التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
138 [ ص: 55 ] نافع ، عن سليمان بن يسار ، حديث واحد ، وهو حديث رابع وسبعون لنافع

مالك ، عن نافع ، عن سليمان بن يسار ، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن امرأة كانت تهراق الدماء في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتت لها أم سلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر ، فإذا خلفت ذلك ، فلتغتسل ، ثم لتستثفر بثوب ، ثم لتصلي .


[ ص: 56 ] هكذا رواه مالك ، عن نافع ، عن سليمان ، عن أم سلمة ، وكذلك رواه أيوب السختياني ، عن سليمان بن يسار ، كما رواه مالك ، عن نافع سواء ، ورواه الليث بن سعد ، وصخر بن جويرية ، وعبيد الله بن عمر على اختلاف عنهم ، عن نافع ، عن سليمان بن يسار أن رجلا أخبره عن أم سلمة ، فأدخلوا بين سليمان بن يسار ، وبين أم سلمة رجلا .

وذكر حماد بن زيد ، عن أيوب في هذا الحديث أن المرأة المذكورة في هذا الحديث التي كانت تهراق الدماء فاستفتت لها أم سلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك - هي فاطمة بنت أبي حبيش ، وكذلك ذكر ابن عيينة أيضا ، عن أيوب في هذا الحديث ، وحديث فاطمة ابنة أبي حبيش رواه هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة بخلاف هذا اللفظ ، وسنذكره ، وفي باب هشام بن عروة من كتابنا هذا ، إن شاء الله .

وأما حديث سليمان بن يسار هذا ، فحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا الحسن بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا أيوب ، عن سليمان بن يسار أن فاطمة ابنة أبي حبيش استحيضت حتى كان المركن [ ص: 57 ] ينقل من تحتها وعاليه الدم ، فأمرت أم سلمة أن تسأل لها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : تدع أيام أقرائها ، وتغتسل ، وتستثفر ، وتصلي قال أيوب : فقلت لسليمان بن يسار : أيغشاها زوجها ؟ قال : إنما نحدث بما سمعنا ، أو لا نحدث إلا بما سمعنا .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أيوب السختياني ، عن سليمان بن يسار أنه سمعه يحدث ، عن أم سلمة أنها قالت : كانت فاطمة ابنة أبي حبيش تستحاض ، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إنه ليس بالحيضة ، ولكنه عرق وأمرها أن تدع الصلاة قدر أقرائها - أو قدر حيضتها - ثم تغتسل ، فإن غلبها الدم استثفرت بثوب وصلت .

وكذلك رواه وهيب ، عن أيوب ، عن سليمان بن يسار مثله ، أخبرناه أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك ، قال : [ ص: 58 ] حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا وهيب ، قال : حدثنا أيوب ، عن سليمان بن يسار ، عن أم سلمة أن فاطمة استحيضت ، وكانت تغتسل في مركن لها ، فتخرج وهو عاليه الصفرة والكدرة ، واستفتت لها أم سلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : تنظر أيام قروئها أو أيام حيضتها ، فتدع فيها الصلاة ، وتغتسل فيما سوى ذلك ، وتستثفر بثوب .

قال أبو عمر : قوله تدع الصلاة أيام أقرائها أو أيام حيضتها يضارع حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة في قصة فاطمة ابنة أبي حبيش حين قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما ذلك عرق وليس بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة ، فإذا ذهبت عنك فاغتسلي وصلي .

ويضارع حديث نافع هذا في قوله : لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر ، الحديث ، وفي هذين المعنيين تنازع بين العلماء ، سنذكره في هذا الباب بعد الفراغ من طرق هذا الحديث وألفاظه - بعون الله ، إن شاء الله .

وأما الاختلاف على نافع في هذا الحديث ، فإن أسد بن موسى ذكره في مسنده ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، قال : حدثنا نافع ، عن سليمان بن يسار ، عن أم سلمة أن امرأة كانت [ ص: 59 ] تهراق الدماء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وساق الحديث بمعنى حديث مالك سواء ، ولم يدخل في إسناده بين سليمان وبين أم سلمة أحدا ، وكذلك رواه أسد - أيضا - عن أبي خالد الأحمر سليمان بن حيان ، عن الحجاج بن أرطأة ، عن نافع ، عن سليمان بن يسار ، عن أم سلمة ، وكذلك رواه أبو أسامة ، وابن نمير ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن سليمان بن يسار ، عن أم سلمة قالت : سألت امرأة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث ليس بين سليمان وبين أم سلمة فيه أحد ، ذكره ابن أبي شيبة في مسنده ، عن أبي أسامة ، وابن نمير - جميعا بالإسناد المذكور - وخالفهما عن عبيد الله بن عمر : أنس بن عياض ، فأدخل بين سليمان بن يسار ، وبين أم سلمة رجلا ، حدثناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ، قال : حدثنا أنس بن عياض ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن سليمان بن يسار ، عن رجل من الأنصار أن امرأة كانت تهراق الدم ، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر مثل حديث مالك بمعناه ، وأما رواية من روى عن الليث هذا الحديث ، فأدخل في إسناده بين سليمان بن يسار وبين أم سلمة رجلا ، فأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : [ ص: 60 ] حدثنا قتيبة بن سعيد ، ويزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب ، قالا : حدثنا الليث ، عن نافع ، عن سليمان بن يسار ، عن رجل أخبره عن أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدم ، فذكر معنى حديث مالك ، قال : فإذا خلفت ذلك ، وحضرت الصلاة فلتغتسل .

قال : أبو داود : وحدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن مهدي ، قال : حدثنا صخر بن جويرية ، عن نافع بإسناد الليث ومعناه ، قال : فلتترك الصلاة قدر ذلك ، ثم إذا حضرت فلتغتسل ، ولتستثفر بثوب ، وتصلي .

وعند الليث في هذا أيضا ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عراك بن مالك ، عن عروة ، عن عائشة أن أم حبيبة سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدم ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ، ثم اغتسلي قالت عائشة : رأيت مركنها ملآن دما .

وعند الليث أيضا ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن المنذر بن المغيرة ، عن عروة بن [ ص: 61 ] الزبير ، أن فاطمة بنت أبي حبيش حدثته ، أنها سألت رسول الله ، وشكت إليه الدم ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما ذلك عرق ، فانظري ، إذا أتاك قرؤك فلا تصلي ، فإذا مر قرؤك فتطهري ، ثم صلي ما بين القرء إلى القرء ذكر ذلك كله أبو داود ، وقال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول : في الحيض حديثان ، والآخر في نفسي منه شيء .

قال أبو داود : يعني أن في الحيض ثلاثة أحاديث ، هي أصول هذا الباب ، أحدها : حديث مالك ، عن نافع ، عن سليمان بن يسار ، والآخر : حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، والثالث الذي في قلبه منه شيء ، هو حديث حمنة بنت جحش الذي يرويه ابن عقيل .

قال أبو عمر : أما حديث نافع ، عن سليمان بن يسار فقد مضى في هذا الباب مجود الإسناد ، والحمد لله ، وأما حديث عائشة في قصة فاطمة ابنة أبي حبيش ، فحدثناه سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن [ ص: 62 ] عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش الأسدية كانت تستحاض ، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لها : إنما هو عرق وليس بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي ، قال : اغسلي عنك الدم وصلي .

وهذا حديث رواه عن هشام جماعة كثيرة ، منهم : حماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، ومالك بن أنس ، وأبو حنيفة ، ومحمد بن كناسة ، وابن عيينة ، وزاد بعضهم فيه ألفاظا ، لها أحكام سنذكرها إن شاء الله في باب هشام بن عروة من هذا الكتاب ، وأما الحديث الذي ذكر أنه الثالث - حديث حمنة - فأخبرناه أحمد بن قاسم ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا زكرياء بن عدي ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عن عمران بن طلحة ، عن أمه حمنة بنت جحش .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا زهير بن حرب ، وغيره ، قالا : حدثنا عبد الملك بن عمرو ، قال : حدثنا زهير بن محمد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عن عمه عمران بن طلحة ، عن أمه حمنة ابنة جحش - بمعنى [ ص: 63 ] واحد ، قالت : كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة ، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أستفتيه وأخبره ، فوجدته في بيت زينب بنت جحش ، فقلت : يا رسول الله ، إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة ، فماذا ترى فيها ، قد منعتني من الصلاة ؟ فقال : أنعت لك الكرسف ، فإنه يذهب الدم قلت : هو أكثر من ذلك ، قال : فتلجمي قلت : هو أكثر من ذلك ، قال : فاتخذي ثوبا ، قلت : هو أكثر من ذلك ، قالت : إنما أثج ثجا ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سآمرك أمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر ، فإن قويت عليهما فأنت أعلم ، إنما هي ركضة من الشيطان ، فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله ، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعا وعشرين ليلة - أو ثلاثا وعشرين ليلة - وأيامها وصومي ، فإن ذلك يجزيك ، وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء ، وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن ، فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين : الظهر ، والعصر وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء [ ص: 64 ] ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي ، ثم تغتسلين مع الفجر - فافعلي ، وصومي إن قدرت على ذلك ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وهذا أحب الأمرين إلي .

قال أبو داود : وما عدا هذه الثلاثة الأحاديث ، ففيها اختلاف واضطراب ، قال : وأما حديث عدي بن ثابت ، والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت ، وحديث أيوب بن العلاء فهي كلها ضعيفة لا تصح .

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن محمد بن عمرو ، قال : حدثني ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن فاطمة ابنة أبي حبيش أنها كانت تستحاض ، فقال لها النبي عليه السلام : إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف ، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة ، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق .

[ ص: 65 ] قال ابن المثنى : حدثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا ، ثم حدثنا به من حفظه فقال : حدثنا محمد بن عمرو ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أن فاطمة كانت تستحاض ، وذكره .

قال أبو عمر : اختلف عن الزهري في هذا الحديث اختلافا كثيرا ، فمرة يرويه عن عمرة ، عن عائشة ، ومرة عن عروة وعمرة ، عن عائشة ، ومرة عن عروة ، عن فاطمة بنت أبي حبيش .

وقد ذكرنا كثيرا من ذلك في باب هشام بن عروة ، وقال فيه سهيل بن أبي صالح : عن الزهري ، عن عروة ، حدثتني فاطمة ابنة أبي حبيش أنها أمرت أسماء أن تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسماء ، حدثتني أنها أمرت فاطمة ابنة أبي حبيش تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحيض ، فأمرها أن تقعد أيامها التي كانت تقعد ، ثم تغتسل .

وأكثر أصحاب ابن شهاب يقولون فيه : عن عروة ، وعمرة ، عن عائشة أن أم حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تحت عبد الرحمن بن عوف - استحيضت ، هكذا يقولون عن ابن شهاب في هذا الحديث : أم حبيبة ، لا يذكرون فاطمة بنت أبي حبيش ، وحديث ابن شهاب في هذا الباب مضطرب .

[ ص: 66 ] حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا عبيد الله بن يحيى ، حدثني أبي ، حدثنا الليث بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أنها قالت : استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله ، قالت : إني أستحاض ، فقال : إنما ذلك عرق ، فاغتسلي ثم صلي ، فكانت تغتسل عند كل صلاة .

ورواه عراك بن مالك ، عن عروة ، بخلاف رواية هشام والزهري ، حدثناه عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا مطلب بن شعيب ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عراك بن مالك ، عن عروة ، عن عائشة أن أم حبيبة سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدم ، قالت عائشة : لقد رأيت مركنهاملآن دما ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : امكثي قدر ما تحبسك حيضتك ، ثم اغتسلي .

وبإسناده ، عن الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن الأشج ، عن المنذر بن المغيرة ، عن عروة بن الزبير ، أن فاطمة بنت أبي حبيش حدثته ، أنها أتت النبي عليه السلام ، فشكت إليه الدم ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما ذلك عرق ، فانظري ، فإذا أتاك قرؤك فلا تصلي ، فإذا مر القرء فتطهري ، ثم صلي بين القرء إلى القرء .

[ ص: 67 ] قال أبو عمر : لهذا الاختلاف ومثله عن عروة - والله أعلم - ضعف أهل العلم بالحديث ، ما عدا حديث هشام بن عروة ، وسليمان بن يسار - من أحاديث الحيض والاستحاضة ، فهذه الأحاديث المرفوعة في هذا الباب ، وأما أقاويل الصحابة ، والتابعين ، وسائر فقهاء المسلمين ، فسنورد منها ما فيه شفاء واكتفاء ، إن شاء الله .

قال أبو عمر : أما قوله في حديث مالك في هذا الباب ، عن نافع ، عن سليمان بن يسار ، عن أم سلمة ، أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فمعناه عند جميع العلماء : أنها كانت امرأة لا ينقطع دمها ، ولا ترى منه طهرا ولا نقاء ، وقد زادها ذلك على أيامها المعروفة لها وتمادى بها ، فسألت عن ذلك ; لتعلم هل حكم ذلك الدم كحكم دم الحيض ، أو هل هو حيض أو غير حيض ؟ فأجابها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجواب منعها به من الصلاة في أيام حيضتها ، فبان بذلك أن الحائض لا تصلي ، وهذا إجماع ، وأمرها - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل وتصلي إذا خلفت ذلك ، واحتملت ألفاظ هذه الأحاديث من التأويل ما أوجب اختلاف العلماء في هذا الباب على ما نذكره عنهم ، إن شاء الله .

والذي أجمعوا عليه : أن المرأة لها ثلاثة أحكام في رؤيتها الدم السائل من فرجها ، فمن ذلك دم الحيض المعروف ، تترك له الصلاة إذا كان حيضا ، وللحيض عندهم مقدار اختلفوا فيه ، وكلهم يقول : إذا جاوز الدم ذلك المقدار فليس بحيض ، والحيض خلقة في النساء ، وطبع معتاد معروف منهن ، وحكمه ألا تصلي معه المرأة ولا تصوم ، فإذا انقطع عنها كان طهرها منه الغسل .

[ ص: 68 ] ومن ذلك أيضا الوجه الثاني ، وهو دم النفاس عند الولادة ، له أيضا عند العلماء حد محدود ، اختلفوا فيه على ما نذكره عنهم إن شاء الله ، وطهرها عندهم انقطاعه ، والغسل منه كالغسل من الحيض سواء ، والوجه الثاني : دم ليس بعادة ، ولا طبع منهن ، ولا خلقة ، وإنما هو عرق انقطع سائل دمه ، لا انقطاع له إلا عند البرء منه ، فهذا حكمه أن تكون المرأة فيه طاهرا ، لا يمنعها من صلاة ولا صوم بإجماع من العلماء ، واتفاق من الآثار المرفوعة - إذا كان معلوما أنه دم العرق لا دم الحيض .

وأما وطء الزوج أو السيد للمرأة التي هذه حالها فمختلف فيه من أهل العلم ، جماعة قالوا : لا سبيل لزوجها إلى وطئها ما دامت تلك حالها ، قالوا : لأن كل دم أذى ، يجب غسله من الثوب والبدن ، ولا فرق في المباشرة بين دم الحيض ودم الاستحاضة ; لأنه كله رجس ، وإن كان التعبد منه مختلفا ، كما أن ما خرج من السبيلين سواء في النجاسة ، وإن اختلفت عباداته في الطهارة ، قالوا : وأما الصلاة ، فرخصة وردت بها السنة كما يصلي أسلس البول ، وممن قال : إن المستحاضة لا يصيبها زوجها - إبراهيم النخعي ، وسليمان بن يسار ، والحكم ، وعامر الشعبي ، وابن سيرين ، والزهري ، واختلف فيه عن الحسن ، وروي عن عائشة في المستحاضة أنه لا يأتيها زوجها ، وبه قال ابن علية ، وذكر عن شريك عن منصور عن إبراهيم قال : المستحاضة تصوم وتصلي ، ولا يأتيها زوجها ، وعن حماد بن زيد ، عن حفص بن سليمان ، عن الحسن مثله .

[ ص: 69 ] وعن عبد الواحد بن سالم ، عن حريث ، عن الشعبي مثله .

وذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن منصور ، قال : لا تصوم ولا يأتيها زوجها ، ولا تمس المصحف . وعن معمر ، عن أيوب ، قال مثل سليمان بن يسار : أيصيب المستحاضة زوجها ؟ فقال : إنما سمعنا الصلاة .

وذكر إسماعيل بن إسحاق ، قال : أخبرنا أبو مصعب ، قال : سمعت المغيرة بن عبد الرحمن - وكان من أعلى أصحاب مالك - يقول : قولنا في المستحاضة إذا استمر بها الدم بعد انقضاء أيام حيضتها : إنا لا ندري هل ذلك انتقال دم حيضتها إلى دم أكثر منها ، أم ذلك استحاضة ؟ فنأمرها أن تغتسل إذا مضت أيام حيضتها ، وتصلي ، وتصوم ، ولا يغشاها زوجها - احتياطا ، ينظر إلى ما تصير إليه حالها بعد ذلك ، إن كانت حيضة انتقلت من أيام إلى أكثر منها ، عملت فيما تستقبل على الأيام التي انتقلت إليها ، ولم يضرها ما كانت احتاطت من الصلاة والصيام ، وإن كان ذلك الدم الذي استمر بها استحاضة ، كانت قد احتاطت للصلاة والصيام .

قال أبو مصعب : وهذا قولنا وبه نفتي ، وقال جمهور العلماء : المستحاضة تصوم ، وتصلي ، وتطوف ، وتقرأ ، ويأتيها زوجها ، [ ص: 70 ] وممن روي عنه إجازة وطء المستحاضة : عبد الله بن عباس ، وابن المسيب ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، وأصحابهم ، والثوري ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وكان أحمد بن حنبل يقول : أحب إلي ألا يطأها إلا أن يطول ذلك بها .

ذكر ابن المبارك ، عن الأجلح ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال في المستحاضة : لا بأس أن يجامعها زوجها .

وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن إسماعيل بن شروس ، قال : سمعت عكرمة مولى ابن عباس يسأل عن المستحاضة : أيصيبها زوجها ؟ قال : نعم ، وإن سال الدم على عقبيها .

عن الثوري ، عن سمي ، عن ابن المسيب ، وعن يونس ، عن الحسن ، قالا في المستحاضة : تصوم ، وتصلي ، ويجامعها زوجها . وعن الثوري ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير أنه سأله عن المستحاضة : أتجامع ؟ فقال : الصلاة أعظم من الجماع .

وذكر ابن وهب ، عن عمرو بن الحرث ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب أنه قال : المستحاضة تصوم ، وتصلي [ ص: 71 ] ويطؤها زوجها ، قال ابن وهب : وقال مالك : أمر أهل الفقه والعلم على ذلك ، وإن كان دمها كثيرا ، وقال مالك : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما ذلك عرق وليس بالحيضة وإذا لم تكن حيضة ، فما يمنعها أن تصيبها وهي تصلي وتصوم ؟ .

قال أبو عمر : حكم الله عز وجل في دم المستحاضة بأنه لا يمنع من الصلاة ، وتعبد فيه بعبادة غير عبادة الحيض - أوجب أن لا يحكم له بشيء من حكم الحيض إلا فيما أجمعوا عليه من غسله كسائر الدماء .

وأما اختلاف العلماء في أكثر الحيض ، وفي أقله ، وفي أقل الطهر ، فواجب الوقوف عليه ; لأن الأصل في الاستحاضة زيادة الدم على مقدار أمد الحيض ، أو نقصان مدة الطهر عن أقله ، فبهذا تعرف الاستحاضة .

فأما اختلافهم في أكثر الحيض وأقله ، فإن فقهاء أهل المدينة يقولون : إن الحيض لا يكون أكثر من خمسة عشر يوما ، وجائز عندهم أن يكون خمسة عشر يوما فما دون ، وأما ما زاد على خمسة عشر يوما فلا يكون حيضا ، وإنما هو استحاضة ، وهذا مذهب مالك ، وأصحابه في الجملة ، وقد روي عن مالك [ ص: 72 ] أنه قال : لا وقت لقليل الحيض ولا لكثيره ، والدفعة عنده من الدم - وإن قلت - تمنع من الصلاة ، وأكثر الحيض عنده خمسة عشر يوما ، إلا أن يوجد في النساء أكثر من ذلك ، فكأنه ترك قوله : خمسة عشر ، ورده إلى عرف النساء في الأكثر ، وأما الأقل فقليل الدم - عنده - حيض بلا توقيت ، يمنع من الصلاة ، وإن لم تكن المطلقة تعده قرءا ، هذه جملة رواية ابن القاسم ، وأكثر المصريين عنه ، وروى الأندلسيون ، عن مالك : أقل الطهر عشر ، وأقل الحيض خمس ، وقال ابن الماجشون ، عن مالك : أقل الطهر خمسة أيام ، وأقل الحيض خمسة أيام ، وهو قول عبد الملك بن الماجشون .

وقال الشافعي : أقل الحيض يوم وليلة ، وروي عنه : يوم بلا ليلة ، وأكثره عنده خمسة عشر يوما .

وللشافعي قول آخر كقول مالك في عرف النساء ، وقال محمد بن مسلمة : أكثر الحيض خمسة ، وأقله ثلاثة أيام .

وقال الأوزاعي : أقل الحيض يوم ، قال : وعندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية ، وقال الثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه : أقل الحيض ثلاثة أيام ، وأكثره عشرة أيام ، فما نقص عندها ولاء من ثلاثة أيام فهو استحاضة ، وما زاد على عشرة أيام فهو استحاضة ، وكذلك ما كان أقل من يوم وليلة - عند الشافعي - فهو استحاضة ، وما زاد على خمسة عشر يوما فمثل ذلك ، [ ص: 73 ] وكذلك ما نقص عن أقل الطهر فهو استحاضة عند أكثرهم ، وأما اختلافهم في أقل الطهر ، فإن مالكا ، وأصحابه اضطربوا في ذلك ، فروي عن ابن القاسم : عشرة أيام ، وروي عنه : ثمانية أيام ، وهو قول سحنون .

وقال عبد المالك بن الماجشون : أقل الطهر خمسة أيام ، ورواه عن مالك .

وقال محمد بن مسلمة : أقل الطهر خمسة عشر يوما ، وهو قول أبي حنيفة ، والثوري ، والشافعي ، قال الشافعي : إلا أن يعلم طهر امرأة أقل من خمسة عشر ، فيكون القول قولها .

. وحكى ابن أبي عمران ، عن يحيى بن أكثم ، أن أقل الطهر تسعة عشر ، واحتج بأن الله جعل عدل كل حيضة وطهر شهرا ، والحيض في العادة أقل من الطهر ، فلم يجز أن يكون الحيض خمسة عشر يوما ، ووجب أن يكون عشرة حيضا ، وباقي الشهر طهرا - وهو تسعة عشر ; لأن الشهر قد يكون تسعا وعشرين .

وقول أحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وأبي عبيد ، والطبري في أقل الحيض ، وأكثره كقول الشافعي ، وأما أقل الطهر ، فقال أحمد وإسحاق : لا تحديد في ذلك ، وأنكرا على من وقت في ذلك خمسة عشر يوما ، وقالا : باطل .

[ ص: 74 ] وقال الثوري : أقل ما بين الحيضتين من الطهر خمسة عشر يوما ، وذكر أبو ثور أن ذلك لا يختلفون فيه ، وحكاه عن الشافعي ، وأبي حنيفة .

وأما اختلاف الفقهاء في أقل النفاس وأكثره ، فلا أعلمهم يختلفون - أعني فقهاء الحجاز والعراق - أن النفساء إذا رأت الطهر ولو بعد ساعة أنها تغتسل ، واختلفوا في أكثر مدته ، فقال مالك ، وعبيد الله بن الحسن ، والشافعي : أكثره ستون يوما ، ثم رجع مالك ، فقال : يسأل النساء عن ذلك ، وأهل المعرفة ، فذكر الليث أن من الناس من يقول : سبعين يوما ، وقال الثوري ، وأبو حنيفة ، والأوزاعي : أكثره أربعون يوما .

قال أبو عمر : ما زاد عندهم على أكثر مدة الحيض وأكثر مدة النفاس فهو استحاضة ، لا يختلفون في ذلك ، فقف على أصولهم في هذا الباب ; لتعرف الحكم في المستحاضة ، وتعرف من قلد أصله منهم ، ومن خالفه ، إن شاء الله ، فأما أقاويل الصحابة ، والتابعين في صلاة المستحاضة ، فإن ابن سيرين روى عن ابن عباس في المستحاضة ، قال : إذا رأت الدم البحراني فلا تصلي ، وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل ولتصل .

وقال مكحول : إن النساء لا تخفى عليهن الحيضة ، إن دمها أسود غليظ ، فإذا ذهب ذلك وصارت صفرة رقيقة ، فإنها الاستحاضة ، فلتغتسل ولتصل .

[ ص: 75 ] وروى حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن القعقاع بن حكيم ، عن سعيد بن المسيب في المستحاضة : إذا أقبلت الحيضة تركت الصلاة ، وإذا أدبرت اغتسلت وصلت .

وقد روي عن سعيد بن المسيب في المستحاضة : تجلس أيام أقرائها ، ورواه حماد بن سلمة ، عن يحيى بن سعيد عنه ، وروى يونس ، عن الحسن ، قال : الحائض إذا مد بها الدم تمسك بعد حيضتها يوما أو يومين ، وهي مستحاضة . وقال التيمي ، عن قتادة : إذا زادت على أيام حيضتها خمسة أيام فلتصل ، قال التيمي : فجعلت أنقص حتى إذا بلغت يومين ، قال : إذا كان يومين فهو من حيضها ، وسئل ابن سيرين فقال : النساء أعلم بذلك .

قال أبو عمر : فهذه أقاويل فقهاء التابعين في هذا الباب ، وأما أقاويل من بعدهم من أئمة الفتوى بالأمصار ، فقال مالك في المرأة إذا ابتدأها حيضها فاستمر بها الدم ، أو كانت ممن قد حاضت فاستمر الدم بها - قال في المبتدأة : تقعد ما تقعد نحوها من النساء من أسنانها وأترابها ولداتها ، ثم هي مستحاضة بعد ذلك ، رواه علي بن زياد عن مالك . وقال ابن القاسم : ما رأت المرأة بعد بلوغها من الدم فهو حيض ، تترك له الصلاة ، فإن تمادى بها قعدت عن الصلاة خمسة عشر يوما ، ثم اغتسلت ، وكانت مستحاضة ، تصلي ، وتصوم ، وتوطأ إلا أن ترى دما لا تشك أنه [ ص: 76 ] دم حيض فتدع له الصلاة ، فقال : والنساء يعرفن ذلك بريحه ولونه ، وقال : إذا عرفت المستحاضة إقبال الحيضة وإدبارها ، وميزت دمها ، اعتدت به من الطلاق ، وقد روي عن مالك في المستحاضة عدتها سنة وإن رأت دما تنكره ، وقال مالك في المرأة ترى الدم دفعة واحدة ، لا ترى غيرها في ليل أو نهار : إن ذلك حيض ، تكف له عن الصلاة ، فإن لم تكن غير تلك الدفعة ، اغتسلت وصلت ، ولا تعتد بتلك الدفعة من طلاق ، والصفرة والكدرة عند مالك - في أيام الحيض وفي غيرها - حيض .

وقال مالك : المستحاضة إذا ميزت بين الدمين عملت على التمييز في إقبال الحيضة وإدبارها ، ولم يلتفت إلى عدد الليالي والأيام ، وكفت عن الصلاة عند إقبال حيضتها واغتسلت عند إدبارها ، وقال مالك في المرأة يزيد دمها على أيام عادتها : إنها تمسك عن الصلاة خمسة عشر يوما ، فإن انقطع وإلا صنعت ما تصنع المستحاضة ، ثم رجع فقال : تستظهر بثلاثة أيام بعد أيام حيضتها المعتادة ، ثم تصلي ، وترك قوله : خمسة عشر يوما ، وأخذ بقوله الأول المدنيون من أصحابه ، وأخذ بقوله الآخر المصريون من أصحابه .

وقال الليث في هذه المسألة كلها مثل قول مالك الأخير ، ولمالك ، وغيره من العلماء في المرأة ينقطع دم حيضها فترى دما يوما أو يومين ، وطهرا يوما أو يومين - مذاهب ، سنذكرها في باب هشام بن عروة إن شاء الله .

[ ص: 77 ] وذكر إسماعيل بن إسحاق ، قال : قال محمد بن مسلمة : أقصى ما تحيض النساء عند علماء أهل المدينة - مالك وغيره - خمسة عشر يوما ، فإذا رأت المرأة الدم أمسكت عن الصلاة خمسة عشر يوما ، فإن انقطع عنها عند انقضاء الخمسة عشر وفيما دونها علمنا أنه حيض ، واغتسلت عند انقطاعه ، وصلت ، وليست مستحاضة ، فإن تمادى بها الدم أكثر من خمسة عشر يوما اغتسلت عند انقضاء الخمسة عشر ، وعلمنا أنها مستحاضة ، فأمرناها بالغسل ; لأنها طاهر ، وتصلي من يومها ذلك ، ولا تصلي ما كان قبل ذلك ; لأنها تركت الصلاة باجتهاد في أمر يختلف فيه ، وقد ذهب وقت تلك الصلاة وقلنا : أقيمي طاهرة حتى تقبل الحيضة ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك أن تأتيها دفعة من دم تنكره بعد خمسة عشر يوما من يوم غسلها ; لأنه أقل الطهر عندنا ، فإذا رأت الدفعة بعد خمس عشرة من الطهر كفت عن الصلاة ، ما دامت ترى الدم إلى خمسة عشر ، ثم اغتسلت وصلت فيما تستقبل كما ذكرنا ، فإن لم يكن بين الدفعة وبين الطهر قدر خمسة عشر يوما فهي امرأة حاضت في الشهر أكثر مما تحيض النساء ، فلا تعتد به ، ولا تترك الصلاة لتلك الدفعة ، ولا تزال تصلي حتى يأتيها ولو دفعة بعد خمسة عشر أو أكثر من الطهر ، قال محمد بن [ ص: 78 ] مسلمة : إنما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المستحاضة أن تترك الصلاة إذا أقبلت الحيضة ، فإذا ذهب قدرها اغتسلت وصلت ، وقدرها عندنا على ما جاء في حديث أم سلمة : لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر ، فإن جاوزت ذلك فلتغتسل ، ولتستثفر بثوب ، ولتصلي وإنما تترك الصلاة عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن ، وحيضها مستقيم قلت أو كثرت لا تزيد عليها ، ثم تغتسل وتصلي ، وهي طاهر حتى ترى دفعة ، فتكف عدد الليالي والأيام ، فإن زادت دفعة قبل وقت حيضها لم تكف عن الصلاة ; لأنها لو كفت عن الصلاة بتلك الدفعة قبل وقت حيضها كانت قد خالفت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقعدت عن الصلاة أكثر من أيام حيضها ، والدفعة في غير أيام الحيض عرق ، لن تقبل معه حيضة ، وإنما أمرت أن تكف عن الصلاة عند إقبال الحيضة ، فرأينا إقبالها موضعها مخالفا للحديث في عدد الليالي والأيام ، فجعلنا ذلك استحاضة ، قال محمد بن مسلمة : وكان المغيرة يأخذ بالحديث الذي جاء فيه عدد الليالي والأيام ، وكان مالك يحتاط بعد ذلك بثلاث قال : وقول المغيرة في ذلك أحسن وأحب إلي .

وقال أحمد بن المعذل : أما قول مالك في المرأة التي لم تحض قط ثم حاضت فاستمر بها الدم : فإنها تترك الصلاة إلى [ ص: 79 ] أن تتم خمسة عشر يوما ، فإن انقطع عنها قبل ذلك علمنا أنه حيض واغتسلت ، وإن انقطع عنها لخمس عشرة ، فكذلك أيضا ، وهي حيضة قائمة تصير قرءا لها ، وإن زاد الدم على خمسة عشر اغتسلت عند انقضاء الخمس عشرة ، وتوضأت لكل صلاة وصلت ، وكان ما بلغ خمسة عشر من دمها استحاضة ، يغشاها فيه زوجها ، وتصلي فيه ، وتصوم ، ولا تزال بمنزلة الطاهر حتى ترى دما قد أقبل غير الدم الذي كان بها وهي تصلي ، فإن رأته بعد خمس ليال من يوم اغتسلت فهو حيض مقبل ، تترك له الصلاة خمس عشرة ليلة ; لأنها ليست ممن كان لها حيض معروف ترجع إليه وتترك الصلاة قدر أيامها ، إنما وقتها أكثر الحيض ، وهي خمس عشرة ، وإذا رأت الدم المقبل بعدما اغتسلت بأقل من خمس ليال لم تترك له الصلاة ، وكانت استحاضة ; لأنها لم تتم من الطهر أيامها ، فيكون الذي يقبل حيضا مستأنفا ، فهذا حكم التي ابتدئت في أول ما حاضت بالاستحاضة ، قال : وأما التي لها حيض معروف مستقيم وزادها الدم على أيامها ، فإنها تنتظر إلى تمام خمس عشرة ، فإن انقطع عنها الدم قبل ذلك اغتسلت وصلت ، وكان حيضها مستقيما ، وإن انقطع الدم مع تمام خمسة عشر ، فكذلك أيضا ، وإنما هي امرأة انتقل حيضها إلى أكثر مما كان ، وكل ذلك حيض ; لأن حيض المرأة مختلف أحيانا فيقل ويكثر ، وإن زادها الدم على خمسة عشر اغتسلت عند تمامها ، فصلت ، وكانت مستحاضة ، وتصلي ، وتصوم ، ويأتيها زوجها ، حتى ترى دما قد أقبل سوى الذي تصلي [ ص: 80 ] فيه ، فإن رأته قبل خمس ليال من حين اغتسلت مضت على حال الطهارة فإنها مستحاضة ، وإن رأته بعد خمس ليال فأكثر فهو دم حيض مستأنف ، تترك له الصلاة أيامها التي كانت تحيضها قبل أن يختلط عليها أمرها ، وتزيد ثلاثة أيام على ما كانت تعرف من أيامها ، إلا أن تكون أيامها والثلاثة التي تحتاط بها أكثر من خمس عشرة ، فإن كان كذلك لم تجاوز خمس عشرة ، واغتسلت عند تمامها وصلت ، فهذا فرق بين المبتدأة بالاستحاضة ، وبين التي كان لها وقت معلوم .

وقال أحمد بن المعذل : الذي كان عليه الجلة من العلماء في القديم : أن الحيض يكون خمس عشرة ليلة لا تجاوز ذلك ، وما جاوزه فهو استحاضة ، قال : وعلى هذا كان قول أهل المدينة القديم ، وأهل الكوفة ، حتى رجع عنه أبو حنيفة ; لحديث بلغه عن الجلد بن أيوب ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك ، أنه قال في المستحاضة : تنتظر عشرا لا تجاوز فقال أبو حنيفة : لم أزل أرى أن يكون أقل الطهر أكثر من أكثر الحيض وكنت أكره خلافهم - يعني فقهاء الكوفة - حتى سمعت هذا الحديث عن أنس فأنا آخذ به .

قال أحمد بن المعذل : واختلف قول أصحابه في عدد الحيض وانقطاعه وعودته اختلافا يدلك على أنهم لم يأخذوه عن أثر قوي ولا إجماع ، قال : واختلف أيضا قول مالك ، وأصحابه في عدد الحيض ، رجع فيها من قول إلى قول ، وثبت هو وأهل [ ص: 81 ] بلده على أصل قولهم في الحيض ، أنه خمس عشرة قال : وإنما ذكرت لك اختلاف أمر الحيض ، واختلاطه على العلماء ; لتعلم أنه أمر أخذ أكثره بالاجتهاد ، فلا يكون عندك سنة قول أحد من المختلفين ، فيضيق على الناس خلافهم .

قال أبو عمر : قد احتج الطحاوي لمذهب الكوفيين في تحديد الثلاث والعشر في أقل الحيض وأكثره - بحديث أم سلمة ، إذ سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة التي كانت تهراق الدم فقال : لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن في الشهر ، فلتترك قدر ذلك من الشهر ، ثم تغتسل ، وتصلي قال : فأجابها بذكر عدد الأيام والليالي من غير مسألة لها على مقدار حيضها قبل ذلك قال : وأكثر ما يتناوله أيام عشرة ، وأقله ثلاثة .

قال أبو عمر : ليس هذا عندي حجة تمنع من أن يكون الحيض أقل من ثلاث ; لأنه كلام خرج في امرأة قد علم أن حيضها أيام ، فخرج جوابها على ذلك ، وجائز أن يكون الحيض أقل من ثلاث ; لأن ذلك موجود في النساء غير مدفوع ، وأما الجلد بن أيوب ، فإن الحميدي ذكر عن ابن عيينة أنه كان يضعفه ، ويقول : من جلد ؟ ومن كان جلد ؟ وقال ابن [ ص: 82 ] المبارك : الجلد بن أيوب يضعفه أهل البصرة ، ويقولون : ليس بصاحب حديث ، يعني روايته في قصة الحيض عن أنس .

قال أبو عمر : للجلد بن أيوب - أيضا - حديث آخر عن معاوية بن قرة ، عن عائد بن عمر ، وأنه قال لامرأته : إذا نفست لا تغريني عن ديني حتى تمضي أربعون ليلة .

وروى عن الجلد بن أيوب - هشام بن حسان ، وعمر بن المغيرة ، وعبد العزيز بن عبد الصمد ، وغيرهم ، وله سماع من الحسن ونظرائه ، ولكنهم يضعفونه في حديثه في الحيض ، وأما الاستظهار فقد قال مالك باستظهار ثلاثة أيام ، وقال غيره : تستظهر يومين .

وحكى عبد الرزاق عن معمر ، قال : تستظهر يوما واحدا على حيضتها ، ثم هي مستحاضة ، وذكر عن ابن جريج ، عن عطاء ، وعمرو بن دينار : تستظهر بيوم واحد .

قال أبو عمر : احتج بعض أصحابنا في الاستظهار بحديث رواه حرام بن عثمان ، عن أبي جابر ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حديث لا يصح ، وحرام بن عثمان [ ص: 83 ] ضعيف متروك الحديث ، واحتجوا فيه من جهة النظر والقياس على المصراة في اختلاط اللبنين ، فجعلوا كذلك اختلاف الدمين : دم الاستحاضة ، ودم الحيض ، وفي السنة من حديث ابن سيرين ، وغيره ، عن أبي هريرة ، أن المصراة تستبرأ ثلاثة أيام ; ليعلم بذلك مقدار لبن التصرية من لبن العادة ، فجعلوا كذلك الذي يزيد دمها على عادتها ; ليعلم بذلك أحيض هو أم استحاضة ؟ استبراء واستظهارا ، وفي ذا المعنى نظر ; لأن الاحتياط إنما يجب أن يكون في عمل الصلاة لا في تركها ، وسيأتي هذا المعنى بأوضح من هذا في باب هشام بن عروة ، إن شاء الله .

وأما الشافعي ، فإنه قال : الحيض أقل ما يكون يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما ، فإن تمادى بالمبتدأة الدم أكثر من خمسة عشر يوما اغتسلت ، وقضت الصلاة أربعة عشر يوما ; لأنها مستحاضة بيقين إذا زادت على خمسة عشر يوما ، فإن حيضها أقل الحيض احتياطا للصلاة ، وإن انقطع دمها لخمسة عشر يوما أو دونها ، فهو كله حيض .

وقال الشافعي : إذا زادت المرأة على أيام حيضها نظرت ، فإن كان الدم محتدما ثخينا ، فتلك الحيضة تدع لها الصلاة ، فإذا جاءها الدم الأحمر فذلك الاستحاضة ، تغتسل ، وتصلي ولا [ ص: 84 ] تستظهر في أيام الدم ، وفي أيام أقرائها تغتسل وتصلي ، تعمل عنده على التمييز ، فإن لم تميز فعلى الأيام ، فإن لم تعرف ، رجعت إلى العرف ، والعادة ، واليقين ، وقول أبي ثور في هذا كله مثل قول الشافعي سواء .

قال أبو عمر : الدم المحتدم هو الذي ليس برقيق ولا بمشرق ، وهو إلى الكدرة ، والدم الأحمر المشرق تقول له العرب : دم عبيط ، والعبيط هو الطري غير المتغير ، تقول العرب : اعتبط ناقته ، وبعيره : إذا نحرهما من غير علة ، ومن هذا قولهم : من لم يمت عبطة يمت هرما أي : من لم يمت في شبابه وصحته مات هرما ، يقولون : اعتبط الرجل : إذا مات شابا صحيحا .

وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري في التي يزيد دمها على أيام عادتها : إنها ترد إلى أيامها المعروفة ، فإن زادت فإلى أقصى مدة الحيض ، وذلك عندهم عشرة أيام ، تترك الصلاة فيها ، فإن انقطع وإلا فهي مستحاضة ، والعمل عندهم على الأيام لا على التمييز ، تجلس عندهم أيام أقرائها إلى آخر مدة الحيض .

وذكر بشر بن الوليد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة في المبتدأة ترى الدم ويستمر بها - أن حيضها عشر ، وطهرها عشرون ، وأكثر الحيض عنده عشرة أيام ، وأقله ثلاثة .

[ ص: 85 ] وقال أبو يوسف : تأخذ في الصلاة بالثلاثة ، أقل الحيض وفي الأزواج بالعشر ، ولا تقضي صوما عليها إلا بعد العشرة ، وتصوم العشرين من رمضان ، وتقضي سبعا .

وقال الأوزاعي - وسئل فيمن تستظهر بيوم أو يومين بعد أيام حيضها إذا تطاول بها الدم - فقال : يجوز ، ولم يوقت للاستظهار وقتا .

وقال أحمد بن حنبل : أقل الحيض يوم وليلة ، وأكثره خمسة عشر يوما ، فلو طبق بها الدم ، وكانت ممن تميز ، وعلمت إقباله بأنه أسود ثخين ، أو أحمر يضرب إلى السواد ، وفي إدباره يصير إلى الرقة والصفرة - تركت الصلاة في إقباله ، فإذا أدبر اغتسلت ، وصلت ، وتوضأت لكل صلاة ، فإن لم يكن دمها منفصلا ، وكانت لها أيام من الشهر تعرفها أمسكت عن الصلاة فيها ، واغتسلت إذا جاوزتها ، وإن كانت لا تعرف أيامها - بأن تكون أنسيتها ، وكان دمها مشكلا لا ينفصل قعدت ستة أيام أو سبعة في كل شهر ، على حديث حمنة بنت جحش .

وأما المبتدأة بالدم ، فإنها تحتاط ، فتجلس يوما وليلة ، وتغتسل ، وتتوضأ لكل صلاة ، وتصلي ، فإن انقطع عنها الدم في خمسة عشر اغتسلت عند انقطاعه ، وتفعل مثل ذلك ثانية وثالثة ، فإن كان بمعنى واحد عملت عليه ، وأعادت الصوم إن كانت صامت ، وإن استمر بها الدم ولم تميز قعدت في كل شهر ستا أو سبعا ; لأن الغالب من النساء أنهن هكذا [ ص: 86 ] يحضن . وقول إسحاق بن راهويه ، وأبي عبيد في هذا الباب نحو قول أحمد بن حنبل في استعمال الثلاثة أحاديث : حديث فاطمة بنت أبي حبيش في تمييز إقبال حيضتها ، وإدبارها ، وحديث أم سلمة في عدد الليالي والأيام المعروفة لها ، إذا كانت لا تميز انفصال دمها ، وحديث حمنة بنت جحش فيمن لا تعرف أيامها ولا تميز دمها .

وقال الطبري : أقل الحيض يوم وليلة ، وأكثره خمسة عشر يوما ، فإن تمادى بها الدم أكثر من خمسة عشر يوما قضت صلاة أربعة عشر يوما وخمس عشرة ليلة ، إلا أن يكون لها عادة ، فتقضي ما زاد على عادتها ، واختلفوا في الحامل ترى الدم ، هل ذلك استحاضة لا يمنعها من الصلاة أم هو حيض تكف معه عن الصلاة ؟ فقال مالك ، والشافعي ، والليث بن سعد ، والطبري : هو حيض وتدع الصلاة ، هذا هو المشهور من مذهب الشافعي ، وقد روي عنه أنه ليس بحيض .

والمشهور من مذهب مالك أيضا ، أنه حيض يمنعها من الصلاة ، إلا ابن خواز منداد قال : إن هذا في مذهب مالك إذا رأت الدم في أيام عادتها ، فحينئذ يكون حيضا .

واختلف قول مالك وأصحابه في حكم الحامل إذا رأت الدم ، فروي عنه الفرق بين أول الحمل وآخره ، وروي عنه ، وعن أصحابه في ذلك روايات لم أر لذكرها وجها ، وأصح ما في ذلك على مذهب رواته : أشهب عنه : أن الحامل في رؤيتها الدم كغير الحامل سواء .

[ ص: 87 ] وقال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والحسن بن حي ، وعبيد الله بن الحسن ، والأوزاعي : ليس بحيض ، وإنما هو استحاضة لا تكف به عن الصلاة ، وهو قول ابن علية وداود ، وحجة هؤلاء - ومن قال بقولهم - : أن الأمة مجمعة على أن الحامل تطلق للسنة إذا استبان حملها من أوله إلى آخره ، وأن الحمل كله كالطهر الذي لم يجامع فيه ، ومن حجتهم أيضا قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تحيض قالوا : فهذا دليل على أن الحمل ينفي الحيض .

ومن حجة مالك ، ومن ذهب مذهبه في أن الحامل تحيض - ما يحيط به العلم بأن الحائض قد تحمل ، فكذلك جائز أن تحيض كما جائز أن تحمل ، والأصل في الدم الظاهر من الأرحام أن يكون حيضا حتى تتجاوز المقدار الذي لا يكون مثله حيضا ، فيكون حينئذ استحاضة ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما حكم بالاستحاضة في دم زائد على مقدار الحيض ، وليس في قوله عليه السلام : لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تحيض ما ينفي أن يكون حيض على حمل ; لأن الحديث إنما ورد في سبي أوطاس حين أرادوا وطئهن ، فأخبروا أن الحامل لا براءة لرحمها بغير الوضع ، والحائل لا براءة لرحمها بغير الحيض ، لا أن الحامل لا تحيض - والله أعلم .

[ ص: 88 ] وممن قال : إن الحامل إذا رأت الدم كفت عن الصلاة كالحائض سواء - ابن شهاب الزهري ، وقتادة ، والليث بن سعد ، وإسحاق بن راهويه ، وابن مهدي ، وجماعة ، واختلف فيه عن عائشة ، فروي عنها مثل قول مالك ، والزهري ، وروي عنها أنها لا تدع الصلاة على حال ، رواه سليمان بن موسى ، عن عطاء ، عن عائشة ، وهو قول جمهور التابعين بالحجاز ، والعراق ، وبه قال أحمد بن حنبل ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وأما غسل المستحاضة ووضوؤها ، فأجمعوا أن عليها - إذا كانت ممن تميز دم حيضها من دم استحاضتها - أن تغتسل عند إدبار حيضتها ، وكذلك إذا لم تعرف ذلك وقعدت ما أمرت به من عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن في الشهر ، اغتسلت عند انقضاء ذلك ، على حسب ما جاء منصوصا في حديث أم سلمة ، وغيره - على مذاهب العلماء في ذلك مما قد ذكرناه في هذا الباب ، والحمد لله ، ثم اختلفوا فيما عليها بعد ذلك من غسل أو وضوء ، فذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة ، بحديث ابن شهاب عن عروة ، وعمرة - جميعا ، عن عائشة أن أم حبيبة بنت جحش ، وبعض أصحاب ابن شهاب يقول عنه فيه : حمنة بنت جحش ، ولا يصح عنه . وقال معمر ، وابن عيينة ، وإبراهيم بن سعد ، ويونس بن يزيد ، وغيرهم : أم حبيبة بنت جحش - وهو الصواب - استحيضت ، فاستفتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لها : إنما ذلك عرق ، فاغتسلي ، ثم صلي فكانت تغتسل لكل صلاة قالوا : فهي أعلم [ ص: 89 ] بما أمرت به ، وقد فهمت ما جووبت عنه ، قالوا : وقد قال محمد بن إسحاق في هذا الحديث ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أن أم حبيبة ابنة جحش استحيضت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغسل لكل صلاة ، وساق الحديث .

واحتجوا أيضا بما حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا مسلم ، قال : حدثنا أبان ، وهشام الدستوائي ، قالا : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، قال أبان : عن أم حبيبة ، وقال هشام إن أم حبيبة سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : إني أهراق الدماء ، فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلي .

وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن محمد البرتي ، قالا جميعا : حدثنا أبو معمر ، قال أبو داود : عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر ، قال : حدثنا عبد الوارث ، عن حسين المعلم ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، قال : أخبرتني زينب بنت أم سلمة ، أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تغتسل [ ص: 90 ] عند كل صلاة . قال أبو داود : وفي حديث ابن عقيل في قصة حمنة الأمران جميعا قال : إن قويت فاغتسلي لكل صلاة ، وإلا فاجمعي بين الصلاتين بغسل واحد ، قال : وكذلك روى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وعلي أنها تغتسل لكل صلاة .

قال أبو عمر : هذا الحديث رواه همام ، عن قتادة ، عن أبي حسان ، عن سعيد بن جبير أن امرأة أتت ابن عباس بكتاب بعدما ذهب بصره ، فدفعه إلى ابنه فتبرأ منه ، فدفعه إلي فقرأته ، فقال لابنه : ألا هذرمته كما هذرمه الغلام المصري ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من امرأة من المسلمين ، أنها استحيضت ، فاستفتت عليا رضي الله عنه ، فأمرها أن تغتسل وتصلي ، فقال ابن عباس : اللهم لا أعلم القول إلا ما قال - علي ثلاث مرات .

قال قتادة : وأخبرني عذرة ، عن سعيد ، أنه قيل له : إن الكوفة أرض باردة ، وإنه يشق عليها الغسل لكل صلاة فقال : لو شاء الله لابتلاها بما هو أشد منه .

[ ص: 91 ] وقال يزيد بن إبراهيم ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، أن امرأة من أهل الكوفة استحيضت ، فكتبت إلى عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، تناشدهم الله ، وتقول : إني امرأة مسلمة ، أصابني بلاء ، وإنها استحيضت منذ سنين ، فما ترون في ذلك ؟ فكان أول من وقع الكتاب في يده ابن الزبير ، فقال : ما أعلم لها إلا أن تدع قرأها ، وتغتسل عند كل صلاة وتصلي ، فتتابعوا على ذلك ، فهذا كله حجة من جعل على المستحاضة الغسل لكل صلاة .

وقال آخرون : يجب عليها أن تغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا ، تصلي به الظهر في آخر وقتها ، والعصر في أول وقتها ، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدا ، تقدم الأولى وتؤخر الآخرة ، وتغتسل للصبح غسلا ، واحتجوا بما رواه محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه عن عائشة ، قالت : إنما هي سهلة بنت سهيل بن عمرو استحيضت وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرها بالغسل عند كل صلاة ، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع الظهر والعصر في غسل واحد ، والمغرب والعشاء في غسل واحد وتغتسل للصبح .

[ ص: 92 ] ورواه شعبة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : استحيضت امرأة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرت أن تعجل العصر ، وتؤخر الظهر ، وتغتسل لهما غسلا واحدا ، وتؤخر المغرب ، وتعجل العشاء ، وتغتسل لهما غسلا واحدا ، وتغتسل لصلاة الصبح غسلا ، قال شعبة : قلت لعبد الرحمن أعن النبي عليه السلام ؟ قال : لا أحدثك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء .

ورواه الثوري ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن زينب ابنة جحش ، أن النبي عليه السلام أمرها بذلك ، ورواه ابن عيينة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه مرسلا ، وروى سهيل بن أبي صالح ، عن الزهري ، عن عروة ، عن أسماء بنت عميس ، أن النبي عليه السلام أمر بمثل ذلك فاطمة ابنة أبي حبيش ، قالوا : فقد بان في حديث ابن إسحاق وغيره ، عن عبد الرحمن بن القاسم في هذا الحديث - الناسخ من المحكم في ذلك ، جمع الصلاتين بغسل واحد ، صلاتي الليل وصلاتي النهار ، وتغتسل للصبح غسلا واحدا ، فصار القول بهذا أولى من القول بإيجاب الغسل لكل صلاة ; لقوله : فلما جهدها ، أمرها أن تجمع الظهر والعصر في غسل واحد ، والمغرب والعشاء بغسل واحد ، وتغتسل للصبح ، قالوا : وقد روي عن علي ، وابن عباس مثل ذلك خلاف الرواية الأولى عنهما فذكروا [ ص: 93 ] ما حدثنا به عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن محمد البرتي ، قال : حدثنا أبو معمر ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا محمد بن جحادة ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : جاءته امرأة مستحاضة تسأله ، فلم يفتها ، وقال لها : سلي ، قال : فأتت ابن عمر ، فسألته ، فقال لها : لا تصلي ، ما رأيت الدم ، فرجعت إلى ابن عباس ، فأخبرته ، فقال : رحمه الله ، إن كاد ليكفرك ، قال : ثم سألت علي بن أبي طالب ، فقال : تلك ركزة من الشيطان ، أو قرحة في الرحم ، اغتسلي عند كل صلاتين مرة ، وصلي ، قال : فلقيت ابن عباس بعد ، فسألته ، فقال : ما أجد لك إلا ما قال علي .

وروى حماد بن سلمة ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد ، قال : قيل لابن عباس : إن أرضها باردة ، قال : تؤخر الظهر ، وتعجل العصر ، وتغتسل لهما غسلا ، وتؤخر المغرب ، وتعجل العشاء ، وتغتسل لهما غسلا ، وتغتسل للفجر غسلا .

وروى إبراهيم النخعي ، عن ابن عباس مثله ، وهو قول إبراهيم النخعي ، وعبد الله بن شداد ، وفرقة .

وقال آخرون : تغتسل كل يوم مرة في أي وقت شاءت ، رواه معقل الخثعمي ، عن علي قال : المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم ، واتخذت صوفة فيها سمن أو زيت .

[ ص: 94 ] وقال آخرون : تغتسل من ظهر إلى ظهر ، وتتوضأ لكل صلاة . رواه مالك عن سمي عن سعيد بن المسيب ، وهو قول سالم ، وعطاء ، والحسن ، وروي مثل ذلك عن ابن عمر ، وأنس بن مالك ، وهي رواية عن عائشة .

وقال آخرون : لا تغتسل إلا من ظهر إلى ظهر ، روي ذلك عن طائفة من أهل المدينة .

وقال آخرون : لا تتوضأ إلا عند الحدث ، وهو قول عكرمة ، ومالك بن أنس ، إلا أن مالكا يستحب لها الوضوء عند كل صلاة ، وقال آخرون : تدع المستحاضة الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل ، وتتوضأ لكل صلاة وتصلي .

واحتجوا بحديث شريك ، عن أبي اليقظان ، عن عدي بن ثابت ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل ، وتصلي ، وتتوضأ عند كل صلاة ، وتصوم ، وتصلي .

وبحديث حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة ، عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، إني أستحاض فلا ينقطع عني ، فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة ، وتصلي وإن قطر الدم على الحصير .

[ ص: 95 ] وبما حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، وأحمد بن قاسم ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا يحيى بن هاشم ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : جاءت فاطمة ابنة أبي حبيش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، إني امرأة أستحاض ، فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟ قال : لا ، إنما هو عرق وليس بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ، وتوضئي عند كل صلاة وصلي .

ورواية أبي حنيفة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة لهذا الحديث - كرواية يحيى بن هشام سواء ، قال فيه : وتوضئي لكل صلاة ، وكذلك رواية حماد بن سلمة ، عن هشام أيضا بإسناده مثله ، وحماد بن سلمة في هشام بن عروة ثبت ثقة .

وأما سائر الرواة له عن هشام بن عروة فلم يذكروا فيه الوضوء لكل الصلاة ، لا مالك ، ولا الليث ، ولا ابن عيينة ، ولا غيرهم إلا من ذكرت لك فيما علمت .

وروى شعبة قال : حدثنا عبد الملك بن ميسرة ، والمجالد بن سعيد ، وبيان ، قالوا : سمعنا عامرا الشعبي يحدث ، عن قمير امرأة مسروق ، عن عائشة أنها قالت في المستحاضة : تدع الصلاة أيام حيضها ، ثم تغتسل غسلا واحدا ، ثم تتوضأ عند كل صلاة .

[ ص: 96 ] وروى الثوري ، عن فراس وبيان ، عن الشعبي ، عن قمير ، عن عائشة مثله ، قالوا : فلما روي عن عائشة أنها أفتت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المستحاضة ، أنها تتوضأ لكل صلاة ، فقد كان روي عنها مرفوعا ما تقدم ذكره من حكم المستحاضة ، أنها تغتسل لكل صلاة ، ومن حكمها أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد - علمنا بفتواها وجوابها بعد وفاة النبي عليه السلام أن الذي أفتت به هو منسوخ عندها ; لأنه لا يجوز عليها أن تدع الناسخ وتفتي بالمنسوخ ، ولو فعلت لسقطت روايتها ، فهذا وجه تهذيب الآثار في هذا المعنى ، قالوا : وأما حديث أم حبيبة وقصتها فمختلف فيه ، وأكثرهم يقولون فيه إنها كانت تغتسل من غير أن يأمرها بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا قد يجوز أن تكون أرادت به العلاج ، ويجوز أن تكون ممن لا تعرف أقراءها ولا إدبار حيضتها ، ويكون دمها سائلا ، وإذا كان كذلك فليست صلاة إلا وهي تحتمل أن تكون عندها طاهرا من حيض ، فليس لها أن تصليها إلا بعد الاغتسال ; فلذلك أمرت بالغسل ، والمستحاضة قد تكون استحاضتها على معان مختلفة ، فمنها أن تكون مستحاضة قد استمر بها الدم وأيام حيضتها معروفة ، فسبيلها أن تدع الصلاة أيام حيضتها ، ثم تغتسل وتتوضأ بعد ذلك لكل صلاة ، ومنها أن تكون مستحاضة قد استمر بها دمها ، فلا ينقطع عنها وأيام حيضتها قد خفيت عليها ، فسبيلها أن تغتسل لكل صلاة ; لأنه لا يأتي عليها وقت إلا احتمل أن تكون فيه حائضا أو طاهرا [ ص: 97 ] من حيض أو مستحاضة ، فيحتاط لها فتؤمر بالغسل ، ومنها أن تكون مستحاضة قد خفيت عليها أيام حيضتها ، ودمها غير مستمر بها ، ينقطع ساعة ويعود بعد ذلك ، تكون هكذا في أيامها كلها ، فتكون قد أحاط علمها أنها في وقت انقطاع دمها طاهر من محيض طهرا يوجب عليها غسلا ، فلها إذا اغتسلت أن تصلي في حالها تلك ما أرادت من الصلوات بذلك الغسل إن أمكنها ذلك ، قالوا : فلما وجدنا المرأة قد تكون مستحاضة لكل وجه من هذه الوجوه التي معانيها وأحكامها مختلفة ، واسم الاستحاضة يجمعها ، ولم يكن في حديث عائشة تبيان استحاضة تلك المرأة - لم يجز لنا أن نحمل ذلك على وجه من تلك الوجوه دون غيرها إلا بدليل ، ولا دليل إلا ما كانت عائشة تفتي به في المستحاضة أنها تدع الصلاة أيام حيضتها ، ثم تغتسل غسلا واحدا ، ثم تتوضأ عند كل صلاة ، هذا كله من حجة من ينفي إيجاب الغسل على كل مستحاضة لكل صلاة ، وفي جملة مذهب أبي حنيفة ، وأصحابه ، والثوري ، ومالك ، والليث ، والشافعي ، والأوزاعي ، وعامة فقهاء الأمصار ، إلا أن مالكا يستحب للمستحاضة الوضوء لكل صلاة ، ولا يوجبه عليها ، وسائر من ذكرنا يوجب الوضوء عليها لكل صلاة فرضا كما يوجبه على سلس البول ; لأن الله قد تعبد من ليس على وضوء من عباده المؤمنين إذا قام إلى الصلاة أن يتوضأ ، وسلس البول والمستحاضة ليسا على وضوء ، فلما أمرا جميعا بالصلاة ، ولم يكن حدثهما الدائم بهما يمنعهما من الصلاة ، وكان عليهما أن يصليا على حالهما ، فكذلك [ ص: 98 ] يتوضآن للصلاة ; لأن الحدث يقطع الصلاة بإجماع من العلماء ، وعلى صاحبه أن ينصرف من صلاته من أجله ، والمستحاضة مأمورة بالصلاة وكذلك سلس البول ، لا ينصرف واحد منهما عن صلاته ، بل يصلي كل واحد منهما على حاله ، فكذلك يتوضأ وهو على حاله ، لا يضره دوام حدثه لوضوئه كما لا يضره لصلاته ; لأنه أقصى ما يقدر عليه ; فكما لا تسقط عنه الصلاة ، فكذلك لا يسقط عنه الوضوء لها ، هذا أقوى ما احتج به من أوجب الوضوء على هؤلاء لكل صلاة ، وأما مالك فإنه لا يوجب على المستحاضة ولا على صاحب السلس وضوءا ; لأنه لا يرفع به حدثا ، وقد قال عكرمة ، وأيوب ، وغيرهما - سواء دم الاستحاضة أو دم جرح - : لا يوجب شيء من ذلك وضوءا .

وروى مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه قال : ليس على المستحاضة إلا أن تغسل غسلا واحدا ، ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة ، قال مالك : والأمر عندنا على حديث هشام بن عروة ، عن أبيه وهو أحب ما سمعت إلي . والوضوء عليها - عنده - استحباب على ما ذكرنا عنه ; لأنه لا يرفع الحدث الدائم ، فوجه الأمر به الاستحباب - والله أعلم .

وقد احتج بعض أصحابنا على سقوط الوضوء بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش : فإذا ذهب قدر الحيضة فاغتسلي وصلي - ولم يذكر وضوءا ولو كان [ ص: 99 ] الوضوء واجبا عليها لما سكت عن أن يأمرها به ، وممن قال بأن الوضوء على المستحاضة واجب : ربيعة ، وعكرمة ، وأيوب ، وطائفة ، والله الموفق للصواب .

وأما الأحاديث المرفوعة في إيجاب الغسل لكل صلاة ، وفي الجمع بين الصلاتين بغسل واحد ، والوضوء لكل صلاة على المستحاضة - فكلها مضطربة لا تجب بمثلها حجة .

التالي السابق


الخدمات العلمية