التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 36 ] [ ص: 37 ] والثاني لنافع ، عن أبي هريرة : قوله وفعله ، موقوفا عليه في الموطأ ، وهو يستند من وجوه شتى ، وهو الحديث الموفي سبعين لنافع

مالك ، عن نافع ، أنه قال : شهدت الأضحى ، والفطر مع أبي هريرة ، فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة ، وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة .


قال أبو عمر : مثل هذا لا يكون رأيا ، ولا يكون إلا توقيفا ; لأنه لا فرق بين سبع وأقل وأكثر من جهة الرأي والقياس ، والله أعلم .

وقد روي عن النبي عليه السلام ، أنه كبر في العيدين سبعا في الأولى ، وخمسا في الثانية - من طرق كثيرة حسان ، [ ص: 38 ] من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، رواه عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، ومن حديث جابر ، رواه ابن لهيعة ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، ومن حديث عائشة ، رواه أبو الأسود ، عن عروة ، عن عائشة ، ورواه عقيل ، وابن مسافر ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، ومن حديث عمرو بن عوف المزني ، رواه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، ومن حديث ابن عمر ، رواه عبد الله بن عامر الأسلمي ، عن نافع ، عن ابن عمر ، ومن حديث أبي واقد الليثي كلها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي حديث ابن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : التكبير في الفطر : سبع في الأولى ، وخمس في الآخرة ، والقراءة بعدها في كلتيهما وبهذا قال مالك ، والشافعي وأصحابهما ، والليث بن سعد ، إلا أن مالكا قال : سبع في الأولى بتكبيرة الإحرام ، وقال الشافعي : سوى تكبيرة الإحرام ، واتفقا في الثانية على خمس سوى القيام والركوع .

وقال أحمد بن حنبل كقول مالك : سبعا بتكبيرة الإحرام في الأولى ، وخمسا في الثانية ، إلا أنه لا يوالي بين التكبير ، ويجعل بين كل تكبيرتين ثناء على الله ، وصلاة على النبي عليه السلام .

[ ص: 39 ] وقال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه : التكبير في العيدين خمس في الأولى ، وأربع في الثانية بتكبيرة الافتتاح والركوع ، يحرم في الأولى ، ويستفتح ، ثم يكبر ثلاث تكبيرات ، ويرفع فيها يديه ، ثم يقرأ أم القرآن وسورة ، ثم يكبر ، ولا يرفع يديه ، ويسجد ، فإذا قام للثانية كبر ، ولم يرفع يديه ، وقرأ فاتحة الكتاب وسورة ، ثم كبر ثلاث تكبيرات ، يرفع فيها يديه ، ثم يكبر أخرى يركع بها ، ولا يرفع يديه فيها ، يوالي بين القراءتين .

قال أبو عمر : ليس يروى عن النبي - عليه السلام - من وجه قوي ولا ضعيف مثل قول هؤلاء ، وأما الصحابة - رضي الله عنهم - فإنهم اختلفوا في التكبير في العيدين اختلافا كبيرا ، وكذلك اختلاف التابعين في ذلك ، وفعل أبي هريرة ، مع ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب أولى ما قيل به في ذلك ، والله الموفق للصواب .

قال الشافعي : فعل أبي هريرة بين ظهراني المهاجرين والأنصار أولى ; لأنه لو خالف ما عرفوه وورثوه أنكروه عليه وعلموه ، وليس ذلك كفعل رجل في بلد كلهم يتعلم منه ، قال : والتكبير في كلتا الركعتين قبل القراءة أشبه بسنن الصلاة ، قال : وكما لم يدخلوا تكبيرة القيام في تكبيرة العيد ، فكذلك تكبيرة الإحرام ، بل هي أولى بذلك ; لأنها لا تدخل في الصلاة إلا بها ، وتكبيرة القيام لو تركها لم تفسد صلاته ، وقال المزني : إجماعهم على أن تكبير العيد في الأولى قبل القراءة يقضي بأن الركعة في الآخرة كذلك ; لأن حكم الركعتين في القياس سواء .

[ ص: 40 ] حدثنا سعيد ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا عبد الله بن روح المدائني ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا الحسن بن عمارة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - تخرج له الحربة ، فيصلي إليها ، فيكبر اثنتي عشرة تكبيرة ، ثم كان أبو بكر ، وعمر وعثمان ، والأئمة يفعلون ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية