التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1154 [ ص: 17 ] حديث ثالث من مراسيل ابن شهاب .

مالك عن ابن شهاب أنه بلغه أن نساء كن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلمن بأرضهن وهن غير مهاجرات ، وأزواجهن حين أسلمن كفار ، منهن بنت الوليد بن المغيرة ، وكانت تحت صفوان بن أمية ، فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام ، فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمانا لصفوان بن أمية ، ودعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام ، وأن يقدم عليه ، فإن رضي أمرا قبله وإلا سيره شهرين ، فلما قدم صفوان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بردائه ناداه على رءوس الناس : يا محمد ، إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك ، فإن رضيت أمرا قبلته ، وإلا سيرتني شهرين ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 18 ] انزل أبا وهب . فقال : لا والله حتى تبين لي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بل لك تسيير أربعة أشهر .

فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل هوازن بحنين ، فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعيره أداة وسلاحا عنده ، فقال صفوان : طوعا أم كرها ؟ فقال : بل طوعا . فأعاره الأداة والسلاح التي عنده ، ثم خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو كافر فشهد حنينا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة ، ولم يفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح
.

[ ص: 19 ] مالك عن ابن شهاب قال : كان بين إسلام صفوان بن أمية وبين إسلام امرأته نحو من شهر .

قال ابن شهاب : ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزوجها كافر ومقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها .


هذا الحديث لا أعلمه يتصل من وجه صحيح ، وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير وابن شهاب إمام أهل السير وعالمهم وكذلك الشعبي ، وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده إن شاء الله .

وليس في هذا الباب من المسند الحسن الإسناد إلا حديث رواه وكيع عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن رجلا جاء مسلما على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ثم جاءت امرأته مسلمة بعده فقال : يا رسول الله ، إنها [ ص: 20 ] قد كانت أسلمت معي ، فردها عليه . وبعضهم يزيد في هذا الحديث أنها تزوجت فانتزعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زوجها الآخر وردها إلى الأول .

وقد حدث داود بن الحصين عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول ولم يحدث شيئا ، بعضهم يقول فيه بعد ثلاث سنين ، وبعضهم يقول بعد ست سنين ، وبعضهم يقول بعد سنتين ، وبعضهم لا يقول شيئا من ذلك ، وهذا الخبر وإن صح فهو متروك منسوخ عند الجميع ; لأنهم لا يجيزون رجوعه إليها بعد خروجها من عادتها ، وإسلام زينب كان قبل أن ينزل كثير من الفرائض .

وروي عن قتادة أن ذلك كان قبل أن تنزل سورة براءة بقطع العهود بينهم وبين المشركين .

[ ص: 21 ] وقال الزهري كان هذا قبل أن تنزل الفرائض . وروى عنه سفيان بن حسين أن أبا العاص بن الربيع أسر يوم بدر ، فأتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرد عليه امرأته ، وفي هذا أنه ردها عليه وهو كافر ، فمن هناك قال ابن شهاب : إن ذلك كان قبل أن تنزل الفرائض . وقال آخرون : قصة أبي العاص هذه منسوخة بقوله - عز وجل - فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار الآية إلى قوله : ولا تمسكوا بعصم الكوافر .

ومما يدل على أن قصة أبي العاص منسوخة بقوله : ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن إلى قوله : ولا تمسكوا بعصم الكوافر إجماع العلماء على أن أبا العاص بن الربيع كان كافرا ، وأن المسلمة لا يحل أن تكون زوجة لكافر ، قال الله - عز وجل - : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للملاعن : لا سبيل لك عليها .

[ ص: 22 ] روى سعيد بن جبير وعكرمة عن أبي عباس قال : لا يعلو مسلمة مشرك ، فإن الإسلام يظهر ولا يظهر عليه ، وفي قول الله - عز وجل - : لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ما يغني ويكفي والحمد لله .

قال أبو عمر : ولم يختلف أهل السير أن هذه الآية المذكورة نزلت في الحديبية حين صالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه ، فلما هاجرن أبى الله أن يرددن إلى المشركين إذا امتحن بمحنة الإسلام وعرف أنهن جئن رغبة في الإسلام .

وذكر موسى بن عقبة أن أبا العاص بن الربيع كان قد أذن لامرأته زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرج إلى الشام أن تقدم المدينة فتكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر متى كان خروجه إلى الشام .

وذكر أنه في رجوعه من الشام مر بأبي جندل وأبي بصير في نفر من قريش فأخذوهم ومن معهم ، ولم يقتلوا منهم أحدا لصهر أبي العاص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدم المدينة على امرأته زينب .

[ ص: 23 ] فقد أجمع العلماء أن الزوجين إذا أسلما معا في حال واحدة أن لهما المقام على نكاحهما ، إلا أن يكون بينهما نسب أو رضاع يوجب التحريم ، وأن كل من كان له العقد عليها في الشرك كان له المقام معها إذا أسلما معا ، وأصل العقد معفي عنه ; لأن عامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا كفارا فأسلموا بعد التزويج وأقروا على النكاح الأول ، ولم يعتبر في أصل نكاحهم شروط الإسلام ، وهذا إجماع وتوقيف ، وإنما اختلف العلماء في تقدم إسلام أحد الزوجين على ما نذكره هاهنا إن شاء الله .

قال أبو عمر : لم يختلف العلماء أن الكافرة إذا أسلمت ، ثم انقضت عدتها أنه لا سبيل لزوجها إليها إذا كان لم يسلم في عدتها ، إلا شيء روي عن إبراهيم النخعي شذ فيه عن جماعة العلماء ولم يتبعه عليه أحد من الفقهاء إلا بعض أهل الظاهر ، فإنه قال أكثر أصحابنا : لا يفسخ النكاح لتقدم إسلام الزوجة إلا بمضي مدة يتفق الجميع على نسخه ، لصحة وقوعه في أصله ووجود التنازع في حقه .

واحتج بحديث ابن عباس بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد زينب على أبي العاص بالنكاح الأول بعد مضي سنتين لهجرتها ، وأظنه مال فيه إلى قصة أبي العاص ، وقصة أبي العاص لا تخلو من أن يكون أبو العاص كافرا إذ رده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ابنته زينب على النكاح الأول أو مسلما ، فإن كان كافرا فهذا ما لا شك فيه أنه كان قبل نزول الفرائض [ ص: 24 ] وأحكام الإسلام في النكاح ، إذ في القرآن والسنة والإجماع تحريم فروج المسلمات على الكفار ، فلا وجه هاهنا للإكثار وإن كان مسلما ، فلا يخلو من أن يكون كانت حاملا فتمادى حملها ولم تضعه حتى أسلم زوجها ، فرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليها في عدتها ، وهذا ما لم ينقل في خبر ، أو تكون قد خرجت من العدة فيكون أيضا ذلك منسوخا بالإجماع ; لأنهم قد أجمعوا أنه لا سبيل له إليها بعد العدة ، فكيف كان ذلك ؟

فخبر ابن عباس في رد أبي العاص إلى زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر متروك لا يجوز العمل به عند الجميع فاستغني عن القول فيه .

وقد يحتمل قوله على النكاح الأول يريد على مثل النكاح الأول من الصداق ، على أنه قد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد زينب إلى أبي العاص بنكاح جديد .

وكذلك يقول الشعبي على عمله بالمغازي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرد أبا العاص إلى ابنته زينب إلا بنكاح جديد ، وهذا يعضده الأصول .

[ ص: 25 ] حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بنكاح جديد .

وأما اختلاف الفقهاء في الحربية تخرج إلينا مسلمة ، فإن مالكا قال : إن أسلم الزوج قبل أن تحيض ثلاث حيض فهي امرأته ، وإن لم يسلم حتى حاضت ثلاث حيض ، فقد وقعت الفرقة . ولا فرق عنده بين دار الإسلام ودار الحرب ، وهو قول الشافعي سواء ، ولا حكم للدار عنده ، وكذلك قال الأوزاعي والليث بن سعد : اعتبر العدة .

وقال أبو حنيفة في الحربية تخرج إلينا مسلمة ولها زوج كافر بدار الحرب : فقد وقعت الفرقة بينهما ( ولا عدة عليها ، وقال أبو يوسف ومحمد : أما الفرقة فقد وقعت بينهما ) ولا سبيل له إليها إلا بنكاح جديد ، ولكن العدة عليها ، وهو قول الثوري .

وأما اختلافهم في الذميين إذا أسلم أحدهما قبل صاحبه فقول مالك والشافعي والليث والحسن بن حي والأوزاعي اعتبار العدة في وقوع الفرقة على ما ذكرنا عنهم في الحربية ، [ ص: 26 ] إلا أن الأوزاعي يقول : إذا أسلمت المرأة ولم يسلم زوجها إلا بعد انقضاء العدة فهي طليقة ، وهو خاطب .

وفي قول مالك والشافعي والليث والحسن بن حي إذا انقضت عدتها فلا سبيل له إليها ، وليست الفرقة عندهم طلاقا ، وإنما هو فسخ بغير طلاق ، وإذا أسلم في عدتها فهو أحق بها عند مالك والشافعي والليث والأوزاعي والحسن بن حي ، وسواء كانت المرأة قبل أن يسلم كتابية أو مجوسية زوجها أحق بها أبدا إن أسلم في عدتها ، فإن كانا مجوسيين وأسلم الرجل قبل ، فإن مالكا قال : يعرض عليها الإسلام في الوقت ، فإن أسلمت وإلا وقعت الفرقة بينهما .

قال إسماعيل بن إسحاق : إذا أسلم الرجل وزوجته مجوسية غائبة ، فإن الفرقة تقع بينهما حين يسلم ولا ينتظر بها ( لأنه لو انتظر بها ) كان متمسكا بعصمتها ، وقد قال الله - عز وجل - : ولا تمسكوا بعصم الكوافر ، قال : والحاضرة إذا عرض عليها الإسلام فليس الرجل ممسكا بعصمتها ; لأنه لا ينتظر بها شيئا غير حاضر ، إنما هو كلام وجواب ، فكأنها إذا أسلمت في هذه الحال قد أسلمت مع إسلامه إذا كان إنما ينتظر جوابها ، ألا ترى الآية لما نزلت وقعت الفرقة بين المسلمين الذين كانوا بالمدينة وبين أزواجهم اللاتي كن بمكة ولم ينتظر أن يعرض عليهن [ ص: 27 ] الإسلام ؟ وقد كان ذلك ممكنا في ذلك الوقت للهدنة التي كانت بينهم إلى أن نقضوا العهد بعد سنين من الصلح .

قال : والكوافر التي أنزل الله - عز وجل - فيهن هذا هن المشركات من العرب ، فكان سبيل المجوسيات سبيلهن ، فليس يجوز للمسلم أن يمسك بعصمة كافرة من غير أهل الكتاب كانت معه في دار الإسلام أو في غير دار الإسلام . قال : والفرقة بينهما بغير طلاق ; لأنهما مغلوبان على الفسخ ، وليس يراجعها في العدة إن أسلمت بخلافه إذا كان هو المتقدم الإسلام ; لأن إسلامه قبلها أشبه بالمفارق يرتجع ، والارتجاع إنما هو بالرجال لا بالنساء .

وقال الشافعي والأوزاعي والليث بن سعد والحسن بن حي : لا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك وأيهما أسلم قبل ، ثم أسلم صاحبه في العدة كانا على نكاحهما ، وسواء عندهم أهل الكتاب في ذلك أو غير أهل الكتاب ، وكذلك سواء عندهم تقدم إسلام الرجل أو تقدم إسلام المرأة ; لأن أبا سفيان بن حرب وحكيم بن حزام أسلما قبل ، ثم أسلمت امرأتاهما فاستقرت كل واحدة منهما عند زوجها بالنكاح الأول إذ أسلمت في العدة ، وأسلمت امرأة صفوان وامرأة عكرمة فاستقرتا بالنكاح الأول وذلك قبل انقضاء العدة ، وهذا يدل على أن [ ص: 28 ] قوله - عز وجل - : لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن في حال دون حال ، وذلك التمادي في الإمساك بعد العدة على ما بينت وأحكمت في ذلك السنة .

وقال أبو حنيفة وأصحابه في الذميين : إذا أسلمت المرأة عرض على الزوج الإسلام ، فإن أسلم ، وإلا فرق بينهما ، قالوا ولو كانا حربيين وأسلمت هناك كانت امرأته حتى تحيض ثلاث حيض ، فإن لم يسلم وقعت الفرقة وفرقوا بين حكم دار الإسلام ودار الحرب .

وقال ابن شبرمة في النصراني تسلم امرأته قبل الدخول : يفرق بينهما ولا صداق لها ، ولو كانت المرأة مجوسية وأسلم الزوج قبل الدخول ثم لم تسلم المرأة حتى انقضت عدتها فلها نصف الصداق ، وإن أسلمت قبل أن تنقضي عدتها فهما على نكاحهما .

وقال الثوري كقول أبي حنيفة في عرض الإسلام على الزوج إذا أسلمت امرأته ، فإن أسلم وإلا فرق بينهما ، وقال في المهر : إن أسلمت وأبى فلها جميع المهر إن كان دخل بها ، وإن لم يكن دخل بها فلها النصف ، وإن أسلم وأبت وهي مجوسية فلا مهر إن لم يدخل بها .

[ ص: 29 ] وقال مالك في النصرانية تكون تحت نصراني فيخرج إلى بعض الأسفار فتسلم امرأته وهو غائب ، فإنها تؤمر بالنكاح إذا انقضت عدتها ولا ينتظر بها ، وليس له منها شيء إن قدم بعد انقضاء عدتها وهو مسلم ، نكحت أو لم تنكح ، هذا إذا أسلم بعد انقضاء عدتها ، فإن أسلم قبل انقضاء عدتها في غيبته ، فإن نكحت قبل أن يقدم زوجها أو يبلغها إسلامه ، فلا سبيل له إليها ، وإن أدركها قبل أن تنكح فهو أحق بها .

قال : وإن كانت الغيبة قريبة استؤني بتزويجها ، وكتب للسلطان فلعله قد أسلم قبلها ، وإن كانت بعيدة فلا .

وجملة قول مالك وأصحابه في صداق الكتابية والمجوسية إذا أسلمت قبل البناء أنه لا صداق لها ولا شيء منه معجل ولا مؤجل ، فإن قبضته ردته ; لأن الفراق من قبلها ، ولو بنى بها كان لها صداقها كاملا ، وكذلك المرتدة في الصداق .

[ ص: 30 ] ذكر إسماعيل بن أبي أويس عن مالك قال : الأمر عندنا في المرأة تسلم وزوجها كافر قبل أن يدخل بها ويمسها أنه لا صداق لها سمي لها أو لم يسم ، وليس لزوجها عليها رجعة ; لأنه لا عدة عليها ، ولو دخل بها كان له عليها الرجعة ما دامت في عدتها ، وكان لها صداقها كاملا ، فإن بقي لها عليه شيء من مهرها فلها بقيته أسلم في عدتها أو لم يسلم .

قال : وقال مالك في المجوسية يتزوجها المجوسي ثم يسلم أحدهما ولم يدخل بها ، فرض لها أو لم يفرض ، أنه لا صداق لها إن أسلمت قبله وأبى هو أن يسلم ، أو أسلم قبلها فأبت هي أن تسلم في الوجهين .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا نصر بن علي قال : حدثنا أبو جعفر عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أسلمت امرأة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتزوجت فجاء زوجها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 31 ] فقال : يا نبي الله ، إني قد أسلمت وعلمت بإسلامي ، فانتزعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زوجها الآخر وردها إلى زوجها الأول .

ورواه حفص بن جميع وسليمان بن معاذ ، وهذا لفظه عن سماك عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أسلمت امرأة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهاجرت وتزوجت وكان زوجها قد أسلم ، فردها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى زوجها ذكره البزار .

وحدثنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : حدثنا أحمد بن عمرو قال : حدثنا محمد بن سنجر قال : حدثنا عبد الله بن موسى قال : أخبرنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة ، عن ابن عباس قال أسلمت امرأة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتزوجت ، فجاء زوجها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني قد أسلمت معها وعلمت بإسلامي ، فانتزعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زوجها الآخر وردها إلى زوجها الأول .

قال أبو عمر : احتج الطحاوي لأبي حنيفة وأصحابه والثوري بأن قال : خبر ابن شهاب منقطع ، وفي الأصول أن العدة إذا [ ص: 32 ] وجهت على الطلاق ، فإنما تجب بعد ارتفاع النكاح ، وأما مع بقاء النكاح فلا عدة .

قال أبو عمر : لو ارتفع النكاح ما كان يعرض الإسلام على الثاني منهما معا ، وقد أجمعوا على ذلك في الفور ، روي ( عن ) عمر وابن عباس الفرقة بين الزوجين إذا أسلمت المرأة الذمية وأبى زوجها أن يسلم ولم يعتبر العدة .

وذكر ابن أبي شيبة حدثنا معتمر عن أبيه ، عن الحسن ، وعمر بن عبد العزيز قالا في النصرانية تسلم تحت زوجها : أخرجها عنه الإسلام .

وروى حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن الحسن ، في النصرانية تكون تحت النصراني فتسلم قبل الدخول ، قال : فرق بينهما الإسلام .

وروي عن علي بن أبي طالب نحو قول مالك والشافعي ، وحسبك بقول ابن شهاب أنه لم يبلغه غير ما حكى في حديثه المذكور في هذا الباب ، وأنه أحق بها إن أسلم في عدتها .

وذكر حماد بن سلمة قال : أخبرنا عبيد الله بن عمر عن الزهري أن امرأة عكرمة بن أبي جهل وامرأة سهيل بن عمرو أسلمتا في عدتهما فأقاما على نكاحهما .

[ ص: 33 ] وذكر ابن أبي شيبة عن عبد السلام بن حرب عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن الزهري أن امرأة عكرمة بن أبي جهل أسلمت قبله ، ثم أسلم وهي في العدة فردت إليه ، وذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وذكر مالك عن ابن شهاب أن ابنة الوليد بن المغيرة ، وكانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح ، ثم أسلم واستقرت عنده بذلك النكاح ، وكان بين إسلام صفوان بن أمية وبين إسلام امرأته نحو من شهر ، وأن أم حكيم بنت الحارث بن هشام كانت تحت عكرمة بن أبي جهل فأسلمت يوم الفتح ، ثم أسلم عكرمة فثبتا على نكاحهما ( ذلك ) .

وذكر مالك عن ابن شهاب قال : لم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى الله ورسوله وزوجها كافر بدار الحرب إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها ، إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها .

[ ص: 34 ] وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبدة بن سليمان ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن مجاهد قال : إذا أسلم وهي في عدتها فهي امرأته ، يعني إذا كانت أسلمت قبله ، قال : وحدثنا ابن علية ، عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال : إن أسلم وهي في العدة فهو أحق بها ، قال : وحدثنا عبد الله بن موسى عن سفيان عن عمرو بن ميمون عن عمر بن عبد العزيز قال : هو أحق بها ما دامت في العدة .

وذكر حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر قال : إذا أسلم الرجل في عدة امرأته فهو أحق بها .

وفي حديث ابن شهاب المذكور أيضا في هذا الباب من الفقه إثبات الأمان للكافر ودعاؤه إلى الإسلام ، وإن كان له شوكة ، وكانت كلمة الإسلام العالية ، وهذا ما لا خلاف فيه على هذا الوجه ، ولا سيما إذا طمع بإسلامه .

وفيه التأمين على شروط تجوز وعلى الخيار فيها .

[ ص: 35 ] وفيه جواز تصحيح الأمارات في العقود ، وأن من صح عليه شيء منها أو صح عنده لزمه العمل بها وجاز ذلك عليه وله ، ألا ترى إلى إرسال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بردائه أمارة لأمانه .

وفيه بيان ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الاجتهاد والحرص على دخول الناس في الإسلام .

وفيه إجازة تكنية الكافر إذا كان وجها ذا شرف وطمع بإسلامه ، وقد يجوز ذلك ، وإن لم يطمع بإسلامه ; لأن الطمع ليس بحقيقة توجب عملا ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : إذا أتاكم كريم قوم أو كريمة قوم فأكرموه ، ولم يقل : إن طمعتم بإسلامه . ومن الإكرام دعاؤه بالتكنية ، وقد يقول في قول الله - عز وجل - : فقولا له قولا لينا قال كنياه ، وأما شهود صفوان بن أمية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا والطائف ، وهو كافر ، فإن مالكا قال : لم يكن ذلك بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال مالك : ولا [ ص: 36 ] أرى أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين إلا أن يكونوا خدما أو نواتية .

وروى مالك عن الفضيل بن أبي عبيد الله عن عبد الله بن دينار الأسلمي ، عن عروة ، عن عائشة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل أتاه فقال : جئت لأتبعك وأصيب معك في حين خروجه إلى بدر : إنا لا نستعين بمشرك ، وهذا حديث قد اختلف عن مالك في إسناده ، وهكذا رواه أكثر أصحابه ، وقد روى أبو حميد الساعدي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

وقال الشافعي والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابهم : لا بأس بالاستعانة بأهل الشرك على قتال المشركين إذا كان حكم الإسلام هو الغالب عليهم ، وإنما تكره الاستعانة بهم إذا كان حكم الشرك هو الظاهر . وقد روي أنه لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع أبي سفيان للخروج إليه يوم أحد انطلق وبعث إلى بني [ ص: 37 ] النضير وهم يهود ، فقال لهم : إما قاتلتم معنا ، وإما أعرتمونا سلاحا .

قال أبو عمر : هذا قول يحتمل أن يكون لضرورة دعته إلى ذلك .

وقال الثوري والأوزاعي إذا استعين بأهل الذمة أسهم لهم .

وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يسهم لهم ولكن يرضخ .

وقال الشافعي : يستأجرهم الإمام من مال لا مالك له بعينه ، فإن لم يفعل أعطاهم من سهم النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال في موضوع آخر : يرضخ للمشركين إذا قاتلوا مع المسلمين .

قال أبو عمر : قد اتفقوا أن العبد ، وهو ممن يجوز أمانه إذا قاتل لم يسهم له ، ولكن يرضخ له فالكافر أولى بذلك أن لا يسهم له .

وفيه جواز العارية والاستعارة وجواز الاستمتاع بما استعير إذا كان على المعهود مما يستعار مثله ، وحديث صفوان هذا في العارية أصل في هذا الباب .

[ ص: 38 ] وقد اختلف الفقهاء في ضمان العارية ، فذهب مالك وأصحابه إلى أن العارية أمانة غير مضمونة إذا كانت حيوانا أو ما لا يغاب عليه إذا لم يتعد المستعير فيه ولا ضيع ، وكذلك ما يغاب عليه أمانة أيضا إذا ظهر هلاكه وصح من غير تضييع ولا تعد ، فإن خفي هلاكه ضمن ، ولا يقبل قول المستعير فيه إذا ادعى هلاكه وذهابه ولم يقم على ما قال بينة ، وتضمن أبدا إذا كان هكذا ، ولا يضمن إذا كان هلاكه ظاهرا معروفا أو قامت به بينة بلا تضييع ولا تفريط ، هذا هو المشهور من قول مالك ، وهو قول ابن القاسم .

وقال أشهب : يضمن كل ما يغاب عليه قامت بينة بهلاكه أو لم تقم ، وسواء هلك بسببه أو بغير سببه يضمن أبدا ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لصفوان حين استعار منه السلاح وهو مما يغاب عليه ، بل عارية مضمونة مؤداة ، قال : وأما الحيوان وما لا يغاب عليه فلا ضمان عليه ، وقول عثمان البتي في هذه المسألة نحو قول مالك ، قال عثمان البتي : المستعير ضامن لما استعاره إلا الحيوان والعقار ويضمن الحلي والثياب وغيرها . قال : وإن اشترط ضمان الحيوان ضمنه .

[ ص: 39 ] وقال الليث بن سعد : لا ضمان في العارية ، ولكن أبا العباس أمير المؤمنين قد كتب بأن يضمنها فالقضاء اليوم على الضمان .

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي : مضمونة ، ولا يضمن شيئا منها إلا بالتعدي ، وهو قول ابن شبرمة .

وقال الشافعي : كل عارية مضمونة .

قال أبو عمر : احتج من قال بأن العارية مضمونة بما حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ( ح ) وحدثنا عبد الله بن ( محمد ) بن عبد المومن قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحويطي قالا جميعا : حدثنا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم قال : سمعت أبا أمامة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : العارية مؤادة والمنحة مردودة ، والدين مقضي ، والزعيم غارم .

ومن قال : إن العارية لا تضمن ، قال في قوله - صلى الله عليه وسلم - : العارية مؤداة دليل على أنها أمانة ; لأن الله - عز وجل - يقول : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فجعل الأمانات مؤداة .

[ ص: 40 ] قال : ويحتمل قوله العارية مؤداة إذا وجدت قائمة العين ، وهذا ما لا يختلف فيه ، وإنما التنازع فيها إذا تلفت هل يجب على المستعير ضمانها ؟

واحتج أيضا من قال : إن العارية مضمونة بما حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا الحسن بن محمد وسلمة بن شبيب قالا : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا شريك عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أمية بن صفوان بن أمية ، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعار منه دروعا يوم خيبر فقال : أغصبا يا محمد ؟ فقال : بل عارية مضمونة ، قال أبو داود : هذه رواية يزيد ببغداد ، وفي روايته بواسط غير هذا قال أبو داود : وكان أعاره قبل أن يسلم ثم أسلم .

قال أبو عمر : حديث صفوان هذا اختلف فيه على عبد العزيز بن رفيع اختلافا يطول ذكره ، فبعضهم يذكر فيه الضمان وبعضهم لا ، وبعضهم يقول فيه عن عبد العزيز [ ص: 41 ] بن رفيع ، عن ابن أبي مليكة ، عن أمية بن صفوان ( عن أبيه ، وبعضهم يقول عن عبد العزيز ، عن ابن أبي مليكة ) ، عن ابن صفوان قال : استعار النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لا يقول عن أبيه ، ومنهم من يقول عن عبد العزيز بن رفيع عن أناس من آل صفوان ، أو من آل عبد الله بن صفوان مرسلا أيضا .

وبعضهم يقول فيه عن عبد العزيز بن رفيع عن عطاء عن ناس من آل صفوان ، ولا يذكر فيه الضمان ، ولا يقول مؤداة ، بل عارية فقط ، والاضطراب فيه كثير ، ولا يجب - عندي - بحديث صفوان هذا حجة في تضمين العارية والله أعلم .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا أبو الأحوص قال : حدثنا عبد العزيز بن رفيع ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ناس من آل صفوان قالوا : استعار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صفوان بن أمية سلاحا ، فقال له صفوان : أعارية أم غصب ؟ فقال : بل عارية . فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعا ، فغزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا ، فلما هزم الله المشركين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 42 ] اجمعوا أدراع صفوان ، ففقدوا من أدراعه أدراعا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن شئت غرمناها لك ، فقال : يا رسول الله إن في قلبي اليوم من الإيمان ما لم يكن يومئذ .

ورواه جرير بن عبد الحميد عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أناس من آل صفوان ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يا صفوان ، هل عندك من سلاح ؟ قال : عارية أم غصب ؟ قال : بل عارية . فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين ، ثم ساق مثل حديث أبي الأحوص - سواء إلى آخره - بمعناه .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا جرير فذكره .

واحتج أيضا من ضمن العارية بما حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد بن مسرهد قال : حدثنا يحيى ، عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن في هذا الحديث فقال : هو أمينك لا ضمان عليه .

[ ص: 43 ] وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن الجهم قال : حدثنا عبد الوهاب قال : أخبرنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : على اليد ما أخذت حتى تؤديه ، ثم إن الحسن نسي قال : هو أمينك ، فلا ضمان عليه .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن الجهم قال : حدثنا عبد الوهاب قال : أخبرنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : على اليد ما أخذت حتى تؤدي ، قال قتادة : ثم إن الحسن نسي هذا الحديث فقال : أمينك لا ضمان عليه .

[ ص: 44 ] قال أبو عمر : قد اختلف في سماع الحسن من سمرة ، وقد ذكرنا ذلك فيما سلف من كتابنا والحمد لله .

وأما الصحابة - رضي الله عنهم - فروي عن عمر وعلي أن لا ضمان في العارية ، وروي عن ابن عباس وأبي هريرة أنها مضمونة ، والله الموفق للصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية