التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
199 [ ص: 193 ] حديث أول لمسلم بن أبي مريم .

مالك عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الله المعاوي أنه قال : ( رآني عبد الله بن عمر ، وأنا أعبث بالحصباء في الصلاة فلما انصرفت نهاني ، وقال : اصنع كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ، فقلت : كيف كان يصنع قال : كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى فأتى أصابعه كلها ، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام ، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى ، وقال : هكذا كان يفعل ، ولا تعبث بهما .


وسيأتي القول في وضع اليمنى على اليسرى في قيام الصلاة في باب عبد الكريم إن شاء الله ، وما جاء في هذا الحديث من صفة الجلوس ، ورتبة اليدين على ما وصف ابن عمر رحمه الله هو قول مالك وسائر الفقهاء ، وعليه العمل ، وفيه الإشارة بالسباحة والسبابة ، وكلاهما اسم للإصبع التي تلي [ ص: 194 ] الإبهام ، وروي مثل ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن حديث مالك بن نمير الخزاعي عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس يدعو ، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، ويده اليسرى على فخذه اليسرى ، وأشار بإصبعه السبابة ، ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى ، ويلقم كفه اليسرى ركبته ، وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : أنبأنا محمد بن بكر قال : أنبأنا أبو داود قال : حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزار قال : حدثنا عفان قال : حدثنا عبد الواحد ( بن زياد ) قال : حدثنا عثمان بن حكيم قال : حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه ( وساقه ، وفرق بين قدمه اليمنى ، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ، ووضع [ ص: 195 ] يده اليمنى على فخذه اليمنى ) ، وأشار بإصبعه ، ورواه ابن جريج عن زياد بن سعد عن محمد بن عجلان عن عامر عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشير بإصبعه ، ولا يحركها ، ورواه روح بن القاسم عن ابن عجلان بإسناده ، وقال فيه : ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، وقال بإصبعه : هكذا لم يمدها ، ولم يعقفها ، وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا عصام أبو قدامة قال : حدثنا مالك بن نمير الخزاعي من أهل البصرة : أن أباه حدثه : أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدا في الصلاة واضعا ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعا إصبعه السبابة قد حناها شيئا وهو يدعو ، ورواه جماعة عن عصام أبي قدامة قال أبو عمر : لم نذكر في هذا الباب إلا وضع اليدين على الركبتين في الجلوس ، وهيئتها في ذلك ، والإشارة بالإصبع لا غير ، وسنذكر سنة الجلوس في الصلاة ، ومن قال : ينصب اليمنى ويثني اليسرى ، ويفضي بوركه إلى الأرض ، ومن قال غير ذلك ، ونذكر [ ص: 196 ] الآثار ، وما للعلماء في ذلك من الأقوال في باب عبد الرحمن بن القاسم من كتابنا هذا إن شاء الله .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا حامد بن يحيى قال : حدثنا سفيان عن مسلم بن أبي مريم قال : أخبرني علي بن عبد الرحمن المعاوي قال : صليت إلى جنب ابن عمر فقلبت الحصى فلما انصرف - ومرة قال : فرغ من صلاته - قال : لا تقلب الحصى فإن تقليب الحصا من الشيطان ، وافعل كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( يفعل ) فوضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، وضم أصابعه الثلاثة ، ونصب السبابة ، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ، وبسطها قال سفيان : وكان يحيى بن سعيد قد حدثنا عنه أولا ، ثم لقيته فسمعته منه ، وزاد فيه مسلم ، وقال : هي مدية الشيطان لا يسهو أحدكم ما دام يشير بإصبعه ، ويقول هكذا قال أبو عمر : علي المعاوي منسوب إلى بني معاوية فخذ من الأنصار ، وفي هذا الحديث من الفقه أنه لا يجوز العبث في الصلاة بالحصباء ، وهو أمر مجتمع عليه ( وكذلك غير الحصباء ) .

[ ص: 197 ] ( أنه لا يجوز العبث في الصلاة بالحصباء ) ، ولا غيرها ، وإن ذلك على أي وجه كان إذا كثر وطال ، وشغل عن الصلاة أفسد الصلاة ، وإنما لم يأمر ابن عمر عليا هذا بالإعادة ، والله أعلم ; لأنه كان ذلك منه يسيرا ، وقد جاء في حديث أبي ذر أنه كره مسح الحصباء في الصلاة إلا مرة واحدة ; كراهية العمل في الصلاة فكيف العبث بها في الصلاة ، وقد روي عن الزهري عن أبي الأحوص شيخ من أهل المدينة عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك أيضا من حديث معيقيب ، وحذيفة بن اليمان ، وقد مضى القول فيما يجوز من العمل ، وما لا يجوز منه في الصلاة في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا .

وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن على اليدين عملا في الصلاة تشتغلان به فيها ، وذلك ما وصف ابن عمر في الجلوس ، وهيئته ، وأما القيام فالسنة أن يضع كفه اليمنى على كوعه ، وقد قيل : إن المقصد في وضعه اليمنى على كوعه الأيسر تسكين يديه ; لأن إرسالهما لا يؤمن معه العبث بهما ، وذلك أيضا سنة ، وقد قال ابن عمر : اليدان تسجدان كما يسجد الوجه فكان يخرج يديه في البرد فيباشر بهما ما يباشر بوجهه في سجوده فكأن ابن عمر قال له : اشغل يدك بما في السنة من العمل بها في الصلاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية