التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1126 [ ص: 219 ] مالك عن المسور بن رفاعة بن أبي مالك القرظي حديث واحد .

توفي المسور بن رفاعة هذا سنة ثمان وثلاثين ومائة .

مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير : أن رفاعة بن سموءل طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها ، فأراد رفاعة أن ينكحها ، وهو زوجها الأول الذي كان طلقها فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهاه عن تزوجها ، وقال : لا تحل لك حتى تذوق العسيلة .


[ ص: 220 ] قال أبو عمر : هكذا روى ( يحيى ) هذا الحديث عن مالك عن المسور عن الزبير ، وهو مرسل في روايته ، وتابعه على ذلك أكثر الرواة ( للموطأ ) إلا ابن وهب فإنه قال فيه : ( عن مالك ) عن المسور عن الزبير بن عبد الرحمن عن أبيه فزاد في الإسناد عن أبيه فوصل الحديث ، وابن وهب من أجل من روى عن مالك هذا الشأن ، وأثبتهم فيه ، وعبد الرحمن بن الزبير هو الذي كان تزوج تميمة هذه ، واعترض عنها فالحديث مسند متصل صحيح ، وقد روي معناه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه شتى ثابتة أيضا كلها ( وقد تابع ابن وهب على توصيل هذا الحديث وإسناده إبراهيم بن طهمان ، وعبيد الله بن عبد المجيد الحنفي قالوا فيه عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير ( عن أبيه ) ذكر حديث ابن طهمان النسائي في مسنده من حديث مالك ، وذكره ابن الجارود أخبرنا عبد الله قال : حدثنا تميم بن محمد قال : حدثنا عيسى بن مسكين ) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : [ ص: 221 ] حدثنا قاسم ( بن أصبغ ) قال : حدثنا ابن وضاح قالا جميعا : حدثنا سحنون قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير عن أبيه أن رفاعة بن سموءل طلق امرأته تميمة بنت وهب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها فطلقها ، ولم يمسها فأراد رفاعة أن ينكحها ، وهو زوجها الذي كان طلقها قال : عبد الرحمن فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهاه عن تزويجها ، وقال : لا تحل لك حتى تذوق العسيلة ، وقد ذكر هذا الحديث أيضا سحنون عن ابن وهب ، وابن القاسم ، وعلي بن زياد كلهم عن مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير عن أبيه أن رفاعة بن سموءل طلق امرأته ، وذكر الحديث ، وقال فيه عن هؤلاء الثلاثة عن مالك في هذا الإسناد عن أبيه ، والحديث صحيح مسند ، والزبير بن عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي فيهما جميعا كذلك روى يحيى وابن وهب وابن القاسم والقعنبي ، وغيرهم ، وقد روي عن ابن بكير أن الأول [ ص: 222 ] مضموم ، وروي عنه الفتح فيهما كسائر الرواة عن مالك في ذلك ، وهو الصحيح فيهما جميعا بفتح الزاي ، وهم زبيريون بالفتح في بني قريظة معروفون ( وهم بنو الزبير بن باطيا القرظي قتل يوم قريظة ، وله يومئذ قصة عجيبة محفوظة ) .

أخبرنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليهما أن قاسم بن أصبغ حدثهما قال : أنبأنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال : حدثنا إبراهيم بن حمزة قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رفاعة القرظي طلق امرأته فنكحها عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها ، فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت [ ص: 223 ] زوجها فقالت : والذي أكرمك بالحق ما معه إلا مثل هذه الهدبة فقال : فلا حتى تذوقي عسيلته ، ويذوق عسيلتك ، هكذا قال عبد الرحمن بن الزبير بالفتح ، وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا الزهري قال : أخبرني عروة عن عائشة أنه سمعها تقول جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إني كنت عند رفاعة فبت طلاقي ، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير ، وإنما معه مثل هدبة الثوب ، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا ، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ، قال : وأبو بكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وخالد بن سعيد بالباب فنادى يا أبا بكر فقال : ألا تسمع إلى ما تجهر به هذه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ( هذا أصح حديث يروى في هذا الباب ، وأثبته من جهة الإسناد ) .

[ ص: 224 ] قال أبو عمر : حديث عروة عن عائشة في هذا الباب من رواية هشام بن عروة ، وابن شهاب عن عروة ، وإن كان إسنادا فإنه ناقص سقط منه ذكر طلاق ابن الزبير لتميمة بنت وهب ، وقد شبه به على قوم منهم ابن علية ، وداود لما فيه من قوله فاعترض عنها فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت زوجها ، وقالت : إنما معه مثل هدبة الثوب فظنوا أنها ( أتت ) شاكية بزوجها فلم يسأله عن ذلك ، ولا ضرب له أجلا ، وخلاها معه قالوا فلا يضرب للعنين أجل ، ولا يفرق بينه وبين امرأته ، وهو كمرض من الأمراض فخالفوا جمهور سلف المسلمين من الصحابة ، والتابعين ( في تأجيل العنين ) لما توهموه في حديث هذا الباب ، وليس فيه موضع شبهة ; لأن مالكا وغيره قد ذكروا طلاق عبد الرحمن بن الزبير للمرأة فكيف يضرب أجل لمن قد فارق امرأته ، وطلقها قبل أن يمسها حدثني قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد قال : حدثنا محمد بن فطيس قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا بشر بن ثابت قال : حدثنا شعبة قال : ( حدثنا ) يحيى [ ص: 225 ] بن أبي إسحاق أخبرني أبي قال : سمعت سليمان بن يسار يحدث عن عائشة أن رجلا طلق امرأته ثلاثا فتزوجها رجل فطلقها قبل أن يدخل بها فأراد الأول أن يتزوجها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا حتى تذوقي عسيلته فقد بان بهذا الحديث أنه طلقها قبل أن يدخل بها ، وهو حديث لا مطعن لأحد في ناقليه ، وكذلك حديث مالك في ذلك فيه فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها ، وإذا صحت مفارقته لها ، وطلاقه إياها بطلت النكتة التي بها نزع من أبطل تأجيل العنين من هذا الحديث ، وقد قضى بتأجيل العنين عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعبد الله بن مسعود ، والمغيرة بن شعبة ، ولا مخالف لهم من الصحابة ، إلا شيء يروى عن علي بن أبي طالب مختلف فيه ذكره ابن عيينة عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ قال : أتت امرأة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالت : هل لك في امرأة لا أيم ولا ذات زوج ؟ فقال أين زوجها ؟ فذكر الحديث ، وفيه فقال لها علي ( بن أبي طالب ) : اصبري فلو شاء الله أن يبتليك بأشد من ذلك لابتلاك ، ورواه محمد بن جابر عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد عن علي ، وليس هذا الإسناد مع اضطرابه مما يحتج به .

[ ص: 226 ] وذكر عبد الرزاق عن الحسن بن عمارة عن يحيى بن الجزار عن علي قال : يؤجل العنين سنة فإن أصابها ، وإلا فهي أحق بنفسها ، وروى يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن خالد بن كثير الهمداني عن الضحاك بن مزاحم أن عليا أجل العنين سنة .

وهذان الإسنادان إن لم يكونا مثل إسناد هانئ وعمارة لم يكونا أضعف ، والأسانيد عن سائر الصحابة ثابتة ( من قبل الأئمة ) ، وعليها العمل ، وفتوى فقهاء الأمصار مثل مالك ، والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي ، وجماعة فقهاء الحجاز والعراق ، إلا طائفة من المتأخرين .

ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : قضى عمر بن الخطاب في الذي لا يستطيع النساء أن يؤجل سنة . قال معمر يؤجل سنة من يوم ترافعه كذلك بلغني .

قال أبو عمر : على هذا جماعة القائلين بتأجيل العنين من يوم ترافعه بخلاف أجل المولى ، وذلك والله أعلم ; لأن المولى مضار قادر على الفيء ، ورفع الضرر عالم بشكوى زوجته إياه حتى تشكوه فجعل له أجل سنة لما في السنة من اختلاف الزمن بالحر ، والبرد ليعالج نفسه فيها ، والله أعلم .

[ ص: 227 ] وأصل المسألة اتباع السلف ، وليس في حديثنا في هذا الباب ما يوجب للعنين حكما فلذلك تركنا اختلاف أحكامه ، وفيه من الفقه إباحة إيقاع الطلاق البات طلاق الثلاث ولزومه ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على رفاعة إيقاعه له ، كما أنكر على ابن عمر طلاقه في الحيض ، وظاهر هذا الحديث من رواية مالك ومن تابعه في قوله : إن رفاعة طلق امرأته ثلاثا ، إنها كانت مجتمعات فعلى هذا الظاهر جرى قولنا ، وقد يحتمل أن يكون طلاقه ذلك آخر ثلاث تطليقات ، ولكن الظاهر لا يخرج عنه إلا ببيان ، وقد نزع بهذا الحديث من أباح وقوع الثلاث مجتمعات ، وجعل وقوعها في الطهر سنة لازمة ، وهذا موضع اختلاف بين الفقهاء ، وقد أوضحناه في باب عبد الله بن يزيد ، وفي باب نافع أيضا ، والحمد لله .

وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة رفاعة : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ دليل على أن إرادة المرأة الرجوع إلى زوجها لا يضر العاقد عليها ، وأنها ليست بذلك في معنى التحليل المستحق صاحبه اللعنة .

[ ص: 228 ] ( وقد اختلف الفقهاء في هذا المعنى على ما نذكره بعد إن شاء الله ) ، وفي هذا الحديث دليل على أن المطلقة ثلاثا لا يحلها لزوجها المطلق لها إلا طلاق زوج قد وطئها ، وأنه إن لم يطأها ، وطلقها فلا تحل لزوجها ( أي الأول ) .

وفي هذا الحديث تفسير لقول الله عز وجل ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) وهو يخرج في التفسير المسند ، وذلك أن لفظ النكاح في جميع القرآن إنما أريد به العقد لا الوطء إلا في قوله عز وجل ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) فإنه أريد بلفظ النكاح هاهنا العقد والوطء جميعا بدليل السنة الواردة في هذا الحديث ، وذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا تحل له حتى تذوق العسيلة ، والعسيلة هاهنا الوطء لا يختلفون في ذلك .

وفي هذا حجة واضحة لما ذهب إليه مالك في الإيمان أنه لا يقع التحليل منها والبر ، إلا بأكمل الأشياء ، وأن التحريم يقع بأقل شيء ، ألا ترى أن الله عز وجل لما حرم على الرجل ( نكاح ) حليلة ابنه وامرأة أبيه ، وكان الرجل إذا عقد [ ص: 229 ] على امرأة نكاحا ، ولم يدخل بها ، ثم طلقها أنها حرام على ابنه وعلى أبيه ؟ وكذلك لو كانت له أمة فلمسها بشهوة أو قبلها حرمت على ابنه وعلى أبيه ؟ فهذا يبين لك أن التحريم يقع على المرء بأقل شيء ، وكذلك لو طلق بعض امرأة طلقت كلها ، وكذلك لو ظاهر من بعضها لزمه الظهار الكامل ، ولو عقد على امرأة بعض نكاح أو على بعض امرأة نكاحا لم يصح ، وكذلك المبتوتة لا يحلها عقد النكاح عليها حتى يدخل بها زوجها ويطأها وطأ صحيحا .

ولهذا قال مالك في نكاح المحلل : إنه يحتاج أن يكون نكاح رغبة لا يقصد به التحليل ، ويكون وطؤه لها وطأ مباحا لا تكون صائمة ، ولا في حيضتها ، ويكون الزوج بالغا مسلما .

( وقد يعترض على هذا الأصل في البر ، والحنث ( بأن ) التحريم لا يصح في الربيبة بالعقد حتى ينضم إلى ذلك الدخول بالأم ، وهذا إجماع ، وإنما الخلاف في الأم ، ولهذا نظائر .

وقال الشافعي : إذا أصابها بنكاح صحيح ، وغيب الحشفة في فرجها فقد ذاق العسيلة ، وسواء في ذلك قوي النكاح وضعيفه ، وسواء أدخله بيده أو بيدها ، وكان ذلك من صبي أو مراهق أو مجبوب بقي له ما ( يغيبه ) كما الخصي .

[ ص: 230 ] قال : وإن أصاب الذمية ، وقد طلقها مسلم أو زوج ذمي بنكاح صحيح أحلها .

قال : ولو أصابها الزوج محرمة أو صائمة أحلها ، وهذا كله ما وصف الشافعي قول أبي حنيفة وأصحابه ، والثوري ، والأوزاعي ، والحسن بن حي ، وقول بعض أصحاب مالك ، وانفرد الحسن البصري بقوله : لا يحل المطلقة ثلاثا إلا وطء يكون فيه إنزال ، وذلك معنى ذوق العسيلة عنده ، ولا يحلها عنده التقاء الختانين ، ولم يتابعه على ذلك غيره ، وانفرد سعيد بن المسيب رحمه الله من بين سائر أهل العلم بقوله : إن من تزوج المطلقة ثلاثا ، ثم طلقها قبل أن يمسها فقد حلت بذلك النكاح ، وهو العقد لا غير ، لزوجها الأول على ظاهر قول الله عز وجل ( حتى تنكح زوجا غيره ) قال : فقد نكحت زوجا ( يلحقه ) ولدها ، ويجب الميراث بينهما .

قال أبو عمر : أظنه ، والله أعلم ، لم يبلغه حديث العسيلة هذا ، ولم يصح عنده ، وأما سائر العلماء متقدمهم ومتأخرهم فيما علمت فعلى القول بهذا الحديث على ما وصفنا .

أخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر ( قال : ) حدثنا أبو داود : حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية ، عن [ ص: 231 ] الأعمش عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجت زوجا غيره ، فدخل بها ، ثم طلقها قبل أن يواقعها ، أتحل لزوجها الأول ؟ قال : لا ، حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها وقد روى هذا الحديث أبو هريرة عن عائشة .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي : حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عبد العزيز بن المختار قال : حدثنا عبد الله [ ص: 232 ] الداناج عن أبي رافع عن أبي هريرة قال : حدثتني أم المؤمنين ، ولا أراها إلا عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تحل للأول حتى يذوق الآخر عسيلتها ( واختلف العلماء أيضا في نكاح المحلل ، وهو من هذا الباب فقال مالك : المحلل لا يقيم على نكاحه حتى يستكمل نكاحا جديدا ، فإن أصابها فلها مهر مثلها ، ولا تحلها إصابته لزوجها الأول ، وسواء علما أو لم يعلما إذا تزوجها ليحلها ، ولا يقر على نكاحه ، ويفسخ ، وقول الثوري والأوزاعي والليث مثل قول مالك .

( وروي عن الليث في نكاح الخيار ، والمحلل أن النكاح جائز والشرط باطل ، وهو قول ابن أبي ليلى في ذلك ، وفي نكاح المتعة ، وروي عن الأوزاعي أنه قال في نكاح المحلل : بئسما صنع ، والنكاح جائز .

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : النكاح جائز إذا دخل بها ، وله أن يمسكها إن شاء ) .

وقال أبو حنيفة وأصحابه مرة : لا تحل للأول إذا تزوجها الآخر ، ومرة قالوا تحل ( له ) بهذا النكاح إذا جامعها [ ص: 233 ] وطلقها ، ولم يختلفوا أن نكاح هذا الزوج صحيح ، وله أن يقيم عليه .

وقال الشافعي إذا قال : أتزوجك لأحلك ثم لا نكاح بيننا بعد ذلك فهذا ضرب من نكاح المتعة ، وهو فاسد لا يقر عليه ، ويفسخ ، ولا يطأ إن دخل بها ، ولو وطئ على هذا لم يكن وطؤه تحليلا فإن تزوجها تزويجا مطلقا لم يشترط هو ولا اشترط عليه التحليل فللشافعي في كتابه القديم قولان في ذلك : أحدهما مثل قول مالك ، والآخر مثل قول أبي حنيفة ، ولم يختلف قوله في كتابه الجديد المصري أن النكاح صحيح إذا لم يشترط ( وهو قول داود ) .

وروى الحسن بن زياد عن زفر إذا شرط تحليلها للأول فالنكاح جائز والشرط باطل ، ويكونا محصنين بهذا التزويج مع الجماع ، وتحل للأول قال : وهو قول أبي حنيفة ، وقال أبو يوسف : النكاح على هذا الشرط فاسد ، ولها مهر المثل بالدخول ، ولا يحصنها هذا ، ولا يحلها لزوجها الأول ، ولمحمد بن الحسن عن نفسه ، وعن أصحابه اضطراب كثير في هذا الباب ( وقال الحسن ، وإبراهيم إذا هم أحد الثلاثة فسد النكاح ، وقال سالم ، والقاسم : [ ص: 234 ] لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان ، قالا : وهو مأجور ، وقال ربيعة ، ويحيى بن سعيد : إن تزوجها ليحلها فهو مأجور ، وقال داود بن علي : لا أبعد أن يكون مريد نكاح المطلقة ليحلها لزوجها مأجورا إذا لم يظهر ذلك في اشتراطه في حين العقد ; لأنه قصد إرفاق أخيه المسلم ، وإدخال السرور عليه إذا كان نادما مشغوفا فيكون فاعل ذلك مأجورا إن شاء الله .

وقال أبو الزناد : إن لم يعلم واحد منهما فلا بأس بالنكاح ، وترجع إلى زوجها الأول ، وقال عطاء : لا بأس أن يقيم المحلل على نكاحه ) .

قال أبو عمر : روى علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبو هريرة ، وعقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لعن الله المحلل ، والمحلل له وقال عقبة في حديثه : ألا أخبركم بالتيس المستعار هو المحلل ، ولفظ التحليل في هذه الأحاديث يحتمل أن يكون مع الشرط كما قال الشافعي ( وهو الأظهر فيه ; لأن إرادة المرأة إذا لم يقدح في العقد ، ولها فيه حظ فالنكاح كذلك ، والمطلق أحرى أن لا يراعي ، فلم يبق ( إلا ) أن يكون معنى الحديث إظهار الشرط فيكون كنكاح المتعة ويبطل ، هذا هو الصحيح ، والله أعلم ) ويحتمل [ ص: 235 ] أن يكون إذا نوى أن يحلها لزوجها كان محللا ( لقوله الأعمال بالنية ) ، وقد روي عن عمر بن الخطاب في هذا تغليظ شديد قوله : لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما ، وقال ابن عمر التحليل سفاح ( وقال الحسن وإبراهيم : إذا هم أحد الثلاثة فسد النكاح ، وقال سالم والقاسم : لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوج ، وإلا فهو مأجور ، وهذا يحتمل أن يكون المحلل الملعون عندهما من شرط ذلك عليه ، والله أعلم . وإلا فظاهر الحديث يرد قولهما ، وقال عطاء : لا بأس أن يقيم المحلل على نكاحه ) ( ولا يحتمل قول ابن عمر إلا التغليظ ; لأنه قد صح عنه أنه وضع الحد عن الواطئ فرجا حراما جهل تحريمه ، وعذره بالجهالة ، فالمتأول أولى بذلك ، ولا خلاف أنه لا رجم عليه ) حدثني محمد بن عبد الله بن حكم قال : حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن قال : ( حدثنا ) إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا عبد الحميد بن حبيب كاتب الأوزاعي قال : حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن عبد الملك بن المغيرة أن رجلا سأل ابن عمر فقال : كيف ترى في التحليل ؟ فقال عبد الله بن عمر : لا أعلم ذلك إلا السفاح .

التالي السابق


الخدمات العلمية