التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1492 [ ص: 290 ] حديث ثامن وثلاثون لنافع ، عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة .


لا خلاف عن مالك في لفظ هذا الحديث ، ولا في إسناده ، وكذلك رواه أيوب وعبيد الله بن عمر وهشام بن الغازي ، ( وغيرهم ) عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء .

لم يختلفوا في إسناده ، وكذلك رواه الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر مثله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن في حديث الزهري يبيت ثلاثا إلا وصيته [ ص: 291 ] مكتوبة عنده . قال ابن عمر : فما بت ليلة مذ سمعتها إلا ووصيتي عندي ، وقال فيه ابن عيينة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما حق امرئ يؤمن بالوصية وفسره فقال : يؤمن بأنها حق ، وقال فيه سليمان بن موسى ، عن نافع إنه يحدثه ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا ينبغي لأحد عنده مال يوصي فيه أن يأتي عليه ليلتان ، إلا عنده وصية .

وكذلك قال فيه عبد الله بن نمير ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما حق امرئ يبيت وعنده مال يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده . وقد مضى في باب ثور بن زيد تفسير المال وقول من قال : مال أولى عندي من قول من قال : شيء ، لأن الشيء قليل المال وكثيره .

وقد أجمع العلماء على أن من لم يكن عنده إلا اليسير التافه من المال أنه لا يندب إلى الوصية ، وقال ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يحل لامرئ مسلم له مال يوصي فيه الحديث هكذا قال : لا يحل ، ولم يتابع على هذه اللفظة - والله أعلم - . [ ص: 292 ] ففي هذا الحديث الحض على الوصية ، والتأكيد على ذلك ، وهذا على الندب لا على الإيجاب عند الجميع لا يختلفون في ذلك ، وقد أجمع العلماء على أن الوصية غير واجبة على أحد إلا أن يكون عليه دين ، أو تكون عنده وديعة ، أو أمانة فيوصي بذلك ، وفي إجماعهم على هذا بيان لمعنى الكتاب ، والسنة في الوصية ، وقد شذت طائفة فأوجبت الوصية لا يعدون خلافا على الجمهور ، واحتجوا بظاهر القرآن ، وقالوا : المعروف واجب كما يجب ترك المنكر قالوا : وواجب على الناس كلهم أن يكونوا من المتقين .

قال أبو عمر : ليس في كتاب الله ذكر الوصية إلا في قوله عز وجل : ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) ، وهذه الآية نزلت قبل نزول الفرائض والمواريث ، فلما أنزل الله حكم الوالدين وسائر الوارثين في القرآن نسخ ما كان لهم من الوصية وجعل لهم مواريث معلومة على حسبما أحكم من ذلك تبارك وتعالى ، وقد روي عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والحسن أن آية المواريث نسخت الوصية ( للوالدين والأقربين ) [ ص: 293 ] الوارثين وهو مذهب الشافعي وأكثر المالكيين ، وجماعة من أهل العلم . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا وصية لوارث ، وهذا بيان منه - صلى الله عليه وسلم - أن آية المواريث نسخت الوصية للوارثين ، وأما من أجاز نسخ القرآن بالسنة من العلماء ، فإنهم قالوا : هذا الحديث نسخ الوصية للورثة ، وللكلام في نسخ القرآن بالسنة موضع غير هذا ، ومما يدل على أن الحديث في الحض على الوصية ندب لا إيجاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يوص مع ما ذكرنا من إجماع الذين لا يجوز عليهم السهو ، والغلط ، ولا الجهل بمعنى كتاب الله ، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا وكيع وأخبرنا أحمد بن محمد وأحمد بن سعيد قالا : حدثنا وهب بن مسرة ومحمد بن أبي دليم قالا : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا مصعب بن سعيد ، قال : حدثنا ابن المبارك جميعا ، عن مالك بن مغول ، عن طلحة بن مصرف قال : قلت لابن أبي أوفى أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء قالا : لا قلت فكيف أمر الناس بالوصية ؟ فقال : أوصى بكتاب [ ص: 294 ] الله واستدل بعض العلماء بقوله عز وجل في آية الوصية ( حقا على المتقين ) على أنها ليست بواجبة وجعلها مثل قوله ( متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ) قال : والمعروف هو التطوع بالإحسان ، والمتقون وغيرهم في الواجب سواء .

وروى الثوري ، عن جابر ، عن الشعبي قال : الوصية ليست بواجبة من شاء أوصى ، ومن شاء لم يوص وعن إبراهيم ، والربيع بن خثيم مثله وعليه الناس وهو قول الجمهور من العلماء . وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا مسدد ومحمد بن العلاء وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن عبد السلام ، قال : حدثنا محمد بن المثنى قالوا : حدثنا أبو معاوية ، قال : حدثنا الأعمش ، عن شقيق بن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة قالت ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينارا ، ولا درهما ، ولا شاة ، ولا أوصى بشيء .

قال أبو عمر : أما تركه - صلى الله عليه وسلم - الوصية وندبه أمته إليها ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - ليس كأحد من أمته في هذا ، لأن ما يخلفه هو فصدقة قال - صلى الله عليه وسلم - : إنا لا نورث [ ص: 295 ] ما تركنا فهو صدقة . وإذا كان ما يخلفه صدقة فكيف يوصي منه بثلث ؟ أو كيف يشبه في ذلك بغيره ؟ وغيره لا تجوز له الوصية خاصة وما يخلفه هو - صلى الله عليه وسلم - بعده فصدقة كله على ما قال - صلى الله عليه وسلم - . ووجه آخر وهو قول الله عز وجل ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين ) ، والخير هاهنا المال لا خلاف بين أهل العلم في ذلك ومثل قوله عز وجل ( إن ترك خيرا ) وقوله ( وإنه لحب الخير لشديد ) وقوله ( إني أحببت حب الخير ) وقوله ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) الخير في هذه الآيات كلها المال ، وكذلك قوله عز وجل حاكيا عن شعيب - صلى الله عليه وسلم - ( إني أراكم بخير ) يعني الغنى ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يترك دينارا ، ولا درهما ، ولا شاة ، وقال : ما تركت بعدي صدقة ، وقال : إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة . [ ص: 296 ] وقد مضى تفسير ذلك في باب ابن شهاب ، عن عروة من كتابنا هذا ، والحمد لله .

واختلف السلف في مقدار المال الذي تستحب فيه الوصية ، أو تجب عند من أوجبها فروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : ستمائة درهم ، أو سبعمائة درهم ليس بمال فيه وصية . وروي عنه أنه قال : ألف درهم مال فيه وصية ، وهذا يحتمل لمن شاء ، وقال ابن عباس : لا وصية في ثمانمائة درهم ، وقالت عائشة رضي الله عنها في امرأة لها أربعة من الولد ولها ثلاثة آلاف درهم لا وصية في مالها ، وقال إبراهيم النخعي : ألف درهم من خمسمائة درهم ، وقال قتادة في قوله عز وجل ( إن ترك خيرا الوصية ) قال : الخير ألف فما فوقها وعن علي بن أبي طالب ( قال ) : من ترك مالا يسيرا فليدعه لورثته فهو أفضل وعن عائشة فيمن ترك ثمانمائة درهم لم يترك خيرا فلا يوصي ، أو نحو هذا من القول ، وهذا كله يدلك على أن الأمر بالوصية في الكتاب والسنة على الندب لا على الإيجاب ولو كانت الوصية واجبة في الكتاب للوالدين ، والأقربين كانت منسوخة بآية المواريث ثم ندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الوصية لغير الوالدين وحض عليها ، وقال : لا وصية لوارث فاستقام الأمر وبان ، والله المستعان .

فالوصية مندوب إليها مرغوب فيها غير واجب شيء منها . [ ص: 297 ] واتفق فقهاء الأمصار على أن الوصية جائزة في كل مال قل ، أو كثر ، وقد مضى القول في الوصية بالثلث ، وأنه لا يتعدى ، ولا يتجاوز في الوصية وما استحب من ذلك وتلخيص وجوه القول فيه مستوعبا في باب ابن شهاب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص من كتابنا هذا فلا وجه لإعادته هاهنا قرأت على عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن أن محمد بن بكر حدثهم ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أحمد بن محمد المروزي ، قال : حدثنا علي بن حسين بن واقد ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين ) فكانت الوصية كذلك حتى نسختها آية الميراث وقرأت على أحمد بن قاسم ، وعبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن أبي صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : وقوله ( إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين ) فكان لا يرث مع الوالدين غيرهم إلا وصية إن كان للأقربين ، فأنزل [ ص: 298 ] الله بعد هذا ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ) فبين سبحانه ميراث الوالدين وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت .

قال أبو عمر : مذهب مالك ، وسائر الفقهاء أن الوصية نسخت الوارثين خاصة الوالدين منهم ، والأقربين وبقي منها ما كان لغير الوارثين والدين كانوا أو أقربين . حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحدثنا محمد بن خليفة ، قال : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وحدثنا محمد بن عبد الله بن حكم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان ، قال : حدثنا هشام بن عمار وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن نجدة قالوا كلهم ، حدثنا إسماعيل بن عباس ، عن شرحبيل بن مسلم سمعه يقول : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 299 ] يقول في خطبته عام حجة الوداع : إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث . اللفظ بحديث ابن أبي شيبة .

وأخبرنا محمد بن عبد الملك ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي أبو سعيد ، قال : حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، قال : حدثنا يزيد بن هارون وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن الجهم ، والحارث بن أبي أسامة قالا : حدثنا عبد الوهاب قال : أخبرنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن عمرو بن خارجة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطبهم وهو على راحلته فقال : إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث فلا تجوز وصية لوارث .

وأخبرنا محمد بن خليفة ، قال : حدثنا محمد بن الحسن ، قال : حدثنا إبراهيم بن الهيثم الناقد ، قال : حدثنا أبو معمر القطيعي ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة . [ ص: 300 ]

قال أبو عمر : ( هذا إجماع من علماء المسلمين فارتفع فيه القول ووجب التسليم ) ، ولا خلاف بين العلماء أن الوصية للأقارب أفضل من الوصية لغيرهم إذا لم يكونوا ورثة ، وكانوا في حاجة ، وكذلك لا خلاف علمته بين العلماء في جواز وصية المسلم لقرابته الكفار ، لأنهم لا يرثونه ، وقد أوصت صفية بنت حيي لأخ لها يهودي ، واختلفوا فيمن أوصى لغير قرابته وترك قرابته الذين لا يرثون ، فروي عن عمر أنه أوصى لأمهات أولاده لكل واحدة بأربعة آلاف ، وروي عن عائشة أنها أوصت لمولاة لها بأثاث البيت ، وروي عن سالم مثل ذلك قال الضحاك : إن أوصى لغير قرابته فقد ختم عمله بمعصية وقال : طاوس من أوصى فسمى غير قرابته وترك قرابته محتاجين ردت وصيته على قرابته ذكره عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه وهو مشهور ، عن طاوس ، وروي عن الحسن البصري مثله ، وقال الحسن أيضا وجابر بن زيد ، وسعيد بن المسيب إذا أوصى لغير قرابته ( وترك قرابته ) ، فإنه يرد إلى قرابته ثلثي الثلث ويمضي ثلثه لمن أوصى له .

أخبرنا محمد [ ص: 301 ] بن خليفة ، قال : حدثنا محمد بن الحسين ، حدثنا أبو بكر بن أبي داود ، حدثنا المثنى بن أحمد ، حدثنا عاصم بن علي ، حدثنا أبو هلال ، حدثنا قتادة ، عن الحسن ، وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد فذكره وبه قال إسحاق بن راهويه ، ذكره إسحاق الكوسج عنه ، حدثناه أحمد بن محمد بن أحمد وعبيد بن محمد قالا : حدثنا الحسن بن سلمة ، قال : حدثنا عبد الله بن الجارود ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، عن إسحاق فذكره ، وقال مالك : وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم إذا أوصى لغير قرابته وترك قرابته محتاجين أو غير محتاجين ، جاز ما صنع وبئسما فعل - إذا ترك قرابته محتاجين وأوصى لغيرهم ، وبه قال أحمد بن حنبل وهو قول عمر وعائشة ، وابن عباس وعطاء ومجاهد وقتادة ، وسعيد بن جبير ، وجمهور أهل العلم ، واحتج الشافعي ، وغيره في جواز الوصية لغير الأقارب بحديث عمران بن حصين في الذي أعتق ستة أعبد له عند موته في مرضه لا مال له غيرهم ، فأقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة فهذه وصية لهم في ثلثه ، لأن أفعال المريض كلها وصية في ثلثه وهم لا محالة من غير قرابته وحسبك بجماعة أهل الفقه ، والحديث [ ص: 302 ] يجيزون الوصية لغير القرابة ، وفي ذلك ما يبين لك المراد من معاني الكتاب وبالله العصمة ، والتوفيق .

ذكر حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر في رجل أوصى بثلثه في غير قرابته قال : يمضى حيث أوصى ، وذكر حماد بن سلمة أيضا ، عن حميد الطويل أن ثمامة بن عبد الله كتب إلى جابر يسأله عن رجل أوصى بثلثه في غير قرابته فكتب جابر : أن أمضه كما قال : وإن أمر بثلثه أن يلقى في البحر ، قال حميد ، وقال محمد بن سيرين أما في البحر فلا ولكن يمضي كما قال . وذكر وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر قال : للرجل ثلثه عند موته يطرحه في البحر إن شاء . ووكيع ، عن طلحة بن عمرو الحضرمي ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة لكم في أعمالكم ، والمبارك بن حسان ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله عز وجل يقول : ابن آدم اثنتان لم يكن لك واحدة منهما جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك لأطهرك وأزكيك ، وصلاة عبادي عليك [ ص: 303 ] ودرست بن زياد ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله مات فلان قال : أو ليس كان عندنا آنفا قالوا : بلى قال : سبحان الله أخذه أسف على غضب ، المحروم من حرم وصيته . وثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان قال : قال أبو بكر الصديق : إن الله تصدق علينا بثلث أموالنا زيادة في أعمالنا .

قال أبو عمر : تركت الأسانيد بيني وبين رواة هذه الأحاديث ، وهي أحاديث حسان ، وليست فيها حجة من جهة الإسناد ، لأن في نقلتها ضعفا واضحا منها : ما حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : حدثنا عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة قال : قال رجل : يا رسول الله ، أي الصدقة أفضل ؟ قال : أن تصدق وأنت صحيح حريص تأمل البقاء وتخشى الفقر ، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلت لفلان كذا ولفلان كذا . زاد عبد الوارث ، وقد كان لفلان . [ ص: 304 ] وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشام ، قال : حدثنا قتادة ، عن مطرف ، عن أبيه قال : أتيت النبي عليه السلام وهو يقرأ ( ألهاكم التكاثر ) فقال : يقول ابن آدم : مالي مالي وما لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت . ورواه شعبة ، وسعيد بن أبي عروة ، عن قتادة ، عن مطرف بن عبد الله ، عن أبيه ، عن النبي عليه السلام مثله سواء .

وأخبرنا عبد الله ( بن محمد قال ) : ، حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا ابن أبي فديك قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن شرحبيل بن سعد ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم خير من أن يتصدق بمائة عند موته . وروى موسى بن عقبة ، وشعبة ، والثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي حبيبة الطائي قال : سمعت أبا الدرداء يقول : [ ص: 305 ] سمعت رسول الله يقول : مثل الذي يعتق عند الموت مثل الذي يهدي إذا شبع . ورواه أبو الأحوص ، وجماعة ، عن أبي إسحاق بإسناده مثله ، ومن حديث أبي سفيان ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، وذكر وكيع ، عن الثوري ، والأعمش ، عن زيد ، عن مرة ، عن عبد الله بن مسعود في قوله ( وآتى المال على حبه ) قال : أن تؤتيه ، وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر . وذكر حماد بن سلمة ، قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن الشعبي قال : من أوصى بوصية فلم يضار فيها ، ولم يجنف كانت بمنزلة ما لو تصدق بها وهو صحيح .

حدثنا محمد بن خليفة ، قال : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا إبراهيم بن موسى ، قال : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الإضرار في الوصية من الكبار ثم قرأ ( غير مضار وصية من الله ) إلى قوله ( ومن يعص الله ورسوله ) قال في الوصية ( ومن يطع الله ورسوله ) قال في الوصية ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، حدثنا عبدة بن عبد الله ، حدثنا عبد الصمد بن عبد [ ص: 306 ] الوارث قال نصر بن علي الحداني ، قال : حدثنا الأشعث بن جابر الحداني ، قال : حدثنا شهر بن حوشب أن أبا هريرة حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين أو سبعين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار . وقرأ أبو هريرة ( من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار ) ، ( وفي رواية معمر أن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة ثم يعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة ، ولم يقل معمر : ابن جابر الحداني ) . وروى الثوري ومعمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : الجنف أن يوصي لابن ابنته وهو يريد ابنته ويقول طاوس إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا وصية لوارث . وروي عن ابن عباس في تفسير الجنف مثل قول طاوس فقال الحسن : هو أن يوصي للأجانب ويترك الأقارب ، وأصل الجنف في اللغة الميل ومعناه في الشريعة الإثم . [ ص: 307 ]

قال أبو عمر : جمهور العلماء على أن الوصية لا تجوز لوارث على حال من الأحوال إلا أن يجيزها الورثة بعد موت الموصي ، فإن أجازها الورثة بعد الموت فجمهور العلماء على جوازها وممن قال ذلك مالك ، وسفيان ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، والشافعي وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وقال ابن خواز منداد : اختلف أصحابنا في الوصية للوارث فقال بعضهم : هي وصية صحيحة وللوارث الخيار في إجازتها أوردها ، فإن أجازوا ، فإنما هو تنفيذ لما أوصى به الميت ، وقال بعضهم : ليست وصية صحيحة ، فإن أجازوا فهي عطية منهم مبتدأة ، وقال المزني ، وداود وأهل الظاهر لا تجوز ، وإن أجازها الورثة وحسبهم أن يعطوه من أموالهم ما شاءوا ، وحجتهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا وصية لوارث . ولم يقل إلا أن يجيزها الورثة ، وسائر العلماء من التابعين ، ومن بعدهم من الخالفين يجيزونها ، لأنهم يرونها عطية من الورثة بعضهم لبعض فلذلك اعتبروا فيها الجواز بعد موت الموصي ، لأنه حينئذ يصح ملكهم وتصح عطيتهم .

واختلف الفقهاء في إجازة الورثة الوصية في حياة الموصي إذا أوصى لورثته ، أو بأكثر من ثلثه واستأذنهم في ذلك وهو مريض فقال مالك : إذا كان مريضا واستأذن ورثته في أن [ ص: 308 ] يوصي لوارث ، أو يوصي بأكثر من ثلثه فأذنوا له وهو مريض محجور عن أكثر من ثلثه ، لزمهم ما أجازوا من ذلك ، وقال الثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم وأحمد وأكثر أهل العلم لا يلزمهم حتى يجيزوا بعد موته ، وسواء أجازوا ذلك في مرضه أو صحته إذا كان ذلك في حياته ، وأجمعوا أنهم لو أجازوا ذلك ، وهو صحيح ، لم يلزمهم وأجمعوا أنهم إذا أجازوا ما أوصى به مورثهم لوارث منهم ، أو أجازوا وصيته بأكثر من الثلث بعد موته لزمهم ذلك ، ولم يكن لهم أن يرجعوا في شيء منه قبض ، أو لم يقبض ، وإن هذا لا يحتاج فيه إلى قبض عند جميعهم فهذه أصول مسائل الوصايا ، وأما الفروع فتتسع جدا ، والحمد لله على كل حال .

وأما قوله عز وجل ( فمن بدله بعدما سمعه ) الآية ، فمعناه عند جماعة العلماء تبديل ما أوصى به المتوفى إذا كان ذلك مما يجوز إمضاؤه ، فإن أوصى بما لا يجوز مثل أن يوصي بخمر ، أو خنزير ، أو بشيء من المعاصي ، فهذا يجوز تبديله ، ولا يجوز إمضاؤه كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث ، أو لوارث . [ ص: 309 ] حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر ، قال : حدثنا محمد بن أبي دليم ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا يعقوب بن كعب ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن ابن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول قال : كان في وصية أبي الدرداء : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصى به أبو الدرداء أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأنه يؤمن بالله ، ويكفر بالطاغوت على ذلك يحيا ويموت إن شاء الله ، وأوصى فيما رزقه الله بكذا وكذا ، وإن هذه وصيته إن لم يغيرها قبل الموت .

أخبرنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا هشيم ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : كتب عمر في وصيته لا يقر عامل أكثر من سنة إلا الأشعري ، يعني أبا موسى ، فأقروه أربع سنين .

قال أبو عمر : لا يختلف العلماء أن للإنسان أن يغير وصيته ويرجع فيما شاء منها ، إلا أنهم اختلفوا من ذلك في المدبر ، فقال مالك : رحمه الله ، الأمر المجتمع عليه عندنا أن للإنسان أن يغير من وصيته ما شاء من عتاقة ، وغيرها إلا التدبير ، وله أن [ ص: 310 ] ينقض وصيته كلها ، ويبدلها بغيرها ، ويصنع من ذلك ما شاء إلا التدبير ، فإنه لا يتصرف فيه ، قال : أبو الفرج المدبر في العتاقة كالمعتق إلى شهر ، لأنه أجل آت لا محالة ، وقد أجمعوا أنه لا يرجع في اليمين بالعتق ، والعتق إلى أجل فكذلك المدبر ، وقال الثوري ، وسائر الكوفيين إذا قال الرجل : إن مت ففلان حر فليس له أن يرجع ، وإن قال : إن مت من مرضي هذا ، ففلان حر ، فإن شاء أن يبيعه باعه ، فإن لم يبعه فمات عتق ، فإن صح فلا شيء له .

قال أبو عمر : وإن قال الرجل لعبده : فلان حر بعد موتي وأراد الوصية ، فله الرجوع عند مالك في ذلك ، وإن قال : فلان مدبر بعد موتي ، لم يكن له الرجوع فيه ، وإن أراد التدبير بقوله الأول لم يرجع أيضا عند أكثر أصحاب مالك ، واختلف ابن القاسم وأشهب فيمن قال : عبدي حر بعد موتي ، ولم يرد الوصية ، ولا التدبير ، فقال ابن القاسم : هو وصية ، وقال أشهب : هو مدبر إن لم يرد الوصية ، وأما الشافعي وأحمد وإسحاق ، وأبو ثور ، فكل هذا عندهم وصية ، والمدبر عندهم وصية يرجع فيها ، والمدبر وغير المدبر من سائر ما ينفذ بعد الموت في الثلث [ ص: 311 ] من الوصايا عندهم سواء يرجع صاحبه في ذلك كله ، وفيما شاء منه إلا أن الشافعي قال لا يكون الرجوع في المدبر إلا بأن يخرجه من ملكه ببيع أو هبة ، وليس قوله قد رجعت رجوعا ، وإن لم يخرج المدبر من ملكه حتى يموت ، فإنه يعتق بموته ، وقال في القديم يرجع في المدبر بما يرجع في الوصية وأجازه المزني قياسا على إجماعهم على الرجوع فيمن أوصى بعتقه ، وقال أبو ثور إذا قال : قد رجعت في مدبري فلان فقد بطل ، فإن مات لم يعتق وحجة الشافعي ، ومن قال بقوله في أن المدبر وصية إجماعهم على أنه في الثلث كسائر الوصايا ، وفي إجازتهم وطء المدبرة ما ينقض قياسهم على المعتق إلى أجل ، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - باع مدبرا ، وأن عائشة دبرت جارية لها ثم باعتها وهو قول جابر ، وابن المنكدر ومجاهد ، وجماعة من التابعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية