التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
691 [ ص: 148 ] [ ص: 149 ] حديث أول لأبي سهيل بن مالك

مالك ، عن عمه أبي سهيل بن مالك ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أنه قال : إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين .


ذكرنا هذا الحديث ; لأن مثله لا يكون رأيا ، ولا يدرك مثله إلا توقيفا ، وقد روي مرفوعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي سهيل هذا وغيره من رواية مالك وغيره ، ولا أعلم أحدا رفعه عن مالك إلا معن بن عيسى إن صح عنه .

حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا الحسين بن أحمد بن محمد ، حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الواشجي ، حدثنا أبو موسى الأنصاري ، عن معن ، عن مالك ، عن أبي سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنان ، وأغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين .

[ ص: 150 ] ومعن بن عيسى أوثق أصحاب مالك ، أو من أوثقهم وأتقنهم .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا قالون ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير القارئ ، عن نافع ، عن أبيه عن أبي هريرة ، أن النبي عليه السلام قال : إذا استهل رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين . قال إسماعيل بن إسحاق : ونافع هذا هو أبو سهيل بن مالك بن أبي عامر .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن محمد البرتي ، قال : حدثنا القعنبي عبد الله بن مسلمة ، قال : حدثنا عبد العزيز - يعني : ابن محمد عن أبي سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا استهل رمضان غلقت أبواب النار ، وفتحت أبواب الجنة ، وصفدت الشياطين .

وحدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا علي بن حجر ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : حدثنا أبو سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين .

[ ص: 151 ] وأما رواية الزهري لهذا الحديث عن أبي سهيل ، فحدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا إبراهيم بن يعقوب ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا نافع بن يزيد ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني أبو سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين .

ورواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن أبي أنس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب جهنم ، وسلسلت الشياطين .

وعند معمر فيه إسناد آخر عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، قال : حدثني نافع بن أبي أنس ، أن أباه حدثه ، أنه سمع أبا هريرة ، يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر مثل حديث معمر حرفا بحرف .

وقال شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، قال : حدثني ابن أبي أنس مولى التيميين ، أن أباه حدثه ، أنه سمع أبا هريرة [ ص: 152 ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر مثله سواء ، وكذلك قال يونس ، عن ابن شهاب ، عن ابن أبي أنس ، فذكر مثله ، ولم يقل مولى التيميين .

ورواه محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن ابن أبي أنس عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي عليه السلام ، ومرة قال فيه : من عدي بني تميم ومرة لم يقل ذلك .

قال أبو عمر : قد ذكرنا أن مالك بن أنس ، وأباه ، وعمه ليسوا بموالي لبني تيم ، ولكنهم حلفاؤهم ، وكان الزهري يجعلهم موالي لهم ، وكان ابن إسحاق يقول ذلك وليس بشيء ، ومالك أعلم بنسبه ، وهو صريح فيما صح من حمير على ما ذكرنا في صدر هذا الكتاب ، والله أعلم .

وأما قوله في هذا الحديث : فتحت أبواب الجنة فمعناه - والله أعلم - أن الله يتجاوز فيه للصائمين عن ذنوبهم ، ويضاعف لهم حسناتهم ، فبذلك تغلق عنهم أبواب الجحيم ، وأبواب جهنم ; لأن الصوم جنة يستجن بها العبد من النار ، وتفتح لهم أبواب الجنة ; لأن أعمالهم تزكو فيه لهم ، وتتقبل منهم ، هذا مذهب من حمل الحديث على الاستعارة والمجاز ، ومن حمله على الحقيقة فلا وجه له عندي إلا أن يرده إلى هذا المعنى ، وقد جاء ذكر ذلك مفسرا في غير موضع من كتابنا هذا ، والحمد لله .

[ ص: 153 ] وأما قوله : وصفدت فيه الشياطين - أو - سلسلت فيه الشياطين فمعناه عندي - والله أعلم - أن الله يعصم فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي ، فلا يخلص إليهم فيه الشياطين ، كما كانوا يخلصون إليه منهم في سائر السنة ، وأما الصفد - بتخفيف الفاء - في كلام العرب فهو الغل ، فعلى هذا سواء قول صفدت الشياطين ، أو سلسلت الشياطين ، يقال : صفدته أصفده صفدا وصفودا - إذا أوثقته ، والاسم الصفاد ، والصفاد أيضا حبل يوثق به ، وهو الصفد أيضا ، والجمع أصفاد ، والصفد : الغل .

وفي غير هذا المعنى الصفد : العطاء يقال منه : أصفدت الرجل إذا أعطيته مالا .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وأحمد بن قاسم ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا هشام بن أبي هشام ، عن محمد بن محمد بن الأسود ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة قبلها : خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ، ويزين الله لهم كل يوم جنته ، ثم يقول : يوشك عبادي الصائمون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ، ثم يصيرون إليك ، وتصفد فيه مردة الشياطين ، فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره ، ويغفر لهم آخر ليلة ، قيل : يا رسول الله ، أهي ليلة القدر ؟ قال : لا ، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا انقضى عمله .

[ ص: 154 ] قال أبو عمر : هشام بن أبي هشام هذا ، هو هشام بن زياد أبو المقدام ، وفيه ضعف ، ولكنه محتمل فيما يرويه من الفضائل

وحدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا بشر بن هلال ، قال : حدثنا عبد الوارث ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتاكم رمضان ، شهر مبارك ، فرض الله عليكم فيه صيامه ، تفتح فيه أبواب السماء ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا حامد بن عمر ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة ، عن أبي هريرة ، قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبشر أصحابه : جاءكم شهر مبارك ، فرض الله عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة القدر خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم .

أخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : أخبرنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا محمد بن يسار قال : [ ص: 155 ] حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عطاء بن السائب ، عن عرفجة ، قال : كنت في بيت فيه عتبة بن فرقد ، فأردت أن أحدث بحديث ، وكان رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنه أولى بالحديث ، فحدث الرجل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : في رمضان تفتح له أبواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب النار ، ويصفد فيه كل شيطان مريد ، وينادي فيه مناد كل ليلة : يا طالب الخير هلم ، ويا طالب الشر أمسك .

قال أبو عمر : روى هذا الحديث سفيان بن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن عرفجة ، عن عتبة بن فرقد ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره ، وهو عندهم خطأ ، وليس الحديث لعتبة ، وإنما هو لرجل من أصحاب النبي عليه السلام غير عتبة .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن عرفجة ، قال : كنت عند عتبة بن فرقد ، وهو يحدثنا عن رمضان ، قال : فدخل علينا رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فسكت عتبة كأنه هابه ، فلما جلس قال له عتبة : يا أبا فلان ، حدثنا بما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في رمضان ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : تغلق فيه أبواب النار ، وتفتح [ ص: 156 ] فيه أبواب الجنة ، وتصفد فيه الشياطين ، وينادي مناد كل ليلة : يا باغي الخير هلم ، ويا باغي الشر أقصر .

قال أبو عمر : هذه الأحاديث كلها تفسر حديث أبي سهيل على المعنى الذي وصفنا ، وهي كلها مسندة ، ولهذا ذكرنا هذا الحديث في المسند ; لأن توقيفه لا وجه له ، إذ لا يكون مثله رأيا ، وبالله التوفيق .

أخبرنا يحيى بن يوسف ، حدثنا يوسف بن أحمد ، حدثنا محمد بن إبراهيم أبو ذر ، حدثنا محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي ، حدثنا الحسين بن الأسود العجلي البغدادي ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا الحسن بن صالح ، عن أبي بشر ، عن الزهري ، قال : تسبيحة في رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية