التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1051 [ ص: 132 ] حديث ثالث عشر من مراسيل ابن شهاب .

مالك عن ابن شهاب أنه قال : ما نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه وعن أهل بيته إلا واحدة أو بقرة واحدة . قال : مالك : لا أدري أيتهما قال ابن شهاب ؟


هكذا رواه جماعة أصحاب مالك عنه في الموطأ وغيره إلا جويرية فإنه رواه عن مالك عن الزهري قال : أخبرني من لا أتهم عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : ما نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أهله إلا واحدة ، أو بقرة واحدة لا أدري أيتهما قالت .

حدثناه عن عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن عبيد قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال : حدثنا جويرية عن مالك فذكره .

[ ص: 133 ] أما سائر أصحاب ابن شهاب فاختلفوا في إسناده عنه ، فجعله أكثرهم عنه عن عمرة ، وجعله بعضهم عنه عن عروة عن عائشة ، فأما معمر فرواه عن الزهري ، عن عمرة ، عن عائشة قالت ما ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة واحدة ، هكذا ذكره عبد الرزاق .

ورواه ابن أخي الزهري عن عمه قال : حدثني من لا أتهم ، عن عمرة ، عن عائشة قالت : ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمن حج من أهله في حجة الوداع بقرة واحدة ، وأما يونس فذكر حديثه ابن وهب قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة .

ورواه الليث بن سعد عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال : بلغني : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة ، وكانت عمرة تحدث ذلك عن عائشة ، ورواية الليث عن يونس مع رواية ابن أخي الزهري تدل على أن ابن شهاب لم يسمعه من عمرة .

[ ص: 134 ] وحدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال : حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الواحد الحمصي قال : حدثنا سليمان بن سلمة أبو أيوب قال : حدثنا بقية ، عن الزبيدي ، عن الزهري ، عن عمرة ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى عمن حج معه من أهل بيته من بني هاشم ببقرة قال أبو أيوب : قلت لبقية : كم كانوا ؟ قال : عدد كثير .

هكذا قال يونس ومعمر والزبيدي بقرة ، لم يشكوا كما شك مالك في بدنة أو بقرة ، وكلهم جعله عن ابن شهاب ، عن عمرة ، عن عائشة .

وقد حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا عثمان بن عمر ، حدثنا يونس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحر عن أزواجه بقرة في حجة الوداع قال عثمان بن عمر : وجدته في كتابي في موضعين : في موضع عن عمرة عن عائشة ، وفي موضع عن عروة عن عائشة .

[ ص: 135 ] قال أبو عمر : الحديث لعمرة - والله أعلم - وإن كان الليث قد بين فيه عن يونس أنه لم يسمعه ابن شهاب من عمرة ، وكذلك رواية ابن أخي ابن شهاب صرحت بذلك أيضا ، وظاهر حديث يونس يدل على أن الزهري لم يسمعه من عمرة والله أعلم .

وقد روي هذا الحديث عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، حدثناه أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثني أبي قال : حدثنا محمد بن قاسم قال : حدثنا الحسن بن علي بن موسى البغدادي قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا عبد الملك بن محمد عن الأوزاعي عن الزهري قال : حدثني عروة عن عائشة قالت : ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمن اعتمر من نسائه بقرة .

هكذا حدث عبد الملك بن محمد الصنعاني ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، وغيره يقول : عن الزهري ، عن عمرة ، عن عائشة ، وعند الأوزاعي في هذا حديث آخر حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري قال : حدثنا محمد بن جعفر الدمشقي بدمشق قال : حدثنا يزيد بن محمد قال : حدثنا أبو مسهر [ ص: 136 ] قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذبح بقرة عن نسائه وكن متمتعات لم يسم عدتهن .

وحدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا عمرو بن عثمان قال : حدثنا الوليد عن الأوزاعي ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمن اعتمر معه من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن .

وحدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عمرو بن عثمان ومحمد بن مهران الرازي قالا : حدثنا الوليد عن الأوزاعي وذكره بإسناده وبمعناه سواء .

قال أبو عمر : حديث أبي هريرة هذا صحيح ثابت ومثله ما رواه ابن جريج وكلاهما يشهد بصحة رواية ابن شهاب هذه ، [ ص: 137 ] ويعضدها في قوله : " بقرة واحدة " ، ويعارض ظاهر حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذبح عن نسائه يومئذ البقر وظاهر حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحى عن نسائه بالبقر كل ذلك على لفظ الجمع ، كذلك رواه الثوري وابن عيينة وشعبة وحماد بن سلمة كلهم عن عبد الرحمن عن أبيه عن عائشة .

وأما ابن جريج فأرسله قال فيه عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع أباه يقول : أهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه في حجة الوداع بقرة بقرة عن كل امرأة ونحو ذلك هو عندي حديث مالك .

وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت : سمعت عائشة تقول : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخمس ( ليال ) بقين من ذي القعدة ، ولا نرى إلا أنه الحج فذكر الحديث ، وفيه قالت عائشة : فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر ، فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه .

[ ص: 138 ] قال يحيى : فذكرت ذلك للقاسم بن محمد فقال : أتتك والله بالحديث على وجهه ، وقد ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع ، عن ابن عمر قال : ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه البقر يومئذ ، يعني في حجة الوداع ، ففي هذه الأحاديث كلها ذكر البقر على لفظ الجمع ، وفي حديث ابن شهاب بقرة واحدة عن أزواجه ، وهو عندي تفسير حديث يحيى بن سعيد ; لأنه يحتمل أن يكون أراد بذكر البقر الجنس ، تقول : دخل علينا بلحم بقر ، أي لم يكن لحم إبل ولا غنم ، كما تقول : لحم بقر ، تنفي أن يكون غير بقري ، وهو من بقرة واحدة .

وإذا حمل الخبران على هذا لم يتدافعا ، وصح بذلك مذهب مالك في إجازته أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته بالبقرة الواحدة ، وفي معناها عنده الشاة الواحدة .

[ ص: 139 ] واختلف الفقهاء في الاشتراك في الهدي والضحايا فقال مالك : يجوز للرجل أن يذبح الشاة أو البقرة أو البدنة عن نفسه وعن أهل البيت ، وسواء كانوا سبعة أو أكثر من سبعة يشركهم فيها ، ولا يجوز أن يشتروها بينهم بالشركة فيذبحوها ، إنما يجزئ إذا تطوع عنهم ، ولا يجزئ عن الأجنبيين ، هذا كله قول مالك .

وقال الليث بن سعد مثله في البقر ، وأجاز مالك الاشتراك في الهدي التطوع على هذا الوجه ، ولا يجوز عنده الاشتراك في الهدي الواجب بحال ، لا في بدنة ولا في بقرة ، والحجة له فيما ذهب إليه من ذلك كله حديث ابن شهاب المذكور في هذا الباب ، وحديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشرك عليا في هديه عام حجة الوداع ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في بعض ضحاياه : هذه عني وعمن لم يضح من أمتي ، وهذا كله تطوع ليس باشتراك لازم على ما قال مالك رحمه الله .

وقال الشافعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابهم : يجوز الاشتراك في الهدي التطوع ، وفي الواجب ، وفي الضحايا .

[ ص: 140 ] البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة ، وهو قول أحمد بن حنبل وأبي ثور والطبري وداود بن علي ، ولا يجوز عند واحد منهم اشتراك أكثر من سبعة في بدنة ولا بقرة .

وأجمع أنه لا يجوز الاشتراك في الشاة لمن لزمه دم ، وحجة هؤلاء حديث جابر قال : كنا نتمتع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذبح البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة .

حدثنا عبد الله بن محمد الجهني قال : حدثنا حمزة بن محمد الكناني قال : حدثنا أحمد بن شعيب النسوي قال : أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا عبد الملك عن عطاء عن جابر قال كنا نتمتع فذكره ، وسنذكره بعد هذا في باب أبي الزبير من هذا المعنى ما فيه شفاء ; لأنه أولى بذلك من ذكره هاهنا .

وفي هذا الحديث أيضا جواز نحر البقر وذبحها ; لأن في بعض الروايات ذبح ، وفي بعضها نحر ، وهو لفظ حديث مالك ، وكان مالك يجيز ( نحر ) البقر ويستحب فيها الذبح لقول الله - عز وجل - : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة .

[ ص: 141 ] وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي إن نحرت البقرة كره ذلك وجاز ، وكذلك عندهم إن ذبح الجزور .

وقال مالك : إن ذبح الجزور من غير ضرورة ، أو نحرت الشاة من غير ضرورة ، لم تؤكل ، وكان الحسن بن حي يستحب نحر البقر ، وهو قول مجاهد ، وحجة من ذهب إلى هذا حديث أسماء : انتحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

تمت أحاديث ابن شهاب والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية