التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1694 [ ص: 202 ] حديث ثالث لمسلم بن أبي مريم .

مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه قال : نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة .


قال أبو عمر :

هكذا روى هذا الحديث يحيى موقوفا من قول أبي هريرة ، وكذلك هو في الموطأ عند جميع رواته ، إلا ابن نافع فإنه رواه عن مالك بإسناده هذا مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .

ومعلوم أن هذا لا يمكن أن يكون من رأي أبي هريرة ; لأن مثل هذا لا يدرك بالرأي ، ومحال أن يقول أبو هريرة من رأيه لا يدخلن الجنة ، ويوجد ريح الجنة من مسيرة كذا ، ومثل هذا لا يعلم رأيا ، وإنما يكون توقيفا ممن لا يدفع عن علم الغيب - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 203 ] ( وقد روي عن ابن بكير عن مالك مسندا ، وفي الموطأ عن مالك لابن بكير غير ذلك : حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق : حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير : حدثنا مالك بن أنس عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة . هذا إسناد لا مطعن فيه عن ابن بكير ، وكذلك رواية ابن نافع ) .

حدثنا خلف بن القاسم ، وعلي بن إبراهيم قالا : حدثنا الحسن بن رشيق قال : حدثنا العباس بن محمد البصري قال : حدثنا أحمد بن صالح المصري قال : قرأت على عبد الله بن نافع عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره ( وقد روي هذا المعنى مسندا عن أبي هريرة من وجوه .

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا الحسن بن الخضر قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثنا جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة [ ص: 204 ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صنفان من أهل النار : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا ، وكذا .

وأما معنى قوله : كاسيات عاريات ; فإنه أراد اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ، ولا يستر فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة ، مائلات عن الحق مميلات لأزواجهن عنه . وأما قوله لا يدخلن الجنة ; فهذا عندي محمول على المشيئة ، وأن هذا جزاؤهن فإن عفا الله عنهن فهو أهل العفو والمغفرة ، لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .

حدثنا سعيد بن نصر قال قاسم بن أصبغ : قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الله بن نمير عن يحيى بن سعيد عن محمد بن شهاب عن امرأة من قريش : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج ذات ليلة فنظر إلى أفق السماء فقال : ماذا فتح من الخزائن ؟ وماذا وقع من الفتن ؟ رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة أيقظوا صواحب الحجر .

[ ص: 205 ] ( قوله : ماذا فتح من الخزائن ؟ يعني الليلة يريد ما يفتح على أمته من كنوز كسرى ، وقيصر ، وغيرهما من الأمم ، وما تلقى أمته من الفتن بعده من قتل بعضهم بعضا إلى خروج الدجال ، والله أعلم ) .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استيقظ ليلة فقال : سبحان الله ، ماذا أنزل الله هذه الليلة من الفتنة ؟ ماذا فتح من الخزائن ؟ من يوقظ صواحب الحجرات ؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية