التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
47 [ ص: 102 ] [ ص: 103 ] محمد بن عمارة الحزمي الأنصاري . لمالك عنه حديث واحد من المسند ، وهو محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم الأنصاري .

مالك عن محمد بن عمارة ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إني امرأة أطيل ذيلي ، وأمشي في المكان القذر فقالت أم سلمة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطهره ما بعده


( قال أبو عمر : ) ( هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت ، وقد رواه الحسين بن الوليد ، عن [ ص: 104 ] مالك فأخطأ فيه . حدثناه خلف بن القاسم : حدثنا الحسن بن رشيق : حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا أحمد بن نصر : حدثنا الحسين بن الوليد : حدثنا مالك عن محمد بن عمارة ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن حميدة أنها سألت عائشة ، فقالت : إني امرأة أطيل ذيلي ، وأمر بالمكان القذر ، فقالت : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال : يطهره ما بعده ، هذا خطأ ، وإنما هو لأم سلمة لا لعائشة ، وكذلك رواه الحفاظ في الموطأ وغير الموطأ عن مالك . ورواه إسحاق بن سليمان الرازي عن مالك ( عن محمد بن عمارة ) عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لهود بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وهذا خطأ ، والصواب ما في الموطأ ، والله أعلم ) . حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقري ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة ببغداد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا خلف بن هشام البزار سنة ست وعشرين ومائتين قال : قيل لمالك بن أنس ، وأنا أسمع : أحدثك محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إني امرأة أطيل ذيلي ، وأمشي في القذر فقالت : قال رسول [ ص: 105 ] الله - صلى الله عليه وسلم - يطهره ما بعده ؟ قال خلف : قال مالك : نعم . ( في هذا الحديث : أن من سنة المرأة في لبستها أن تطيل ذيلها فلا تنكشف قدماها ; لأنهن كن لا يلبسن الخفين ، والله أعلم ; لأن المرأة أخبرت بأنها تطيل ذيلها فلم ينكر ذلك عليها ، وفي حديث مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن صفية عن أم سلمة : أن المقدار الذي لا تزيد عليه في ذلك ذراع ، وقد مضى القول في قدم المرأة ، هل هي عورة أم لا ؟ في باب ابن شهاب ، وجر المرأة ذيلها معروف مشهور ، قال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في أبيات له :

كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول

) . اختلف الفقهاء في طهارة الذيل على المعنى المذكور في هذا الحديث ، فقال مالك : معناه في القشب اليابس ، والقذر الجاف الذي لا يتعلق منه بالثوب شيء ، فإذا كان هكذا كان ما بعده من المواضع الطاهرة حينئذ تطهيرا له ، وهذا عنده ليس تطهيرا من نجاسة ; لأن النجاسة عنده لا يطهرها إلا الماء ، وإنما هو تنظيف ; لأن القشب اليابس ليس ينجس ما مسه ، ألا ترى أن المسلمين مجمعون على أن ما سفت الريح من يابس القشب ، والعذرات التي قد صارت غبارا على ثياب الناس ووجوههم لا يراعون ذلك ، ولا يأمرون بغسله ، ولا يغسلونه ; لأنه يابس ، وإنما النجاسة الواجب غسلها ما لصق منها وتعلق بالثوب وبالبدن [ ص: 106 ] فعلى هذا المحمل حمل مالك ، وأصحابه حديث طهارة ذيل المرأة ، وأصلهم أن النجاسة لا يزيلها إلا الماء ، وهو قول زفر بن الهذيل ، والشافعي وأصحابه ، وأحمد وغيره أن النجاسة لا يطهرها إلا الماء ; لأن الله تعالى سماه طهورا ، ولم يقل ذلك في غيره . قال أبو بكر الأثرم : سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل سئل عن حديث أم سلمة يطهره ما بعده ، قال : ليس هذا عندي على أنه أصابه بول فمر بعده على الأرض أنها تطهره ، ولكنه بالمكان يتقذره فيمر بمكان أطيب منه فيطهره هذا ذلك ، ليس على أنه يصيبه شيء . وقال أبو حنيفة : يجوز غسل النجاسة بغير الماء ، وكل ما زال به عينها فقد طهرها ، وهو قول داود وبه قال جماعة من التابعين ، ومن حجتهم الحديث المذكور في هذا الباب في ذيل المرأة . ومن حجتهم أيضا ما حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن عبد الله النفيلي ، وأحمد بن يونس قالا : حدثنا زهير قال : حدثنا عبد الله بن عيسى ، عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن امرأة من بني عبد الأشهل ، قالت : قلت : يا رسول الله ، إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة ، فكيف نفعل إذا مطرنا أو تطهرنا ؟ قال : أليس بعدها طريق أطيب منها ؟ قالت : قلت : بلى قال : فهذه بهذه . [ ص: 107 ] وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا شريك ، عن عبد الله بن عيسى ، عن موسى بن عبد الله بن يزيد ، عن امرأة من بني عبد الأشهل أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن بيني وبين المسجد طريقا قذرا ، قال : فبعدها طريق أنظف منها ؟ قالت : نعم قال : فهذه بهذه . ومن حجتهم أيضا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وطئ أحدكم بخفيه - أو قال بنعليه - في الأذى فطهورهما التراب - أو قال التراب لهما طهور - وهو حديث مضطرب الإسناد ، لا يثبت ، اختلف في إسناده على الأوزاعي ، وعلى سعيد بن أبي سعيد اختلافا يسقط الاحتجاج به . ومن حجتهم أيضا قول عبد الله بن مسعود كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نتوضأ من موطئ . وهذا أيضا محتمل للتأويل ليس فيه حجة ، ويلزم داود على أصله أن النجاسة المجتمع عليها لا يحكم بزوالها ، ولا بطهارة موضعها إلا بإجماع ، ولا إجماع في هذه المسألة إلا بما قاله مالك ، والشافعي من الماء الذي جعله الله طهورا ، وخصه بذلك [ ص: 108 ] فهذا وجه النظر عندي في هذه المسألة ، وبالله التوفيق ، والعصمة ، ومن هذا الباب أيضا الأرض تصيبها النجاسة ، هل يتيمم عليها أو يصلى إذا ذهب أثر النجاسة من غير أن تطهر بالماء ؟ فإن العلماء اختلفوا في ذلك ، فقال مالك والشافعي وأصحابهما ، وهو قول زفر : لا يطهرها إلا الماء إذا علم بنجاستها ، وهي عندهم محمولة على الطهارة حتى يستيقن بنجاستها فإذا استوقفت النجاسة فيها لن يطهرها إلا الماء . ولا تجوز الصلاة عليها ، ولا التيمم ، إلا أن مالكا قال : من تيمم عليها أو صلى أعاد في الوقت ، وقد قال : يعيد أبدا . وكذلك اختلف أصحابه فمنهم من قال : يعيد أبدا من تيمم على موضع نجس ، ومنهم من قال : يعيد في الوقت لا غير . ( هذا إنما هو في نجاسة لم تظهر في التراب ، وفيما لم تغيره النجاسة ، وأما من تيمم على نجاسة يراها أو توضأ بماء تغيرت أوصافه أو بعضها بنجاسة فإنه يعيد أبدا ، وكذلك عند جمهور أصحاب مالك من تعمد الصلاة بالثوب النجس أبدا ) ولم يختلف قول مالك ، وأصحابه فيمن صلى بثوب نجس أو على موضع نجس ساهيا أنه يعيد صلاته ما دام في الوقت ، واختلفوا فيمن صلى عامدا على ثوب نجس ، فقال ابن القاسم : يعيد أبدا ، وقال أشهب : [ ص: 109 ] لا يعيد إلا في الوقت ; لأن وجوب غسل النجاسة عندهم بالسنة لحديث ( أسماء ) ، ومثله في غسل النجاسة لقول الله تبارك وتعالى " وثيابك فطهر " ليستدرك فضل السنة في الوقت ، واختلف قولهم فيمن تيمم على موضع نجس ، فقال أكثرهم : يعيد في الوقت ، وبعده لقول الله عز وجل فتيمموا صعيدا طيبا يعني طاهرا ، وقال بعضهم : إلا في الوقت ، وهو قول أشهب قياسا على من صلى بثوب نجس ) ليستدرك فضل السنة في الوقت ، فإذا خرج الوقت لم يستدرك ( بذلك ) ألا ترى أن إعادة الصلاة في جماعة سنة لمن صلى وحده ، فلو أن رجلا صلى وحده في الوقت ، ثم وجد جماعة يصلون تلك الصلاة بعد خروج الوقت لم يؤمر بالدخول معهم ، ولو كانوا يجمعون في وقت تلك الصلاة ، وأقيمت عليه لأمر بالدخول معهم ; ليستدرك فضل السنة في الوقت ، ولا يومر بذلك بعد خروج الوقت . وقال الشافعي وزفر ، والطبري ، وأحمد بن حنبل : يعيد في الوقت وبعده من تيمم على نجس ، أو صلى عليه ، أو بثوب نجس ، وأكثر علماء التابعين بالمدينة ، وغيرها لا يرون إعادة على من صلى بثوب نجس في وقت ولا غيره ، وقد [ ص: 110 ] ذكرناهم في باب هشام ( بن عروة ) ، وقول ربيعة في ذلك كقول مالك : يعيد في الوقت . وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إذا يبست الأرض ، وذهب منها أثر النجاسة جازت الصلاة عليها ، وأما التيمم فلا يتيمم عليها ألبتة . وقال الثوري : إذا جف فلا بأس بالصلاة عليه ، وقال الحسن بن حي : لا يصلي عليه حتى يغسله وإن صلى قبل ذلك لم يجزه ، وقال الشافعي : إذا بال الرجل في موضع من الأرض صب عليه ذنوب من الماء ، وإن بال اثنان لم يطهره إلا ذنوبان ، قال : ولو أشكل عليه الموضع النجس من الأرض تيمم ، وليس عليه أن يتحرى . قال أبو عمر : اختلافهم في قدر النجاسة الذي يجب غسله من الأرض أو الثوب ، وفي الخف يصيبه الروث أو البول ، وفي إعادة الصلاة لمن صلى بثوب نجس أو على موضع نجس ، وفي الثوب تصيبه النجاسة يخفى مكانها يطول ذكره ، وسنذكر ذلك في مواضع من كتابنا هذا إن شاء الله . ومن حجة من رأى الأرض تطهر إذا يبست ما حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب ، قال : حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر ، قال : قال ابن عمر : كنت أبيت في المسجد [ ص: 111 ] على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكنت فتى شابا عزبا ، وكانت الكلاب تبول ، وتقبل وتدبر في المسجد ، فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك . قال أبو عمر : روى عبيد الله بن عمر ، وغيره عن نافع عن ابن عمر مبيته في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يذكر إقبال الكلاب ولا إدبارها ، وبولها في المسجد ، ولم يذكر إلا مبيته خاصة . ومن حجة من قال : إن الأرض لا يطهرها إلا الماء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بصب ذنوب من ماء على بول الأعرابي ، ولو طهرها يبسها لتركها - والله أعلم - حتى تيبس ، ومما يدل على أن الثوب ( ينجس ) إذا باشر النجاسة الرطبة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسماء بغسل دم المحيض من ثوبها ، وسيأتي حديثها في موضعه من كتابنا هذا ، وذلك في باب هشام بن عروة ، ونذكر هناك ما للعلماء في ذلك من المذاهب والأقوال والآثار والاعتلال ( إن شاء الله تعالى ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية