التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1357 [ ص: 313 ] حديث سابع لنافع عن ابن عمر .

مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع حبل الحبلة . وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية : كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ، ثم تنتج التي في بطنها .


قد جاء تفسير هذا الحديث كما ترى في سياقه ، وإن لم يكن تفسيره مرفوعا فهو من قبل ابن عمر ، وحسبك . وبهذا التأويل قال مالك ، والشافعي وأصحابهما ، وهو الأجل المجهول ، ولا خلاف بين العلماء أن البيع إلى مثل هذا من الأجل لا يجوز ، وقد جعل الله الأهلة مواقيت للناس ، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البيع إلى مثل هذا من الأجل ، وأجمع المسلمون على ذلك ، وكفى بهذا علما . وقال [ ص: 314 ] آخرون في تأويل هذا الحديث : معناه بيع ولد الجنين الذي في بطن الناقة . هذا قول أبي عبيد ; قال أبو عبيد عن ابن علية : هو نتاج النتاج ، وبهذا التأويل قال أحمد بن حنبل ، وإسحاق ابن راهويه . وقد فسر بعض أصحاب مالك هذا الحديث بمثل ذلك أيضا ، وهو بيع أيضا مجتمع على أنه لا يجوز ولا يحل ; لأنه بيع غرر ومجهول ، وبيع ما لم يخلق ، وقد أجمع العلماء على أن ذلك لا يجوز في بيوع المسلمين ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيع المجر ، وهو بيع ما في بطون الإناث ، ونهى عن المضامين والملاقيح ، وأجمعوا أنه بيع لا يجوز .

قال أبو عبيد : المضامين : ما في البطون ، وهي الأجنة ، والملاقيح : ما في أصلاب الفحول ، وهو تفسير ابن المسيب وابن شهاب . ذكر مالك في موطئه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول : لا ربا في الحيوان ، وإنما نهى من الحيوان عن ثلاث : عن المضامين ، والملاقيح ، وحبل الحبلة ، والمضامين : ما في بطون الإناث ، والملاقيح : ما في ظهور الجمال ، وقال غيره : المضامين : ما في أصلاب الفحول ، والملاقيح : ما في بطون الإناث ، وكذلك قال أبو عبيد ، واحتج بقول الشاعر :

[ ص: 315 ]

ملقوحة في بطن ناب حائل

.

وذكر المزني عن ابن شهاب شاهدا بأن الملاقيح ما في البطون لبعض الأعراب :


منيتني ملاقحا في الأبطن     تنتج ما تنتج بعد أزمن

.

وكيف كان ، فإن بيع هذا كله باطل لا يجوز عند جماعة علماء المسلمين ، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الملامسة والمنابذة ، فكيف بمثل هذا من بيع ما لم يخلق ؟ ( وهذا كله ) يدخله المجهول والغرر ، وأكل المال بالباطل ، وفي حكم الله ورسوله تحريم هذا كله ، فإن وقع شيء من هذا البيع فسخ إن أدرك ، فإن قبض وفات رد إلى قيمته يوم قبض لا يوم تبايعا بالغا ما بلغ ، كانت القيمة أكثر من الثمن أو أقل ، وإن أصيب قبل القبض فمصيبته من البائع أبدا ، وقد مضى تفسير الملامسة وغيرها فيما سلف من كتابنا هذا ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية