التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1134 [ ص: 70 ] حديث خامس عشر لنافع عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار .


هكذا رواه جملة أصحاب مالك ، وقال فيه ابن وهب ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نهى عن نكاح الشغار ، وكلهم ذكر عن مالك في تفسير الشغار - أنه الرجل يزوج ابنته أو وليته من رجل على أن يزوج ذلك الرجل منه ابنته أيضا ، أو وليته ، ويكون بضع كل واحدة منهما ; صداقا للأخرى دون صداق [ ص: 71 ] وهذا ما لا خلاف بين العلماء فيه أنه الشغار المنهي عنه في هذا الحديث ، وللشغار في اللغة معنى لا مدخل له هاهنا ، وذلك أنه مأخوذ عندهم من شغر الكلب إذا رفع رجله للبول ، وذلك زعموا لا يكون منه إلا بعد مفارقة حال الصغر إلى حال يمكن فيها طلب الوثوب للنسل ، وهو عندهم للكلب إذا فعله علامة بلوغه إلى حال الاحتلام من الرجال ، ولا يرفع رجله للبول إلا وهو قد بلغ ذلك المبلغ ، يقال منه شغر الكلب يشغر شغرا ، إذا رفع رجله فبال ، أو لم يبل ، ويقال شغرت بالمرأة أشغرها شغرا إذا رفعت رجليها للنكاح ، فهذا معنى الشغار في اللغة ; وأما معناه في الشريعة ، فأن ينكح الرجل رجلا وليته على أن ينكحه الآخر وليته بلا صداق بينهما - على ما قاله مالك ، وجماعة الفقهاء ; وكذلك ذكره خليل في كتابه أيضا . [ ص: 72 ] وأجمع العلماء على أن نكاح الشغار مكروه لا يجوز ، واختلفوا فيه إذا وقع ( هل يصح ) بمهر المثل أم لا ، فقال مالك : لا يصح النكاح في الشغار ، دخل بها أو لم يدخل ، ويفسخ أبدا ; قال : وكذلك لو قال أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك بمائة دينار ، ولا خير في ذلك ; قال ابن القاسم : لا يفسخ النكاح في هذا إن دخل ، ويثبت بمهر المثل ، ويفسخ في الأول دخل أو لم يدخل ، على ما قال مالك . وقال الشافعي : إذا لم يسم لواحدة منهما مهرا - وشرط أن يزوجه ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ، وهو يلي أمرها على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ، ولم يسم صداقا فهذا الشغار ، ولا يصح ويفسخ . قال : ولو سمي لإحداهما ، أو لهما صداقا ، فالنكاح ثابت بمهر المثل ، والمهر فاسد ولكل واحدة منهما مهر مثلها إن كان دخل بها ، ونصف مهر مثلها إن كان طلقها قبل الدخول . وقال أبو حنيفة : إذا قال أزوجك ابنتي ، أو أختي ، على أن تزوجني ابنتك ، فتكون كل واحدة منهما مهر الأخرى ، فهو الشغار ، ويصح النكاح بمهر المثل ، وهو قول الليث بن سعد ، وبه قال الطبري . [ ص: 73 ]

قال أبو عمر : حجة من قال هذا القول ، أن الشريعة قد نهت عن صداق الخمر ، والخنزير ، والغرر ، والمجهول ، والنكاح في ذلك كله يصح بمهر المثل . والأصل عندهم أن التزويج مضمن بنفسه ، لا يبدله ، وليس بمفتقر في العقد إلى الصداق .

لأن القرآن قد ورد بجواز العقد في النكاح دون صداق ، بقوله : ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ) يريد ما لم تمسوهن وما لم تفرضوا لهن فريضة يعني : صداقا ، فسماه نكاحا ، وجعل فيه الطلاق ، ولم يكن فيه ذكر الصداق .

وحجة مالك ، والشافعي ، ومن أبطل نكاح الشغار ، أنه نكاح طابق النهي ففسد - امتثالا لنهيه - صلى الله عليه وسلم - ، لقوله عز وجل : ( وما نهاكم عنه فانتهوا ) وقال - صلى الله عليه وسلم - : كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد يعني مردودا .

التالي السابق


الخدمات العلمية