التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1465 [ ص: 48 ] حديث ثالث لثور بن زيد مرسل مالك عن ثور بن زيد الديلي أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه ، قال : أيما دار ، أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية ، وأيما دار ، أو أرض أدركها الإسلام ، ولم تقسم فهي على قسم الإسلام هكذا هذا الحديث في الموطأ لم يتجاوز به ثور بن زيد أنه بلغه عند جماعة رواة الموطأ ، والله أعلم . ورواه إبراهيم بن طهمان عن مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس تفرد به ، عن مالك بهذا الإسناد ، وهو ثقة ، وقد روى هذا الحديث مسندا من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه ، رواه محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس ورواه ابن عيينة عن عمرو عن النبي عليه السلام مرسلا . أخبرنا عبيد بن محمد قال : حدثنا عبد الله بن مسرور قال : حدثنا عيسى بن مسكين قال : حدثنا ابن سنجر قال : حدثنا موسى بن داود ، قال : حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن [ ص: 49 ] دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل قسم قسم في الجاهلية فهو على قسم الجاهلية ، وكل شيء أدركه الإسلام ، ولم يقسم فهو على قسم الإسلام . وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال : أخبرنا محمد بن عمر بن علي بن حرب قال : أخبرنا علي بن حرب قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال : قال النبي عليه السلام : أيما ميراث من الجاهلية اقتسم في الجاهلية فهو على قسم الجاهلية ، وما أدرك الإسلام فهو على قسم الإسلام . أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم قال : حدثنا موسى بن داود قال : حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم ، وكل قسم أدركه الإسلام ، ولم يقسم فهو على قسم الإسلام .


قال أبو عمر : قال المزني : سألت الشافعي عن أهل دار الحرب يقتسمون ميراثا من العقار وغيره ، ويملك بعضهم على بعض بذلك القسم ، ثم يسلمون ، فيريد بعضهم أن ينقض ذلك القسم ويقسم على قسم الإسلام ، فقال : ليس ذلك له ، فقلت له : وما الحجة في ذلك ؟ فقال : الاستدلال بمعنى الإجماع والسنة ، قلت : وأين ذلك فذكر حديث مالك عن ثور بن زيد هذا ؟ ، قال : ونحن نرويه متصلا بهذا المعنى ، قال : وأما الإجماع ، فإن أهل دار الحرب إذا سبى بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا ، ثم أسلموا أهدرت الدماء وملك [ ص: 50 ] كل واحد منهم ما كان قد ملكه قبل الإسلام من الرقيق الذين استرقهم وسائر الأموال ، فما ملكوه بالقسم في الجاهلية أحق وأولى أن يثبت من ملك الغصب والاسترقاق لمن كان حرا . وقال ابن وهب : سألت مالكا عن تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم : أيما دار ، أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية ، فقال لي : هو كذلك ، أيما دار في الجاهلية قسمت ، ثم أسلم أهلها فهم على قسمتهم يومئذ ، وأيما دار في الجاهلية لم تزل بأيدي أصحابها لم يقتسموها حتى كان الإسلام فاقتسموها في الإسلام فهو على قسم الإسلام ، فقلت لمالك : أرأيت النصراني يموت ويترك ولدا نصرانيا ، ثم يموت فيسلم بعض ولده قبل قسم ميراثهم ؟ فقال مالك : ليس هذا من هذا في شيء ، إنما يقسم هؤلاء من أسلم منهم ، ومن لم يسلم على حال قسمهم يوم مات أبوهم . وقال إسماعيل بن إسحاق في كتاب الفرائض له : معنى هذا الحديث - والله أعلم - أن أهل الجاهلية كانوا يقتسمون المواريث على خلاف فرائضنا ، فإذا اقتسموا ميراثا في الجاهلية ، ثم أسلموا بعد ذلك فهم على ما أسلموا عليه كما يسلم على ما صار في يد كل واحد منهم ، وحازه من الغصوب والدماء وغير ذلك ، فكذلك كلما اقتسموا من المواريث ، فإذا أسلموا قبل أن يبرموا في ذلك شيئا عملوا فيه بأحكام المسلمين . وأما مواريث أهل الإسلام فقد استقر حكمها يوم مات الميت قسمت ، أو لم تقسم وهم فيما لم يقسم على حسب شركتهم وعلى قدر سهامهم ، قال إسماعيل : [ ص: 51 ] وأحسب أهل الجاهلية لم يكونوا يعطون الزوجة ما نعطيها ، ولا يعطون البنات ما نعطيهن وربما لم تكن لهم مواريث معلومة يعملون عليها ، قال : وقد حدثنا أبو ثابت ، عن ابن القاسم ، قال : سألنا مالكا عن الحديث الذي جاء أيما دار قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أدركها الإسلام ، ولم تقسم فهي على قسم الإسلام ، فقال مالك : الحديث لغير أهل الكتاب . وأما النصارى واليهود فهم على مواريثهم ، لا ينقل الإسلام مواريثهم التي كانوا عليها ، قال إسماعيل : قول مالك هذا على أن النصارى واليهود لهم مواريث قد تراضوا عليها ، وإن كانت ظلما ، فإذا أسلموا على ميراث قد مضى فهم كما لو اصطلحوا عليه ، ثم يكون ما يحدث من مواريثهم بعد الإسلام على حكم الإسلام . حدثنا خلف بن قاسم قال : حدثنا محمد بن أحمد بن كامل قال : حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال : حدثنا زيد بن البشر قال : حدثنا ابن وهب قال : سمعت الليث يقول : في قول النبي صلى الله عليه ما كان على قسم الجاهلية فهو على قسم الجاهلية ، وما كان من قسم أدركه الإسلام قبل أن يقسم فهو على قسم الإسلام : [ ص: 52 ] إن ذلك يكون أبدا في الإسلام . فلو أن نصرانيا هلك وترك ولدا له نصرانيا ، ثم أسلموا جميعا قبل القسم قسم بينهم الميراث على قسم مواريث المسلمين ، ولو أنهم اقتسموا قبل أن يسلموا لكانت مواريثهم على قسم الجاهلية ، قال : وإن أسلم بعضهم ، ولم يسلم بعض ، فإن القسم بينهم على قسم الجاهلية لأنهم إنما ورثوه يوم مات وهم على دينهم . قال أبو عمر : اختلف أصحاب مالك في معنى هذا الحديث ، فروى ابن القاسم عن مالك أنه قال : إنما ذلك في مشركي العرب والمجوس فقط . وأما اليهود فهم على قسمتهم . قال أبو عمر : فالوثني والمجوسي ، ومن لا كتاب له عنده في هذه الرواية إذا مات وله ورثة على دينه فلم يقتسموا ميراثه حتى أسلموا اقتسموه على شريعة الإسلام ; لأنهم في وقت القسمة مسلمون ولا كتاب لهم فيقتسمون ما وجب لهم من ميراثهم عليه . وأما الكتابي على هذه الرواية إذا مات وله ورثة على دينه فلم يقتسموا ميراثه حتى أسلموا فإنهم يقتسمونه على حسب ما وجب لكل واحد منهم في دينه وشريعته في حين موت موروثهم ; لأن الميراث حينئذ وجب واستحق كل واحد منهم ما استحقه بموت موروثه ، لا يزاح أحد منهم عما استحقه في دينه الذي قد أقررناه عليه . وروى ابن نافع وأشهب وعبد الملك بن عبد العزيز [ ص: 53 ] ومطرف ، عن مالك أن ذلك في الكفار كلهم : المجوس ومشركي العرب وأهل الكتاب وجميع أهل الملل ، وهذا أولى لما فيه من استعمال الحديث على عمومه في أهل الجاهلية ولأن الكفر لا تفترق أحكامه لاختلاف أديانه ، ألا ترى أن من أسلم من جميعهم أقر على نكاحه ولحقه ولده ، وعند مالك وجميع أصحابه أن أهل الكفر كلهم سواء ، مجوسا كانوا أو كتابيين في مقاتلتهم وضرب الجزية عليهم وقبولهم منهم وإقرارهم على دينهم ، وقد جمعهم الله عز وجل في الوعيد والتخليد في النار وشملهم اسم الكفر ، فلا يفرق بين شيء من أحكامهم ، إلا ما قام الدليل عليه فيكون مخصوصا بذلك الدليل الذي خصه كأكل ذبائح الكتابيين ومناكحتهم دون سائر أهل الكفر بما نص عليه من ذلك ، ومحال أن يكونوا جماعة مؤمنين ، كلهم يقتسمون ميراثهم على شريعة الطاغوت ومنهاج الكفر ، وهذا قول ابن شهاب وجماعة أهل الحجاز وجمهور أهل العلم والحديث . وكل من قال بهذا الحديث لم يفرق بين الكتابيين وغيرهم ، إلا ما ذكرنا ، وقد أبى قوم من القول به والحجة تلزمهم به ; لأنه حديث قد وصله من ليس به بأس ، وهو معمول به عند أهل المدينة ومكة ، وقد روى أصبغ عن ابن القاسم أنه سئل ، عن قول رسول الله صلى الله عليه أيما دار قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أدركها الإسلام ، ولم تقسم فهي على قسم الإسلام ، قلت : أيريد بهذا مشركي العرب أم يكون في اليهود والنصارى ؟ فقال : تفسيره عندي أن كل ورثة ورثوا دارا على مجوسية ، أو يهودية ، أو نصرانية فلم يقسموا حتى أسلموا ، فإن مواريثهم ترجع في قسم الدار على سنة [ ص: 54 ] فرائض الإسلام ، وإن كانوا قد اقتسموا وهم على يهوديتهم ، أو مجوسيتهم مضى ذلك القسم ، ولم يعد بينهم اتباعا للحديث وأخذا به ، قلت له : فإن أسلم بعضهم قبل أن يقتسموا فدعا من أسلم منهم إلى أن يقتسموا على فرائض الإسلام ودعا من لم يسلم منهم إلى التمسك بفرائض أهل دينهم ، كيف الحكم بينهم ؟ فقال : يقرون على قسم أهل دينهم ما بقي منهم واحد لم يسلم ، ولا يجبرون على غير ذلك ، إلا أن يتراضوا على حكم من حكام المسلمين فحكم بينهم بكتاب الله . هكذا ذكره ورواه مطروح بن محمد بن شاكر ، عن أصبغ . وروى ابن وهب قال : قلت لمالك : النصراني يموت وله ولد نصارى فيسلم بعض ولده بعد موته قبل قسم الميراث ؟ فقال : من أسلم منهم ، ومن لم يسلم على حال واحدة في قسمتهم يوم مات أبوهم ، إن كان للذكر في قسمتهم مثل حظ الأنثى ، لم يكن لمن أسلم إلا ذلك ، إنما يقسمون على قسم النصرانية ، وإن كان قد أسلم بعضهم ، فلا يقسم لمن أسلم منهم ، إلا ما وجب له قبل أن يسلم يوم مات أبوه . قال : وقال مالك في النصراني : يموت وله أولاد مسلمون ونصارى ، فيسلم النصراني منهم قبل قسم الميراث فقال : إنما يكون ميراثه لمن كان على دينه يوم مات ، وليس لمن كان مسلما قبل موته شيء ، ولو أسلم النصراني وله أولاد مسلمون ونصارى ، ثم مات فأسلم ولده النصارى بعد موته قبل القسم لم يكن لهم من ميراثه شيء ، فقلت لمالك : والعتاقة كذلك ، فقال : نعم من أعتق بعد الموت ، فلا شيء له ، وإن كان قبل القسم . [ ص: 55 ] قال أبو عمر : بهذا قال الشافعي وجمهور أهل العلم . وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وسليمان بن يسار والزهري كلهم يقول : من أسلم ، أو أعتق بعد الموت ، فلا ميراث له ، ولا قسم ; لأن الميراث قد وجب في حين الموت لمن وجب من عصبة ، أو بيت مال المسلمين ، أو سائر ورثته ، وهو قول الكوفيين والحجازيين وجمهور العلماء أن الميراث إنما يقع ويجب بموت الموروث في حين موته كالرجل المسلم يموت وله أولاد نصارى ، ثم يسلمون بعد ، فلا حق لهم في ميراثه ، وقد وجب بموته لوارث مسلم إن كان له غيرهم وإلا فلبيت مال المسلمين ، إلا ما روي عن أبي الشعثاء جابر بن زيد البصري وطائفة من فقهاء التابعين بالبصرة خاصة ، فإن ابن أبي عمر ذكر عن ابن عيينة قال : حدثنا عمرو بن دينار قال : سمعت أبا الشعثاء يقول : إذا مات الرجل وترك ابنا له مملوكا فأعتق ، أو نصرانيا فأسلم من قبل أن يقتسم ميراثه ورثته ، قال سفيان : سمعت عمرو بن دينار يقول : أظن أبا الشعثاء أخذه من قول رسول الله صلى الله عليه أيما ميراث من ميراث الجاهلية اقتسم في الجاهلية فهو على قسم الجاهلية ، وما أدرك الإسلام فهو على قسم الإسلام ، قال سفيان بن عيينة : حدثنا داود بن أبي هند قال : سألت سعيد بن المسيب عن الميراث إذا أسلم ، أو أعتق الوارث بعد الموت ، فقال سعيد : يرد الميراث إلى أهله ، يقول : لا يرث ، وإن أعتق قبل أن يقسم الميراث ; لأن أباه وهو عبد مملوك . [ ص: 56 ] وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا محمد بن عبد السلام قال : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا شعبة قال : سألت الحكم وحمادا عن رجل أسلم على ميراث فقالا : ليس له شيء ، وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء وابن أبي ليلى : إن مات مسلم وله ولد نصارى ، ثم أسلموا ، ولم يقسم ميراثه حتى أسلموا ، فلا حق لهم ، وقعت المواريث قبل أن يسلموا . قال : وأخبرنا معمر عن الزهري سمعه ، يقول : إذا وقعت المواريث ، فمن أسلم على ميراث ، فلا شيء له ، ومن حديث شعبة قال : أخبرني حصين ، قال : رأيت شيخا يتوكأ على عصا ، فقيل لي : هذا وارث صفية بنت حيي بن أخطب أسلم على ميراثها بعد موتها قبل أن يقسم فلم يورث . قال أبو عمر : على هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي ومن قال بقولهم ، وقد جاء عن عمر وعثمان رضي الله عنهما في هذا الباب شيء موافق لقول أبي الشعثاء ليس عليه العمل عند الفقهاء فيما علمت ، وهو حديث حدثناه أحمد بن فتح قال : حدثنا ابن أبي رافع ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن [ ص: 57 ] أبي قلابة ، عن حسان بن بلال المزني عن يزيد بن قتادة أن إنسانا مات من أهله ، وهو على غير دين الإسلام ، قال : فورثته ابنته دوني ، وكانت على دينه ، ثم إن جدي أسلم وشهد مع رسول الله صلى الله عليه حنينا فتوفي وترك نخلا ، فأسلمت ، فخاصمتني في الميراث إلى عثمان بن عفان فحدث عبد الله بن الأرقم أن عمر قضى أنه من أسلم على ميراث ، قيل : إن يقسم فإنه يصيبه فقضى له عثمان فذهبت بالأولى وشاركتني في الآخرة ، قال إسماعيل : هذا حكم لا يحتمل فيه على مثل حسان بن بلال ويزيد بن قتادة ; لأن فقهاء الأمصار من أهل المدينة والكوفة على خلافه ولأن ظاهر القرآن يدل على أن الميراث يجب لأهله في حين موت الميت . قال أبو عمر : كان عثمان - رحمه الله - يقول في هذا الباب بما عليه الفقهاء اليوم حتى حدثه عبد الله بن أرقم عن عمر بن الخطاب أنه ورث قوما أسلموا قبل قسم الميراث وبعد موت الموروث ، فرجع إلى هذا القول . وقال به وتابعه على ذلك ثلاثة من فقهاء التابعين بالبصرة ، وهم الحسن وجابر بن زيد وقتادة . وقال الحسن : فإن قسم بعض [ ص: 58 ] الميراث ، ثم أسلم ورث مما لم يقسم ، ولم يرث مما قسم ، وحجة من قال هذا القول حديث هذا الباب ، وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن حسان بن بلال عن يزيد بن قتادة العنزي ، عن عبد الله بن الأرقم كاتب عمر أن عمر بن الخطاب قال : من أسلم على ميراث قبل أن يقسم صار الميراث له بإسلامه واجبا . وروى عبد الوارث عن كثير بن شنظير ، عن عطاء أن رجلا أسلم على ميراث على عهد النبي عليه السلام قبل أن يقسم ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه نصيبه منه . وروى يزيد بن زريع عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن زيد بن قتادة قال : توفيت أمنا مسلمة ولي إخوة نصارى ، فأسلموا قبل أن يقسم الميراث ، فدخلنا على عثمان فسأل كيف قضى في ذلك عمر فأشرك بيننا . وروى وهيب عن يونس عن الحسن قال : من أسلم على ميراث قبل أن يقتسم فهو أحق به . قال أبو عمر : حكم من أعتق عندهم قبل القسم كحكم من أسلم ، واختلف في ذلك عن الحسن ، فقال مرة : هو بمنزلة من أسلم . وقال مرة أخرى : من أسلم ورث ، ومن أعتق لم يرث ; لأن الحديث ، إنما جاء [ ص: 59 ] فيمن أدرك الإسلام ، وهو قول إياس بن معاوية وحميد . وروى أبو زرعة الرازي قال : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا حماد عن حميد عن الحسن قال : العبد إذا أعتق على ميراث قبل أن يقسم فهو أحق به . وبه قال أبو زرعة فيمن أسلم على ميراث قبل أن يقسم أنه له . وخالفه أبو حاتم فقال : ليس له من الميراث شيء . وروى أبو نعيم عن محمد بن راشد عن مكحول في المملوك يموت ذو قرابته ، ثم يعتق قبل أن يقسم الميراث ، فإنه يرثه . وروى ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري في العبد يعتق على الميراث ، قال : ليس له شيء . وروى حماد بن سلمة عن حميد قال : كان إياس بن معاوية يقول : أما النصراني يسلم فنعم . وأما العبد يعتق فلا ، قال : وبه قال حميد فيمن أعتق ، أو أسلم على ميراث قبل أن يقسم ، يعني أنه فرق بين العتق والإسلام في ذلك . قال أبو عمر : لا حجة في هذا الحديث لمن قال بقول جابر بن زيد لأنه إنما ورد في كيفية قسمة من أسلم على ميراث ، لا في توريث من لا يجب له ميراث ، وقد قال صلى الله عليه : لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم وعلى هذا الحديث العمل عند جماعة الفقهاء [ ص: 60 ] بالحجاز والعراق والشام والمغرب وسيأتي ذكر هذا الحديث في باب ابن شهاب عن علي بن حسين من هذا الكتاب إن شاء الله . وذكر إسماعيل قال : حدثنا محمد بن المنهال قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم قال : من أسلم على ميراث قبل أن يقسم ، أو أعتق على ميراث قبل أن يقسم ، فليس لواحد منهما شيء ، وجبت الحقوق لأهلها حيث مات ، قال : وحدثنا حجاج بن منهال قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا داود عن سعيد بن المسيب قال : إذا مات الميت يرد الميراث لأهله . قال أبو عمر : وحكم العين والمتاع وسائر الأموال حكم العقار المذكور في حديث مالك الدار والأرض ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غير حديث مالك مما قد ذكرناه في هذا الباب : وأيما شيء وأيما ميراث من ميراث الجاهلية ، وذلك عام في كل ما وقع عليه اسم شيء واسم ميراث ، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء فأغنى ذلك عن الكلام فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية