واختلف أصحابنا وغيرهم في  
خبر الواحد العدل هل يوجب العلم والعمل جميعا  ، أم يوجب العمل دون العلم ؟ والذي عليه أكثر أهل العلم منهم : أنه يوجب العمل دون العلم ، وهو قول  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  وجمهور أهل الفقه والنظر ، ولا يوجب العلم عندهم إلا ما شهد به على الله ، وقطع العذر بمجيئه قطعا ، ولا خلاف فيه .   
[ ص: 8 ] وقال قوم كثير من أهل الأثر ، وبعض أهل النظر : إنه يوجب العلم الظاهر ، والعمل جميعا ، منهم  
 nindex.php?page=showalam&ids=15063الحسين الكرابيسي  ، وغيره ، وذكر  
ابن خواز بنداذ  أن هذا القول يخرج على مذهب  
مالك     .  
قال  
أبو عمر     : الذي نقول به : إنه يوجب العمل دون العلم كشهادة الشاهدين ، والأربعة سواء ، وعلى ذلك أكثر أهل الفقه والأثر ، وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات ، ويعادي ويوالي عليها ، ويجعلها شرعا ودينا في معتقده ، على ذلك جماعة أهل السنة ، ولهم في الأحكام ما ذكرنا ، وبالله توفيقنا .  
ولما أجمع أصحابنا على ما ذكرنا في المسند والمرسل ، واتفق سائر العلماء على ما وصفنا ; رأيت أن أجمع في كتابي هذا كل ما تضمنه موطأ  
 nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس  رحمه الله في رواية  
يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي  عنه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مسنده ، ومقطوعه ، ومرسله ، وكل ما يمكن إضافته إليه صلوات الله وسلامه عليه .  
ورتبت ذلك مراتب قدمت فيها المتصل ، ثم ما جرى مجراه مما اختلف في اتصاله ، ثم المنقطع والمرسل .   
[ ص: 9 ] وجعلته على حروف المعجم في أسماء شيوخ  
مالك  رحمهم الله ; ليكون أقرب للمتناول .  
ووصلت كل مقطوع جاء متصلا من غير رواية  
مالك  ، وكل مرسل جاء مسندا من غير طريقه رحمة الله عليه ، فيما بلغني علمه ، وصح بروايتي جمعه ; ليرى الناظر في كتابنا هذا موقع آثار الموطأ من الاشتهار ، والصحة ، واعتمدت في ذلك على نقل الأئمة ، وما رواه ثقات هذه الأمة .  
وذكرت من معاني الآثار ، وأحكامها المقصودة بظاهر الخطاب ما عول على مثله الفقهاء أولو الألباب .  
وجلبت من أقاويل العلماء في تأويلها ، وناسخها ومنسوخها ، وأحكامها ومعانيها ، ما يشتفي به القارئ الطالب ، ويبصره ، وينبه العالم ويذكره .  
وأتيت من الشواهد على المعاني والإسناد بما حضرني من الأثر ذكره ، وصحبني حفظه مما تعظم به فائدة الكتاب .  
وأشرت إلى شرح ما استعجم من الألفاظ ، مقتصرا على أقاويل أهل اللغة .  
وذكرت في صدر الكتاب من الأخبار الدالة على البحث عن صحة النقل ، وموضع المتصل والمرسل ، ومن أخبار  
مالك  رحمه الله ، وموضعه من الإمامة في علم الديانة ، ومكانه من الانتقاد والتوقي في الرواية ، ومنزلة موطئه عند جميع العلماء المؤلفين منهم والمخالفين ، نبذا يستدل بها اللبيب على المراد ، وتغني المقتصر عليها عن الازدياد .  
وأومأت إلى ذكر بعض أحوال الرواة ، وأنسابهم ، وأسنانهم ، ومنازلهم      
[ ص: 10 ] وذكرت من حفظت تاريخ وفاته منهم معتمدا في ذلك كله على الاختصار ، ضاربا عن التطويل والإكثار .  
والله أسأله العون على ما يرضاه ، ويزلف فيما قصدناه ، فلم نصل إلى شيء مما ذكرناه إلا بعونه وفضله لا شريك له ; فله الحمد كثيرا دائما على ما ألهمنا من العناية بخير الكتب بعد كتابه ، وعلى ما وهب لنا من التمسك بسنة رسوله  
محمد   صلى الله عليه وسلم ، وما توفيقي إلا بالله وهو حسبي ونعم الوكيل .