التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
966 [ ص: 64 ] حديث ثان لمحمد بن عمرو بن حلحلة .

مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمران الأنصاري عن أبيه أنه قال : عدل إلي عبد الله بن عمر ، وأنا نازل تحت سرحة بطريق مكة ، فقال : ما أنزلك تحت هذه السرحة ؟ فقلت : أردت ظلها ، فقال : هل غير ذلك ؟ فقلت : لا ما أنزلني إلا ذلك ، فقال ابن عمر : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كنت بين الأخشبين من منى ، ونفخ بيده نحو المشرق فإن هناك واديا يقال له السرر ، به شجرة سر تحتها سبعون نبيا .


( قال أبو عمر : ) لا أعرف محمد بن عمران هذا إلا بهذا الحديث ، وإن لم يكن أبوه عمران بن حبان الأنصاري أو عمران بن سوادة فلا أدري من هو ؟ وحديثه هذا مدني ، وحسبك بذكر مالك له في كتابه ، أما قوله ، وأنا نازل تحت سرحة فالسرحة الشجرة ، قال الخليل : السرح الشجر الطوال الذي له شعب وظل ، واحدتها سرحة ( قال حميد بن ثور [ ص: 65 ] أبى الله إلا أن سرحة مالك على كل أفنان العضاه تروق ، وقد ذكره أبو ذؤيب الهذلي في شعره ، فقال :


ألكني إليها ، وخير الرسول أعلمهم بنواحي الخبر     بآية ما وقفت والركا
ب بين الحجون وبين السرر     فقال تبررت في أمرنا
وما كنت فينا حديثا ببر

.

قال الأصمعي : السرر على أربعة أميال من مكة عن يمين الجبل ، كان عبد الصمد بن علي قد بنى عليه مسجدا ) وأما قوله : نفخ بيده ، فالنفخ هاهنا الإشارة بيده كأنه يقول : رمى بيده نحو المشرق ، أي مدها وأشار بها ، والسرر اسم الوادي ، والأخشبان الجبلان .

قال ابن وهب : في قوله : إذا كنت بين الأخشبين من منى ، قال : يعني الجبلين اللذين تحت العقبة بمنى فوق المسجد [ ص: 66 ] قال أبو عمر : الأخاشب الجبال . أنشد ابن هشام لأبي قيسر بن الأسلت .


فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا     بأركان هذا البيت بين الأخاشب

.

( ويقال : إن الأخاشب اسم لجبال مكة ، ومنى خاصة ) ( قال الخليل : ) قال إسماعيل بن يسار النسائي :


ولعمر من حبس الهدي له     بالأخشبين صبيحة النحر

.

وقال العامري في بيعة ابن الزبير :


يبايع بين الأخشبين وإنما     يد الله بين الأخشبين تبايع

.

وأما قوله : سر تحتها سبعون نبيا ، ففيه قولان : أحدهما : أنهم بشروا تحتها بما سرهم ، واحدا بعد واحد أو مجتمعين أو نبئوا تحتها ، فسروا من السرور ، والقول الآخر أنها قطعت [ ص: 67 ] تحتها سررهم ، يعني ولدوا تحتها يقال : قد سر العربي إذا قطعت سرته .

وفي ( هذا ) الحديث دليل على التبرك بمواضع الأنبياء والصالحين ومقاماتهم ومساكنهم ، وإلى هذا قصد عبد الله بن عمر بحديثه هذا ، والله أعلم .

وليس في هذا الحديث حكم من الأحكام .

وفيه الحديث عن بني إسرائيل ، والخبر عن الماضين ، وإباحة الخوض في أخبارهم ، والتحدث بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية