التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1705 [ ص: 239 ] حديث سادس وثلاثون لنافع ، عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء تباع عند باب المسجد فقال : يا رسول الله لو اشتريت هذه الحلة فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك فقال : إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ثم جاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها حلل فأعطى عمر منها حلة فقال : عمر يا رسول الله كسوتنيها ، وقد قلت في حلة عطارد ما قلت ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لم أكسكها لتلبسها فكساها عمر أخا له مشركا بمكة .


قال أبو عمر : لم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث ، ولا يختلف مالك ، وغيره من أصحاب نافع ، عن نافع فيه أيضا ، وبعض أصحاب عبيد الله يقولون فيه : عن ابن عمر ، عن عمر فيجعلونه [ ص: 240 ] من مسند عمر وهو عند أهل العلم بالحديث وأهل الفقه سواء في وجوب الاحتجاج به ، والعمل إلا أن أيوب قال : فيه عطارد ، أو لبيد على الشك وروى حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أن عمر قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني مررت بعطارد ، أو لبيد وهو يعرض حلة حرير فلو اشتريتها للجمعة وللوفود فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة ، وكذلك في رواية سالم ، عن أبيه لهذا الحديث أن الرجل عطارد ، أو لبيد ورواه الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر إلا أن في حديث سالم حلة من إستبرق ، والإستبرق الحرير الغليظ .

وفيه أيضا ثم أرسل إليه بحلة ديباج ، وقال : فيها تبيعها وتصيب بها حاجتك ، وسالم أجل من يرويه ، عن ابن عمر من التابعين وأثبتهم فيه ونافع ثبت جدا فأما قوله في هذا الحديث " حلة سيراء " ، فإن أهل العلم يقولون إنها كانت حلة من حرير ، ولا يختلفون في الثوب المصمت الحرير الصافي الذي لا يخالطه غيره أنه لا يحل للرجال لباسه ، واختلفوا في الثوب الذي يخالطه الحرير على ما نذكره في هذا الباب إن شاء الله .

وأما أهل اللغة ، فإنهم يقولون الحلة السيراء هي التي يخالطها الحرير قال الخليل بن أحمد : السيراء برود يخالطها [ ص: 241 ] حرير ، وقال غيره هي ضروب من الوشي ، والبرود ، وأما الحلة عندهم فثوبان اثنان لا يقع اسم الحلة على واحد ، وأما الحلة المذكورة في هذا الحديث فحرير كلها بنقل الثقات لذلك ، ومن الدليل على ذلك أيضا مع ما في حديث أيوب ، وغيره ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا مضر بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي قال : أخبرنا أبي ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن ابن عمر ، عن عمر أنه خرج من بيته يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - فمر بالسوق فرأى عطارد يقيم حلة من حرير وكان رجلا يغشى الملوك فأتى النبي عليه السلام فقال : هذا عطارد يقيم حلة من الحرير فلو اشتريتها فلبستها إذا أتاك وفود الناس فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما يلبس الحرير من لا خلاق له في الآخرة .

قال أبو عمر : أجمع العلماء على أن لباس الحرير للنساء حلال وأجمعوا أن النهي عن لباس الحرير إنما خوطب به الرجال دون النساء ، وإنه حظر على الرجال ، وأبيح للناس ، وكذلك التحلي بالذهب لا يختلفون في ذلك وردت بمثل ما أجمعوا [ ص: 242 ] عليه من ذلك آثار صحاح من آثار العدول ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا أبو قلابة ، قال : حدثنا بشر عن ابن عمر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن زيد ، عن وهب ، عن علي قال : أهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلة سيراء فأعطانيها فلبستها فقال : إني لم أعطكها لتلبسها قال : فأمرني فشققتها بين نسائي .

ففي هذا الحديث منع الرجال من الحرير ، وإباحته للنساء .

وحدثنا عبد الله بن محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا شعبة ، عن أبي عون قال : سمعت أبا صالح ، عن علي قال : أهديت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلة سيراء فأرسل بها إلي فلبستها فأتيته فرأيت الغضب في وجهه ، وقال : إني لم أرسل بها إليك لتلبسها فأمرني فأطرتها بين نسائي . ومما يدلك على أن هذا على وجه التحريم لا على وجه التنزه ما حدثناه محمد بن خليفة [ ص: 243 ] ، قال : حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين ( الآجري ) ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن أبي الرجال ، قال : حدثنا عمرو بن علي أبو حفص الصيرفي ، قال : حدثنا يزيد بن زريع وبشر بن المفضل ويحيى بن سعيد ، وعبد الوهاب بن عبد المجيد ، وأبو معاوية وحماد بن مسعدة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن سعيد بن أبي هند ، عن أبي موسى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله عز وجل أحل ، لإناث أمتي الحرير ، والذهب وحرمهما على ذكورها . وقرأت على أبي الحسن علي بن إبراهيم بن حمويه أن الحسن بن رشيق حدثهم ، قال : حدثنا أبو بكر يموت بن المزرع بن يموت البصري قراءة عليه ، قال : حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس ، قال : حدثنا يزيد بن زريع وبشر بن المفضل ومعتمر بن سليمان ويحيى بن سعيد ، وعبد الوهاب الثقفي ، وأبو معاوية الضرير وحماد بن مسعدة كلهم ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن سعيد بن أبي هند ، عن [ ص: 244 ] أبي موسى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أحل لإناث أمتي لبس الحرير ، والذهب وحرم ذلك على ذكورها . أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن سعيد بن أبي هند ، عن أبي موسى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الحرير ، والذهب حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم . وذكره عبد الرزاق قال : أخبرنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه ، عن رجل ، عن أبي موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وأخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن سعيد بن أبي هند ، عن رجل ، عن أبي موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، وقد رواه من لا يحتج به ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن سعيد بن أبي هند ، عن رجل من أهل العراق ، عن أبي موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والصواب فيه ، عن عبد الله ما رواه هؤلاء عنه ، وكذلك اختلف فيه على أيوب أخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا أبي قال : [ ص: 245 ] ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن ليث ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن أبي ثعلبة الخشني قال : كان أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل يتناجيان بينهما بحديث فقلت لهما ما حفظتما وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أوصاهما بي فقالا : ما أردنا أن ننتحي دونك بشيء ، وإنما ذكرنا حديثا حدثناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فجعلا يتذاكرانه قال : إنه بدا هذا الأمر نبوءة ورحمة ثم كائن خلافة ورحمة ثم كائن ملكا عضوضا ثم كائن عتوا وحربة وفسادا في الأمة يستحلون الحرير ، والخمور ، والفروج يرزقون على ذلك وينصرون حتى يلقوا الله عز وجل .

وروى تحريم الحرير ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة عمر وعلي ، وعبد الله بن عمر ومعاوية في جماعة من الصحابة وحذيفة وعمران بن حصين ، والبراء بن عازب ، وابن الزبير ، وأبو سعيد الخدري ، وأنس وعقبة بن عامر ، وأبو أمامة ، وأبو هريرة ، وغيرهم ذكر ذلك الطحاوي ، وغيره : أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى ، حدثنا علي بن محمد ، حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا سحنون ، حدثنا ابن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث أن هشام بن أبي رقية اللخمي حدثه قال : سمعت مسلمة بن مخلد قاعدا على المنبر يخطب الناس وهو [ ص: 246 ] يقول : أما لكم في العصب ، والكتان ما يغنيكم عن الحرير ، وهذا يخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قم يا عقبة فقام عقبة بن عامر ، وأنا أسمع فقال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار . وأشهد أني سمعته يقول : من لبس الحرير في الدنيا حرمه في الآخرة . وهذا وعيد شديد في لباس الحرير لقول الله عز وجل ( ولباسهم فيها حرير ) .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن غالب ، قال : حدثنا علي بن ( بحر ) بن بري ، قال : حدثنا شعيب بن إسحاق ، عن الأوزاعي ، قال : حدثنا شداد أبو عمار قال : حدثني أبو أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة .

أخبرنا أحمد بن قاسم المقرئ ، قال : حدثنا ابن حبابة ، قال : حدثنا البغوي ، قال : حدثنا علي بن الجعد ، قال : حدثنا شعبة قال : [ ص: 247 ] أخبرني أبو ذبيان خليفة بن كعب قال : سمعت ابن الزبير يخطب وهو يقول : سمعت عمر بن الخطاب يقول : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الحرير ، وقال : من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة . قال ابن الزبير : من رأيه ، ومن لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة قال : الله عز وجل ( ولباسهم فيها حرير ) رواه حماد بن زيد ، عن ثابت البناني قال عبد الله بن الزبير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فذكره ابن الزبير من النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما سمعه من عمر على ما ذكرناه وروى قتادة ، عن داود السراج ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ولو دخل الجنة يلبسه أهل الجنة ، ولا يلبسه هو . وهذا أولى بالصواب إن شاء الله .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الصعبة عبد العزيز بن أبي الصعبة ، عن أبي أفلح الهمداني ، عن ابن زرير أنه [ ص: 248 ] سمع علي بن أبي طالب يقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال : إن هذين حرام على ذكور أمتي . وروي من حديث زيد بن أرقم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء .

وحدثنا سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عبد الرحيم ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد العزيز بن أبي الصعبة ، عن أبي أفلح الهمداني ، عن عبد الله بن زرير الغافقي سمعه يقول : سمعت علي بن أبي طالب يقول : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريرا بشماله وذهبا بيمينه ثم رفع بهما يديه فقال : إن هذين حرام على ذكور أمتي . ورواه عبد الحميد بن جعفر ، عن يزيد بن أبي حبيب بإسناده مثله كما قال الليث ، وابن إسحاق قال علي بن المدني : هو حديث حسن رجاله معروفون ، ولا يجيء عن علي إلا من هذا الوجه [ ص: 249 ]

قال أبو عمر : هذا لفظ عموم ، والمراد منه الخصوص بإجماع ، لأنهم لا يختلفون أن مالك الحرير ، والذهب وحبسهما للرجال ، والنساء سواء حلال ذلك كله لهم أجمعين ، والمراد بهذا الخطاب لباس الحرير ولباس الذهب دون الملك ، وسائر التصرف فلا يجوز للرجال التختم بالذهب ، ولا أن يحلي به سيفا ، ولا مصحفا لنفسه ، ولا يلبسه في شيء من الأشياء ، وكذلك الحرير لا يلبسه الرجال بحال من الأحوال إلا أن العلماء مختلفون في المقدار المحرم منه فقال : منهم قائلون إنما النهي ، والتحريم في ذلك عني به الثوب من الحرير الخالص الذي لا يخالطه غيره ، وهذا إجماع على ما وصفنا للرجال ، وممن ذهب إلى أن المحرم من الحرير هو الصافي منه الذي لا يخالطه في ذلك الثوب شيء غيره عبد الله بن عباس ، وجماعة من العلماء وحجتهم ما حدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا سليمان بن الأشعث ، قال : حدثنا ابن نفيل ، قال : حدثنا زهير ، قال : حدثنا خصيب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الثوب المصمت من الحرير فأما العلم من الحرير وسدا الثوب فلا بأس .

وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري ، قال : حدثنا يحيى بن يحيى ( الغساني ) ، قال : حدثنا أبو خيثمة ، عن خصيب ، عن عكرمة [ ص: 250 ] ، عن ابن عباس قال : إنما كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثوب المصمت من الحرير فأما العلم من الحرير وسدا الثوب فليس به بأس .

قال أبو عمر : في هذا أيضا حجة لمن ذهب ( إلى ) أن الحلة السيراء المذكورة في هذا الباب كانت حريرا كلها ولهذا قال فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال - والله أعلم - .

وقد ذهب قوم من أهل العلم إلى أن ما كان سداه حريرا من الثياب لا يجوز لباسه للرجال بحال ، وذكروا أن الحلة السيراء هذه صفتها على ما قال أهل اللغة ، واحتج من ذهب هذا المذهب بما حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري ، قال : حدثنا عبد السلام بن عمر ، قال : حدثنا عمران بن عيينة أخو سفيان بن عيينة ، قال : حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن أبي فاختة ، عن جعدة بن مغيرة ، عن علي بن أبي طالب قال : أهدى أمير أذرعات إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلة مسيرة بحرير إما سداها ، وإما لحمتها فبعث بها إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت ما أصنع بها ألبسها فقال : إني لا [ ص: 251 ] أرضى لك ما أكره لنفسي فاجعلها خمرا بين الفواطم فشققت منها أربعة أخمرة خمارا لفاطمة بنت أسد بن هاشم وهي أم علي وخمارا لفاطمة ابنة محمد - صلى الله عليه وسلم - وخمارا لفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب قال يزيد بن أبي زياد : وذكر فاطمة أخرى فنسيتها . وأرخصت هذه الطائفة ، وغيرها من أهل العلم من الحرير في الأعلام نحو الأصبعين ، والثلاث لا غير ، ولم يجوزوا أكثر من ذلك ، ولم يجيزوا السدا ولا اللحمة ، وهذا كله للرجال على ما وصفنا ، وأما النساء فقليله وكثيره جائز لهن ، ومن حجة من ذهب هذا المذهب ما حدثناه أحمد بن قاسم بن عيسى ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، قال : حدثنا علي بن الجعد ، قال : حدثنا شعبة قال : أخبرني قتادة قال : سمعت أبا عثمان النهدي يقول : أتانا كتاب عمر بن الخطاب ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد أما بعد فاتزروا وارتدوا ، وانتعلوا ، وألقوا الخفاف ، وألقوا السراويلات وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل وإياكم والتنعم وزي العجم وعليكم بالشمس ، فإنها حمام العرب [ ص: 252 ] واخشوشنوا ( واخشوشبوا ) واخلولقوا واقطعوا الركب ، وانزوا وارموا الأغراض ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحرير إلا هكذا وهكذا وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى يعني الأعلام .

وحدثنا أحمد بن قاسم المقرئ ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد ، قال : حدثنا البغوي ، قال : حدثنا علي بن الجعد ( قال : ) ، حدثنا شعبة ، عن عاصم ، عن أبي عثمان ، عن عمر نحوه وزاد فيه وتعلموا العربية .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا عبد الله بن روح ، قال : حدثنا شبابة بن سوار الفزاري ، قال : حدثنا شعبة بن الحجاج ، عن قتادة قال : سمعت أبا عثمان النصري يقول : إن كتاب عمر بن الخطاب أتاهم وهم بأذربيجان : أما بعد فاتزروا ، وانتعلوا وارتدوا ، وألقوا الخفاف ، والسراويلات وإياكم وزي العجم وعليكم بالشمس ، فإنها حمام العرب واخشوشنوا واخشوشبوا واقطعوا الركب ، وانزوا على الخيل وارموا الأغراض ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحرير إلا هكذا وضم إصبعيه السبابة ، والإبهام فعلمنا أنها الأعلام [ ص: 253 ]

قال أبو عمر : قوله اخشوشنوا واخشوشبوا بمعنى واحد من الخشونة في الملبس ، والمطعم وكل شيء غليظ خشن فهو أخشب وخشب وهو من الغلظ ، وابتذال النفس في العمل ، وامتهانها ليغلظ الجسد ويخشن هذا قول أبي ، قول ذي الرمة يصف الظليم :


شخت الجزارة مثل البيت سائره من المسوح خدب شوقب خشب

وقال صاحب العين : اخلولق السحاب إذا استوى وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا عاصم ، عن أبي عثمان النهدي قال : قال عمر بن الخطاب : إياكم والحرير ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه ، وقال : لا تلبسوا من الحرير إلا ما كان هكذا وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصبعيه . وأخبرنا عبد الله ( بن محمد ) ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي قال : كتب عمر إلى عتبة بن فرقد أن رسول الله [ ص: 254 ] - صلى الله عليه وسلم - نهى ، عن الحرير إلا ما كان هكذا وهكذا أصبعين وثلاثة وأربعة وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي قال : قال عمر بن الخطاب : إياكم والحرير ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عنه ، وقال : لا تلبسوا الحرير إلا ما كان هكذا وأشار بأصبعيه الوسطى ، والسبابة .

وممن رخص في العلم أيضا عائشة وأسماء ، وقال آخرون من أهل العلم لا يجوز للرجل لباس شيء من الحرير لا قليل ، ولا كثير وممن ذهب هذا المذهب عبد الله بن عمر وهو ممن روى حديث الحلة السيراء ، حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا وكيع ، عن المغيرة بن زياد ، عن أبي عمر مولى إسماعيل ( قال ) : رأيت ابن عمر اشترى عمامة لها علم فدعا بالجلمين على أسماء فذكرت لها ذلك فقالت : بؤسا لعبد الله يا جارية هاتي جبة [ ص: 255 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءت بجبة مكفوفة الكمين ، والجيب ، والفرج بالديباج .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، قال : حدثنا المغيرة بن زياد ، قال : حدثنا عبد الله أبو عمر مولى أسماء بنت أبي بكر قال : رأيت ابن عمر في السوق اشترى ثوبا شاميا فرأى فيه خيطا أحمر فرده فأتيت أسماء ، وذكر الحديث .

وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا إبراهيم بن عرعرة ، قال : حدثنا معاذ بن معاذ ، قال : حدثنا ابن عون ، عن الحسن قال : دخلنا على ابن عمر وهو بالبطحاء فقال رجل : يا أبا عبد الرحمن ، ثيابنا هذه قد خالطها الحرير وهو قليل ، فقال : اتركوه : قليله وكثيره .

وأما حكاية أقاويل الفقهاء في هذا الباب فذكر ابن وهب ، وابن القاسم ، عن مالك قال : أكره لبس الخز [ ص: 256 ] ، لأن سداه حرير ، وأباح الشافعي لبس قباء محشو بقز ، لأن القز ما بطن ، وقال أبو حنيفة : لا بأس بلبس ما كان سداه حريرا ولحمته غير ذلك ، قال : وأكره ما كان لحمته حريرا وسداه غير حرير ، وقال محمد بن الحسن : لا بأس بلبس الحرير ما لم تكن فيه شهرة ، فإن كانت فيه شهرة فلا خير فيه ، وقال أبو جعفر الطحاوي : وقد أجمعوا على نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الحرير ، وفي حديث ابن عباس إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الثوب المصمت فأما السدا ، والعلم فلا يعني الحرير ، وهذا يبين المراد في النهي عن ذلك ، وقال بسر بن سعيد رأيت على سعد بن أبي وقاص جبة شامية قيامها خز ورأيت على زيد بن ثابت خمائص معلمة .

واختلف العلماء في لباس الحرير للرجال في الحرب ، أو من جرب وحكة تكون بهم فرخص فيه قوم وكرهه آخرون وممن كرهه مالك بن أنس ، وابن القاسم ، وجماعة من أهل العلم على كل حال ، ورخصت فيه جماعة منهم ، وإليه ذهب ابن حبيب ، ومن حجتهم ما حدثناه سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عبد الرحيم ، عن حجاج ، عن أبي عمر ، عن أسماء بنت أبي بكر أنها أخرجت جبة مزررة بالديباج فقالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس هذه إذا لقي العدو . [ ص: 257 ] وحدثنا ( سعيد ) ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أنس قال : رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو رخص للزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير لحكة كانت فيهما .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا النفيلي ( قال : ) حدثنا عيسى بن يونس ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس قال : رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام في قمص الحرير في السفر من حكة كانت بهما ، وقد روي عن مالك الرخصة في ذلك أيضا ، وروى سلمة بن علقمة ، عن ابن سيرين قال : نبئت أن الوليد بن عقبة دخل على عمر بن الخطاب وعليه قميص حرير فقال : ما هذا لا أم لك ؟ فقال : أليس عبد الرحمن بن عوف يلبسه ؟ قال : وأنت مثل عبد الرحمن بن عوف لا أم لك ؟ ثم أمر به فمزق عليه يعني ، وأنت مثل عبد الرحمن بن عوف فيما نزل به من [ ص: 258 ] الجرب ، والحكة ، وأما كراهة لباس الحرير في الحرب فذكر أبو بكر ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن الشعبي ، عن سويد بن غفلة قال : شهدت باليرموك فاستقبلنا عمر وعلينا الديباج ، والحرير ، فأنزلنا فرمينا بالحجارة فقلنا ما بلغه عنا ؟ وقلنا كره زينا فنزعنا ، فلما استقبلنا رحب بنا ، وقال : إنكم جئتموني في زي الشرك ، إن الله لم يرض لمن قبلكم الديباج ، ولا الحرير قال : وحدثنا محمد بن أبي عدي ، عن ابن عوف قال : سألت محمد بن سيرين ، عن لبس الديباج في الحرب فقال : من أين كانوا يجرون الديباج ؟ قال : وحدثنا وكيع ، عن أبي سفين ، عن عكرمة أنه كرهه في الحرب ، وقال : أرجى ما يكون للشهادة ، وذكر الأوزاعي ، عن الوليد بن هشام ، عن ابن محيريز مثله بمعناه .

ومما يبين لك أن النساء ليس ممن قصد بتحريم الحرير ، ولا بالرخصة لعلة ، وإن ذلك مباح لهن على كل حال مع ما تقدم ذكره ما أخبرناه عبد الله بن محمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا عمرو بن عون وكثير بن عبيد الحمصيان قالا : حدثنا بقية ، عن الزبيدي ، عن الزهري ، عن أنس ، أنه حدثه [ ص: 259 ] أنه رأى على أم كلثوم ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بردا سيراء ، والسيراء المضلع بالقز هكذا ورد هذا التفسير في هذا الحديث وهو موافق لما ذكرنا ، عن أهل اللغة في تفسير السيراء .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثني أخي ، عن سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، ومحمد بن أبي عتيق ، أن ابن شهاب سئل عن الحرير هل يلبسه النساء ؟ فزعم أن أنس بن مالك أخبره أنه رأى على أم كلثوم ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برد حرير سيراء .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا نصر بن علي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا مسعر ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله قال : كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري يعني الحرير قال مسعر : فسألت عمرو بن دينار عنه فلم يعرفه ، ( وقد روي في أن [ ص: 260 ] التحلي بالذهب مكروه أيضا خبران معلولان لا حجة فيهما لضعفهما عند أهل العلم بالحديث ، وقد ذكرناهما في باب نافع ، عن إبراهيم بن حسين ، والحمد لله ) .

قال أبو عمر : فهذا ما جاء في الحرير ، وأما الخز فقد لبسه جماعة من العلماء ، وقد اختلف علينا في سدا ذلك الخز ، فقال قوم : كان سداه نظما ، وقال آخرون : حريرا ، والمعروف من خزنا اليوم أن سداه حرير ، وذكر مالك في الموطأ ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أنها كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت عائشة تلبسه .

وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن فطيس ، قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة ، قال : حدثنا أفلح بن حميد قال : كان القاسم بن محمد يلبس جبة خز وكان ابنه عبد الرحمن يلبس كساء خز .

وحدثنا أحمد بن عبد الله ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن فطيس ، قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم ، قال : حدثنا عيسى بن دينار ، قال : حدثنا ابن القاسم ، عن مالك قال : كان ربيعة يلبس القلنسوة بطانتها وظهارتها خز وكان إماما ، وقال [ ص: 261 ] في موضع آخر من سماع ابن القاسم قال مالك . وذكر لبس الخز فقال قوم يكرهون لباس الخز ويلبسون القلانس بالخز فعجبنا من اختلاف رأيهم قال مالك : وإنما كره لباس الخز بأن سداه حرير ، وقال أبو نعيم وهب بن كيسان رأيت سعد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله ، وأبا هريرة ، وأنس بن مالك يلبسون الخز ، وفي حديث صفوان بن عبد الله بن صفوان أن سعدا استأذن على ابن عباس وعليه مطرف خز سقوه حرير فقيل له في ذلك فقال : إنما يلي جلدي منه الخز ، واحتج الطحاوي بخبر سعد هذا في أن خز القوم كان فيه حرير وأردفه بحديث عمار بن أبي عمار أن مروان قدمت عليه مطارف خز فكساها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فكأني أنظر إلى أبي هريرة عليه منها مطرف أغبر وكأني أنظر إلى طرق الإبريسم فيه قال : يدل هذا على أن الخز الذي لبسوه هو الذي فيه الحرير .

قال أبو عمر : لبس الخز جماعة من جلة العلماء لو ذكرناهم لأطلنا وأمللنا وخرجنا عما له قصدنا ولكنهم اختلفوا هل كان فيه حرير أم لا واجتناب ذلك لمن يقتدى به أولى ، ولا يقطع على تحريم شيء إلا بيقين لكنه مما سكت عنه وعفي عنه .

وفي حديثنا المذكور في هذا الباب حديث مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء تباع عند باب المسجد " الحديث ، فيه البيع ، والشراء على أبواب المساجد [ ص: 262 ] ، وفيه مباشرة الصالحين ، والفضلاء للبيع ، والشراء ، وفيه أن الجمعة يلبس فيها من أحسن الثياب ، وكذلك يتجمل بالثياب الحسان في الأعياد ، لأن الجمعة عيد ويتجمل بها أيضا على وجه الترهيب للعدو ، والتغليظ عليهم ، وهذا كله في معنى حديثنا المذكور ، ولا أعلم بين العلماء اختلافا في استحباب التجمل بأحسن الثياب يوم الجمعة لمن قدر .

وفيه أن الإنسان يجوز له أن يملك ما لا يجوز له أن يلبس ، وفيه إباحة الطعن عليه ، وأما قوله إنما يلبس هذا من لا خلاق له فمعناه من لا نصيب له من الخير .

وفيه قبول الخليفة للهدايا من قبل الروم ، وغيرهم ، وقد مضى القول في هذا المعنى في باب ثور بن زيد من كتابنا هذا ، وفيه بعض ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السخاء وصلة الإخوان بالعطاء ، وفيه أنه جائز أن يعطي الرجل ما لا يجوز له لباسه إذا جاز له ملكه ، والتصرف فيه ، وفيه صلة القريب المشرك ذميا كان أو حربيا ، لأن مكة لم يبق فيها بعد الفتح مشرك وكانت قبل ذلك حربا ، ولم يختلف [ ص: 263 ] العلماء في الصدقة التطوع أنها جائزة من المسلم على المشرك قريبا كان أو غيره ، والقريب أولى ممن سواه ، والحسنة فيه أتم وأفضل ، وإنما اختلفوا في كفارة الأيمان وزكاة الفطر فجمهور العلماء على أنه لا تجوز لغير المسلمين لقوله - صلى الله عليه وسلم - : أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم ، وكذلك كل ما يجب أن يؤخذ منهم فواجب أن يرد على فقرائهم .

وأجمعوا أن الزكاة المفروضة لا تحل لغير المسلمين فسائر ما يجب أداؤه عليهم من زكاة الفطر وكفارة الأيمان ، والظهار فقياس على الزكاة عندنا ، وأما التطوع بالصدقة فجائز على أهل الكفر من القربات ، وغيرهم لا أعلم في ذلك خلافا - والله أعلم - .

روى الثوري ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من أجل الكفر فنزلت ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم ) الآية [ ص: 264 ] أخبرنا محمد بن عبد الملك ، قال : حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي ، قال : حدثنا سعدان بن نصر ، قال : حدثنا سفيان ، عن أيوب ، عن عكرمة أن صفية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت لأخ لها يهودي أسلم ترثني فسمع ذلك قومه فقالوا : أتبيع دينك بالدنيا فأبى أن يسلم فأوصت له بالثلث .

وحدثنا محمد ، قال : حدثنا ابن الأعرابي ، قال : حدثنا سعدان ، قال : حدثنا سفين ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة ابنة المنذر ، عن جدتها أسماء بنت أبي بكر قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت أتتني أمي وهي راغبة فأعطيها ؟ قال : نعم فصليها .

وروى حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أن أسماء بنت أبي بكر قال : قدمت علي أمي في عهد قريش ومدتهم التي كانت بينهم ، وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي مشركة وهي راغبة فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصلها ؟ قال : صليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية