التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1848 [ ص: 49 ] مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن بلال بن الحارث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه


( قال أبو عمر ) هكذا روى هذا الحديث جماعة الرواة للموطأ ، وغير مالك يقول في هذا الحديث : عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده عن بلال بن الحارث ، فهو في رواية مالك غير متصل ، وفي رواية من قال عن أبيه عن جده متصل مسند ، وقد تابع مالكا على مثل روايته عن محمد بن عمرو عن أبيه ( الليث بن سعد ، وابن لهيعة روياه عن ابن عجلان ، عن محمد بن عمرو عن أبيه ) عن بلال بن الحارث لم يقولا عن جده ، ورواه الداروردي ، وسفيان بن عيينة ، ومعاذ بن ( معاذ ) ، وأبو معاوية الضرير ، وسعيد بن عامر ، ويزيد بن هارون ، ومحمد بن بشر ، وعبد الرحمن المحاربي [ ص: 50 ] ومحمد ويعلى ابنا عبيد ، عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده عن بلال بن الحارث ( وتابعهم حيويه بن شريح عن ابن عجلان عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده ) ، وتابعهم أيضا شيخ يكنى أبا سفيان : عبد الرحمن بن عبد ربه اليشكري عن مالك عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده ، ورواه الثوري ، وموسى بن عقبة عن محمد بن عمرو عن جده علقمة بن وقاص لم يقولا عن أبيه ، وقال حماد بن سلمة : عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص ، والقول عندي فيه ، والله أعلم ، قول من قال عن أبيه عن جده ، وإليه مال الدارقطني رحمه الله ) .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا محمد بن بشر قال : حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثني أبي عن أبيه علقمة بن وقاص قال : مر به رجل له شرف ، فقال له علقمة : إن لك رحما ، وإن لك لحقا ، وإني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء ، وتكلم عندهم بما شاء الله أن تكلم ، وإني سمعت بلال بن الحارث صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إن الرجل ليتكلم [ ص: 51 ] بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت ، فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه قال علقمة : فانظر ، ويحك ماذا تقول وماذا تكلم ، فرب كلام قد منعني ( أن ) أتكلم به ما سمعت من بلال بن الحارث .

قال أبو عمر : لا أعلم خلافا في قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث : إن الرجل ليتكلم بالكلمة ، إنها الكلمة ، عند السلطان الجائر الظالم ليرضيه بها فيما يسخط الله عز وجل ، ويزين له باطلا يريده من إراقة دم أو ظلم مسلم ، ونحو ذلك مما ينحط به في حبل هواه ، فيبعد من الله ، وينال سخطه ، وكذلك الكلمة التي يرضي بها الله عز وجل عند السلطان ليصرفه عن هواه ، وبكفه عن معصية يريدها ، يبلغ بها أيضا من الله رضوانا لا يحسبه ، والله أعلم .

وهكذا فسره ابن عيينة وغيره ، وذلك بين في هذه الرواية وغيرها .

وجدت في سماع أبي بخطه أن محمد بن أحمد بن قاسم بن هلال حدثهم قال : حدثنا سعيد بن عثمان قال : حدثنا نصر بن مرزوق قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه [ ص: 52 ] عن جده عن بلال بن الحارث قال : إنكم تدخلون على هؤلاء الأمراء ، وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه ، وبه عن أسد قال : حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص قال : كان علقمة يدخل على الأمراء ثم جلس عنهم ، فقيل له ما يجلسك عنهم ؟ قال : حدثني بلال بن الحارث قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت ، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت ، فيكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه هكذا قال حماد بن سلمة في هذا الحديث عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم التيمي ، وهو عندي وهم ، والله أعلم ، والصحيح ما قالته الجماعة عن محمد بن عمرو عن أبيه .

حدثنا أحمد بن فتح بن عبد الله قال : حدثنا حمزة بن محمد قال : حدثنا محمد بن يحيى بن الحسين قال : حدثنا [ ص: 53 ] عبيد الله بن محمد العيشي قال : حدثنا حماد بن سلمة عن أبي غالب عن أبي أمامة أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الجمرة أي الجهاد أفضل ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أفضل الجهاد من قال كلمة حق عند ذي سلطان جائر .

حدثنا قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعيد قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن قاسم ، قال : حدثنا بقي بن مخلد قال : حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني قال : حدثني أبي قال : حدثنا عروة بن رؤيم اللخمي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ بر ، أو قال كلمة معناها ، أو إقالة عثرة أعانه الله على جواز الصراط يوم القيامة عند دحض الأقدام ، وبه عن بقي بن مخلد قال : حدثنا محمد بن المثنى أبو موسى قال : حدثنا سهل بن حماد قال : حدثنا المختار بن نافع عن أبي حيان [ ص: 54 ] عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحم الله عمر تركه الحق ليس له صديق .

حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا صالح بن عبيد قال : سمعت ابن مهدي يقول : عن حماد بن زيد قال ابن عون : كان الرجل يفر بما عنده من الأمراء جهده فإذا أخذ لم يجد بدا .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن عبد السلام قال : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه وأخبرنا عبد الرحمن بن مروان قال : حدثنا الحسن ( بن ) محمد بن يحيى القلزمي قال : حدثنا أبو سعيد حاتم بن الحسن الشاشي بمكة قال : حدثنا أبو حاتم أحمد بن زرعة قال : حدثنا الحسن بن رشيد قال : حدثنا أبو مقاتل عن أبي حنيفة عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله [ ص: 55 ] صلى الله عليه وسلم : أكرم الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب ، ثم رجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ( وروي من حديث إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر مثله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سيد الشهداء حمزة ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره أو نهاه فقتله ( وروى ابن أبي نعيم قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول : وفد الشيطان قوم يأتون هؤلاء الأمراء فيمشون إليهم بالنميمة ، والكذب فيعطون على ذلك العطايا ، ويجازون الجوائز ) قرأت على قاسم بن محمد أن خالد بن سعيد حدثهم قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا عبيد الله بن الوليد الرصافي قال : قلت لعطاء : أخ له صاحب سلطان يكتب ما يدخل ( ويخرج ) أمين على ذلك ، إن ترك قلمه صار عليه دين ، وإن أخذ بقلمه كان له غنى ولعياله قال : الرأس من ؟ قلت : خالد بن عبد الله قال : أو ما تقرأ هذه الآية ( رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ) صاحب القلم عون لهم ، ومن أقل من صاحب قلم ( عون لهم ) ليرم بقلمه فإن الله آتيه [ ص: 56 ] بغنى أو رزق ، وروينا عن رجاء بن حيوة قال : كنت ، واقفا بباب سليمان بن عبد الملك فأتاني آت لم أره قبل ولا بعد ، فقال : يا رجاء : إنك قد بليت بهذا ( أو بلي ) بك ، وفي دنوك منه فساد دينك ، يا رجاء : فعليك بالمعروف ، وعون الضعيف ، يا رجاء : إنه من رفع حاجة لضعيف إلى سلطان لا يقدر على رفعها ثبت الله قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ، وهذا فيه حديث مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حدثنا أبو القاسم خلف بن القاسم بن سهل قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن صالح بن عمر المقرئ قال : حدثنا عبد الله بن سليمان أبو بكر الخراساني قال : حدثنا عبد الله بن صالح المصري قال : حدثنا يحيى بن حسان قال : حدثنا الوليد بن رباح الذماري قال : حدثني عمي نمران بن عبيد الذماري عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 57 ] من رفع حاجة ضعيف إلى سلطان لا يستطيع رفعها ( إليه ) ثبت الله قدميه أو قال : قدمه - على الصراط .

حدثنا خلف بن سعيد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : ( حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر عن أبي إسحاق عمارة بن عبد الله عن حذيفة قال : إياكم ومواقف الفتن قيل : وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله ؟ قال أبواب الأمراء ، يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ، ويقول له ما ليس فيه . قال : وأخبرنا معمر عن قتادة أن ابن مسعود ( قال ) : إن على أبواب السلطان فتنا كمبارك الإبل ، والذي نفسي بيده لا تصيبون من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينكم مثله . حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا الحسن بن رشيق ، وحدثنا أحمد بن فتح قال : حدثنا حمزة بن محمد قالا : حدثنا علي بن معبد بن بشر الرازي قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن خلف العنبري قال : حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن العيزار قال : كان مطرف بن عبد الله بن الشخير يقول : اللهم إني أعوذ بك من [ ص: 58 ] أن أقول شيئا من الحق أريد به سواك ، وأعوذ بك من ضر ينزل بي يضطرني إلى معصيتك ، وأعوذ بك أن تزين لي شيئا من شأني يشينني عندك ، وأعوذ بك أن يكون غيري أسعد بما أعطيتني مني ، وأعوذ بك أن أكون عبرة للناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية