التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1324 [ ص: 5 ] نافع عن أبي سعيد الخدري ، حديث واحد وهو حديث سابع وستون لنافع

واسم أبي سعيد هذا : سعد بن مالك بن سنان ، وقد ذكرناه في الصحابة بما يغني عن ذكره من التعريف والرفع في النسب .

مالك ، عن نافع ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ، ولا تشفوا بعضها على البعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا شيئا منهما غائبا بناجز .


لم يختلف الرواة عن مالك في هذا الحديث ، وكذلك رواه أيوب ، وعبيد الله عن نافع ، عن أبي سعيد الخدري [ ص: 6 ] كما رواه مالك ، وهو الصحيح في ذلك ، ورواه ابن عون عن نافع قال : جاء رجل إلى عبد الله بن عمر ، فحدثه عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث في الصرف .

هكذا رواه جماعة عن ابن عون ، ليس فيه سماع لنافع من أبي سعيد ولا لابن عمر من أبي سعيد ، وإنما فيه أن رجلا حدثه عن أبي سعيد بهذا الحديث ، والرجل قد سماه يحيى بن سعيد في حديثه عن نافع ، رواه يزيد بن هارون ، عن يحيى بن سعيد أنه أخبره ، أن نافعا أخبره أن عمرو بن ثابت العتواري ذكر لعبد الله بن عمر أنه سمع أبا سعيد الخدري يحدث بهذا الحديث ، ولم يجود يحيى بن سعيد ولا ابن عون هذا الحديث ; لأن فيه أن ابن عمر لما حدثه هذا الرجل بهذا الحديث عن أبي سعيد - قام إلى أبي سعيد ومضى معه نافع ، فسمعا الحديث من أبي سعيد ، وقد جود ذلك عبيد الله بن عمر ، ورواه خصيف الجزري ، وعبد العزيز بن أبي رواد المكي ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن أبي سعيد الخدري ، وليس بشيء ، وإنما الحديث لنافع عن أبي سعيد ، سمعه معه ابن عمر على ما قال عبيد الله .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا عبيد الله ، قال : أخبرني نافع ، قال : بلغ عبد الله بن عمر أن أبا سعيد الخدري يأثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصرف ، فأخذ بيدي وبيد رجل ، فأتينا أبا سعيد ، فقال له عبد الله بن عمر : شيء تأثره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصرف ؟ قال : سمعته أذناي ، ووعاه قلبي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ، ولا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل ، ولا تفضلوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز .

[ ص: 7 ] وهذا من أصح حديث يروى في الصرف ، هو يوجب تحريم الازدياد والنسأ جميعا في الذهب والورق - تبرهما وعينهما ، وهو أمر مجتمع عليه ، إلا فرقة شذت وأباحت فيهما الازدياد والتفاضل يدا بيد ، وما قال بهذا القول أحد من الفقهاء الذين تدور عليهم الفتوى في أمصار المسلمين ، فلا وجه للاشتغال بالشذوذ .

والشف في كلام العرب - بالكسر - : الزيادة ، يقال : الشيء يشف ويستشف أي : يزيد ، وفي قوله عليه السلام في هذا الحديث : ولا تبيعوا منهما غائبا بناجز دليل على أنه لا يجوز في الصرف شيء من التأخير ، ولا يجوز حتى يحضر العين منهما جميعا ، وهذا أمر مجتمع عليه إلا أن من معنى هذا الباب مما اختلف فيه العلماء - الصرف على ما ليس عند المتصارفين أو عند أحدهما في حين العقد ، قال مالك : لا يجوز الصرف إلا أن يكون العينان حاضرتين .

وقال الشافعي وأبو حنيفة : يجوز أن يشتري دنانير بدراهم ليست عند واحد منهما ، ثم يستقرض ، فيدفع قبل الافتراق .

وروى الحسن بن زياد ، عن زفر أنه لا يجوز الصرف حتى تظهر إحدى العينين وتعين ، فإن لم يكن ذلك ، لم يجز ، نحو أن يقول : اشتريت صك ألف درهم بمائة دينار ، وسواء أكان ذلك عندهما أم لم يكن ، فإن عين أحدهما جاز ، وذلك مثل أن يقول : اشتريت منك ألف درهم بهذه الدنانير - إذا دفعها قبل أن يفترقا . وروي عن مالك مثل قول زفر ، إلا أنه قال : يحتاج أن يكون قبضه لما لم يعينه قريبا متصلا بمنزلة النفقة يحلها من كيسه .

[ ص: 8 ] وقال الطحاوي : واتفقوا - يعني هؤلاء الفقهاء الثلاثة - على جواز الصرف إذا كان أحدهما دينا وقبضه في المجلس ، فدل على اعتبار القبض في المجلس دون كونه عينا .

واختلف الفقهاء - أيضا - في تصارف الدينين وتطارحهما ، مثل أن يكون لرجل على رجل دنانير ، ولآخر عليه دراهم ، فمذهب مالك وأبي حنيفة أنه لا بأس أن يشتري أحدهما ما عليه بما على الآخر ويتطارحانهما صرفا .

ومن حجة من ذهب هذا المذهب حديث سماك بن حرب ، عن سعيد بن يحيى ، عن ابن عمر ، قال : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت : يا رسول الله ، إني أبيع الإبل ، أبيع بالدنانير وآخذ الدراهم ، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا بأس بذلك ما لم تفترقا وبينكما شيء .

ففي هذا الحديث دليل على جواز الصرف إذا كان أحدهما دينا ، قالوا : فكذلك إذا كانا دينين ; لأن الذمة الحاضرة كالعين الحاضرة ، وصار الطرح عندهم في ذلك كالمقبوض من العين الحاضرة ، ومعنى الغائب عندهم هو الذي يحتاج إلى قبض ولا يمكن قبضه حتى يفترقا ، بدليل حديث عمر : لا تفارقه حتى تقبضه .

وقال الشافعي وجماعة - وهو قول الليث - : لا يجوز تصارف الدينين ولا تطارحهما ; لأنه لما لم يجز غائب بناجز كان الغائب بالغائب أحرى أن لا يجوز ، وأجاز الشافعي وأصحابه قضاء الدنانير عن الدراهم وقضاء الدراهم عن الدنانير ، وسواء كان ذلك من بيع ، أو من قرض - إذا كان حالا وتقابضا قبل أن يفترقا بأي سعر شاء ، فإن تفرقا قبل أن يتقابضا ، بطل الصرف بينهما ، ورجع كل واحد منهما إلى أصل [ ص: 9 ] ما كان له على صاحبه ، واتفق الشافعي وأصحابه على كراهة قصاص الدنانير من الدراهم ، إذا كانتا جميعا في الذمم ، مثل أن يكون لرجل على رجل دنانير ، وله عليه دراهم ، فأرادا أن يجعلا الدنانير قصاصا بالدراهم ، فهذا لا يجوز عندهم ; لأنه دين بدين ، وكذلك لو تسلف رجل من رجل دينارا ، وتسلف الآخر منه دراهم على أن يكون هذا بهذا ، لم يجز عندهم ، وكان على من تسلف الدينار دينار مثله ، وعلى من تسلف الدراهم دراهم مثلها ، وأما إذا كان لرجل على رجل دينار ، فأخذ منه فيه دراهم صرفا ناجزا كان ذلك جائزا ، وأجاز أبو حنيفة أخذ الدنانير عن الدراهم ، والدراهم عن الدنانير - إذا تقابضا في المجلس ، وسواء كان الدين حالا أو آجلا .

وحجتهم حديث ابن عمر هذا ; لأنه لما لم يسأله عن دينه : أحال هو أم مؤجل ، دل على استواء الحال عنده ، وقال مالك : لا يجوز ذلك إلا أن يكونا جميعا حالين ; لأنه لما لم يستحق قبض الآجل إلا إلى أجله ، صار كأنه صارفه إلى ذلك الأجل ، وهذا هو المشهور من قول الشافعي .

وروى الشيباني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه كره اقتضاء الذهب من الورق ، والورق من الذهب ، وعن ابن مسعود مثله ، وعن ابن عمر - أنه لا بأس به .

[ ص: 10 ] قال ابن شبرمة : لا يجوز أن يأخذ عن دراهم دنانير ، ولا عن دنانير دراهم ، وإنما يأخذ ما أقرض ، ويشهد لمذهب ابن شبرمة ويؤيده - حديث أبي سعيد في هذا الباب ، وهو قول ابن عباس ، وابن مسعود ، ويشهد لقول سائر الفقهاء حديث ابن عمر ، إلا أن فيه : بسعر يومكما ، وقال عثمان البتي : يأخذها بسعر يومه .

وقال داود وأصحابه : إذا كان لرجل على رجل عشرة دراهم ، فباعه الذي عليه العشرة دراهم بها دينارا ، فالبيع باطل ; لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الذهب بالورق ، إلا هاء وهاء ، وعن بيع أحدهما بالآخر غائبا بناجز ، قال : ولو أخذ بذلك قيمة للعشرة دراهم ، كان جائزا ; لأن القيمة غير البيع ، وإنما ورد النهي عن البيع لا عن القيمة .

واحتجوا بحديث ابن عمر : كنت أبيع الإبل بالبقيع ، فآخذ من الدنانير دراهم . . . الحديث ، على ما نذكره إن شاء الله .

ومن هذا الباب أيضا ، أن يبيع السلعة بدنانير على أن يعطيه بها دراهم ، فقال مالك في مثل هذا : لا يلتفت إلى اللفظ الفاسد إذا كان فعلهما حلالا ، وكأنه باعه السلعة بتلك الدراهم التي ذكرا أنه يأخذها في الدنانير .

وقال أبو حنيفة والشافعي - فيمن باع بدنانير معلومة على أن يعطيه المشتري بها دراهم ، فالبيع فاسد ، وهو قول جمهور أهل العلم ; لأنه من باب بيعتين في بيعة ، ومن باب بيع وصرف لم يقبض .

ومن هذا الباب - أيضا - الصرف ، يوجد فيه زيوف ، وهو مما اختلفوا فيه أيضا ، فقال مالك : إذا وجد في دراهم الصرف درهما [ ص: 11 ] زائفا فرضي به جاز ، وإن رده انتقض صرف الدين كله ، وإن وجد فيها أحد عشر درهما رديئة ، انتقض الصرف في دينارين ، وكذلك ما زاد على صرف دينار ، انتقض الصرف في دينار آخر .

وقال زفر ، والثوري : يبطل الصرف فيما رد ، قل أو كثر ، وقد روي عن الثوري ، أنه إن شاء استبدله ، وإن شاء كان شريكه في الدينار بحساب .

وقال أبو يوسف ، ومحمد ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، والحسن بن حي : يستبدله كله ، وهو قول ابن شهاب ، وربيعة ، وكذلك قال الحسن ، وابن سيرين ، وقتادة : يرد عليه ، ويأخذ البدل ، ولا ينتقض من الصرف شيء ، وهو قول أحمد بن حنبل ، وهو أحد أقاويل الشافعي ، واختاره المزني قياسا على العيب يوجد في السلم ، أن على صاحبه أن يأتي بمثله ، وأقاويل الشافعي في هذه المسألة ، أحدها : أنه قال : إذا اشترى ذهبا بورق ، عينا بعين ، ووجد أحدهما ببعض ما اشترى عيبا قبل التفرق أو بعده ، فليس له إلا رد الكل أو التمسك به ، قال : وإذا تبايعا ذلك بغير عينه ، فوجد أحدهما - قبل التفرق - ببعض ما اشترى عيبا ، فله البدل ، وإن وجده بعد التفرق ، ففيها أقاويل ، منها : أنها كالعين ، ومنها البدل ، ومنها رد المعيب بحصته من الثمن ، قال : ومتى افترق المصطرفان قبل التقابض ، فلا بيع بينهما .

وقال أبو حنيفة : إذا افترقا ، ثم وجد النصف زيوفا أو أكثر فرده ، بطل الصرف في المردود ، وإن كان أقل من النصف استبدله ، وقد مضى القول مجودا في تحريم الازدياد في بيع الورق بالورق ، والذهب بالذهب ، في باب حميد بن قيس ، وهو أمر اجتمع عليه فقهاء الأمصار من أهل الرأي والأثر ، وكفى [ ص: 12 ] بذلك حجة مع ثبوته من جهة نقل الآحاد العدول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد مضى القول في تحريم النسيئة في الصرف في باب ابن شهاب ، عن مالك بن أوس بن الحدثان - من هذا الكتاب مجودا أيضا ، ممهدا ، وفي ذلك الباب أصول من هذا الباب ، ولا خلاف بين علماء المسلمين في تحريم النسيئة في بيع الذهب بالذهب ، والورق بالورق ، وبيع الورق بالذهب ، والذهب بالورق ، وأن الصرف كله لا يجوز إلا هاء وهاء - قبل الافتراق ، هذه جملة اجتمعوا عليها ، وثبت قوله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك إلا هاء وهاء بنقل الآحاد العدول أيضا ، وما أجمعوا عليه - من ذلك وغيره - فهو الحق ، وكذلك كل ما كان في معناه ، ما لم يخرجه عن ذلك الأصل دليل يجب التسليم له ، فقد اختلفوا من هذا الأصل في المسائل التي أوردناها في هذا الباب على حسب ما ذكرناه عنهم فيه ، مما نزعوا به ، وذهبوا إليه ، وبالله العصمة والتوفيق .

قال أبو عمر : حديث ابن عمر في اقتضاء الدنانير من الدراهم ، والدراهم من الدنانير - جعله قوم معارضا لحديث أبي سعيد الخدري في هذا الباب ; لقوله : ولا تبيعوا منها غائبا بناجز وليس الحديثان بمتعارضين عند أكثر الفقهاء ; لأنه ممكن استعمال كل واحد منهما ، وحديث ابن عمر مفسر ، وحديث أبي سعيد الخدري مجمل ، فصار معناه : لا تبيعوا منهما غائبا - ليس في ذمة - بناجز ، وإذا حملا على هذا لم يتعارضا ، وهذا الحديث حدثناه خلف بن قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ، عن عبيد بن آدم بن أبي إياس ، قال : حدثني ثابت بن نعيم ، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، قال : كنت أبيع الإبل بالبقيع ، فآخذ مكان الدنانير دراهم ، ومكان [ ص: 13 ] الدراهم دنانير فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال : لا بأس به إذا افترقتما ، وليس بينكما شيء .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، وجعفر بن محمد ، قالا : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر قال : كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير ، وآخذ الدراهم ، وأبيع بالدراهم ، وآخذ الدنانير فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت حفصة فقلت : يا رسول الله رويدا أسألك ، أبيع الإبل بالدنانير ، فآخذ الدراهم ، وأبيع بالدراهم ، فآخذ الدنانير ، وآخذه هذه من هذه ؟ فقال : لا بأس أن تأخذها بسعر يومها .

وحدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، ومحمد بن محبوب - المعنى واحد - قالا : حدثنا حماد ، عن سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، قال : كنت أبيع الإبل بالبقيع ، فذكره إلى آخره . قال أبو داود : وحدثنا الحسين بن الأسود ، قال : حدثنا عبيد الله ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن سماك بإسناده ومعناه ، والأول أتم ، لم يذكر بسعر يومكما .

[ ص: 14 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الصائغ ، قال : حدثنا محمد بن سابق ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، قال : كنت أبيع الإبل ببقيع الغرقد ، فكنت أبيع البعير بالدنانير وآخذ الدراهم ، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يريد أن يدخل حجرته ، فأخذت بثوبه ، فقلت : يا رسول الله ، إني أبيع ببقيع الغرقد البعير بالدنانير وآخذ الدراهم ، وأبيع بالدرهم وآخذ الدنانير ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أخذت أحدهما بالآخر فلا تفارقه وبينك وبينه بيع .

قال أبو عمر : لم يرو هذا الحديث غير سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر مسندا ، وسماك ثقة عند قوم ، مضعف عند آخرين ، كان ابن المبارك ، يقول : سماك بن حرب ضعيف الحديث ، وكان مذهب علي فيه نحو هذا ، وقد روي عن ابن عمر معناه ، من قوله وفتواه .

وروى أبو الأحوص هذا الحديث عن سماك ، فلم يقمه ، قال فيه : عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر : كنت أبيع الذهب بالفضة ، والفضة بالذهب ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إذا بايعت صاحبك فلا تفارقه وبينك [ ص: 15 ] وبينه لبس وكذلك رواه وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، كما قال أبو الأحوص ، ولم يقمه ، فجوده إلا حماد بن سلمة ، وإسرائيل في غير رواية وكيع ، وهذا الحديث مما فات شعبة عن سماك ، ولم يسمعه منه ، فعز عليه ، وجرى بينه وبين حماد بن سلمة في ذلك كلام فيه بعض الخشونة ، ثم سمعه منه بعد ذكر علي بن المديني ، قال : قال أبو داود الطيالسي : سمعت خالد بن طليق ، وأبا الربيع ، يسألان شعبة - وكان الذي يسأله خالد - فقال : يا أبا بسطام ، حدثني حديث سماك في اقتضاء الذهب من الورق : حديث ابن عمر ، فقال شعبة : أصلحك الله ، هذا حديث ليس يرفعه أحد إلى سماك ، وقد حدثنيه قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر ، ولم يرفعه ، وأخبرنيه أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، ولم يرفعه ، ورفعه سماك ، وأنا أفرق منه .

وأما قوله في هذا الحديث : بسعر يومكما ، فلم يعول عليه جماعة من الفقهاء ، وقد ذكرنا ذلك عنهم في هذا الباب ، وكان أحمد بن حنبل يقول : يأخذ الدنانير من الدراهم والدرهم من الدنانير - في الدين وغيره - بالقيمة ، وقال إسحاق : يأخذها بقيمة سعر يومه .

التالي السابق


الخدمات العلمية