التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
228 [ ص: 211 ] حديث أول لصفوان بن سليم ، مسند

مالك ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم .


هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته - فيما علمت - ولم يختلفوا في إسناده هذا ، ورواه بكر بن الشرود الصنعاني عن مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا خطأ في الإسناد ، وبكر بن الشرود سيئ الحفظ ، ضعيف الحديث ، عنده مناكير ، وقد تقدم القول مستوعبا في غسل الجمعة وما في ذلك من الآثار والمعاني - للسلف من العلماء والخلف منهم - في باب ابن شهاب عن سالم من هذا الكتاب ، فلا وجه لإعادته هاهنا .

[ ص: 212 ] وأما قوله في هذا الحديث : واجب ، فظاهره الوجوب الذي هو الفرض ، وليس كذلك ; لآثار وردت تخرج هذا اللفظ عن ظاهره إلى معنى السنة والفضل ، وقد ذكرناها في باب ابن شهاب ، عن سالم عند قول عمر لعثمان : الوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بالغسل ، وقد يحتمل أن يكون قوله في هذا الحديث : واجب ، أي : وجوب السنة ، أو واجب في الأخلاق الجميلة ، كما تقول العرب : وجب حقك ، وليس على أن ذلك واجب فرضا .

ومن الدليل على ما قلناه في معنى هذا الحديث وما تأولنا فيه - وهو مع ذلك قول أكثر أهل العلم ، وإليه ذهب أئمة الفتوى في أمصار المسلمين - ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، قال : أخبرنا همام ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل فكيف يجوز مع هذا الحديث ومثله أن يحمل قوله - صلى الله عليه وسلم - : غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم على ظاهره ؟ هذا ما لا سبيل إليه .

[ ص: 213 ] ومما يدل على ما قلنا ، أن أبا سعيد الخدري روى هذا الحديث الذي ظاهره وجوب غسل الجمعة ، وكان يفتي بخلاف ذلك ، وذلك دليل على أنه فهم من معنى الحديث ومخرجه وفحواه ، أنه ليس على ظاهره ، وأن المعنى فيه ما تأولنا ، وبالله توفيقنا .

وذكر عبد الرزاق عن عمر بن راشد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، قال : سمعت أبا سعيد الخدري ، يقول : ثلاث هن على كل مسلم يوم الجمعة : الغسل والسواك ومس الطيب إن وجده .

قال أبو عمر : معلوم أن الطيب والسواك ليسا بواجبين يوم الجمعة ولا غيره ، فكذلك الغسل ، وقد روي عن أبي سعيد الخدري ما يدلك على أنه حمله على خلاف ظاهر حديثه الذي رواه مالك في هذا الباب .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم ، قال : حدثنا صالح بن مالك ، قال : حدثنا الربيع بن بدر ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 214 ] من أتى الجمعة فتوضأ فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل وهذا أوضح شيء في سقوط وجوب غسل يوم الجمعة ، وفيه دليل على أن حديث صفوان بن سليم ليس على ظاهره ، والأصل في الفرائض أن لا تجب إلا بيقين ، ولا يقين في إيجاب غسل الجمعة مع ما وصفنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية