التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
231 [ ص: 144 ] حديث سابع وعشرون لنافع عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل


هكذا قال : إذا جاء أحدكم . وتابعه جماعة ; ومنهم من يقول : إذا راح أحدكم إلى الجمعة والمعنى واحد .

حدثنا خلف بن القاسم ، قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ، وأحمد بن محمد بن عثمان ، وأحمد بن محمد بن موسى ، ومحمد بن عبد الله بن زكرياء ; قالوا : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا محمد بن عقيل ، حدثنا حفص بن إبراهيم بن طهمان ، عن أيوب ومنصور ومالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ; قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل . [ ص: 145 ] وحدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا هارون بن سعيد بن الهيثم ، حدثنا خالد بن نزار ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن مالك ومنصور ومحمد بن عبد الله وأيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أتى الجمعة فليغتسل . وحدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، وحسن بن رشيق ، والعباس بن مطرح الأزدي ، قالوا : حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا مطرف وإسماعيل ( قال ) : وقرأت على عبد الله بن نافع ; قالوا : حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم : قال إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل .

روى هذا الحديث عن نافع جماعة ; ورواه أيضا سالم عن ابن عمر ، من حديث ابن شهاب ; ومنهم من يرويه عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه ، عن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد رواه بكير بن الأشج عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة ، عن النبي عليه السلام . [ ص: 146 ] حدثنا خلف بن القاسم بن سهل الحافظ ، قال حدثنا الحسين بن جعفر الزيات ، قال حدثنا يوسف بن يزيد ، قال حدثنا إسماعيل بن مسلمة بن قعنب ، قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وممن روى هذا الحديث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مالك ، وأيوب ، وعبيد الله ، وابن جريج ، وعبد العزيز بن أبي رواد ، ومنصور بن سعد ، ومالك بن مغول ، والضحاك بن عثمان ، وليث بن سليم ، ووحجاج بن أرطاة ، وأشعث كلهم عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من جاء منكم الجمعة فليغتسل . ، ورواه معمر ، والأوزاعي ، وابن عيينة ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل . [ ص: 147 ] ورواه الزبيدي عن الزهري ، عن سالم ، أنه أخبره ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من جاء منكم الجمعة فليغتسل . وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن عمر بن الخطاب ; بينما هو يخطب يوم الجمعة ، إذ جاء رجل فجلس ; فقال عمر : لم تحتبسون عن الجمعة ، فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت ثم أقبلت . فقال عمر : الوضوء أيضا ؟ ألم تسمع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل ؟

وروى معمر ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن ابن عمر ، أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم يوم الجمعة يخطب ، فذكر مثل هذا سواء ; قال في آخره والوضوء أيضا ; وقد علمت أن رسول الله كان يأمر بالغسل . وقد رواه جماعة ، عن ابن شهاب كذلك مسندا .

واختلف فيه عن مالك ، فرواه عنه جمهور أصحابه ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، أن عمر - مرسلا . ورواه بعضهم عنه ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن ابن عمر ، أن عمر - متصلا ، وقد ذكرنا ذلك كله في باب ابن شهاب ، عن سالم من كتابنا هذا ، وذكرنا كثيرا من أسانيد هذه الآثار هناك ، [ ص: 148 ] واستوعبنا القول في وجوب غسل الجمعة وسقوطه ، ومن رآه سنة ، وكيف الوجه فيه بما للعلماء في ذلك من إذنه هنالك أيضا ، فلا وجه لإعادة شيء من ذلك هاهنا .

وأما حديث ابن عمر ، عن حفصة في هذا الباب ، فحدثناه عبد الله بن محمد ، قال حدثنا محمد بن بكر ، قال حدثنا أبو داود ، وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا محمد بن الهيثم أبو الأحوص ، قالا جميعا ، حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي ، قال حدثنا المفضل بن فضالة ، عن عياش بن عباس ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : على كل محتلم الرواح إلى الجمعة ، وعلى من راح إلى الجمعة الغسل .

قال أبو عمر : هذا الحديث يدل على أن الغسل إنما يجب عند الرواح ، وكذلك قوله عليه السلام : من جاء منكم [ ص: 149 ] الجمعة فليغتسل . وإذا جاء أحدكم فليغتسل وهذا اللفظ إنما يوجب الغسل عند الرواح على ظاهره - والله أعلم .

وهذا موضع اختلف العلماء فيه ; فذهب مالك ، والأوزاعي ، والليث بن سعد - على اختلاف عنه إلى أن الغسل لا يكون للجمعة إلا عند الرواح إليها متصلا بالرواح ، وقد روي عن الأوزاعي أنه يجزئه أن يغتسل قبل الفجر للجنابة والجمعة ، وذهب أبو حنيفة ، والثوري إلى أن من اغتسل للجمعة بعد الفجر أجزأه من غسلها ، وهو قول الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ; وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، والطبري وهو قول عبد الله بن وهب ; صاحب مالك ، وقال أبو يوسف : إذا اغتسل بعد الفجر ثم أحدث فتوضأ ثم شهد الجمعة ، لم يكن كمن شهد الجمعة على غسل . قال أبو يوسف : إن كان الغسل ليوم فاغتسل بعد الفجر ثم أحدث فصلى الجمعة بوضوء فغسله تام ، وإن كان الغسل للصلاة ، فإنما شهد الجمعة على وضوء .

وقال مالك : من اغتسل عند الرواح ثم أحدث فتوضأ وشهد الجمعة أجزأه غسله ، وإن اغتسل أول النهار ويريد به الجمعة ، لم يجزه من غسل الجمعة ، وقال الثوري : إذا اغتسل يوم الجمعة من جنابة أو غيرها ، أجزأه من غسل الجمعة . فهذا يدل على أن الغسل [ ص: 150 ] عنده لليوم لا للرواح إلى الجمعة ; وقال الأوزاعي : الغسل هو الرواح إلى الجمعة فإن اغتسل لغيره بعد الفجر لم يجزه من الجمعة . وقال الشافعي : الغسل للجمعة سنة . فمن اغتسل بعد الفجر للجنابة ولها أجزأه ، وإن غسل لها دون الجنابة وهو جنب لم يجزه . وقال عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون : وإذا اغتسل ثم أحدث أجزأه الغسل ، فهذا يشبه مذهب مالك ، ويشبه مذهب الثوري .

قال أبو عمر : حجة من جعل الغسل للرواح متصلا به ، حديث ابن عمر هذا ، وحديث حفصة المذكور في هذا الباب ، وحجة من جعل الغسل لليوم حديث جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الغسل واجب على كل مسلم في كل أسبوع يوما - وهو يوم الجمعة . حدثناه عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه ، قال حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال حدثنا بكر بن حماد ، قال حدثنا مسدد ، قال حدثنا خالد الواسطي ، قال حدثنا داود بن أبي هند ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره حرفا بحرف .

فأما قوله في هذا الحديث ، وغيره غسل يوم الجمعة واجب ، فقد مضى القول في سقوط وجوبه من جهة الأثر والنظر [ ص: 151 ] بالدلائل الواضحة في باب ابن شهاب ، عن سالم من كتابنا هذا ، والأصل أن لا فرض إلا بيقين ; وأما من ذهب إلى أن الغسل لليوم فليس بشيء ، لإجماعهم على أنه لو اغتسل بعد الجمعة في باقي اليوم ، لم يكن مغتسلا ، وأنه غير مصيب في فعله ، فدل هذا على أن الغسل للرواح إلى الصلاة ; وإذا حملت الآثار على هذا صحت ولم تتعارض ، فهذا أولى ما في هذا الباب .

وقال أبو بكر الأثرم : سئل أحمد بن حنبل ، عن الذي يغتسل سحر الجمعة ثم يحدث ، أيغتسل أم يجزئه الوضوء ؟ فقال يجزئه ، ولا يعيد الغسل ، ثم قال ما سمعت في هذا حديثا أعلى من حديث ابن أبزى ; قال أبو بكر : حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة ، قال حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عبدة بن أبي لبابة ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه أنه كان يغتسل يوم الجمعة ثم يحدث بعد الغسل فيتوضأ ، ولا يعيد غسلا ، وأجمع العلماء على أن غسل الجمعة ليس بواجب ، إلا طائفة من أهل الظاهر قالوا بوجوبه ، وشددوا في ذلك ; وأما سائر العلماء والفقهاء فإنما هم فيه على قولين : أحدهما أنه سنة ، والآخر أنه مستحب ، وأن الأمر به كان لعلة فسقط والطيب يجزئ [ ص: 152 ] عنه ، وقد بينا هذه المعاني من أقوالهم فيما سلف من كتابنا هذا عند ذكر حديث ابن شهاب ، عن سالم .

واختلف الفقهاء فيمن اغتسل للجمعة ، وهو جنب ولم يذكر جنابته . فذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن ذلك يجزئ من غسل الجنابة وإن لم ينو الجنابة - وكان ناسيا لها ; وممن ذهب إلى هذا ابن كنانة ، وأشهب ، وابن وهب ، ومطرف ، وابن نافع ، وهؤلاء من جلة أصحاب مالك ; وبه قال أبو إبراهيم المزني صاحب الشافعي وإليه ذهب ، وقالت طائفة أخرى من أهل العلم : إن ذلك لا يجزئه حتى ينوي غسل الجنابة ويكون ذاكرا لجنابته ، قاصدا إلى الغسل منها ، وممن ذهب إلى هذا ابن القاسم ، وحكاه ابن عبد الحكم ، عن مالك ، وهو قول الشافعي وأكثر أصحابه : وإليه ذهب داود بن علي ; ولم يختلف قول مالك وأصحابه ، أن من اغتسل للجنابة لا ينوي الجمعة معها أنه غير مغتسل للجمعة ، ولا يجزئه من غسل الجمعة إلا شيء روي عن أشهب بن عبد العزيز ، أنه قال : يجزيه غسل الجنابة من غسل الجمعة ، ذكره محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، عن أشهب ، وكذلك ذكر البرقي عن أشهب ، وقال عبد العزيز بن أبي سلمة ، والثوري ، والشافعي ، والليث بن سعد ، والطبري : المغتسل للجنابة يوم الجمعة يجزئه من غسل الجمعة ، ومن الجنابة جميعا - إذا نوى غسل الجنابة ، وإن لم ينو الجمعة . [ ص: 153 ] وأجمعوا أن من اغتسل ينوي الغسل للجنابة وللجمعة جميعا في وقت الرواح أن ذلك يجزئه منهما جميعا ، وأن ذلك لا يقدح في غسل الجنابة ، ولا يضره اشتراك النية في ذلك ، إلا قوما من أهل الظاهر شذوا فأفسدوا الغسل إذا اشترك فيه الفرض والنفل ; وقد روي مثل هذا في رواية شذت ، عن مالك ( وللحجة عليهم موضع غير هذا ) قال أبو بكر الأثرم : قلت لأحمد بن حنبل : رجل اغتسل يوم الجمعة من جنابة ينوي به غسل الجمعة ; فقال : أرجو أن يجزئه منهما جميعا ، فقلت له يروى عن مالك أنه قال ( لا ) يجزئه عند واحد منهما ، فأنكره قال أبو بكر : حدثنا أحمد بن أبي شعيب ، قال حدثنا موسى وهو ابن أعين ، عن ليث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان يغتسل للجمعة والجنابة غسلا واحدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية