التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
310 [ ص: 45 ] حديث رابع من مراسيل ابن شهاب .

مالك عن ابن شهاب عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : لما قدمنا المدينة نالنا وباء من وعكها شديد ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يصلون في سبحتهم قعودا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم .


هكذا روى هذا الحديث عن مالك جماعة الرواة فيما علمت بهذا الإسناد مرسلا .

[ ص: 46 ] وروى فيه عن ابن أبي زائدة عن مالك عن الزهري عن سالم عن أبيه ، ولا يصح .

ورواه الحسين بن الوليد عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عيسى بن طلحة ، عن عبد الله بن عمرو ، ولم يتابعه على ذلك ( أحد ) من رواة مالك ، وإنما يرويه هكذا عن ابن شهاب ، عن عيسى بن طلحة ، عن عبد الله بن عمرو - ابن عيينة - وحده من بين أصحاب ابن شهاب على اختلاف على ابن عيينة في ذلك أيضا .

ومن اختلاف أصحاب ابن شهاب في ذلك أن صالح بن أبي الأخضر وابن جريج روياه عن ابن شهاب عن أنس ، كذلك ذكره عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، وكذلك رواه النضر بن شميل عن صالح بن أبي الأخضر ، ورواه صالح بن عمر عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن السائب بن يزيد عن المطلب بن أبي وداعة .

[ ص: 47 ] ورواه معمر عن الزهري أن عبد الله بن عمر قال : قدمنا المدينة بمثل رواية مالك سواء في الإسناد والمتن ، هذه رواية الدبري عن عبد الرزاق عن معمر رواه خشيش عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن رجل عن عبد الله بن عمرو .

وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثني أبي قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا قاسم بن محمد قال : حدثنا أبو عاصم خشيش بن أصرم قال : أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، عن رجل ، عن عمرو بن العاص فذكره .

ورواه بكر بن وائل عن الزهري عن مولى لعبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص .

ورواه حجاج بن منيع عن جده عن الزهري عن ثعلبة بن أبي مالك عن عبد الله بن عمرو .

ورواه يزيد بن عياض عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو .

ورواه إبراهيم بن مرة وعبد الرزاق بن عمر عن الزهري عن سالم عن أبيه ، وكل هذا خطأ والله أعلم .

[ ص: 48 ] فأما رواية النضر بن شميل عن صالح بن أبي الأخضر ، فأخبرنا سعيد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن دحيم بن خليل ، حدثنا بكر بن محمد بن حفص الشعراني بتنيس ، حدثنا إبراهيم بن محمد الصفار ، حدثنا خلاد حدثنا النضر بن شميل ، حدثنا صالح بن أبي الأخضر ، عن ابن شهاب ، عن أنس قال : لما قدم الناس المدينة أصابهم وعك ( من وباء المدينة ) ، فمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس يصلون في سبحتهم قعودا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة القاعد على نصف صلاة القائم .

وأما رواية ابن جريج فحدثنا أحمد بن عبد الله قال : حدثنا مسلمة بن القاسم قال : حدثنا علان ومحمد بن أبان قالا : حدثنا سلمة بن شبيب قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني ابن شهاب قال : أخبرني أنس بن مالك قال : قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهي محمة ، فحم الناس فدخل المسجد والناس قعود فقال : صلاة القاعد نصف صلاة القائم ، فتجشم الناس القيام .

[ ص: 49 ] وأما رواية ابن عيينة فحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا حامد بن يحيى البلخي قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عيسى بن طلحة ، عن عبد الله بن عمرو فذكره .

وأما رواية صالح بن عمر عن صالح بن أبي الأخضر فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن علان قال : حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال : حدثنا إبراهيم بن مهدي قال : حدثنا صالح بن عمر قال : حدثنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن السائب بن يزيد عن المطلب قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يصلي قاعدا فقال : صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم قال : فتجشم الناس القيام . وهذا عندي خطأ من صالح بن أبي الأخضر أو ممن دونه في الإسناد .

وأما حديث الزهري عن السائب بن يزيد عن المطلب بن أبي وداعة عن حفصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في سبحته قاعدا قبل وفاته بعام ، ويقرأ بالسورة ويرتلها حتى تكون أطول من أطول منها ، هكذا حدث به الحفاظ عن ابن شهاب بهذا الإسناد ، ومنهم مالك وغيره .

[ ص: 50 ] وأما حديث عبد الله بن عمرو المذكور في هذا الباب من غير رواية ابن شهاب ، فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى عن سفيان قال : حدثني منصور عن هلال بن يساف ، عن أبي يحيى ، عن عبد الله بن عمرو قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي جالسا ، فقلت : يا رسول الله ، حدثت أنك قلت : صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ، وأنت تصلي جالسا ؟ قال : أجل ، ولكني لست كأحد منكم .

وأخبرنا سعيد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن دحيم ، حدثنا محمد بن الحسن بن زيد ، حدثنا أبو الحسن علان بن المغيرة ، حدثنا عبد الغفار بن داود ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عبد الله بن بابيه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : مر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أصلي قاعدا فقال : أما إن للقاعد نصف صلاة القائم .

[ ص: 51 ] قال أبو عمر : ذكرنا في هذا الباب من القول في إسناد حديثه ما بلغه علمنا مختصرا مهذبا ولم نذكر شيئا من معانيه ، لتقدم القول فيها ممهدة في باب الألف من هذا الكتاب ، وأما الوباء فمهموز مقصور ، وهو الطاعون ، يقال : أرض وبيئة ، أي : ذات وباء وأمراض .

وأما الوعك ، فقال أهل اللغة : لا يكون إلا من الحمى دون سائر الأمراض ، وأما السبحة فهي النافلة من الصلاة ، وقد قيل : إن كل صلاة سبحة . والأول أصح ، ويشهد لصحته حديث ابن شهاب في هذا الباب ; لأنه لا وجه له إلا النافلة والله أعلم .

وقد مضى القول في هذا المعنى - مجودا في باب إسماعيل بن محمد من هذا الديوان - والحمد لله لا شريك له .

التالي السابق


الخدمات العلمية