، وغيره ، عن الأعمش ، عن أبي الزناد قال : أدركت الفقهاء بالمدينة أربعة أحدهم قبيصة بن ذؤيب ، وقال الأعمش [ ص: 93 ] مرة أخرى : أربعة سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وقبيصة بن ذؤيب ، وعبد الملك بن مروان .

وذكر ابن المبارك ، عن محمد بن راشد ، عن مكحول قال : ما رأيت أحدا أعلم من قبيصة بن ذؤيب ، وكان سعيد بن المسيب يحمل على قبيصة بن ذؤيب لمخالطة السلطان .

حدثني أحمد بن محمد قال : حدثنا أحمد بن الفضل قال : حدثنا محمد بن جرير قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت الأعمش يقول : فقهاء المدينة أربعة سعيد بن المسيب ، وعروة ، وقبيصة ، وعبد الملك .

وحدثني خلف بن القاسم قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن ناصح قال : حدثنا أحمد بن علي بن سعيد قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن ذكوان أو ابن ذكوان قال : أدركت فقهاء المدينة أربعة سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وقبيصة بن ذؤيب ، وعبد الملك بن مروان .

هكذا يقول الأعمش في هذا الحديث ذكوان أو ابن ذكوان ، وإنما هو عبد الله بن ذكوان أبو الزناد ، ولم يرو أحد في علم عن أبي الزناد أن فقهاء المدينة أربعة على حسب ما ذكرنا غير الأعمش ، والمعروف عن أبي الزناد في كتاب السبعة وغيره أن فقهاء المدينة في وقته من شيوخه سبعة أو أكثر من سبعة ، ولعل الأعمش إنما حكى ما حكاه عن ذكوان أبي صالح السمان فهو شيخه ، ولكن الناس يقولون : إنما أراد أبا الزناد عبد الله بن ذكوان [ ص: 94 ] وكيف كانت الحال فقد أدرك أبو الزناد بالمدينة جماعة كلهم أفقه من قبيصة بن ذؤيب ، وعبد الملك بن مروان ، وما أعلم أحدا جعل عبد الملك بن مروان في الفقه كسعيد وعروة إلا ما جاء في هذا الخبر - والله أعلم - .

وأبو صالح ذكوان لا يصلح أيضا أن يضاف له هذا الخبر ; لأنه أدرك أبا هريرة ، وغيره من الصحابة ، وكبار التابعين ، ومن هاهنا قال العلماء : إن الأعمش لم يرد بقوله إلا أبا الزناد ، فلم يقف على اسمه فقال : ذكوان أو ابن ذكوان .

وقبيصة بن ذؤيب خزاعي ، وهو قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب بن أصرم بن عبد الله بن كثير بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو خزاعة ، ولأبيه ذؤيب صحبة .

وقد ذكرناه ، وذكرنا الاختلاف في خزاعة في كتاب الصحابة ، والقبائل الرواة ، ومات قبيصة سنة سبع وثمانين فيما قال يحيى بن معين ، وقال الواقدي : مات قبيصة بن ذؤيب سنة ستة وثمانين في خلافة عبد الملك بن مروان .

وكان قبيصة ممن قاتل يوم الحرة حتى ذهبت عينه ، ويكنى قبيصة أبا إسحاق ، كان من ساكني المدينة ، وكان معلم كتاب ثم تحول إلى الشام ، فصحب عبد الملك بن مروان ، وكان على خاتمه ، إليه البريد ، وعرض الكتب الواردة على عبد الملك عليه .

[ ص: 95 ] وأما رواية مالك لهذا الحديث ، عن ابن شهاب ، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة ، عن قبيصة بن ذؤيب فلم يتابعه أحد على ذلك إلا أبو أويس ، ولم يجوده ، وجاء به على وجهه غيرهما من بين أصحاب ابن شهاب .

قال محمد بن يحيى الذهلي : حدثنا إسماعيل بن أبان الوراق حدثنا أبو أويس قال : أخبرني محمد بن شهاب أن عثمان بن إسحاق بن خرشة حدثه ، عن قبيصة بن ذؤيب : أن الجدة جاءت إلى أبي بكر الصديق ( ورواه معمر ، ويونس بن يزيد ، وأسامة بن زيد ، وسفيان بن عيينة فيما روى عنه ابن أبي شيبة كلهم ، عن ابن شهاب ، عن قبيصة بن ذؤيب قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق ) تطلب ميراثها من ابن ابنها أو ابن ابنتها ، لم يدخلوا بين ابن شهاب ، وبين قبيصة أحدا ، وقال محمد بن يحيى : رواه ابن عيينة ، عن الزهري عمن حدثه ، عن قبيصة ومرة قال : سمعت الزهري يحدث ، عن رجل ، عن قبيصة بن ذؤيب : أن الجدة جاءت إلى أبي بكر فذكره .

قال محمد بن يحيى : والحديث حديث مالك ، وأبي أويس ; لإدخالهما بين ابن شهاب وقبيصة عثمان بن إسحاق بن خرشة ، قال : وقد حدثني أبو صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني عبد الرحمن بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة ، عن قبيصة بن ذؤيب : أن عمر بن الخطاب كان أول من ورث الجدتين ، وجمع بينهما في الميراث قال : وهذا مختصر من حديث معمر ، ومالك ، وأبي أويس .

[ ص: 96 ] قال أبو عمر :

أما حديث معمر فحدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تطلب ميراثها من ابن ابنها أو ابن ابنتها ، لا أدري أيتهما هي ، فقال أبو بكر : لا أجد لك في الكتاب شيئا ، وما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي لك بشيء ، وسأسأل الناس العشية ، فلما صلى الظهر أقبل على الناس فقال : إن الجدة أتتني تسألني ميراثها من ابن ابنها أو ابن ابنتها ، وإني لم أجد لها في الكتاب شيئا ، ولم أسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقضي لها بشيء ، فهل سمع أحد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها شيئا ؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي لها بالسدس فقال : هل سمع ذلك معك أحد ، فقام محمد بن مسلمة فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي لها بالسدس ، فأعطاها أبو بكر السدس ، فلما كانت خلافة عمر جاءت الجدة التي تخالفها فقال عمر : إنما كان القضاء في غيرك ، ولكن إذا اجتمعتما فالسدس بينكما ، وأيكما خلت به فهو لها .

[ ص: 97 ] وكذلك رواه ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري ، عن قبيصة ، وابن المبارك أيضا ، عن أسامة بن زيد ، عن الزهري ، عن قبيصة ، وابن وهب ، عن يونس بن يزيد ، وأسامة بن زيد أنهما أخبراه عن ابن شهاب أنه أخبرهم عن قبيصة بن ذؤيب الكعبي هذا الحديث بمعنى حديث مالك سواء .

قال أبو عمر :

في هذا الحديث من رواية مالك وغيره من الفقه : أن القضاء إلى الخلفاء أو إلى من استخلفوه على ذلك ، وجعلوه إليه ، وعندهم تطلب الحقوق حتى يوصل إليها ، وفيه دليل على أن أبا بكر لم يكن له قاض ، وهذا أمر لم أعلم فيه خلافا ، وقد اختلف في أول من استقضى ، فذهب العراقيون إلى أن أول من استقضى عمر ، وأنه بعث شريحا إلى الكوفة قاضيا ، وبعث كعب بن سوار إلى البصرة قاضيا .

قال مالك : أول من استقضى معاوية والكلام في هذا طويل ، وليس هذا موضع ذكره .

وفيه : أن الفرائض في المواريث لا يثبت منها إلا ما كان نصا في الكتاب والسنة ، ولو استدل مستدل بقول أبي بكر وعمر هذا على أن لا علم إلا الكتاب والسنة لجاز له ذلك .

ولكن للعلماء في القياس كلام قد ذكرت منه ما يكفي في كتاب العلم .

والاستدلال الصحيح من قول أبي بكر وعمر للجدة : ما لك في كتاب الله شيء : على أن الفرائض والسهام في المواريث لا تؤخذ إلا من جهة نص الكتاب والسنة استدلال صحيح .

[ ص: 98 ] ولا خلاف في ذلك بين العلماء فأغنى عن الكلام فيه ، إلا أنهم أجمعوا أن فرض الجدة والجدات السدس لا مزيد فيه بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

والفرائض والسهام مأخوذة من كتاب الله عز وجل ما عدا الجدة ، فإن فرضها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نقل الآحاد على ما ذكرنا في هذا الباب ، ومن إجماع العلماء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بذلك ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع : إن الله قد أعطى كل ذي فرض فرضه فلا وصية لوارث .

وفي هذا ما يدل على صحة ما ذكرنا ، وبالله توفيقنا .

واختلف العلماء من الصحابة ومن بعدهم في توريث الجدات على ما أصف لك ، فكان زيد بن ثابت يقول : سواء كانت الجدة لأم أو لأب ميراثها السدس ، فإن اجتمعتا فالسدس بينهما ، وكذلك إن كثرت لا يزدن على السدس إذا تساوين في العدد ، فإن قربت التي من قبل الأم كان السدس لها دون غيرها ، وإن قربت التي من قبل الأب كان السدس بينها وبين التي من قبل الأم ، وإن بعدت .

ولا ترث من قبل الأم إلا جدة واحدة ، ولا ترث الجدة أم أب الأم على حال ، ولا يرث مع الأب أحد من جداته ، ولا ترث جدة وابنها حي ، يعني الابن الذي جرها إلى الميراث .

فأما أن تكون جدة أم عم لأب وأم ، فلا يحجبها هذا الابن عن الميراث ، ولا يرث أحد من الجدات مع الأم ، فهذا كله قول زيد بن ثابت ، وبه يقول مالك ، والشافعي ، وأصحابهم ، إلا أن مالكا [ ص: 99 ] لا يورث إلا جدتين أم أم ، وأم أب ، وأمهاتهما ، وكذلك روى أبو ثور ، عن الشافعي ، وهو قول أبي بكر بن عبد الرحمن ، وسليمان بن يسار ، وابن شهاب ، وطلحة بن عبد الله بن عوف ، وربيعة ، وابن هرمز ، وابن أبي ذؤيب ، وهو معنى قول سعد بن أبي وقاص ، وذلك أنه كان يوتر بركعة فعابه ابن مسعود فقال : أتعيبني أن أوتر بركعة ، وأنت تورث ثلاث جدات .

قال ابن أبي أويس سألت مالكا عن اللتين ترثان ، والثالثة التي تطرح وأمهاتها ، فقال : اللتان ترثان أم الأم ، وأم الأب ، وأمهاتهما إذا لم يكونا ، والثالثة التي تطرح أم الجد أب الأب ، وأمهاتها .

قال ابن أبي أويس : فأما أم أب الأم فلا ترث شيئا .

وكان الأوزاعي لا يورث أكثر من ثلاث جدات ، واحدة من قبل الأم ، والاثنين من قبل الأب ، وهو قول أحمد بن حنبل .

ومن حجة من ورث ثلاث جدات ما حدثني محمد بن إبراهيم قال : حدثنا أحمد بن مطرف قال : حدثنا سعيد بن عثمان قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن منصور ، عن إبراهيم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورث ثلاث جدات ثنتين من قبل الأب ، وواحدة من قبل الأم .

وأما علي بن أبي طالب فكان قوله في الجدات كقول زيد بن ثابت ، إلا أنه كان يورث الدنيا من قبل الأب أو من قبل الأم ، ولا يشرك معها من ليس في قعددها ، وبه يقول الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، وأبو ثور ، وأما عبد الله بن مسعود ، وابن عباس فكانا يورثان الجدات الأربع ، وهو قول الحسن ، وابن سيرين ، وجابر بن زيد .

[ ص: 100 ] وروى حماد بن سلمة ، عن حجاج ، عن سليمان الأعمش ، عن إبراهيم أن عبد الله بن مسعود قال : ترث الجدات الأربع قربن أو بعدن .

وحماد بن سلمة ، عن ليث ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : ترث الجدات الأربع .

وحماد بن زيد ، عن أيوب ، عن الحسن ، ومحمد أنهما كان يورثان أربع جدات .

قال أبو عمر :

كان عبد الله بن مسعود يشرك بين الجدات في السدس دنياهن وقصواهن ما لم تكن جدة أم جدة أو جدتها ، فإن كان ذلك ورث بينهما مع سائر الجدات ، وأسقط أمها أو جدتها .

وقد روي عنه أنه كان يسقط القصوى بالدنيا إذا كانتا من جهة واحدة مثل أن تكون أم أب ، وأم أب أب ، فيورث أم الأب ويسقط أم أب الأب .

وكان يحيى بن آدم يختار هذه الرواية ، عن ابن مسعود ، ويقويها ، وأما ابن عباس فكان يورث الجدة أم أب الأم مع من يحاذيها من الجدات ، وتابعه على ذلك ابن سيرين ، وجابر بن زيد .

وروي عن ابن عباس في الجدة أيضا قول شاذ أجمع العلماء على تركه ، وهو ما رواه إسرائيل ، عن أبي إسحاق أنه سمع من يحكي عن ابن عباس أنه قال : كل جد ليس دونه من هو أقرب [ ص: 101 ] منه فهو أب ، وكل جدة من قبل الأم ليس دونها أقرب منها فهي بمنزلة الأم .

قال يحيى بن آدم : ولا نعرف أحدا من أهل العلم ورث جدة ثلثا ، ولو كانت بمنزلة الأم لورثت الثلث .

قال أبو عمر :

أما قول ابن عباس في الجد أنه كالأب عند عدم الأب ، فعليه أكثر أهل العلم .

، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق ، وأبي الدرداء ، ومعاذ بن جبل ، وأبي موسى الأشعري ، وعائشة ، وابن الزبير ، وبه قال شريح ، والحسن ، وعبد الله بن عقبة ، وجابر بن زيد ، وفقهاء البصرة عثمان البتي ، وغيره .

وهو قول أبي حنيفة ، وأبي ثور ، والمزني ، وإسحاق بن راهويه ، والطبري ، وداود ، ونعيم بن حماد .

واختلف في الجد عن عمر اختلافا كثيرا ، وروي عنه أنه قال : احفظوا عني ثلاثا : لم أقل في الجد شيئا ، ولم أقل في الكلالة شيئا ، ولم أستخلف أحدا .

وروي عن زيد بن ثابت أنه قال : أدركت الخليفتين يعني عمر وعثمان يقولان في الجد بقولي ، وهذا أصح عنه ، وأهل المدينة يروون عن عمر أنه كان يقول في الجد بقول زيد بن ثابت إلا في الأكدرية .

[ ص: 102 ] وروى أهل العراق عنه أنه كان يقاسم الجد بالإخوة إلى السدس ثم يقاسم بينهم إلى الثلث .

وروي عن عثمان أنه جعل الجد أبا ، وروي عنه أنه قال فيه بقول زيد إلا في الخرقاء .

وأما علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وزيد بن ثابت ، فإنهم يقاسمون الجد بالإخوة ، وإن كانوا قد اختلفوا في كيفية مقاسمة الجد الإخوة ، فإنهم مجمعون على أن الجد ليس بأب ، ولا يحجب به الإخوة ، وليس هذا موضع ذكر أقاويلهم في الجد‌

وقال كقول زيد في الجد مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو عبيد ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن .

وقد روي عن محمد بن الحسن أنه وقف في آخر عمره في الجد فلم يقل فيه بقول أحد ، وقال بقوله في الجد عبيدة السلماني ، والمغيرة صاحب إبراهيم ، وابن أبي ليلى ، والحسن بن صالح ، وهشيم .

ولا أعلم أحدا من الفقهاء قال بقول ابن مسعود في الجد ، وقد اختلف عن ابن مسعود في مسائل من مسائل الجد .

وأما قول ابن عباس في الجدة أنها أم عند عدم الأم ، فلم يتابعه عليه أحد ، وهو شاذ لا يلتفت إليه ، ولا يصح عنه .

ذكر عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد قال : جاءت جدات إلى أبي بكر الصديق [ ص: 103 ] فأعطى الميراث أم الأم دون أم الأب فقال له رجل من الأنصار من بني حارثة يقال له عبد الرحمن بن سهل : يا خليفة رسول الله أعطيت الميراث التي لو أنها ماتت لم يرثها ، فجعل الميراث بينهما .

وذكر ابن وهب ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد نحوه بمعناه .

وروى عبد الرزاق أيضا ، عن سفيان الثوري ، عن ابن ذكوان أن خارجة بن زيد قال : إذا كانت الجدة من قبل الأم هي أقعد فشرك بينهما قال : وأخبرنا ابن عيينة ، عن أبي الزناد قال : أدركت خارجة بن زيد ، وطلحة بن عبد الله بن عوف ، وسليمان بن يسار يقولون : إذا كانت الجدة من قبل الأم أقرب فهي أحق به ، وإن كانت أبعد فهما سواء .

قال : وأخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن ابن المسيب أن زيد بن ثابت كان يقول ذلك .

قال أبو عمر :

وقد ذكرنا هذا ، عن زيد بن ثابت ، وذكرنا مذهب زيد في أحكام الجدات فيما تقدم من هذا الباب ، وهو قول أهل المدينة ، وإليه ذهب مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وداود كلهم يذهب في الجدات إذا اجتمعت أم الأب ، وأم الأم ، وليس للميت أم ولا أب ، أن أم الأم إن كانت أقعدهما ( كان لها السدس دون أم الأب ، وإن كانت أم الأب أقعدهما ) ، وكانتا مشتركتين في القعدد فالسدس بينهما نصفين .

[ ص: 104 ] وإنما كانت الجدة أم الأم إذا كانت أقعد أولى بالسدس من أم الأب من قبل أنها أقرب للميت ، ألا ترى أن ابنتها ، وهي الأم تمنع الجدات الميراث من أجل قربها ، فكذلك أمها تمنع الجدات إذا لم يكن في درجتها .

فأما إذا بعدت ، وقربت التي من جهة الأب ، فإنهما يشتركان عند زيد بن ثابت ، وقال به أهل المدينة ، وأهل العراق ، وذلك - والله أعلم - لأن أم الأم هي التي ورد فيها النص من السنة ، ومثال ذلك إذا كان الميت ترك جدته أم أمه وجدته أم أبيه ، فالسدس هاهنا لأم أمه ، وإن ترك أم أبيه وأم أم أمه فالسدس بينهما سواء .

ولا يرث عند مالك من الجدات غيرهما .

ومن الحجة في تقوية أم الأم ، أن الأم لما منعت الجدات ، ولم يمنع الأب أم الأم ، دل على أن الجدة من جهة الأم أقوى ; لأنها تدلي بها ، وهي تمنع الجدات ، ولا يمنعها الأب ، والأخرى تدلي بالأب ، والأب لا يحجب أم الأم ، فكيف تحجبها أمه أو تستوي معها .

واختلف العلماء في توريث الجدة ، وابنها حي ، فروي عن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي موسى الأشعري ، وعمران بن حصين ، وأبي الطفيل عامر بن واثلة أنهم كانوا يورثون الجدة مع ابنها ، وبه قال شريح القاضي ، والحسن البصري ، وعطاء ، وابن سيرين ، ومسلم بن يسار ، وأبو الشعثاء جابر بن زيد ، وهو قول فقهاء البصريين ، وبه يقول شريك ، والنخعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، والطبري .

[ ص: 105 ] واختلف عن الثوري فروي عنه أنه كان يورثها مع من يحاذيها من الجدات ، وروي عنه أنه كان لا يورثها ، وكذلك اختلف فيها عن الحسن .

وروى يزيد بن هارون قال : أنبأنا محمد بن سالم ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عبد الله في الجدة قال : إنها أول جدة أطعمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السدس مع ابنها ، وابنها حي .

وروى يزيد بن هارون أيضا قال : أنبأنا شعيب بن سوار ، عن محمد بن سيرين قال : قال عبد الله بن مسعود فذكر مثله .

وهذا لو صح لم يكن فيه حجة ; لأنه يحتمل أن يكون أراد الجدة أم الأم ، وابنها حي ، وهو خال الميت ، وهذا ما لا خلاف فيه .

ومما يدل على ضعف هذا الحديث : أن أبا بكر لم يكن عنده علم من الجدة حتى سأل ، فأخبره المغيرة ، وأراد أن لا يعطي الأخرى شيئا ، وقد احتج بهذا إسماعيل ، وفيه نظر ، وذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج ، والثوري ، وابن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول : ورث عمر بن الخطاب جدة مع ابنها .

قال : وأخبرنا معمر ، عن بلال بن أبي بردة : أن أبا موسى الأشعري كان يورث الجدة مع ابنها ، وقضى بذلك بلال ، وهو أمير على البصرة .

قال : وأخبرنا الثوري ، عن منصور ، والأعمش ، عن إبراهيم قال : كان عبد الله يقول : لا يحجب الجدات إلا الأم .

[ ص: 106 ] قال أبو عمر :

من حجة من ذهب إلى هذا القول ما رواه الثوري ، وغيره ، عن مكحول ، عن ابن سيرين قال : أول جدة أطعمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم أب مع ابنها .

ومن جهة النظر لا يجوز حجبها بالذكور قياسا على الأم ، وأم الأم ، ووجه آخر أن عدم الأب لا يزيدها في فرضها ، وإنما لها السدس على كل حال فكيف يحجبها .

ووجه آخر لما كان الإخوة والأخوات للأم يدلون بالأم ، ويرثون معها ، كانت الجدة كذلك ترث مع الأب ، وإن كانت تدلي به .

وقال علي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفان ، وزيد بن ثابت : لا ترث الجدة مع ابنها يعنون أنها لا ترث أم الأب مع الأب ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وداود ، وأصحابهم .

ومن حجتهم : أن الجد لما كان محجوبا بالأب ، وجب أن تكون الجدة أولى أن تكون به محجوبة ، ولأنها أحد أبوي الأب فوجب أن يحجبها الأب .

ووجه آخر : أنها إذا كانت أم أم لم ترث مع الأم ، فكذلك إذا كانت أم أب لا ترث مع الأب .

ووجه آخر أن ابن العم ، وابن الأخ لا يرث واحد منهما مع أبيه الذي يدلي به إلى الميت ، فكذلك الجدة أم الأب لا ترث مع الأب لأنها به تدلي .

[ ص: 107 ] ذكر يزيد بن هارون قال : أخبرني سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : أن زيد بن ثابت لم يجعل للجدة شيئا مع ابنها .

وأخبرنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : أنبأنا عبد الرزاق قال : أنبأنا الثوري عن أشعث ، وأبي سهل ، عن الشعبي ، قال : كان علي ، وزيد لا يورثان الجدة مع ابنها ، وما قرب من الجدات ، وما بعد منهن جعل لهن السدس إذا كن من مكانين شتى ، وإذا كن من مكان واحد ، ورث القربى .

قال : وأخبرني معمر ، عن الزهري : أن عثمان لم يورث الجدة إذا كان ابنها حيا ، والناس عليه .

وذكر ابن أبي شيبة عن وكيع ، عن شريك ، عن جابر ، عن عامر قال : لم يورث أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الجدة مع ابنها إلا ابن مسعود .

قال وكيع : والناس على ذا ، قال : وأخبرنا ابن فضيل ، عن بسام بن فضل قال : قال إبراهيم : لا ترث الجدة مع ابنها في قول علي ، وزيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية