التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1619 [ ص: 115 ] حديث حادي عشر من مراسيل ابن شهاب .

مالك عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب نشد الناس بمنى من كان عنده علم من الدية أن يخبرني ، فقام الضحاك بن قيس الكلابي فقال : كتب إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها ، فقال له عمر : ادخل الخباء حتى آتيك ، فلما نزل عمر بن الخطاب أخبره الضحاك فقضى بذلك عمر بن الخطاب .

قال ابن شهاب : وكان قتل ابن أشيم خطأ .


[ ص: 116 ] هكذا روى هذا الحديث جماعة أصحاب مالك فيما علمت في الموطأ وغيره ، ورواه أصحاب ابن شهاب عنه عن سعيد بن المسيب ، وهو صحيح عن سعيد بن المسيب ، ورواية سعيد بن المسيب عن عمر قد تكلمنا فيها في غير هذا الموضع ، وأنها تجري مجرى المتصل وجائز الاحتجاج بها عندهم ; لأنه قد رآه ، وقد صحح بعض العلماء سماعه منه ، وولد سعيد بن المسيب لسنتين مضتا من خلافة عمر .

وقال سعيد : ما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقضية ولا أبو بكر ولا عمر إلا وأنا أحفظها ، وهذا الحديث عند جماعة أهل العلم صحيح معمول به غير مختلف فيه ، سنة مسنونة عندهم ، فأغنى ذلك عن الإكثار والبيان ، والله المستعان .

حدثني سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا الحميدي ( ح ) .

وحدثنا أحمد بن عبد الله قال : حدثنا الميمون بن حمزة قال : حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال : حدثنا المزني قال : حدثنا الشافعي ( ح ) .

[ ص: 117 ] وأخبرنا أحمد بن محمد قال : حدثنا وهب بن مسرة قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالوا : حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر كان يقول : الدية للعاقلة ، ولا ترث المرأة من دية زوجها ، حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورث امرأة أشيم من دية زوجها .

وأخبرنا خلف بن سعيد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري ، عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب قال : ما أرى الدية إلا للعصبة ; لأنهم يعقلون عنه ، فهل سمع أحد منكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيئا ؟ فقال الضحاك بن سفيان الكلابي وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمله على الأعراب : كتب إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها . فأخذ بذلك عمر .

[ ص: 118 ] وذكره عبد الرزاق أيضا ، عن ابن جريج عن الزهري ، عن ابن المسيب عن عمر مثله سواء وزاد فيه : وكان قتل أشيم خطأ . وهذا يحتمل أن يكون قوله " وكان قتل أشيم خطأ " من قول سعيد بن المسيب أيضا ، ويحتمل أن يكون من قول ابن شهاب كما قال مالك وهو المعروف من ابن شهاب إدخاله كلامه في الأحاديث كثيرا ، وهو الذي يشبه أن يكون من قول ابن شهاب كما قال مالك ، لا من قول سعيد .

وقد روي عن ابن المبارك عن مالك عن الزهري عن أنس قال : كان قتل أشيم خطأ ، وهو غريب من حديث مالك جدا .

حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن حيون قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان مشكدانة قال : حدثنا عبد الله بن المبارك عن مالك عن الزهري عن أنس قال : كان قتل أشيم خطأ ، هكذا رواه مشكدانة ، عن ابن المبارك عن مالك عن الزهري عن أنس .

[ ص: 119 ] ورواه حبان بن موسى ، عن ابن المبارك عن مالك عن الزهري ، قوله كما في الموطأ .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال : حدثنا هشيم ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب قال : جاءت امرأة إلى عمر تسأله أن يورثها من دية زوجها ، فقال : ما أعلم لك شيئا . فنشد الناس من كان عنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم فليقم ، فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال : كتب إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أورث امرأة أشيم من دية زوجها ، قال أبو إسحاق : ولم يسمعه هشيم من الزهري .

قال أبو عمر : هكذا في حديث ابن شهاب أن الضحاك بن سفيان أخبر بهذا الخبر عمر بن الخطاب ، وهذا بين في حديث مالك وهشيم وابن جريج وغيرهم في هذا الحديث ، وقال فيه ابن عيينة حتى كتب إليه الضحاك ، وهو عندي وهم ، وإنما الحديث : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى الضحاك ، لا أن الضحاك كتب ( بذلك ) إلى عمر ، ألا ترى إلى حديث مالك وغيره : فقال الضحاك حين نشدهم عمر وأخبر [ ص: 120 ] به عمر ، وقال له : ادخل الخباء حتى آتيك ، فلما نزل عمر أخبره الضحاك . وفي حديث غيره : من كان عنده علم فليقم ، فقام الضحاك ، وهذا كله يدل على أن ابن عيينة وهم في قوله : " حتى كتب إليه الضحاك " ، وأن الصحيح ما قاله مالك وغيره .

وقد روى زفر بن وثيمة عن المغيرة بن شعبة ، أن الذي أخبر بهذا الحديث عمر ، زرارة بن جزي رجل من الصحابة ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال : أخبرنا يوسف بن أحمد قال : حدثنا محمد بن عمرو بن موسى قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن الوليد الأنطاكي قال : حدثنا محمد بن المبارك الصوري قال : حدثنا صدقة بن خالد قال : حدثنا محمد بن عبد الله الشعيثي عن زفر بن وثيمة ، عن المغيرة بن شعبة أن زرارة بن جزي قال لعمر بن الخطاب إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته .

[ ص: 121 ] وهذا الحديث لا تقوم به الحجة ، وليس مما يعارض به حديث ابن شهاب ، وأصح ما في هذا الباب حديث ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب عن الضحاك بن سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وفيه من الفقه أن الرجل العالم الخير الجليل قد يخفى عليه من السنن والعلم ما يكون عند غيره ممن هو دونه في العلم ، وأخبار الآحاد علم خاصة لا ينكر أن يخفى منه الشيء على العالم وهو عند غيره .

وفيه أن القياس لا يستعمل مع وجود الخبر وصحته ، وأن الرأي لا مدخل له في العلم مع ثبوت السنة بخلافه ، ألا ترى عمر قد كان عنده في رأيه أن من يعقل يرث الدية ، فلما أخبره الضحاك بما أخبره رجع إليه وقضى به واطرح رأيه .

وفيه إثبات العمل بخبر الواحد ، وفيه ما يبين مذهب عمر في خبر الواحد أنه عنده مقبول معمول به ، وأن مراجعته لأبي موسى في حديث الاستئذان لم يكن إلا للاستظهار أو لغير ذلك من الوجوه التي قد بيناها في كتاب العلم فأغنى ذلك [ ص: 122 ] عن ذكرها هاهنا ، ولا خلاف بين الفقهاء والفراض في هذا الباب ، وجاء فيه عن الحسن البصري وحده أن الإخوة للأم والمرأة والزوج لا يرثون من الدية شيئا ، وروي مثل ذلك عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، وروي عنه أيضا أنه قال : قد ظلم من لم يورث بني الأم من الدية .

التالي السابق


الخدمات العلمية