التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
358 [ ص: 184 ] حديث ثان لموسى بن ميسرة .

مالك عن موسى بن ميسرة عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب أن أم هانئ بنت أبي طالب أخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى عام الفتح ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد


قال أبو عمر : أبو مرة هذا قيل اسمه يزيد ، ويقال : هو مولى أم هانئ ، والصحيح أنه مولى عقيل بن أبي طالب ، كما قال مالك عن أبي النضر ، وموسى بن ميسرة ، وأما أم هانئ فقد ذكرناها في الصحابة بما يغني عن ذكرها هاهنا ، وذكر بعض من ذهب مذهب العراقيين في أن صلاة النهار جائز أن تكون أربعا وستا وثمانيا وأكثر ، لا يسلم إلا في آخرهن أن حديث أم هانئ هذا في صلاته عليه السلام صلاة [ ص: 185 ] الضحى يشهد له ; لأنه ليس فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلم في شيء منها إلا في آخرها . قال أبو عمر : وليس له فيما ذكر من ذلك حجة ; لأنه حديث مجمل يفسره غيره ، وقد روى علي الأزدي البارقي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : صلاة الليل ، والنهار مثنى مثنى وبه كان يفتي ابن عمر . ذكر مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول صلاة الليل ، والنهار مثنى مثنى ، ومثنى ومثنى يقتضي الجلوس ، والسلام في كل ركعتين ، ومما يدل على أن صلاة النهار ركعتين ركعتين كصلاة الليل سواء قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل أحدكم المسجد فليصل ركعتين ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل الظهر ركعتين ، وبعده ركعتين ، وقبل الفجر ركعتين ، وأنه كان إذا قدم من سفر صلى ركعتين ، وعلى هذا القول جماعة فقهاء الحجاز ، وإليه ذهب مالك والشافعي ، وبه قال أحمد بن حنبل ، واحتج بنحو ما ذكرنا ، وكان يحيى بن معين يخالف أحمد في حديث علي الأزدي ، ويضعفه ، ولا يحتج به ، ويذهب مذهب الكوفيين في هذه المسألة ، [ ص: 186 ] ويقول : إن نافعا ، وعبد الله بن دينار ، وجماعة رووا هذا الحديث عن ابن عمر لم يذكروا فيه والنهار . قال أبو عمر : مذهب أحمد مع أنه مذهب الحجازيين أولى ; لأن ابن عمر روى هذا الحديث ، وفهم مخرجه ، وكان يقول بأن صلاة الليل ، والنهار مثنى مثنى ، ولم يكن ابن عمر ليخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو فهم أن صلاة النهار بخلاف صلاة الليل في ذلك ، وبالله التوفيق ، وقد روى الليث عن عبد الله بن سعيد عن عمران بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث عن الفضل بن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الصلاة مثنى مثنى ولم يخص ليلا من نهار ، ولكنه إسناد مضطرب ضعيف لا يحتج بمثله ( رواه شعبة على خلاف ما رواه الليث ، وقد ذكرناه في باب نافع ، والحمد لله ) ، وروى ابن وهب عن أم هانئ هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الضحى ثماني ركعات أنه كان يسلم في كل اثنتين منها ، وهذا إسناد احتج به أحمد بن حنبل . قال أبو بكر الأثرم : قيل لأبي عبد الله بن حنبل : [ ص: 187 ] أليس قد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى قبل الظهر أربعا ؟ فقال : وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى ثماني ركعات ، أفتراه لم يسلم فيها ؟ ( قال أبو عبد الله : ) هذا حديث أم هانئ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى ثماني ركعات ، حديث ثبت قال أبو بكر : روي حديث أم هانئ من وجوه لم يذكر فيها التسليم ، ثم وجدته مفسرا على ما تأوله أبو عبد الله : حدثنا علي بن أحمد بن القاسم الباهلي قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني عياض يعني ابن عبد الله الفهري بن سليمان عن كريب عن ابن عباس عن أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى ثماني ركعات سلم من كل ركعتين ، وهذا يدل على أن قوله - صلى الله عليه وسلم - مثنى مثنى خرج على جواب السائل عن صلاة الليل فقيل له مثنى مثنى ، ولو سأل عن صلاة النهار احتمل أن يقال له كذلك أيضا ، ويدل أيضا على أن زيادة علي الأزدي عن ابن عمر غير مرفوعة ، وحسبك بفتوى ابن عمر الذي روى الحديث ، ومن روى شيئا سلم له في تأويله ; لأنه شهد مخرجه وفحواه .

[ ص: 188 ] وأما صلاة الضحى ، واختلاف الآثار فيها ، وما للعلماء في ذلك كله فقد تقصيناه في باب ابن شهاب عن عروة من كتابنا هذا ، فلا وجه لإعادته هاهنا ، وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا عمرو بن مرزوق قال : أنبأنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صلاة الليل والنهار مثنى مثنى . قال أبو عمر : روى سالم ، ونافع ، وعبد الله بن دينار ، وأبو سلمة ، وطاوس ، وعبد الله بن شقيق ، ومحمد بن سيرين كلهم عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : صلاة الليل مثنى لم يذكروا النهار ، وروى يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتطوع بالنهار أربعا لا يفصل بينهن ، وقد ذكرناه في باب نافع ، وهذا خلاف ما ذكر مالك أنه بلغه عنه ، ومالك لا يروي إلا عن ثقة ، وبلاغاته إذا تفقدت لم توجد إلا صحاحا ، فحصل ابن عمر مختلفا عنه في فعله وفي حديثه المرفوع ، إلا أن حمل المرفوع من حديثه الذي فيه الحجة على أنه خرج على جواب السائل بدليل رواية الأزدي عنه كان مذهبا ، وعليه أكثر فقهاء الحجاز ، وأكثر أهل الحديث ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية