التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
398 [ ص: 182 ] [ ص: 183 ] حديث ثان لنعيم المجمر

مالك ، عن نعيم بن عبد الله المجمر ، عن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري ، أنه أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال : أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنينا أنه لم يسأله ، ثم قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم ، في العالمين إنك حميد مجيد ، والسلام كما قد علمتم .


[ ص: 184 ] قال أبو عمر : محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري هو الذي أري أبوه النداء فصار سنة ، وأبو مسعود الأنصاري اسمه عقبة بن عمرو ، وبشير بن سعد هو والد النعمان بن بشير ، وقد ذكرنا كل واحد منهم في كتابنا في الصحابة بما يغني من ذكره ، والحمد لله .

حدثنا أحمد بن فتح بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري ، قال : حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزاز ، قال : حدثنا إسماعيل بن مسعود الجحدري ، قال : حدثني زياد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم ، عن محمد بن عبد الله بن زيد ، عن أبي مسعود الأنصاري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو حديث مالك ، وقد روى مثل حديثه هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة ، منهم : أبو سعيد الخدري وغيره .

حدثنا أحمد بن فتح ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء ، قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : حدثنا حمزة بن محمد ، قالا : أخبرنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا قتيبة [ ص: 185 ] بن سعيد ، قال : حدثنا بكر بن مضر ، عن ابن الهادي ، عن عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قلنا : يا رسول الله ، السلام عليك قد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم .

ورواه شعبة والثوري عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، قال : لما نزلت ( ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) جاء رجل إلى النبي عليه السلام فقال : يا رسول الله ، هذا السلام عليك قد عرفناه ، فكيف الصلاة ؟ فقال : قل : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد .

هذا لفظ حديث الثوري ، وهذا الحديث يدخل في التفسير المسند ، ويبين معنى قول الله تعالى : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) فبين لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف الصلاة عليه ، وعلمهم في التحيات كيف السلام [ ص: 186 ] عليه - وهو قوله في التحيات : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وهذا معنى قوله في حديث مالك : والسلام كما قد علمتم . ويشهد لذلك قول عبد الله بن عباس ، وابن عمر ، وابن مسعود : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن وهو أيضا معنى حديث كعب بن عجرة المذكور عند نزول الآية ، وقد قيل : إن السلام في هذه الأحاديث أريد به السلام من الصلاة ، والقول الأول أكثر .

وقد اختلف العلماء في وجوب التشهد وفي ألفاظه ، وفي وجوب السلام من الصلاة ، وهل هو واحدة أو اثنتان ؟ ولست أعلم في الموطأ من حديث النبي عليه السلام موضعا أولى بذكر ذلك من هذا الموضع .

وأما التشهد فإن مالكا وأصحابه ذهبوا فيه إلى ما رواه في الموطأ عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري ، أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول : قولوا : التحيات لله ، الزكيات لله ، الطيبات الصلوات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

[ ص: 187 ] وأما الشافعي فذهب في التشهد إلى حديث الليث ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير وطاوس ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن ، قال : إذا جلس أحدكم في الركعتين أو في الأربع فليقل : التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . رواه الشافعي عن يحيى بن حسان أنه أخبره به عن الليث بإسناده ، ورواه عن أبي الزبير كما رواه الليث وجماعة .

وأما سفيان الثوري والكوفيون فذهبوا في التشهد إلى حديث ابن مسعود ، عن النبي عليه السلام ، وهو حديث كوفي رواه أئمة أهل الكوفة ، فممن رواه منصور والأعمش عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، ورواه إسحاق عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعود ، ورواه القاسم بن مخيمرة عن علقمة عن ابن مسعود بمعنى واحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

[ ص: 188 ] وقد روي التشهد عن ابن عمر عن النبي عليه السلام ، وعن سمرة بن جندب عن النبي عليه السلام ، وعن أبي موسى عن النبي عليه السلام ، وعن جابر بن سمرة عن النبي عليه السلام ، وفي بعض ألفاظها اختلاف وزيادة كلمة ونقصان أخرى ، وذلك كله متقارب المعنى ، وفيها كلها : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله ، ومنهم من يقول فيه : وبركاته ، ومنهم من لا يذكر ذلك ، ومنهم من لا يزيد على قوله : السلام عليك أيها النبي ، فهذا وجه في معنى قوله : والسلام كما قد علمتم . والوجه الآخر كهيئة السلام من الصلاة ، فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسلم من الصلاة تسليمة واحدة ، من حديث سعد بن أبي وقاص ، وعائشة ، وأنس بن مالك ، وكلها معلولة الأسانيد لا يثبتها أهل العلم بالحديث .

وأما حديث سعد ، فإن الدراوردي رواه عن مصعب بن ثابت ، عن إسماعيل بن محمد بن سعد ، عن محمد ، عن أبيه سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم من الصلاة تسليمة واحدة فأخطأ فيه خطأ لم يتابعه أحد عليه ، وأنكروه عليه وصرحوا بخطئه فيه ; لأن كل من رواه عن مصعب بن ثابت بإسناده المذكور قال فيه : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم من الصلاة تسليمتين .

[ ص: 189 ] وأما حديث عائشة ، فانفرد به زهير بن محمد ، لم يروه مرفوعا غيره ، وهو ضعيف لا يحتج بما ينفرد به .

وأما حديث أنس فإنما روي عن أيوب السختياني عن أنس ، ولم يسمع أيوب من أنس ولا رآه ، قال أبو بكر البزار وغيره : لا يصح عن النبي عليه السلام في التسليمة الواحدة شيء ، يعني : من جهة الإسناد .

قال أبو عمر : لم يخرج البخاري في التسليم من الصلاة شيئا لا في الواحدة ولا في الاثنتين ، ولا خرج أبو داود السجستاني ولا أبو عبد الرحمن النسائي في التسليمة الواحدة شيئا ، وخرج أكثر المصنفين في السنن حديث التسليمتين ، فمن ذلك حديث ابن مسعود ، رواه أبو الأحوص ، وعلقمة ، والأسود ، عن ابن مسعود : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله ، وعن يساره : السلام عليكم ورحمة الله . حتى يرى بياض خده . وكذلك حديث سعد المذكور الصحيح فيه التسليمتان بالإسناد المذكور .

وأما حديث ابن عمر في التسليمتين فحديث حسن ، من حديث محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر .

[ ص: 190 ] وروي في التسليمتين حديث جابر بن سمرة ، وحديث عمار وحديث سمرة بن جندب ، وحديث البراء بن عازب ، وليست بالقوية ، وروي عن طائفة من الصحابة وجماعة من التابعين : التسليمة الواحدة ، وروي عن جماعة من الصحابة أيضا والتابعين : التسليمتان ، والقول عندي في التسليمة الواحدة وفي التسليمتين : أن ذلك كله صحيح بنقل من لا يجوز عليهم السهو ولا الغلط في مثل ذلك ، معمول به عملا مستفيضا ، بالحجاز التسليمة الواحدة ، وبالعراق التسليمتان ، وهذا مما يصح فيه الاحتجاج بالعمل ; لتواتر النقل كافة عن كافة في ذلك ، ومثله لا ينسى ولا مدخل فيه للوهم ; لأنه مما يتكرر به العمل في كل يوم مرات ، فصح أن ذلك من المباح والسعة والتخيير ، كالأذان وكالوضوء ثلاثا واثنتين وواحدة وكالاستجمار بحجرين وبثلاثة أحجار ، من فعل شيئا من ذلك فقد أحسن وحاد بوجه مباح من السنن ، فسبق إلى أهل المدينة من ذلك التسليمة الواحدة ، فتوارثوها وغلبت عليهم ، وسبق إلى أهل العراق وما وراءها التسليمتان ، فجروا عليها ، وكل جائز حسن لا يجوز أن يكون إلا توقيفا ممن يجب التسليم له في شرع الدين ، وبالله التوفيق .

وأما رواية من روى عن مالك أن التسليمتين لم تكن إلا من زمن بني هاشم ، فإنما أراد ظهور ذلك بالمدينة ، والله أعلم .

[ ص: 191 ] وأجمع العلماء على أن الصلاة على النبي عليه السلام فرض واجب على كل مسلم ; لقول الله عز وجل ( ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) ثم اختلفوا متى تجب ومتى وقتها وموضعها ؟ فمذهب مالك عند أصحابه - وهو قول أبي حنيفة وأصحابه - أن الصلاة على النبي عليه السلام فرض في الجملة بعقد الإيمان ، ولا يتعين ذلك في الصلاة ، ومن مذهبهم أن من صلى على النبي عليه السلام في التشهد مرة واحدة في عمره ، فقد سقط فرض ذلك عنه .

وروي عن مالك ، وأبي حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي أنهم قالوا : الصلاة على النبي عليه السلام في التشهد جائز ، ويستحبونها وتاركها مسيء عندهم ، ولا يوجبونها فيه ، وقال الشافعي : إذا لم يصل المصلي على النبي عليه السلام في التشهد الآخر بعد التشهد وقبل التسليم ، أعاد الصلاة ، قال : وإن صلى عليه قبل ذلك لم يجزه ، وهذا قول حكاه عنه حرملة بن يحيى ، لا يكاد يوجد هكذا عنه إلا من رواية حرملة ، وهو من كبار أصحابه الذين كتبوا عنه كتبه ، وقد تقلده أصحاب الشافعي ومالوا إليه وناظروا عليه ، وهو عندهم تحصيل مذهبه ، ومن حجة من قال : إن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست بواجبة في الصلاة - حديث الحسن بن الحر ، عن القاسم بن مخيمرة قال : أخذ علقمة بيدي ، فقال : إن عبد الله بن مسعود أخذ بيده وقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيدي كما أخذت بيدك فعلمني التشهد ، فقال : قل : التحيات لله والصلوات [ ص: 192 ] والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، قال : فإذا أنت قلت ذلك فقد قضيت الصلاة ، وإن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد .

قالوا : ففي هذا الحديث ما يشهد لمن لم ير الصلاة على النبي عليه السلام في التشهد واجبة ولا سنة مسنونة ; لأن ذلك لو كان واجبا أو سنة لبين ذلك وذكره ، ومن حجتهم أيضا : حديث الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد ، وفي آخره : ثم ليتخير أطيب الكلام . أو : ما أحب من الكلام . ومن حجتهم أيضا : حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يدعو في صلاته ، لم يحمد الله عز وجل ، ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي عليه السلام : عجل هذا ، ثم دعاه فقال له أو لغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ، ثم يصلي على النبي ، ثم يدعو بما شاء .

ففي حديث فضالة هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر المصلي - إذ لم يصل على النبي عليه السلام في صلاته - بالإعادة ، فدل على أن ذلك ليس بفرض ، ولو ترك فرضا لأمره بالإعادة كما أمر الذي لم يقم ركوعه ولا سجوده بالإعادة ، وقال له : ارجع فصل فإنك لم تصل [ ص: 193 ] روى ذلك رفاعة بن رافع ، وأبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ذكرنا حديثهما فيما سلف من كتابنا والحمد لله .

ومن حجة الشافعي ومن قال بقوله في هذه المسألة : أن الله عز وجل أمر بالصلاة على نبيه ، وأن يسلم عليه تسليما ، ثم جاء أمره - صلى الله عليه وسلم - بالتشهد ، وأنه كان يعلم أصحابه ذلك كما يعلمهم السورة من القرآن ، وقال لهم : إنه يقال في الصلاة لا في غيرها ، وقالوا : قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة ؟ فقال لهم : قولوا اللهم صل على محمد ، وعلمهم ذلك وقال لهم : السلام كما قد علمتم . فدل ذلك على أن الصلاة عليه في الصلاة قرين التشهد ، قالوا : ووجدنا الأمة بأجمعها تفعل الأمرين جميعا في صلاتها ، فعلمنا أنهما في الأمر بهما سواء ، فلا يجوز أن يفرق بينهما ، ولا تتم الصلاة إلا بهما ; لأنهما وراثة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وسائر المسلمين قولا وعملا ، قالوا : وأما احتجاج من احتج بحديث ابن مسعود في التشهد وقوله في آخره : فإذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك - فلا وجه له ; لأنه حديث خرج على معنى في التشهد ، وذلك أنهم يقولون في الصلاة : السلام على الله فقيل لهم : إن الله هو السلام ولكن قولوا كذا ، فعلموا التشهد ، ومعنى قوله : [ ص: 194 ] فإذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك ، يعني : إذا ضم إليها ما يجب فيها من ركوع وسجود وقراءة وتسليم ، وسائر أحكامهما ، ألا ترى أنه لم يذكر له التسليم من الصلاة - وهو من فرائضها - لأنه قد كان وقفهم على ذلك ، فاستغنى عن إعادة ذلك عليهم ، وإنما حديث ابن مسعود هذا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - : أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم . أي : ومن سمي معهم ، ومثل قوله للذي قال له : ارجع فصل فإنك لم تصل ثم أمره بما رآه لم يأت به ولم يقمه من صلاته ، وسكت له عن التشهد والتسليم ، وقد قام الدليل من غير هذا الحديث بوجوب التشهد ووجوب التسليم بما علمهم من ذلك ، وأعلمهم أن ذلك في صلاتهم ، وكذلك الصلاة على النبي - عليه السلام - مأخوذ من غير ذلك الحديث .

واحتجوا من الأثر بحديث أبي مسعود من رواية مالك ، وفيه أنه علمهم الصلاة على النبي عليه السلام ، وقال فيه : والسلام كما قد علمتم - نعني : التشهد - وبأن أبا مسعود روى الحديث وفهم مخرجه ، وكان يراه واجبا ويقول : إنه لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم .

حدثنا أحمد بن فتح ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله النيسابوري ، قال : حدثنا أحمد بن عمرو البزار ، قال : حدثنا زياد بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد قال : حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن [ ص: 195 ] بن بشير بن أبي مسعود ، عن أبي مسعود ، قال : لما نزلت هذه الآية ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) قالوا : يا رسول الله ، قد علمنا السلام فكيف الصلاة ؟ فقال : قولوا : اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم .

وروى عثمان بن أبي شيبة وغيره ، عن شريك ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، عن أبي مسعود قال : ما أرى أن صلاة لي تمت حتى أصلي فيها على محمد وعلى آل محمد .

وروى ابن أبي فديك وأبو ثابت محمد بن عبيد الله المدني ، عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، عن أبيه ، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : وهذا الحديث وإن كان في إسناده ضعف ، فإن فيه استظهارا مع ما قدمنا من الدلائل .

قال أبو عمر : ليس ما احتجوا به عندي بلازم ; لما فيه من الاعتراض ، ولست أوجب الصلاة على النبي عليه السلام في الصلاة فرضا من فروض الصلاة ، ولكني لا أحب لأحد تركها في كل صلاة ; فإن ذلك من تمام الصلاة ، وأحرى أن يجاب للمصلي دعاؤه إن شاء الله ، وحديث سهل بن سعد في ذلك [ ص: 196 ] حدثناه خلف بن قاسم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن راشد أبو الميمون بدمشق ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، قال : حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، عن أبيه ، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا قد يحتمل من التأويل ما احتمله قوله : لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ، ونحو هذا مما أريد به الفضل والكمال ، والله أعلم ، وقد روى هذا الحديث أبو ثابت محمد بن عبيد الله عن عبد المهيمن .

قال أبو عمر : آل إبراهيم يدخل فيه إبراهيم ، وآل محمد يدخل فيه محمد ، ومن هنا - والله أعلم - جاءت الآثار في هذا الباب مرة بإبراهيم ومرة بآل إبراهيم ، وإنما جاء ذلك في حديث واحد ، ومعلوم أن قول الله عز وجل : ( أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) والآل هاهنا : الأتباع ، والآل قد يكون الأهل ، ويكون الأتباع ، ويكون الأزواج ، والذرية ، على ما جاء في بعض الآثار .

التالي السابق


الخدمات العلمية