التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1591 [ ص: 331 ] حديث سادس وستون لنافع ، عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس في بعض مغازيه ، قال عبد الله بن عمر : فأقبلت نحوه ، فانصرف قبل أن أبلغه ، فسألت ماذا قال ؟ فقيل لي : نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت .


قال أبو عمر : كان عبد الله بن عمر يرى أن النهي عن الانتباذ في الظروف نحو الدباء منسوخ ، وكان مالك يذهب إلى هذا وتابعه طائفة من أهل العلم ، وقد مضى القول في هذا الباب ممهدا مبسوطا بما فيه من اختلاف الآثار ، وتنازع علماء الأمصار في باب ربيعة من هذا الكتاب - والحمد لله - فلا وجه لتكرير ذلك هاهنا .

وفي هذا الحديث دليل على أن الإمام يخطب رعيته ويعلمهم في خطبته ما بهم الحاجة إليه من أحكامهم في دينهم ودنياهم ، وأما [ ص: 332 ] الدباء ، فهو القرع المعروف ، وهو إذا يبس ، وصنع منه ظرف يسرع فيه النبيذ إلى الشدة مزفتا كان أو غير مزفت ، ولذلك ما جاء في هذا الحديث ، وغيره ذكر الدباء مطلقا ، ثم عطف عليه المزفت منه ، ومن غيره - والله أعلم - .

أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا بقي بن مخلد ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا محمد بن فضل ، عن المختار بن فلفل ، قال : سألت أنس بن مالك ، عن النبيذ ، فقال : اجتنب مسكره في كل شيء واجتنب ما سوى ذلك فيما زفت ، أو في قرعة ، وهذا يوضح ما قلنا ، ويفسر حديث ابن عمر ومذهبه ، ومذهب مالك في هذا الباب ، والله الموفق للصواب [ ص: 333 ] وأما حديث مالك ، عن نافع ، وعبد الله بن دينار ، عن ابن عمر أنه قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص ، وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين ، فأنكر ذلك عليه ، فقال له سعد : سل أباك إذا قدمت عليه فقدم عبد الله بن عمر فنسي أن يسأل عمر ، عن ذلك حتى قدم سعد ، فقال : سألت أباك ، فقال : لا ، قال : فسله ، فسأله عبد الله بن عمر ، فقال عمر : إذا أدخلت رجليك في الخفين ، وهما طاهرتان فامسح عليهما ، فقال عبد الله بن عمر : وإن جاء أحدنا من الغائط ، فقال عمر : وإن جاء من الغائط .

فهذا موقوف على عمر في الموطإ ، ولم يختلف رواة الموطإ في ذلك ، ولا عن مالك فيه خلاف ، وقد تابعه على ذلك جماعة ، وهو الصحيح - إن شاء الله - .

وقد روي عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعا .

[ ص: 334 ] أخبرنا إبراهيم بن شاكر ، ومحمد بن إبراهيم قالا ، أخبرنا محمد بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن أيوب ، قال : حدثنا أحمد بن عمرو البزار ، قال : حدثنا عمران بن موسى ، قال : حدثنا ابن سواء ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ، ومسح على خفيه .

وقد روي عن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسح على الخفين من حديث سالم ، عن ابن عمر ، عن عمر ، ومن حديث محارب بن دثار ، عن ابن عمر ، عن عمر ، ومن حديث عاصم بن عبيد الله ، عن أبيه ، أو عمه ، عن عمر ، ومن حديث البراء بن عازب ، عن عمر ، كلها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وقد روي موقوفا على عمر من وجوه أيضا ، وإذا صح رفعه فلا يضره توقيف من وقفه ، لأنه أفتى بما علم ، وقد روي المسح على الخفين أيضا عن سعد بن أبي وقاص ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق ، وقد ذكرنا طرق المسح على الخفين والقائلين به من الصحابة ، ومن بعدهم مستوعبا في باب ابن شهاب - والحمد لله - .

التالي السابق


الخدمات العلمية