التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 12 ] قال أبو عمر : هذه أسماء اصطلاحية ، وألقاب اتفق الجميع عليها ، وأنا ذاكر في هذا الباب معانيها إن شاء الله .

اعلم وفقك الله أني تأملت أقاويل أئمة أهل الحديث ، ونظرت في كتب من اشترط الصحيح في النقل منهم ، ومن لم يشترطه ; فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن ، لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطا ثلاثة ، وهي :

عدالة المحدثين في أحوالهم .

ولقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة .

وأن يكونوا برآء من التدليس .

والإسناد المعنعن : فلان عن فلان عن فلان عن فلان .

وقد حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن حدثنا إبراهيم بن بكر حدثنا محمد بن الحسين بن أحمد الأزدي الحافظ الموصلي [ ص: 13 ] قال : حدثنا ابن زاكيا ، قال : حدثنا أبو معمر عن وكيع ، قال : قال شعبة : فلان عن فلان ليس بحديث ، قال وكيع : وقال سفيان : هو حديث .

قال أبو عمر : ثم إن شعبة انصرف عن هذا إلى قول سفيان .

وقد أعلمتك أن المتأخرين من أئمة الحديث ، والمشترطين في تصنيفهم الصحيح ، قد أجمعوا على ما ذكرت لك ، وهو قول مالك ، وعامة أهل العلم ، والحمد لله ، إلا أن يكون الرجل معروفا بالتدليس ; فلا يقبل حديثه حتى يقول : حدثنا ، أو سمعت ، فهذا ما لا أعلم فيه أيضا خلافا .

ومن الدليل على أن " عن " محمولة عند أهل العلم بالحديث على الاتصال حتى يتبين الانقطاع فيها ما حكاه أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل : أنه سئل عن حديث المغيرة بن شعبة : أن النبي عليه السلام مسح أعلى الخف وأسفله ; فقال : هذا الحديث ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي [ ص: 14 ] فقال : عن ابن المبارك أنه قال عن ثور : حدثت عن رجاء بن حيوة ، عن كاتب المغيرة ، وليس فيه المغيرة .

قال أحمد : وأما الوليد فزاد فيه : عن المغيرة ، وجعله ثور عن رجاء ، ولم يسمعه ثور من رجاء ; لأن ابن المبارك قال فيه : عن ثور حدثت عن رجاء .

قال أبو عمر : ألا ترى أن أحمد بن حنبل رحمه الله عاب على الوليد بن مسلم قوله " عن " في منقطع ليدخله في الاتصال ؟ .

فهذا بيان أن " عن " ظاهرها الاتصال حتى يثبت فيها غير ذلك ، ومثل هذا عن العلماء كثير .

وسنذكر هذا الحديث بطرقه عند ذكر حديث المغيرة بن شعبة في باب : ابن شهاب عن عباد بن زياد ، إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية