التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1520 [ ص: 325 ] حديث خامس وستون لنافع ، عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن عائشة أم المؤمنين أرادت أن تشتري جارية تعتقها ، فقال أهلها : نبيعكها على أن ولاءها لنا ، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : لا يمنعنك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق .


هكذا هذا الحديث في الموطإ عند أكثر الرواة ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عائشة .

ورواه يحيى بن يحيى النيسابوري ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عائشة ، حدثناه عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثنا الحسن بن الخضر ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا عبيد الله بن فضالة ، قال : حدثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ، فذكره .

[ ص: 326 ] قال أبو عمر : قد مضى القول في حديث بريرة وجوه ، ومعان حسان في باب ربيعة من هذا الكتاب ، وسيأتي القول مستقصى ممهدا موعبا في معاني حديث بريرة في باب هشام بن عروة - إن شاء الله - .

وأما قوله في هذا الحديث : لا يمنعنك ذلك . فمعناه ألا يمنعك ما ذكروا من اشتراط الولاء أن تحترم شراءها ، وقيل لهم : الولاء لمن أعتق ، فلا سبيل إلى ما ذكرتموه إن أردتم بيعها ، فإن الحكم فيها ، وفي غيرها أن الولاء لمن أعطى الثمن إذا أعتق ، وإن لم يريدوا بيعها على حكم السنة فشأنكم بها . هذا معنى هذا الحديث عند أهل العلم ، ولا يجوز غير هذا التأويل ، ومثله عند من عرف الله وعرف رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعرف أحكامهما في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وقد بينا هذا المعنى بالحجة الواضحة في باب هشام بن عروة - والحمد لله - .

وفي ظاهر هذا الحديث دليل على أن الشرط الفاسد لا يقدح في البيع ، ولا يفسده ، ولا يبطله ، وأن البيع يصح معه ويبطل الشرط ، ولكن قد جاءت آثار منها ما يدل على جواز [ ص: 327 ] البيع والشرط ، ومنها ما يدل على إبطال البيع من أجل الشرط الفاسد ، ولكل حديث منها وجه وأصحها من جهة النقل حديث ابن عمر هذا في قصة بريرة ، وقد روته عائشة أيضا ، وهو يدل على ما ذكرنا ولتلخيص معاني الآثار المتعارضة في هذا الباب هذا ، ومن حمل الحديث على ما تأولناه عليه لم يكن فيه دليل على جواز البيع وبطلان الشرط ، لأنه يحتمل أن يكون البيع لم ينعقد على ظاهر هذا الحديث - والله أعلم - .

ولعله انعقد على ما يجب في ذلك بترك أهل بريرة لذلك الشرط ، وإذا احتمل هذا الإدخال ارتفع القطع عليه بوجه من تلك الوجوه ، ورد الأمر في ذلك إلى الأصل ، وهو نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وهبته ، والآثار في قصة بريرة مروية بألفاظ مختلفة ، وقد ذكرناه ، وذكرنا ما فيها من الأحكام ، والمعاني مستقصاة مبسوطة في باب هشام بن عروة من هذا الكتاب فهناك يتأملها من ابتغاها بحول الله ، وذكرنا منها عيونا ، وأصولا في باب ربيعة أيضا - والحمد لله - .

وأما قوله : إن عائشة أرادت أن تشتري جارية فتعتقها ، فإن الفقهاء اختلفوا فيمن اشترى عبدا على أن يعتقه : فذهب مالك [ ص: 328 ] إلى أنه لا بأس بذلك وأنه يلزمه العتق إذا وقع في شرط البيع ، قال ابن القاسم : وابن عبد الحكم عنه لو باعه على أن يدبره ، أو يعتقه إلى سنين لم يجز ، لأن ذلك من الغرر ويفسخ البيع .

قال ابن المواز : فإن فات بالتدبير ، أو بالعتق إلى أجل كان للبائع ما وضع من الثمن قال : ولو اشتراه على أن يعتقه ، فأي من ذلك كان للبائع نقض البيع .

وقال الثوري : إذا بلغ عبده على أن يعتقه ويكون الولاء له ، فإنما يكون الولاء لمن أعتقه ، وهذا أجاز البيع وأبطل الشرط .

وقال أبو حنيفة فيمن اشترى عبدا على أن يعتقه أن البيع فاسد ، وإن قبضه ، وأعتقه فعليه الثمن في قول أبي حنيفة .

وقال أبو يوسف ، ومحمد : عليه القيمة .

وقال ابن أبي ليلى : إذا ابتاع عبدا وشرط أن يعتقه فالبيع جائز والشرط باطل .

وقال ابن شبرمة : البيع فاسد .

[ ص: 329 ] وذكر الربيع ، عن الشافعي إن باع العبد على أن يعتقه ، أو على أن يبيعه من فلان ، أو على أن لا يهبه ، أو على منع شيء من التصرف فالبيع في هذا كله فاسد ، ولا يجوز الشرط في شيء من هذا إلا في موضع واحد وهو العتق اتباعا للسنة ، فإذا اشتراه على أن يعتقه فالبيع جائز .

وحكى أبو ثور ، عن الشافعي أن البيع في هذه المسائل كلها جائز والشرط باطل .

وقال الحسن بن حي : كل شرط في بيع هدمه البيع إلا العتاقة ، وكل شرط في نكاح هدمه النكاح إلا الطلاق ، وهو قول إبراهيم .

وقال الليث فيمن اشترى عبدا على أن يعتقه ، فهو حر حين اشتراه ، فإن أبى من عتقه جبر على عتقه ، وليس لواحد منهما أن ينصرف عن ذلك .

قال أبو عمر : في حديث ابن عمر المذكور في قصة بريرة جواز بيع العبد على أن يعتق ، والقول به أولى ما ذهب إليه في هذا الباب ، وبالله التوفيق .

[ ص: 330 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية