التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1243 [ ص: 54 ] حديث سادس من مراسيل ابن شهاب .

مالك عن ابن شهاب أنه قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة حين أسلم : أمسك منهن أربعا وفارق سائرهن .

هكذا رواه جماعة رواة الموطأ وأكثر رواة ابن شهاب .


ورواه ابن وهب عن يونس ، عن ابن شهاب عن عثمان بن محمد بن أبي سويد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لغيلان بن أبي سلمة الثقفي حين أسلم - وتحته عشر نسوة - : خذ منهن أربعا وفارق سائرهن .

رواه يحيى بن سلام عن مالك ومعمر ، وبحر السقاء ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه مسندا ، فأخطأ فيه يحيى بن سلام على مالك ولم يتابع عنه على ذلك ، ووصله معمر ، فرواه عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن ابن عمر ، ويقولون : إنه من خطأ معمر ، ومما حدث به بالعراق من حفظه ، وصحيح حديثه ما حدث به ظاهرا من كتبه : حدثنا خلف بن سعيد [ ص: 55 ] قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن معمر بن راشد ، عن الزهري ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه : أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة وأسلمن معه فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يختار منهن أربعا .

قال : وأخبرنا أبو عبيد قال : وحدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان الثوري ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك ، وقد ذكر يعقوب بن شيبة حدثنا أحمد بن شبويه ، حدثنا عبد الرزاق قال : لم يسند لنا معمر حديث غيلان بن سلمة أنه أسلم وعنده عشر نسوة ، وقد روي عن قيس بن الحارث ، وبعضهم يقول فيه الحارث بن قيس الأسدي ، والأكثر قيس بن الحارث ، قال : أسلمت وعندي ثماني نسوة ، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : اختر منهن أربعا .

[ ص: 56 ] أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد ووهب بن بقية قالا : أخبرنا هشيم ، عن ابن أبي ليلى ، عن حميضة بن الشمرذل ، عن الحارث بن قيس ، قال مسدد - ابن عميرة - ، قال وهب الأسدي قال : أسلمت وعندي ثماني نسوة فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : اختر منهن أربعا .

قال أبو داود : وحدثنا أحمد بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم بهذا الحديث فقال : قيس بن الحارث مكان الحارث بن قيس ، قال أحمد بن إبراهيم : هذا هو الصواب ، يعني : قيس بن الحارث .

قال أبو داود : وحدثنا أحمد بن إبراهيم قال : حدثنا بكر بن عبد الرحمن قاضي الكوفة عن عيسى بن المختار ، عن ابن أبي ليلى عن حميضة بن الشمرذل عن قيس بن الحارث بمعناه .

[ ص: 57 ] قال أبو عمر : الصحيح عن هشيم في هذا الإسناد الحارث بن قيس ، وعن غير هشيم قيس بن الحارث ، وهو الصواب إن شاء الله ; لأن عيسى بن المختار والكلبي اجتمعا على ذلك ، هكذا يقول الثوري عن حميضة بن الشمرذل ، عن قيس بن الحارث بن حذاف الأسدي قال : أسلمت وكان عندي ثماني نسوة ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : اختر منهن أربعا واترك أربعا .

ورواه شريك عن الكلبي عن حميضة بن الشمرذل عن الحارث بن قيس قال : أسلمت وعندي ثماني نسوة ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرني أن أختار منهن أربعا .

أخبرنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : حدثنا أحمد بن عمرو قال : حدثنا ابن سنجر قال : حدثنا الفضل بن دكين قال : حدثنا شريك فذكره .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا جرير ، عن ابن شمرذل عن قيس بن الحارث الأسدي قال : أسلمت وتحتي ثماني نسوة ، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : اختر منهن أربعا .

[ ص: 58 ] قال أحمد بن زهير : كذا قال ابن الشمرذل بالذال ، وإنما هو الشمردل ، وهو الرجل الطويل .

وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا بكر بن عبد الرحمن قال : حدثنا عيسى بن المختار ، عن ابن أبي ليلى ، عن حميضة بن الشمرذل ، عن قيس بن الحارث الأسدي أنه أسلم وتحته ثماني نسوة فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يختار منهن أربعا .

قال أبو عمر : الأحاديث المروية في هذا الباب كلها معلولة ، وليست أسانيدها بالقوية ، ولكنها لم يرو شيء يخالفها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والأصول تعضدها ، والقول بها والمصير إليها أولى ، وبالله التوفيق .

وقد اختلف الفقهاء في ذلك : فقال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن والأوزاعي والليث بن سعد : إذا أسلم الكافر - كتابيا كان أو غير كتابي - وعنده عشر نسوة أو خمس نسوة ، أو ما زاد على أربع ، اختار منهن أربعا ، ولا يبالي كن الأوائل أو الأواخر على ما روي في هذه الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك إذا أسلم وتحته أختان ، اختار أيتهما شاء ، إلا أن الأوزاعي روي عنه في الأختين أن الأولى امرأته .

[ ص: 59 ] وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف : يختار الأوائل ، فإن تزوجن في عقدة واحدة فرق بينه وبينهن .

وقال الحسن بن حي : يختار الأربع الأوائل ، فإن لم يدر أيتهن أول ، طلق كل واحدة منهن تطليقة حتى تنقضي عدتهن ، ثم يتزوج منهن أربعا إن شاء .

وقال أحمد بن المعذل : سئل عبد الملك عن رجل أسلم وعنده عشر نسوة ، قال : يفارق ستا ويقيم على أربع ، وتلك السنة التي أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثقفي . قال عبد الملك : فإن وجد الاثنتين من الأربع أختيه ، قال : يكون له من الست اثنتان ; لأنه لم يطلق إنما ظن السلطان أنه قد أبقى له أربعا ففسخ ما سوى ذلك بتخييره إياه ، ثم انكشف أن منهن أختين له ، فينبغي أن يرد إلى تخييره ، كما لو كن عنده أمسك أربعا وفسخ ما سوى ذلك .

قال أحمد : يعني تخييره من الست اثنتين ; لأنه رجل كان عنده ثماني نسوة ، فكان عليه أن يفارق أربعا فغلط [ ص: 60 ] عليه السلطان فنزع منه ستا ; لأن أختيه من الرضاعة لم يكونا زوجتيه ، قيل لعبد الملك : فلم تزوجن ؟ قال : إذ لا يكون له إليهن سبيل ; لأنه أحلهن لمن نكحهن . قال : وإن كان خفي على الحاكم فإنه حكم قد فات ، وقيل : النكاح لم يفت ، فمن هناك رد عليه ، قال : وإذا تزوجت فهي مثل المطلقة لم تبلغها الرجعة ، فتزوجت وهي زوجة للأول ففاتت ومضى ذلك ، قال : ولو أسلم وعنده أختان من نسب أو رضاع أو امرأة وعمتها - كان ذلك كله كأنما عقده - وهو مسلم عقدا واحدا .

وقال أبو ثابت : قلت لابن القاسم : أرأيت الحربي أو الذمي يسلم وقد تزوج الأم والابنة في عقدة واحدة أو عقدتين فلم يبن بهما ، أله أن يحبس أيتهما شاء ويفارق الأخرى ؟ قال : نعم . قلت : وهذا قول مالك ، ؟ قال : نعم ، قال مالك : إلا أن يكون مسهما جميعا ، فإن مسهما جميعا فارقهما جميعا .

قال ابن القاسم : وإن مس واحدة ولم يمس الأخرى لم يكن له أن يختار التي لم يمس ، وامرأته هاهنا التي قد مس . قال : وأخبرني من أثق به عن ابن شهاب أنه قال في المجوسي يسلم وتحته الأم وابنتها أنه إن لم يكن أصاب واحدة منهما [ ص: 61 ] اختار أيتهما شاء ، وإن وطئ إحداهما أقام على التي وطئ وفارق الأخرى ، وإن مسهما جميعا فارقهما جميعا ولم تحل له واحدة منهما أبدا .

وقال ابن أبي أويس : قال مالك في الرجل ينكح المرأة المشركة وابنتها فدخل بهما ثم أسلم ويسلمان ، أنه يفرق بينهما وبينه ، ولا ينكح واحدة منهما أبدا .

قال إسماعيل : كل ملك لا يجوز لمسلم أن يستأنفه ، فإنه لا يجوز للذي أسلم أن يقيم عليه . قال : وحدثني أبو ثابت قال : حدثني عبد الله بن وهب قال : أخبرني ابن لهيعة عن ابن أبي حبيب أن مجوسيا أسلم وكان تحته امرأة وابنتها ، فكتب فيه عمر بن عبد العزيز أن له في النساء سعة ، ففرق بينهما وبينه ، ثم لا يرتجع منها شيئا .

قال عبد الله : وأخبرني أسامة بن زيد الليثي أن عدي بن أرطاة كتب إلى عمر بن عبد العزيز عن رجل من المجوس أسلم وعنده امرأة وابنتها أسلمتا معه ، فكتب إليه عمر أن يطلقهما جميعا ، وقال : لا أحب أن يمسك واحدة منهما وقد اطلع ذلك المطلع منهما .

[ ص: 62 ] وقال ابن أبي أويس : قال مالك في المشرك يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة أنه يختار منهن أربعا - ولا يبالي أوائل كن أو أواخر - هو في ذلك بالخيار .

قال مالك : وذلك أنه لو مات من الأوائل أربع أو أكثر أو أقل جاز له أن يحبس من الأواخر أربعا ، ولو كان كما يقول هؤلاء لم يصح أن يحبس الأواخر إذا مات الأوائل ; لأن نكاحهن فاسد في قولهم .

قال ابن نافع : وكان ابن أبي سلمة يقول : يحبس الأوائل . أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود ( ح ) وعبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قالا : حدثنا يحيى بن معين قال : حدثنا وهب بن جرير عن أبيه قال : سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي وهب الجيشاني ، عن الضحاك بن فيروز ، عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله ، إني أسلمت وتحتي أختان ، قال : طلق أيتهما شئت ورواه ابن وهب عن ابن لهيعة ، عن أبي وهب الجيشاني ، سمع الضحاك بن فيروز عن أبيه مثله سواء .

التالي السابق


الخدمات العلمية