التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
670 [ ص: 361 ] حديث حاد وأربعون لنافع ، عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الوصال قالوا : فإنك تواصل يا رسول الله ، قال : إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى .


أجمع العلماء على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الوصال ، وروي ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - من وجوه منها : حديث أنس ، وحديث ابن عمر ، وحديث أبي هريرة ، وحديث أبي سعيد الخدري ، وحديث عائشة ، واختلفوا في تأويله فقال منهم قائلون : إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال رفقا منه بأمته ورحمة بهم فمن قدر على الوصال فلا حرج ، لأنه لله عز وجل يدع طعامه ، وشرابه ، وكان عبد الله بن محمد بن يوسف أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الأنصاري ، قال : حدثنا الزبير بن بكار ، قال : حدثنا محمد بن سلمة ، عن مالك بن أنس أن عامر بن عبد الله بن الزبير كان [ ص: 362 ] يواصل في شهر رمضان ثلاثا فقيل له ثلاثة أيام ؟ قال : ومن يقوى يواصل ثلاثة أيام يومه وليله ؟ ومن حجة من ذهب هذا المذهب ما حدثناه محمد بن إبراهيم ، قال محمد بن معاوية ، وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا حمزة بن محمد قالا : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال : أخبرنا عبدة بن سليمان ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال رحمة ، قالوا : يا رسول الله إنك تواصل ، قال : إني لست كأحد منكم يطعمني ربي ويسقيني . وكان أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه لا يكرهان أن يواصل من سحر إلى سحر ، ومن حجة من ذهب إلى هذا أيضا ما حدثناه عبد الله بن محمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، أن بكر بن مضر حدثهم عن ابن الهادي ، عن عبد الله بن حباب ، عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر ، قالوا : فإنك تواصل ، قال : إني لست كهيئتكم إن لي مطعما يطعمني ، وساقيا يسقيني . [ ص: 363 ] وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ومحمد بن الجهم قالا : حدثنا روح ، قال : حدثنا صالح قال : أخبرنا ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الوصال فقال رجل من المسلمين : إنك يا رسول الله ، تواصل فقال : لستم مثلي ، إني أبيت فيطعمني ربي ويسقيني . فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال ، واصل بهم يوما ، ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال : لو تأخر لزدتكم . كالمنكل لهم ، وكذلك رواه شعيب بن أبي حمزة ويحيى بن سعيد الأنصاري ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزاد كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا ، ورواه عبد الرحمن بن نمر ، عن الزهري قال : أخبرني سعيد ، وأبو سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره .

وبهذه الآثار وشبهها يحتج من ذهب إلى أن النهي عن الوصال إنما كان رحمة بهم ، وشفقة عليهم ورفقا ، وكره مالك ، والثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وجماعة من أهل الفقه ، والآثار الوصال على كل حال لمن قوي عليه ولغيره ، ولم يجيزوا الوصال لأحد ، ومن حجتهم ما حدثناه محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا عبيد الله بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى ، عن عبيد الله قال : أخبرني نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واصل في رمضان فواصل الناس فنهاهم ، عن الوصال فقالوا : إنك تواصل قال : إني لست مثلكم إني أطعم [ ص: 364 ] وأسقى . فقد نهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عن الوصال وثبت عنه عليه السلام أنه قال : إذا نهيتكم ، عن شيء فانتهوا عنه وإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم . وحقيقة النهي الزجر ، والمنع .

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن الجهم ، قال : حدثنا عبد الوهاب قال : سئل سعيد ، عن الوصال فأخبرنا ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ألا ) لا تواصلوا فقيل له إنك تواصل فقال : إني لست كأحد منكم إن ربي يطعمني ويسقيني . ومما احتج به أيضا من نهى عن الوصال على كل حال ، ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، ومحمد بن إسماعيل قالا : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا هشام بن عروة قال : حدثني أبي قال : سمعت عاصم بن عمر بن الخطاب يحدث ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم قالوا : ففي هذا الحديث ما يدل على أن الوصال للنبي [ ص: 365 ] - صلى الله عليه وسلم - خصوص ، وأن الواصل لا ينتفع بوصاله ، لأن الليل ليس بموضع للصيام بدليل هذا الحديث وشبهه ، وقد روي عن عبد الله بن أبي أوفى ، عن النبي عليه السلام مثله ، وقال الله عز وجل ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) ، وإلى هنا غاية لا تتجاوز ، هذا ما نزع به من احتج لمذهبنا في ذلك ، وفي المسألة عندي نظر ، ولا أحب لأحد أن يواصل وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية