التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1687 [ ص: 198 ] حديث ثان لمسلم بن أبي مريم .

مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه قال : تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ، ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا كانت بينه ، وبين أخيه شحناء فيقال : اتركوا هذين حتى يفيئا ، أو اتركوا هذين يفيئا .


( قال أبو عمر : ) هكذا روى يحيى بن يحيى هذا الحديث موقوفا على أبي هريرة ، وتابعه عامة رواة الموطأ وجمهورهم على ذلك ، ورواه ابن وهب عن مالك مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناده . هذا ، وذكرناه في كتابنا على شرطنا أن نذكر فيه كل ما يمكن إضافته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله .

ومعلوم أن هذا ومثله لا يجوز أن يكون رأيا من أبي هريرة ، وإنما هو توقيف لا يشك في ذلك أحد له أقل فهم ، [ ص: 199 ] وأدنى منزلة من العلم ; لأن مثل هذا لا يدرك بالرأي ، فكيف وقد رواه ابن وهب ، وهو من أجل أصحاب مالك عن مالك مرفوعا ، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعا من وجوه .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قراءة مني عليه قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي ، ومحمد ( بن محمد ) بن أبي دليم ، وأحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ، ومحمد بن يحيى بن عبد العزيز قالوا : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا يحيى بن عمر قال : حدثنا الحارث بن مسكين قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثنا مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : تعرض أعمال الناس ، فذكره حرفا بحرف ، قال أحمد بن خالد وحدثنا ابن وضاح قال : حدثنا عن ابن وهب عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره .

وأخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال : حدثنا تميم بن محمد بن تميم قال : حدثنا عيسى بن مسكين قال : حدثنا سحنون قال : حدثنا ابن وهب فذكره بإسناده مثله مرفوعا .

[ ص: 200 ] ( وحدثنا خلف بن قاسم : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء : حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر الوكيعي : حدثنا عمرو بن سواد : حدثنا ابن وهب : حدثنا مالك : وحدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد : حدثنا مكحول : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب : حدثنا عمي عبد الله بن وهب : حدثنا مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس ، فيغفر لكل مؤمن ، إلا عبدا كانت بينه وبين أخيه شحناء ، يقول : اتركوا هذين حتى يفيئا .

( وهكذا رواه أحمد بن صالح ، ويونس بن عبد الأعلى ، وسليمان بن داود كلهم عن ابن وهب مثله مسندا ) وقد روى معنى هذا الحديث مرفوعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مالك وغيره عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما قوله في هذا الحديث : شحناء ، فالشحناء العداوة ، وأما قوله : اتركوا هذين حتى يفيئا ، فمعناه أخروا هذين حتى يرجعا ، وينصرفا إلى الصحبة على ما كانا عليه تقول العرب أخر هذا ، وأرج هذا ، وأرك هذا كل ذلك معنى واحد ; أي اتركه [ ص: 201 ] ( قال ذلك الأصمعي ، وغيره ) وقوله حتى يفيئا أي يرجعا ويتراجعا ، والفيء في لسان العرب الرجوع ، يقال : فاء الظل أي رجع ، وفاء الرجل أي رجع ، ومثله قول الله عز وجل ( فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم ) أي رجعوا إلى ما كانوا عليه من وطء أزواجهم ، وحنثوا أنفسهم ، وقال جل وعز : ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) أي تراجع أمر الله ، وترجع إلى أمر الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية