التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1016 [ ص: 96 ] حديث ثامن عشر لنافع عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة


في هذا الحديث الحض على اكتساب الخيل وتفضيلها على سائر الدواب ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأت عنه في غيرها مثل هذا القول ; وذلك تعظيم منه لشأنها ، وحض على اكتسابها وندب إلى ارتباطها في سبيل الله عدة للقاء العدو ، إذ هي أقوى الآلات في جهاده ; فهذه الخيل المعدة للجهاد هي التي في نواصيها الخير ; وأما إذا كانت معدة للفتن ، وقتل المسلمين ، وسلبهم ، وتفريق جمعهم ، وتشريدهم عن أوطانهم ، فتلك خيل الشيطان ، وأربابها حزبه ; وفي مثلها - والله أعلم - ورد أن اكتسابها وزر على صاحبها ، لأنه قد جاء عنه أنها قد تكون وزرا لمن لم يرتبطها ويجاهد عليها ، وكان قد اتخذها فخرا ومناوأة للمسلمين ، وأذى لهم ، وعونا عليهم ، وقد مضى [ ص: 97 ] ذلك فيما سلف من كتابنا ، وإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن ندبه إلى اكتسابها من أجل جهاد العدو عليها - والله أعلم - وقد استدل جماعة من العلماء بأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة تحت راية كل بر وفاجر من الأئمة بهذا الحديث ، لأنه قال فيه إلى يوم القيامة ; ولا وجه لذلك إلا الجهاد في سبيل الله ، لأنه قد ورد الذم فيمن ارتبطها واحتبسها رياء وفخرا ، ونواء لأهل الإسلام ; وقد تقدم تفسير ذلك كله ، واستيعاب معانيه في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا ، فلا وجه لإعادته هاهنا .

حدثنا أحمد بن قاسم ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال حدثنا أبو النضر ، قال حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، قال حدثني شهر ، قال حدثتني أسماء بنت يزيد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الخيل في نواصيها الخير معقود أبدا [ ص: 98 ] إلى يوم القيامة ; فمن ربطها عدة في سبيل الله ، وأنفق عليها ، فإن شبعها وجوعها ، وريها وظمأها ، وأرواثها وأبوالها ، في موازينه يوم القيامة ; ومن ربطها فرحا ومرحا وسمعة ، فإن شبعها وجوعها ، وريها وظمأها ، وأرواثها وأبوالها ، خسران في موازينه يوم القيامة .

قال أبو عمر : في قوله - صلى الله عليه وسلم - الخيل في نواصيها الخير تقوية لمن روى : لا شؤم ، وقد يكون اليمن في الفرس والمرأة . ورد لرواية من روى : الشؤم في الفرس والمرأة وقد تقدم القول في ذلك ، والاستشهاد عليه في باب ابن شهاب عن سالم من كتابنا هذا ، فلا وجه لإعادته هاهنا .

وفي إطلاقه - صلى الله عليه وسلم - على الخيل بأن الخير في نواصيها دليل على بركتها وأنها مباركة لا شؤم في شيء منها ; وقد ثبت عنه عليه السلام أنه قال : البركة في نواصي الخيل . وثبت أنه قال : لا طيرة ولا شؤم . وهذا تصحيح ما ذكرنا ، وقد مضى شرحه في الموضع الذي وصفنا . وبالله توفيقنا .

أخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال حدثنا محمد بن معاوية ، قال حدثنا أحمد بن شعيب ، قال أخبرنا محمد بن ستار ; وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا بكر بن حماد ، قال حدثنا مسدد ، قالا جميعا حدثنا يحيى - هو ابن سعيد [ ص: 99 ] القطان ، قال حدثنا شعبة ، عن أبي التياح ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البركة في نواصي الخيل .

وحدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال حدثنا النضر - يعني ابن شميل ، قال حدثنا شعبة ، عن أبي التياح ، قال سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : البركة في نواصي الخيل . وعند شعبة وغيره في هذا الباب أيضا ، حديث عروة بن أبي الجعد البارقي ، وبارق في الأزد ، وقد ذكرناه في الصحابة بما يغني عن ذكره هاهنا ; وهو حديث حسن ، ولشعبة فيه إسنادان ، أصحهما ما أخبرنا به عبد الله بن محمد بن أسد ، قال حدثنا حمزة بن محمد ، قال حدثنا أحمد بن شعيب ، قال أخبرنا عمر بن علي ، قال حدثنا عبد الرحمن ، قال حدثنا شعبة ، قال حدثني حصين ، وعبد الله بن أبي السفر ، أنهما سمعا الشعبي يحدث عن عروة بن أبي الجعد ، عن النبي عليه السلام قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، الأجر [ ص: 100 ] والمغنم . وهذا يوضح لك ما قلنا من أن معنى هذا الخبر في الجهاد ، وإنه ماض إلى يوم القيامة ، وأن القيامة تقوم على هذا الدين ، وأهله يجاهدون العدو في سبيل الله حيث شاء الله من أرضه ، والحمد لله .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا أحمد بن زهير ، قال حدثنا أبو الوليد ، ومسلم بن إبراهيم ، قالا حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن العيزار بن حريث ، عن عروة بن أبي الجعد الأزدي ، وقال أبو الوليد : حدثنا عروة بن الجعد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة

أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال حدثنا حمزة بن محمد ، قال حدثنا أحمد بن شعيب ، قال حدثنا عمران بن موسى ، قال حدثنا عبد الوارث ، قال حدثنا يونس بن عمرو بن شعيب ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن جرير ، قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتل ناصية فرس بين أصبعه وهو يقول : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة . [ ص: 101 ] ليس في حديث نافع عن ابن عمر معقود في هذا الحديث من رواية مالك وغيره .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال حدثنا حمزة بن محمد ، قال حدثنا أحمد بن شعيب ، قال أخبرنا قتيبة بن سعيد ، قال حدثنا الليث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة . وقد روي عن النبي عليه السلام ، في الخيل أحاديث كثيرة ليست من باب حديثنا هذا ; منها قوله يمن الخيل في شقرها ومنها : خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم المحجل ثلاثا طلق اليمنى أو كميت على هذه الشية ومنها : أنه كره الشكال من الخيل ، وأحاديث غيرها ليست أسانيدها هناك ، والشكال من الخيل التي تكون ثلاث قوائم منه محجلة ، وواحدة [ ص: 102 ] مطلقة ، أو يكون الثلاث مطلقة ، وواحدة محجلة ، وتكون الرجل خاصة هي المطلقة وحدها ، أو المحجلة وحدها ، لا تكون اليد وليس يكون الشكال إلا في الرجل ، ولا يكون في اليد عندهم .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال حدثنا حمزة بن محمد ، قال حدثنا أحمد بن شعيب ، قال أخبرنا محمد بن رافع ، قال حدثنا أبو أحمد البزاز هشام بن سعيد ، قال حدثنا محمد بن المهاجر الأنصاري ، عن عقيل بن شبيب ، عن أبي وهب ، وكانت له صحبة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسموا بأسماء الأنبياء ، وأحب الأسماء إلى الله ، عبد الله ، وعبد الرحمن ، وارتبطوا الخيل ، وامسحوا بنواصيها ، وأكفالها ، وقلدوها ، ولا تقلدوها الأوتار ، وعليكم بكل كميت أغر محجل ، أو أشقر أغر محجل ، أو أدهم أغر محجل .

وحدثنا عبد الله ، قال حدثنا حمزة ، قال حدثنا أحمد بن شعيب ، قال حدثنا أحمد بن حفص ، قال حدثني أبي ، قال حدثني إبراهيم بن طهمان ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : لم يكن شيء أحب إلى رسول الله بعد النساء من الخيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية