التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
668 [ ص: 26 ] حديث ثالث لمحمد بن يحيى بن حبان .

مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يومين : يوم الفطر ، ويوم الأضحى .


( قال أبو عمر ) : قد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب ابن شهاب عن أبي عبيد .

وصيام هذين اليومين لا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز على حال من الأحوال لا لمتطوع ولا لناذر ، ولا لقاض فرضا ، ولا لمتمتع لا يجد هديا ، ولا لأحد من الناس كلهم أن يصومهما ( وهو ) إجماع لا تنازع فيه ، فارتفع القول في ذلك ، وهما يومان حرام صيامهما فمن نذر صيام واحد منهما فقد نذر معصية ، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من نذر أن يعصي الله فلا يعصه ولو نذر ناذر صيام يوم بعينه أو ( صياما بعينه ) مثل صيام ستة بعينها ، وما كان مثل ذلك فوافق [ ص: 27 ] ذلك يوم فطر أو أضحى فأجمعوا أن لا يصومهما ، واختلفوا في قضائهما ففي ( أحد ) قولي الشافعي ، وزفر بن الهذيل ، وجماعة ليس عليه قضاؤهما ( وهو قول ابن كنانة صاحب مالك ) وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : يقضيهما ، وهو قول الحسن بن حي ، والأوزاعي ، وآخر قولي الشافعي ، وقد روي عن الأوزاعي أنه يقضيهما إلا أن ينوي أن لا يقضيهما ولا يصومهما ، واختلف قول مالك في ذلك على ثلاثة أوجه أحدها أنه يقضيهما ، والآخر أنه يقضيهما إلا أن يكون نوى أن لا يقضيهما ، والثالث أنه لا يقضيهما إلا أن يكون نوى أن يصومهما ، روى الرواية الأولى عنه ابن وهب ، والروايتين الأخريين ابن القاسم قال ابن وهب : قال مالك ، فيمن نذر أن يصوم ذا الحجة : فإنه يفطر يوم النحر ويومين بعده ويقضي ، وأما آخر أيام التشريق فإنه يصومه ، وروى ابن القاسم عن مالك فيمن نذر صيام سنة بعينها أنه يفطر يوم الفطر وأيام النحر ، ولا قضاء عليه إلا أن يكون نوى أن يصومها ، قال : ثم سئل بعد ذلك عمن أوجب صيام ذي الحجة فقال : يقضي أيام الذبح ، إلا أن يكون نوى أن لا قضاء لها قال ابن القاسم : قوله الأول أحب إلي أن لا قضاء عليه إلا أن ينوي أن يقضيه ، فأما آخر [ ص: 28 ] أيام التشريق الذي ليس فيه دم فإنه يصومه ، ولا يدعه ، وقال الليث بن سعد ، فيمن جعل على نفسه صيام سنة : أنه يصوم ثلاثة عشر شهرا لمكان رمضان ، ويومين لمكان الفطر والأضحى ، ويصوم أيام التشريق ، وقال : المرأة في ذلك مثل الرجل ، وتقضي أيام الحيض ، وروي عنه فيمن نذر صيام الإثنين والخميس يوافق ذلك الفطر والأضحى أنه يفطر ، ولا قضاء عليه ، وهذا خلاف الأول إلا أني أحسب أنه جعل الإثنين والخميس كمن نذر صيام سنة بعينها ، والجواب الأول في سنة بعينها ، والقياس أن لا قضاء في ذلك ; لأن من نذر صوم يوم بعينه أبدا لا يخلو أن يدخل يوم الفطر والأضحى في نذره أو لا يدخل ، فإن دخل في نذره فلا يلزمه ; لأن من قصد إلى نذر صومه لم يلزمه ، ونذر ذلك باطل ، فإن لم يدخل في نذره فهو أبعد من أن يجب عليه قضاؤه ، وعلى ما ذكرنا يسقط الاعتكاف عمن نذر يوم الفطر ويوم النحر عند من يقول لا اعتكاف إلا بصوم ، وقد اختلف عن مالك في هذه المسألة ، فروي عنه أنه إن اعتكف يجزئه ، وروي عنه أنه لا يعتكف ، ولا شيء عليه ; لأنه لا اعتكاف إلا بصوم ، وهو الصحيح على أصله ، وقال الشافعي : من [ ص: 29 ] نذر اعتكاف يوم الفطر ويوم النحر اعتكف ، ولم يصم وأجزأه ، وهو قول كل من يرى الاعتكاف جائزا بغير صوم ، وقال محمد بن الحسن : يعتكف يوما مكانه إذا جعل ذلك على نفسه ، ويكفر ( مكانه ) عن يمينه إن أراد يمينا .

وقد مضى القول في صيام أيام التشريق في باب مرسل ابن شهاب في هذا الكتاب ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية