التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
473 [ ص: 131 ] حديث ثالث وعشرون لنافع عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن ( عبد الله ) بن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة ، إن عاهد عليها أمسكها ، وإن أطلقها ذهبت .


في هذا الحديث التعاهد للقرآن ودرسه والقيام به وفيه الإخبار أنه يذهب عن صاحبه وينساه - إن لم يتعاهد عليه ويقرأه ويدمن تلاوته ، وقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - وعيد شديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه . كل ذلك حض منه على حفظه والقيام به ، حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، قالا حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا عبد الله بن روح ، قال حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، أخبرنا شعبة ، عن يزيد بن أبي [ ص: 132 ] زياد ، قال : سمعت رجلا من أهل الجزيرة يقال له عيسى يحدث ، عن سعد بن عبادة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله يوم القيامة وهو أجذم . معناه عندي منقطع الحجة - والله أعلم - وذكره ابن أبي شيبة ، عن ابن فضل ، عن يزيد ، عن أبي زياد ، عن عيسى بن فائد ، قال حدثني فلان ، عن سعد بن عبادة سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم .

وقال ابن عيينة : في معنى حديث سعد بن عبادة هذا ، وما كان مثله ، إن ذلك في ترك القرآن وترك العمل بما فيه ، وإن النسيان أريد به هاهنا الترك نحو قوله ( اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ) قال : وليس من اشتهى حفظه وتفلت منه بناس له ، إذا كان يحل حلاله ، ويحرم حرامه ، لأن هذا ليس بناس له ، قال ولو كان كذلك ما نسي النبي عليه السلام منه شيئا وقد نسي ، وقال : ذكرني هذا آية نسيتها . وقال الله عز وجل : ( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) فلم يكن الله لينسي نبيه - عليه السلام ، والناس كما يقول هؤلاء الجهال : حدثنا إبراهيم بن شاكر ، وسعيد بن نصر ، قال [ ص: 133 ] حدثنا عبد الله بن عثمان ، حدثنا سعيد بن معاذ ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا نعيم بن حماد ، عن ابن عيينة فذكره .

وكان الصحابة - رضي الله عنهم - وهم الذين خوطبوا بهذا الخطاب ، لم يكن منهم من يحفظ القرآن كله ويكمله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قليل ، منهم : أبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل ، وأبو زيد الأنصاري ، وعبد الله بن مسعود ، وكلهم كان يقف على معانيه ومعاني ما حفظ منه ، ويعرف تأويله ، ويحفظ أحكامه ، وربما عرف العارف منهم أحكاما من القرآن كثيرة ، وهو لم يحفظ سورها ; قال حذيفة بن اليمان : تعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ، وسيأتي قوم في آخر الزمان يتعلمون القرآن قبل الإيمان . ولا خلاف بين العلماء في تأويل قول الله عز وجل ( يتلونه حق تلاوته ) أي يعملون به حق عمله ويتبعونه حق اتباعه ; قال عكرمة ألم تستمع إلى قول الله عز وجل : ( والقمر إذا تلاها ) أي تبعها .

وفي هذا الحديث دليل على أن من لم يتعاهد علمه ، ذهب عنه ، أيا من كان ; لأن علمهم كان ذلك الوقت القرآن لا غير ، وإذا كان القرآن الميسر للذكر يذهب إن لم يتعاهد ، فما ظنك [ ص: 134 ] بغيره من العلوم المعهودة ، وخير العلوم ما ضبط أصله واستذكر فرعه ، وقاد إلى الله تعالى ، ودل على ما يرضاه ، حدثنا أحمد بن قاسم ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال حدثنا يزيد بن هارون ، قال أخبرنا هشام ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن سعد بن هشام ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الماهر بالقرآن مع السفرة ، الكرام البررة ; والذي يقرأه يشق عليه له أجره مرتين .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ، قال : حدثنا تميم بن محمد ، قال حدثنا عيسى بن مسكين ، قال حدثنا سحنون ; وأخبرنا عبد الوارث ، قال حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا ابن وضاح ، قال حدثنا أبو الطاهر ، قالا حدثنا ابن وهب ، قال أخبرنا يحيى بن أيوب ، عن زياد بن فائد ، عن سهل بن معاذ الجهني ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من قرأ [ ص: 135 ] القرآن ، وعمل بما فيه ، ألبس والداه يوم القيامة تاجا ، ضوؤه أحسن من ضوء الشمس الدنيا لو كانت فيه ، فما ظنكم من عمل بهذا .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث ، قالا حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال حدثنا الحميدي ، قال حدثنا سفيان ، قال أخبرني منصور ، عن أبي وائل قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول : تعاهدوا القرآن فهو أشد تفصيا من صدور الرجال ، من النعم من عقله . وقال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي

حدثنا عبد الله بن محمد ، قال حدثنا محمد بن بكر ، قال حدثنا أبو داود ، قال حدثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الخزاز ، حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن ابن جريج ، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : عرضت علي أجور أمتي [ ص: 136 ] حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد ، وعرضت علي ذنوب أمتي ، فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية من القرآن أوتيها رجل ثم أنسيها . وليس هذا الحديث مما يحتج به لضعفه . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية