التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1305 [ ص: 134 ] حديث ثان لأبي الرجال .

مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن النعمان ، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة .


قال أبو عمر ، لا خلاف عن مالك فيما علمت في إرسال هذا الحديث ، وقد روي مسندا من هذا الوجه وغيره .

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال : حدثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت ، عن أبي الرجال عن أمه عمرة عن عائشة قالت : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمر حتى ينجو من العاهة : حدثنا أحمد بن محمد قال : حدثنا أحمد بن الفضل ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن منير قال : حدثنا هاشم بن [ ص: 135 ] يونس ، قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا الليث قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة ، قال ابن سراقة : فسألت عبد الله بن عمر متى ذلك ؟ قال : طلوع الثريا .

وقد روى أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا اللفظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى تذهب عاهتها من حديث ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد ، وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وجوه كثيرة كلها صحاح ثابتة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ، وحتى تزهي ، وحتى تحمر ، وحتى تطعم ، وحتى تخرج من العاهة ألفاظ كلها محفوظة ، ومعناها واحد .

والمعنى فيها أن تنجو من العاهة ، وهي الجائحة في الأغلب ; لأن الثمار إذا بدا صلاحها نجت من العاهة جملة واحدة [ ص: 136 ] ولكنها إذا بدا طيبها كان أقرب إلى سلامتها ، وقلما يكون سقوط ما يسقط منها إلا قبل ذلك .

ثم ما اعتراها من جائحة من السماء أو غيرها فقد مضى القول في ذلك كله ، واختلاف العلماء فيه ، في باب حميد الطويل من كتابنا هذا ، فلا حاجة إلى إعادته هاهنا .

وقد روى وهيب بن خالد عن عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول - صلى الله عليه وسلم - : إذا طلعت الثريا صباحا رفعت العاهة عن أهل البلد . وقد ذكرنا هذا الخبر ، ومضى القول فيه في باب حميد الطويل ، والحمد لله . وطلوع الثريا صباحا لاثنتي عشرة ليلة تمضي من شهر أيار ، وهو شهر مايه .

وفي هذا الحديث مع قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث حميد عن أنس أرأيت إن منع الله الثمرة ، فيم يأخذ أحدكم مال أخيه ؟ دليل واضح على جواز بيع الثمار كلها قبل بدو صلاحها على القطع في الوقت ; لأنها إذا قطعت في الوقت أمنت فيها العاهة ، ولم يمنع الله المشتري شيئا أراده .

ومن هذا جواز بيع القصيل وشبهه على القطع ، وهذا أمر لم يختلف فيه ، قال مالك : لا يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها إلا [ ص: 137 ] على القطع ، وكذلك القصيل ، وهو قول ابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي والشافعي ، فقال مالك والشافعي : فإذا اشترى الثمرة بعد بدو صلاحها ، فسواء اشترط تبقيتها أو لم يشترط ، البيع صحيح ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : يجوز بيع الثمار قبل بدو الصلاح ، وبعد بدو الصلاح إذا لم يشترط التبقية والقطع ، ولكن باعها وسكت ، وإن اشترط تبقيتها فسد العقد سواء باعها قبل بدو الصلاح أو بعده ، وقال محمد بن الحسن : إذا تناهى عظمه فشرط تركه جاز استحسانا .

قال أبو عمر : جعل أبو حنيفة قوله - صلى الله عليه وسلم - حتى تنجو من العاهة ردا لقوله حتى يبدو صلاحها فقال ما ذكرنا ، واحتج أيضا بالنهي عن بيع الغرر ، وجعل مالك وجمهور الفقهاء ذلك كله معنى واحدا ، وحملوه على الأغلب في أنها تسلم حينئذ ( في الأغلب ) ، والله أعلم .

والحجة لمالك والشافعي ، ومن قال بقولهما عموم قوله عز وجل ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) مع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : حتى يبدو صلاحها ، وحتى غاية يقتضي هذا القول أنه إذا بدا صلاحها جاز بيعها جوازا مطلقا سواء شرط التبقية أو لم يشترط ، والله أعلم .

وقد سئل عثمان البتي عن بيع الثمر قبل أن يزهي ، فقال : لولا ما قال الناس فيه ما رأيت به بأسا .

التالي السابق


الخدمات العلمية