التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1504 [ ص: 265 ] حديث سابع وثلاثون لنافع ، عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أعتق شركا له في عبد فكان له مال ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وأعتق عليه العبد ، وإلا فقد عتق منه ما عتق .


هكذا قال يحيى : في هذا الحديث من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد وتابعه ابن القاسم ، وابن وهب ، وابن بكير في بعض الروايات عنه من أعتق شركا له في مملوك أقيم عليه قيمة عدل ، ولم يقل : فكان له مال يبلغ ثمن العبد ، وقد تابعه بعضهم أيضا ، عن مالك ، ومن ذكر هذه الكلمة فقد حفظ وجود ، ومن لم يذكرها سقطت له ، ولم يقم الحديث ، ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه [ ص: 266 ] اللفظة مستعملة صحيحة ، وأن التقويم لا يكون إلا على الموسر الذي له مال يبلغ ثمن العبد كما قال هؤلاء في الحديث يحيى ، ومن تابعه ، وهذا الصحيح الذي لا شك فيه ، وقد جود مالك رحمه الله حديثه هذا ، عن نافع وأتقنه وبان فيه فضل حفظه وفهمه وتابعه على كثير من معانيه عبيد الله بن عمر .

وأما أيوب فلم يقمه ، وشك منه في كثير ، وهذا حديث في ألفاظه أحكام عجيبة منها ما اتفق عليه أهل العلم ، ومنها ما اختلفوا فيه ، وقد اختلف في كثير من ألفاظه ، عن ابن عمر وعن سالم ابنه وعن نافع مولاه ونحن نذكر ما بلغنا من ذلك ونذكر ما للعلماء في تلك المعاني من التنازع ، والوجوه بأخصر ما يمكننا وبالله توفيقنا لا شريك له .

فأما رواية أيوب ، عن نافع في هذا الحديث فحدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا عمرو بن زرارة ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أعتق نصيبا ، أو قال : شقصا ، أو قال : شركا له في عبد فكان له من المال ما يبلغ ثمنه بقيمة [ ص: 267 ] عدل فهو عتيق ، وإلا فقد عتق منه ما عتق . قال أيوب : وربما قال : نافع هذا في الحديث وربما لم يقله فلا أدري أهو في الحديث أم ( لا ) ، قال : حدثنا نافع من قبله فقد عتق منه ما عتق وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق قال : أخبرنا سليمان بن الأشعث ، قال : حدثنا سليمان بن داود العتكي ، قال : حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث قال : فلا أدري أهو في الحديث أم شيء قاله نافع ، وإلا فقد عتق منه ما عتق .

وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد ومحمد بن يحيى ومحمد بن محمد وأحمد بن عبد الله قالوا : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا الحسن بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أعتق شركا في عبد ، أو مملوك فهو [ ص: 268 ] عتيق . قال أيوب : قال نافع : وإلا فقد عتق منه ما عتق قال أيوب : فلا أدري أهو في الحديث ، أو قول نافع ؟ .

قال أبو عمر : كان أيوب يشك في هذه الكلمة من هذا الحديث قوله ، وإلا فقد عتق منه ما عتق ، وهذه أيضا كلمة توجب حكما كثيرا ، وقد اختلفت فيها الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واختلف فيها علماء الأمصار على ما سنبينه من تهذيب ألفاظ هذا الحديث إن شاء الله .

وقد كان بعض من ينكر قوله فقد عتق ما عتق يحتج بما رواه عبد الله بن نمير ، عن حجاج بن أرطاة ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أعتق شقصا له في عبد ضمن لأصحابه في ماله إن كان له مال قال نافع : وقال ابن عمر : فإن لم يكن له مال سعى العبد قال : فلو كان في الخبر فقد عتق منه ما عتق ما جعل ابن عمر على العبد سعاية قال : وقد رواه جويرية ، عن نافع ، عن ابن عمر ، ولم يذكر ، وإلا فقد عتق منه ما عتق ، وقد روى هذه اللفظات ، وهذه الكلمات أعني قوله ، وإلا فقد عتق منه ما عتق مالك بن أنس وعبيد الله بن عمر وهو معنى ما جاء به يحيى بن سعيد ، عن نافع في هذا الحديث ، ومن شك فليس بشاهد ، ومن حفظ ، ولم يشك فهو الشاهد الذي يجب [ ص: 269 ] العمل بما جاء به ، وقد كان يحيى بن سعيد يقول : مالك أثبت عندي في نافع من أيوب ، وغيره ، وقد تابع عبيد الله بن عمر مالكا على هذه الزيادة ، وإن كان قد اختلف فيها على عبيد الله فبعضهم يسوقها عنه ، وبعضهم يقصر عنها ، ومن قصر ولم يذكر ، فليس بشاهد .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : حدثنا حمزة بن محمد وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال : أخبرنا محمد بن معاوية قالا : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا إسماعيل بن مسعود ، قال : حدثنا خالد ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من كان له شرك في عبد فأعتقه فقد عتق ، فإن كان له مال قوم عليه قيمة عدل ، وإن لم يكن مال فقد عتق منه ما عتق . وهذا كرواية مالك سواء .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أعتق شركا من مملوك فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه [ ص: 270 ] ، وإن لم يكن له مال أعتق نصيبه . وهذا مثل رواية مالك سواء في المعنى .

وأخبرنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو أسامة ، وابن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أعتق شركا له في مملوك فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه قال : يقوم قيمة عدل على المعتق ، فإن لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق .

فهؤلاء كلهم قد ذكروا هذه الكلمات في هذا الحديث ، عن عبيد الله قوله وإن لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق كما قال مالك : وهذا الموضع هو موضع الحكم على المعتق المعسر الذي لا مال له ، وفيه نفي الاستسعاء ، وفي هذا الموضع اختلفت الآثار وفقهاء الأمصار وروى هذا الحديث يحيى بن سعيد القطان وبشر بن المفضل ، عن عبيد الله بن عمر بإسناده لم يذكرا فيه الحكم في المعتق المعسر ، وإنما قالا : [ ص: 271 ] من أعتق شركا له في عبد فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه لم يزيدا على هذا المعنى ، ومن قصر عما جاء به غيره فليس بحجة ، والحجة فيه أثبت المثبت الحافظ العدل المتقن لا فيما قصر ، عن المقصر ، وقد روى هذا الحديث زهير بن معاوية ، عن عبيد الله بن عمر بإسناده ، وقال فيه ، فإن لم يكن له مال عتق نصيبه ، وهذا موافق لما قال أبو أسامة ، وابن نمير وعيسى بن يونس وخالد الواسطي ومحمد بن عبيد الطنافسي ، عن عبيد الله وهو الصحيح لاجتماع الجماعة الحفاظ من أصحاب عبيد الله على ذلك ، ولموافقة ما جاء به من ذلك مالك رحمه الله .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمود بن خالد ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعنى حديث عبيد الله قاله أبو داود .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا حمزة بن محمد وأخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية قالا : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا أحمد بن سليمان ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن نافع أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أعتق نصيبا في إنسان كلف عتق ما بقي [ ص: 272 ] منه ، فإن لم يكن له مال فقد جاز ما صنع . ورواه عبد الله بن نمير ، عن يحيى بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أعتق نصيبا له في إنسان كلف عتق ما بقي . قال نافع : فإن لم يكن عنده ما يعتقه جاز ما صنع ذكره النسوي ، عن حسين بن منصور ، عن ابن نمير وروى هذا الحديث معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر وأيوب بن موسى وجويرية بن أسماء ، عن نافع ، عن ابن عمر وداود العطار ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عمر ، وابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن سالم ، عن ابن عمر فذكروا كلهم الحكم في الموسر أنه يقوم ويعتق عليه إن كان له مال ، وسكتوا ، عن الحكم في المعسر فلم يقولوا ، وإن لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق كما قال مالك ، وعبيد الله ، ولم يزيدوا على حكم الموسر ، وفي رواية معمر ، عن الزهري عتق ما بقي في ماله إذا كان له مال يبلغ ثمن العبد ، وبعضهم يقول فيه عن عبد الرزاق أقيم ما بقي ، والمعنى واحد ، وهذا لفظ يوجب تقويمه على أنه معتق نصفه ، أو معتق بعضه ، وأما ما ذكرنا من اختلاف الآثار في هذه الكلمة الموجبة لنفوذ عتق نصيب المعتق المعسر دون شيء من استسعاء ، وغيره ، فإن أبا هريرة روى في هذا المعنى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف [ ص: 273 ] ما رواه ابن عمر ، واختلف في حديثه أيضا في ذلك أكثر من الاختلاف في هذا وهو حديث يدور على قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، واختلف أصحاب قتادة عليه في الاستسعاء وهو الموضع المخالف لحديث ابن عمر من رواية مالك ، وغيره ، حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن سعيد بن أبي عروبة ويحيى بن صبيح ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما عبد كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه ، فإن كان موسرا قوم عليه ، وإلا سعى العبد غير مشقوق عليه .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أبو العباس الكديمي ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أعتق شقصا من مملوك فعليه خلاصه من ماله ، فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل ثم استسعى غير مشقوق عليه . وكذلك رواه يزيد بن زريع ، وعبدة بن سليمان وعلي بن مسهر ومحمد بن بشر ويحيى بن أبي عدي ، عن سعيد بن أبي عروبة كما رواه روح بن عبادة سواء حرفا بحرف ، ولم يختلف [ ص: 274 ] على سعيد بن أبي عروبة في هذا الحديث في ذكر السعاية فيه على حسبما ذكرنا وتابعه أبان العطار ، عن قتادة على مثل ذلك . حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبان يعني العطار قال : حدثني قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أعتق شقصا له في مملوك فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال ، وإلا استسعى العبد غير مشقوق عليه .

قال أبو داود : ورواه جرير بن حازم وموسى بن خلف ، عن قتادة بإسناده مثله ، وذكر فيه السعاية رواه هشام الدستوائي ، وشعبة وهمام ، عن قتادة بإسناده مثله لم يذكروا فيه السعاية أخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود قالا جميعا ، حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أعتق شقصا من مملوك عتق من ماله [ ص: 275 ] إن كان له مال . هكذا قال : ابن المثنى : قتادة ، عن بشير بن نهيك لم يذكر النضر بن أنس وهو خطأ منه ، أو من معاذ بن هشام . ورواه روح بن عبادة ، وغيره ، عن هشام ، عن قتادة ، عن النضر ، عن بشير ، عن أبي هريرة كما رواه ( سائر ) أصحاب قتادة .

وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : حدثنا حمزة بن محمد بن علي ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب النسائي قال : أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المملوك بين الرجلين فيعتق ( أحدهما ) نصيبه قال : يضمن . أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق بن داسة التمار ، قال : حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ( بن إسحاق ) ، قال : حدثنا محمد بن كثير قال : أخبرنا همام ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة أن رجلا أعتق [ ص: 276 ] شقصا من غلام فأجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - عتقه وغرمه بقية ثمنه .

وأخبرنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا عبد العزيز بن أبان وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا ابن سويد بن منجوف ، قال : حدثنا روح قالا جميعا ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أعتق شقصا له من مملوك فهو حر من ماله إن كان له مال . وقال روح : عتق من ماله إن كان له مال .

قال أبو عمر : فاتفق شعبة وهشام وهمام على ترك ذكر السعاية في هذا الحديث ، والقول قولهم في قتادة عند جميع أهل العلم بالحديث إذا خالفهم في قتادة غيرهم ، وأصحاب قتادة الذين هم حجة فيه هؤلاء الثلاثة شعبة وهشام الدستوائي ، وسعيد بن أبي عروبة ، فإن اتفقوا لم يعرج على من خالفهم في قتادة ، وإن اختلفوا نظر ، فإن اتفق منهم اثنان ، وانفرد واحد فالقول [ ص: 277 ] قول الاثنين لا سيما إن كان أحدهما شعبة ، وليس أحد بالجملة في قتادة مثل شعبة ، لأنه كان يوقفه على الإسناد ، والسماع ، وهذا الذي ذكرت لك قول جماعة أهل العلم بالحديث ، وقد اتفق شعبة وهشام في هذا الحديث على سقوط ذكر الاستسعاء فيه وتابعهما همام ، وفي هذا تقوية لحديث ابن عمر وهو حديث مدني صحيح لا يقاس به غيره وهو أولى ما قيل به في هذا الباب وبالله التوفيق .

وقد روى شعبة ، عن خالد الحذاء ، عن أبي ، عن ابن التلب ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلا أعتق نصيبه من مملوك فلم يضمنه النبي عليه السلام ، وهذا عند جماعة العلماء على المعسر ، لأن الموسر لم يختلفوا في تضمينه ، وأنه يلزمه في العتق إلا ما لا يلتفت إليه من شذوذ القول ونحن نذكر ما انتهى إلينا من اختلاف العلماء في ذلك هنا إن شاء الله .

ومثل حديث ابن التلب ، عن أبيه في هذا الباب قصة أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ذكرناها في باب أسلم من كتاب الصحابة ، والحمد لله .

وأما اختلاف الفقهاء في هذا الباب ، فإن مالكا ، وأصحابه يقولون إذا أعتق المليء الموسر شقصا له في عبد فلشريكه أن يعتق بتلا وله أن يقوم ، فإن أعتق نصيبه كما أعتق شريكه قبل التقويم كان الولاء بينهما كما كان الملك [ ص: 278 ] بينهما وما لم يقوم ويحكم بعتقه فهو في جميع أحكامه كالعبد ، وإن كان المعتق لنصيبه من العبد عديما لم يعتق غير حصته ونصيب الآخر رق له ويخدم العبد هذا يوما ويكسب لنفسه يوما ، أو يقاسمه كسبه ، وإن كان العتق مليا ببعض شريكه قوم عليه قدر ما معه ينوي بقية النصيب لربه ويقضى عليه في ذلك كما يقضى في سائر الديون الثابتة اللازمة والجنايات ، ويباع عليه شوار بيته وما له بال من كسوته ، والتقويم أن يقوم نصيب صاحبه يوم العتق قيمة عدل ثم يعتق عليه ، وكذلك قال داود ، وأصحابه في هذه المسألة ( إلا ) أنه لا يعتق عليه حتى يؤدي القيمة إلى شريكه وهو قول الشافعي في القديم ، وقال الشافعي : من أعتق شركا له في عبد قومك عليه قيمة عدل وأعطى شركاءه حصصهم وعتق العبد ، وإلا فقد عتق منه ما عتق قال : وهكذا روى ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ويحتمل قوله عليه السلام في عتق الموسر معنيين أحدهما أنه يعتق مع دفع القيمة ، والآخر أنه يعتق إذا كان المعتق موسرا في حين العتق ، وسواء أعسر بعد ذلك قبل التقويم أم لا ويكون العبد حرا كله بالعتق في حين العتق ، فإن قوم عليه في الوقت أخذ ماله [ ص: 279 ] ، وإن تركه حتى أعسر اتبعه بما قد ضمن قال المزني في القول الأول قال في كتاب الوصايا ، وقال في كتاب اختلاف الحديث يعتق كله يوم تكلم بالعتق ، وكذلك قال في ( كتاب ) اختلاف أبي حنيفة ، وابن أبي ليلى ، وقال : أيضا إن مات المعتق أخذ بالذمة من رأس المال لا يمنعه الموت حقا لزمه كما لو جنى جناية ، والعبد حر في شهادته وحدوده وميراثه وجناياته قبل القيمة وبعدها قال المزني : قد قطع بأن هذا المعنى أصح في أربعة مواضع وهو القياس على أصله ، وقد قال : لو أعتق الثاني كان عتقه باطلا ، وفي ذلك دليل على زوال ملكه ، لأنه لو كان ملكه لنفذ عتقه ، وتحصيل مذهب الشافعي ما قاله في الجديد أنه إذا كان المعتق لحصته من العبد موسرا عتق جميعه حين أعتقه وهو حر من يومئذ ويورث وله ولاؤه ، ولا سبيل للشريك على العبد وعليه قيمة نصيب شريكه كما لو قتله وجعل عتقه إتلافا . هذا كله إن كان موسرا في حين العتق للشقص ، وسواء أعطاه القيمة أو منعه ، وإن كان معسرا فالشريك على ملكه يقاسمه كسبه ، أو يخدمه يوما ويخلي لنفسه يوما ، ولا سعاية عليه .

قال أبو عمر : من حجة من ذهب إلى قول الشافعي هذا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أيوب ، عن نافع [ ص: 280 ] ، عن ابن عمر من أعتق نصيبا له في عبد ، فإن كان له مال يبلغ ثمنه بقيمة عدل فهو عتيق . وحديث ابن أبي ذئب ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أعتق شركا في مملوك وكان للذي يعتق نصيبه ما يبلغ ثمنه فهو يعتق كله ، ومنهم من يقول عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعتق شقصا له في عبد ضمن لشريكه في ماله إن كان له مال قالوا : فقوله - صلى الله عليه وسلم - : فهو يعتق كله . وقوله : فهو عتيق . يوجب أن يكون عتيقا كله في وقت وقوع العتق ، ولا ينتظر به قضاء ، ولا تقويم إذا كان المعتق موسرا لتثبت له حرمة الحرية من ساعته في جميع أحكامه اتباعا للسنة في ذلك ، لأنه معلوم أن التقويم ، والحكم ( به ) إنما هو تنفيذ لما قد وجب بالعتق في حينه ، ومن حجة مالك ، ومن تابعه على ما ذكرنا من قوله في هذا الباب في العبد المعتق بعضه أنه لا يعتق على معتق حصته منه حتى يقوم ويحكم بذلك عليه فإذا تم ذلك نفذ عتقه حينئذ فمن حجتهم في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وأعتق عليه العبد قالوا : فلم يقض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعتق العبد [ ص: 281 ] إلا بعد أن يأخذ الشركاء حصصهم فمن أعتقه قبل ذلك فقد خالف نص السنة في ذلك قالوا : ومعلوم أنه يعتق على الإنسان ما يملكه لا ملك غيره ، وإنما يملكه بأداء القيمة إلى شريكه إذا طلب الشريك ذلك ألا ترى أنه لو كان معسرا لا يحكم عليه بعتق ، وفي ذلك دليل واضح على استقرار ملك الذي لم يعتق بغير عتق شريكه لنصيبه وإذا كان ملكه مستقرا استحال أن يعتق على الآخر ما لم يملكه فإذا قوم عليه وحكم بأداء القيمة إليه ملكه ونفذ عتق جميعه بالسنة في ذلك ، والسنة في هذا كالسنة في الشفعة ، لأن ذلك كله نقل ملك بعوض تراض أحكمته الشريعة وخصته إذا طلب الشريك أو الشفيع ما لهما من ذلك ، وليس ما رواه أيوب من قوله فهو عتق مخالفا لما رواه مالك بل هو مجمل فسره مالك في روايته ومبهم أوضحه ، لأنه يحتمل قوله فهو عتيق كله أو فهو معتق كله أي بعد دفع القيمة إلى الشركاء وأكثر أحوالهم في ذلك أن يحتمله الحديث الوجهين جميعا فإذا احتملهما فمعلوم أن العبد رقيق بيقين ، ولا يعتق إلا بيقين ، واليقين ما اجتمع عليه من حريته بعد دفع القيمة وهو أحد قولي الشافعي ، ولم يختلف قول الشافعي إن المعتق لحصته من عبد [ ص: 282 ] بينه وبين غيره وهو معسر في حين تكلم بالعتق أنه لا شيء عليه من سعاية ولا غيرها ، وأنه لا يعتق من تلك الحصة وهو قول مالك في عتق المعسر وقول أحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وأبي عبيد وداود ، والطبري ، وقال مالك : إن مات المعتق الموسر قبل أن يحكم عليه بعتق الباقي لم يحكم على ورثته بعتق ذلك ، وقال الشافعي : يحكم بعتقه إذا مات ولو أتى على تركته إلا أن يعتق في المرض فيقوم في الثلث ، وقال سفيان : إن كان للمعتق حصته من العبد مال ضمن نصيب شريكه ، ولم يرجع به على العبد ، ولا سعاية على العبد وكان الولاء له ، وإن لم يكن له مال فلا ضمان عليه ، وسواء نقص من نصيب الآخر ، أو لم ينقص ويسعى العبد في نصف قيمته حينئذ ، وكذلك قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن ، وفي قولهم يكون العبد كله حرا ساعة أعتق الشريك نصيبه ، فإن كان موسرا ضمن لشريكه قيمة نصف عبده ، وإن كان معسرا سعى العبد في ذلك الذي لم يعتق ، ولا يرجع على أحد بشيء ، والولاء كله للمعتق وهو بمنزلة الحر في جميع أحكامه ما دام في سعايته من يوم أعتق يرث ويورث . وعن ابن شبرمة ، وابن أبي ليلى مثله إلا أنهما جعلا للعبد أن يرجع على المعتق بما سعى فيه متى أيسر ، وقد جاء عن ابن عباس أنه جعل المعتق [ ص: 283 ] بعضه حرا في جميع أحكامه ، وقال أبو حنيفة : إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه وهو موسر ، فإن الشريك بالخيار إن شاء أعتق نصيبه كما أعتق صاحبه وكان الولاء بينهما ، وإن شاء استسعى في نصف قيمته ويكون الولاء بينهما ، وإن شاء ضمن شريكه نصف قيمته ويرجع الشريك بما ضمن من ذلك على العبد يستسعيه فيه إن شاء ويكون الولاء كله للشريك وهو عبد ما بقي عليه من السعاية شيء ، وإن كان المعتق معسرا فالشريك الآخر بالخيار إن شاء ضمن العبد نصف قيمته يسعى فيها ، والولاء بينهما ، وإن شاء أعتقه كما أعتق صاحبه ، والولاء بينهما ، وقال أبو حنيفة : العبد المستسعى ما دام عليه سعاية بمنزلة المكاتب في جميع أحكامه ، فإن مات أدى من ماله لسعايته ، والباقي لورثته ، وقد ذكرنا الاختلاف في هذه المسألة في المكاتب في باب هشام بن عروة في قصة بريرة قال زفر : يعتق العبد كله على المعتق حصته ويتبع بقيمة حصة شريكه موسرا كان أو معسرا ، وقد روي عن زفر مثل أبي يوسف .

قال أبو عمر : لم يقل زفر بحديث ابن عمر ، ولا بحديث أبي هريرة في هذا الباب ، وكذلك أبو حنيفة لم يقل بواحد من الحديثين على وجهه وكل قول خالف السنة فمردود ، والله المستعان . [ ص: 284 ] وقد قيل في هذه المسألة أقوال غير ما قلنا شاذة ليس عليها أحد من فقهاء الأمصار أهل الفتيا اليوم منها قول ربيعة بن عبد الرحمن قال : فمن أعتق حصة له من عبد إن العتق باطل موسرا كان المعتق أو معسرا ، وهذا تجريد لرد الحديث أيضا وما أظنه عرف الحديث ، لأنه لا يليق ذلك ، وقد ذكر محمد بن سيرين ، عن بعضهم أنه جعل قيمة حصة الشريك في بيت المال ، وهذا أيضا خلاف السنة وعن الشعبي ، وإبراهيم أنهما قالا : الولاء للمعتق ضمن أو لم يضمن ، وهذا أيضا خلاف قوله - صلى الله عليه وسلم - : الولاء لمن أعطى الثمن . فهذا حكم من أعتق حصة له من عبد بينه ، وبين غيره .

وأما من أعتق حصة من عبده الذي لا شركة فيه لأحد معه ، فإن عامة العلماء بالحجاز ، والعراق يقولون يعتق عليه كله ، ولا سعاية عليه إلا أن مالكا قال : إن مات قبل أن يحكم عليه لم يحكم عليه .

وقال أبو حنيفة : يعتق منه ذلك النصيب ويسعى لمولاه في بقية قيمته موسرا كان ، أو معسرا وخالفه أصحابه فلم يروا في ذلك سعاية وهو الصواب وعليه الناس ، والحجة في ذلك أن السنة لما وردت بأن يعتق عليه نصيب شريكه كان أحرى بأن يعتق عليه فيه ملكه ، لأنه موسر به مالك [ ص: 285 ] له ، وهذه سنة وإجماع ، وفي مثل هذا قالوا : ليس لله شريك ، وقد جاء عن الحسن يعتق الرجل من عبده ما شاء ، وهذا نحو قول أبي حنيفة وروي مثله عن علي رضي الله عنه وبه قال أهل الظاهر ، كما يهب من عبده ما شاء ورووا في ذلك خبرا عن إسماعيل بن أمية ، عن أبيه ، عن جده أنه أعتق نصف عبد فلم ينكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتقه ذكره أبو داود في السنن .

وعن الشعبي وعبيد الله بن الحسن مثل قول أبي حنيفة سواء ، ومن الحجة أيضا في إبطال السعاية حديث عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند الموت ، وليس له مال غيرهم فأقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم فأعتق ثلثهم وأرق الثلثين ، ولم يستسعهم ، وقال الكوفيون في هذه أيضا يعتق العبيد كلهم ويسعون في ثلثي قيمتهم للورثة فخالفوا السنة أيضا برأيهم ، وسنذكر هذا الحديث وما للعلماء في معناه من الأقوال في باب يحيى بن سعيد إن شاء الله .

( قال أبو عمر ) : ومن ملك شقصا ممن يعتق عليه [ ص: 286 ] بأي وجه ملكه سوى الميراث ، فإنه يعتق عليه جميعه إن كان موسرا بعد تقويم حصة من شركه فيه ، ويكون الولاء له ( أ ) ، وهذا قول جمهور الفقهاء ، فإن ملكه بميراث فقد اختلفوا في عتق نصيب شريكه عليه ، وفي السعاية على حسبه ما قدمنا من أصولهم ، وفي تضمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعتق لنصيبه من عبد بينه وبين غيره قيمة باقي العبد دون أن يلزمه الإتيان ( ب ) بنصف عبد مثله دليل على أن من استهلك ، أو أفسد شيئا من الحيوان ، أو العروض التي لا تكال ، ولا توزن ، فإنما عليه قيمة ما استهلك من ذلك لا مثله ، وهذا موضع اختلف فيه العلماء ، فذهب مالك ، وأصحابه إلى أن من أفسد شيئا من العروض التي لا تكال ، ولا توزن ، أو شيئا من الحيوان ، فإنما عليه القيمة لا المثل بدليل هذا الحديث قال مالك : والقيمة أعدل في ذلك وذهب جماعة من العلماء منهم الشافعي وداود إلى أن القيمة لا يقضى بها إلا عند عدم المثل وحجتهم في ذلك ظاهر قول الله عز وجل ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) ، ولم يقل بقيمة ما عوقبتم به ، وهذا عندهم على عمومه في الأشياء كلها على ما يحتمله ظاهر الآية ، واحتجوا أيضا من الآثار بما حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد [ ص: 287 ] بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى قال أبو داود : وحدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا خالد ، جميعا عن حميد ، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين جارية بقصعة لها فيها طعام قال : فضربت بيدها فكسرت القصعة قال ابن المثنى في حديثه فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى وجعل يجمع فيهما الطعام ويقول : غارت أمكم كلوا فأكلوا حتى جاءت قصعتها التي في بيتها ثم رجع إلى حديث مسدد ، وقال : كلوا وحبس الرسول القصعة حتى فرغوا فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وحبس المكسورة في بيته قال أبو داود : وحدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان قال : حدثني فليت العامري قال أبو داود : وهو أفلت بن خليفة ، عن جسرة بنت [ ص: 288 ] دجاجة قالت : قالت عائشة : ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاما فبعثت به فأخذني أفكل فكسرت الإناء فقلت يا رسول الله ما كفارة ما صنعت قال : إناء مثل إناء وطعام مثل طعام .

قال أبو عمر : قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث : طعام مثل طعام مجتمع على استعماله ، ( والقول به ) في كل مطعوم مأكول ، أو موزون مأكول ، أو مشروب إنه يجب على مستهلكه مثله لا قيمته على ما ذكرناه في باب زيد بن أسلم عند ذكر حديث أبي رافع فاعلم ذلك ، وقال أبو عمر : المثل لا يوصل إليه إلا بالاجتهاد كما أن القيمة تدرك بالاجتهاد ، وقد أجمعوا على المثل في المكيلات ، والموزونات متى وجد المثل ، واختلفوا في العروض ، وأصح حديث في ذلك حديث نافع ، عن ابن عمر فيمن أعتق شقصا له في عبد أنه يقوم عليه دون أن يكلف الإتيان بمثله ، وقيمة العدل في الحقيقة مثل ، وقد قال العراقيون في قول الله عز وجل : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) أن القيمة مثل في هذا الموضع ، وأبى ذلك أهل الحجاز وللكلام في ذلك موضع غير هذا . [ ص: 289 ] واختلف الذين لم يقولوا بالسعاية في توريث المعتق بعضه إن مات له ولد وتوريثه منه فروي ، عن علي رضي الله عنه قال : يرث ويورث بقدر ما أعتق منه وعن ابن مسعود مثله وبه قال : عثمان البتي ، والمزني ، وقال الشافعي في الحديث يورث منه بقدر حريته ، ولا يرث هو وروي عن زيد بن ثابت أنه قال : لا يرث ، ولا يورث وهو قول مالك ، والشافعي في العراقي ، وقال ابن سريج فإذا لم يورث احتمل أن يجعل ماله في بيت المال وجعله مالك ، والشافعي في القديم باقيه ، وقال أهل النظر من أصحاب الشافعي ، وغيرهم هذا غلط ، لأنه ليس لمالك باقيه على ما عتق منه ولاء ، ولا رحم ، ولا ملك ، وهذا صحيح وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية