التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
625 [ ص: 74 ] حديث سادس عشر لنافع عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن عمر بن الخطاب ، حمل على فرس في سبيل الله ، فوجده يباع فأراد أن يبتاعه ، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال : لا تبتعه ولا تعد في صدقتك .


هكذا روى مالك ، هذا الحديث عن نافع ، عن ابن عمر ، أن عمر ، فهو في روايته من مسند ابن عمر ، كذلك هو عند جمهور رواة الموطأ ، إلا معن بن عيسى ، فإنه رواه عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر ، أنه حمل على فرس - فذكر الحديث جعله من مسند عمر ، وكذلك رواه ابن نمير ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، مثل رواية [ ص: 75 ] معن ; ورواه القطان ، وعلي بن عاصم ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن عمر كما في الموطآت ; وكذلك رواه الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، أن عمر ، كما في الموطأ عند جمهور الرواة غير معن . وروى هذا الحديث يحيى بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، فقال فيه لا تشتره ولا شيئا من نتاجه ، ولا تعد في صدقتك .

وذكر مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان إذا أعطى شيئا في سبيل الله يقول لصاحبه : إذا بلغت وادي القرى فشأنك به وعن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، أنه كان يقول : إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو فبلغ به رأس مغزاته فهو له ، واختلف الفقهاء في هذا المعنى ، فكان مالك يقول : إذا أعطي فرسا في سبيل الله ، فقيل له هو لك في سبيل الله ، فله أن يبيعه ، وإن قيل له هو في سبيل الله ركبه ورده ; وذكر ابن القاسم عن مالك قال : وقال مالك : من حمل [ ص: 76 ] على فرس في سبيل الله ، له فلا أرى له أن ينتفع بشيء من ثمنه في غير سبيل الله ، إلا أن يقال له شأنك به فافعل فيه ما أردت ; فإن قيل له ذلك ، فأراه مالا من ماله ، يعمل به في غزوه إذا هو بلغه ما يعمل به في ماله ; قال كذلك لو أعطي ذهبا أو ورقا في سبيل الله ، ومذهب مالك فيمن أعطي مالا ينفقه في سبيل الله ، أنه ينفقه في الغزو ; فإن فضلت منه فضلة بعد ما مر غزوه ، لم يأخذها لنفسه وأعطاه في سبيل الله ، أو ردها إلى صاحبها ; وخالف في ذلك ما روي عن ابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، وقال الليث بن سعد : من أعطي فرسا في سبيل الله ، لم يبعه حتى يبلغ مغزاه ، ثم يصنع به ما شاء ، إلا أن يكون حبسا فلا يباع .

وقال الشافعي : الفرس المحمول عليها في سبيل الله ، هي لمن يحمل عليها . وقال عبيد الله بن الحسن : إذا قال هو لك في سبيل الله ، فرجع به ، رده حتى يجعله في سبيل الله ; ومذهب أصحاب أبي حنيفة أن ما أعطي في سبيل الله تمليك ، ولا يعتبرون في الفرس بلوغ المغزى ، [ ص: 77 ] لأنه قد ملكه في الحال على أن يغزو به ; فالملك عندهم في ذلك صحيح ، يتصرف فيه مالكه ، وهو قول الشافعي ; قالوا : ولو قال إذا بلغت مغزاك فهو لك ، كان تمليكا على مخاطرة ولا يجوز ; وقد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا ، بأتم وأبسط من ذكره هاهنا .

وأما قوله فسأل عن ذلك - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ففيه دليل على ما كانوا عليه من البحث عن العلم والسؤال عنه ، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معلما ، وكانوا يسألونه ; لأنهم كانوا خير أمة - كما قال الله عز وجل . فالواجب على المسلم ، مجالسة العلماء إذا أمكنه ، والسؤال عن دينه جهده ، فإنه لا عذر له في جهل ما لا يسعه جهله ; وجملة القول : أن لا سؤدد ولا خير مع الجهل .

التالي السابق


الخدمات العلمية