التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
979 [ ص: 253 ] حديث سابع وخمسون لنافع ، عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو .


قال مالك : أرى ذلك مخافة أن يناله العدو هكذا قال يحيى ، والقعنبي ، وابن بكير ، وأكثر الرواة ، ورواه ابن وهب ، عن مالك ، فقال في آخره : خشية أن يناله العدو ، في سياق الحديث لم يجعله من قول مالك ، وكذلك قال عبيد الله بن عمر ، وأيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو .

ورواه الليث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو يخاف أن يناله العدو .

[ ص: 254 ] وقال إسماعيل بن أمية ، وليث بن أبي سليم ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو ، فإني أخاف أن يناله العدو ، وكذلك قال شعبة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - عليه السلام - وهو صحيح مرفوع .

وأجمع الفقهاء أن لا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو في السرايا ، والعسكر الصغير المخوف عليه ، واختلفوا في جواز ذلك في العسكر الكبير المأمون عليه ، قال مالك : لا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ، ولم يفرق بين العسكر الكبير والصغير .

وقال أبو حنيفة : يكره أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو إلا في العسكر العظيم ، فإنه لا بأس بذلك .

واختلفوا من هذا الباب في تعليم الكافر القرآن ، فمذهب أبي حنيفة أنه لا بأس بتعليم الحربي ، والذمي القرآن ، والفقه ، وقال مالك : لا يعلموا القرآن ، ولا الكتاب ، وكره رقية أهل الكتاب ، وعن الشافعي روايتان أحدهما الكراهة ، والأخرى الجواز .

[ ص: 255 ] قال أبو عمر : الحجة لمن كره ذلك قول الله - عز وجل - : ( إنما المشركون نجس ) ، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يمس القرآن إلا طاهر .

ومعلوم أن من تنزيه القرآن وتعظيمه إبعاده عن الأقذار والنجاسات ، وفي كونه عند أهل الكفر تعريض له لذلك وإهانة له ، وكلهم أنجاس لا يغتسلون من جنابة ، ولا يعافون ميتة ، وقد كره مالك ، وغيره أن يعطى الكافر درهما ، أو دينارا فيه سورة ، أو آية من كتاب الله ، وما أعلم في هذا خلافا إذا كانت آية تامة ، أو سورة ، وإنما اختلفوا في الدينار ، والدرهم إذا كان في أحدهما اسم من أسماء الله فأما الدراهم التي كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن عليها قرآن ، ولا اسم الله ، ولا ذكر ، لأنها كانت من ضرب الروم ، وغيرهم من أهل الكفر ، وإنما ضربت دراهم الإسلام في أيام عبد الملك بن مروان ، وذكر أحمد بن المعدل ، عن عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون ، أنه سئل عن الرجل يدخل بالمصحف أرض العدو لما له في ذلك من استذكار القرآن ، والتعليم ، ولما يخشى أن يطول به السفر فينسى ، فقال عبد الملك : لا يدخل أرض العدو بالمصاحف ، لما يخشى من التعبث بالقرآن ، والامتهان له مع أنهم أنجاس .

[ ص: 256 ] ومع ما جاء في ذلك من النهي الذي لا ينبغي أن يتعدى ، فإن قال قائل : أفيجوز أن يكتب المسلم إلى الكافر كتابا فيه آية من كتاب الله ؟ قيل له : أما إذا دعي إلى الإسلام ، أو كانت ضرورة إلى ذلك فلا بأس به لما رواه الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : أخبرني أبو سفيان بن حرب ، فذكر قصة هرقل ، وحديثه بطوله ، وفيه قال : فقرأ كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين و ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ) الآية .

التالي السابق


الخدمات العلمية